طبيعة الصراع (3)
د. عزالدين الكومي
في أواخرحكم الملك فاروق ، وتحديداً فى سنة 1951, كان الوضع السياسي قلق للغاية, والنظام الملكي يفقد السيطرة على الأوضاع ,لأن الوزارة الوفدية التى فرضها الإنجليز على الملك جعلت الملك يبحث عن مخرج للتخلص من ضغط الوفديين المدعوم بالإنجليز،وشباب الإخوان المسلمين يقودون الجامعات، يقومون بالحرب الشعبية الجهادية ضد الإنجليز في القناة، والولات المتحدة الأمريكية ، ورثية التاج البريطانى تخشى أن تسقط الملكية بدون أن توجد بديلا ،فى هذا الوقت انتقل "ستيفن ميد" السفير الأمركي في سوريا إلى القاهرة,و"جيفر سون كافري" سفير أمريكا في القاهرة مع "وليم ليجلان"، و "كيم كيرمت روزفلت" وانضم إليهم فيما بعد خامس من مخابرات أمريكا وهو "مايلز كوبلاند" صاحب كتاب لعبة الأمم (Game of Nations هؤلاء الخمسة كانوا يبحثون عن بديل للنظام الملكي!! ولقد كان كل محمد حسين هيكل ومصطفى أمين، وحسن التهامى، همزة الوصل بين الضباط والسفير الأمريكي فى القاهرة،انظر مقال الأستاذ أحمد الزرقان فى صحيفة السبيل بعنوان: لماذا الحرب على الإخوان المسلمين؟؟ 2/3
الثلاثاء 17/سبتمبر/2013 ،وفى مارس سنة 1952 كلف عبد الناصر خالد محي الدين الذي كان يطبع منشورات الضباط الأحرار أن لايستخدم عبارة الاستعمار (الانجلو أمريكي) ويكتفي بذكر الاستعمار البريطاني فقط، وفي هذا الشهر كان كيم روزفلت قد اتصل بعبد الناصر وعرض عليه مساعدة أمريكا، فقبل بشرط أن يستبعد الإخوان المسلمين والشيوعيين عن الانقلاب, فقام عبد الناصر بفصل عبد المنعم عبد الرءوف ،وعندما عاد روزفلت في مايو إلى أمريكا قال للأمريكان: أن الإخوان والشيوعيين قد استبعدوا من ميدان المجيء إلى الحكم، وأقنع الأمريكان بالموافقة على إبعاد فاروق !!
وبعدما وقع انقلاب 1952 وتم استبدال نظام فاروق الملكى بنظام العسكر،و حاول الإنجليز التحرك لصالح فاروق، أوعز لهم الأمريكان بأن قائد الانقلاب عبدالناصر من رجالنا ، ويعمل لصالحنا فأذعن الإنجليز لذلك وتراجعوا عن دعم فاروق ، كما اتفق عبد الناصر مع السفير الأمريكي هو وبعض الضباط، على عدة أمور هى:
- 1 – ضرب الحركة الإسلامية
- 2 – عدم المساس بأمن اسرائيل
- 3 – إنهاء وجود الأزهر وقد لعب محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين دورا في توثيق العلاقة بين الضباط وأمريكا.
وكان أحد رجالات المخابرات الأمريكية, وصل في بداية سنة 1953 ليعمل مع المجموعة الأمريكية في القاهرة وقويت صداقته بعبد الناصر حتى أصبح يدخل بيته دون استئذان،وعندما سافر مايلزكوبلاند إلى أمريكا عرض على المخابرات الأمريكية CIA أن يقدموا لعبد الناصر: سيارة مصفحة ضد الرصاص،ومجموعة من المخابرات الامريكية لتبني له المخابرات المصرية،وأن يقدموا له هدية مالية، فاعتذروا له عن الهدية المالية فقال لهم: لواقنعتم الرئيس ايزنهاورأن يقدم هذه الهدية من مخصصات رئيس الجمهورية للولايات المتحدة، فوافق ايزنهاور، وارسل ثلاثة ملايين دولار جاءت إلى السفير الأمريكي في بيروت ثم قدمت إلى جيفرسون كافري السفير الأمريكى في القاهرة والذى سلمها بدوره إلى مايلز كوبلاند، الذى سلمها الساعة الثانية عشرة ليلا إلى حسن التهامي -رئيس حرس عبد الناصر الخاص- وسلمها هذا بدوره إلى عبد الناصر واشترى بها رجالات الثورة كما جاء فى كتاب Game of Nations (لعبة الأمم لمايلز كوبلاند Miles Copland وكتاب (الدبلوماسية والميكافيلية في العلاقات العربية الأمريكية خلال عشرين عاما -الدكتور محمد صادق- وهو تحليل للكتاب السابق.!!
ويقول الأستاذ إبراهيم قاعود فى كتابة (الإخوان المسلمون فى دائرة الحقيقة الغائبة):فى فبراير سنة 1954، اتفق عبد الناصر بعد أن أصبح رئيسا للوزراء مع كل من صلاح سالم وعبد الحكيم عامر على إقصاء محمد نجيب، ولكن اندلعت المظاهرات وأحاطت بقصر عابدين وكان الإخوان يطالبون بعودة محمد نجيب، فتراجع عبدالناصر مؤقتا عن إقصاء محمد نجيب، خوفاً من الثورة الشعبية، ولكن سرعان ماقبض عليه واعتقله وزج به فى السجن، حتى أجرجه السادات بعد ذلك!!
وعندما جاء جونستون مبعوث ايزنهاور حاملا مشروع "ملء الفراغ" في الشرق الأوسط سنة 1954 لتقديم حل للمشكلة الفلسطينية ،واقرار صلح مع اليهود وقدم اقتراحاته في مشروع يسمى مشروع ملء الفراغ, واقترح أن: تقسم مياه نهر الأردن بين الأردن وإسرائيل بنسبة 40 % للأردن و 40 % لأسرائيل و 10 % لسوريا و 10 % للبنان، وأن تستصلح أراضي يسكن فيها الشعب الفلسطيني, وأن تكون هنالك منطقة مجردة من السلاح بين العرب واليهود، وكانت آخر جملة في مشروع ملء الفراغ هذا: لن يكون هنالك سلام في المنطقة مادامت جماعة الإخوان المسلمين موجودة وقائمة، لذلك خطط المستشار الاعلامي للثورة وهو أمريكي لمسرحية الاغتيال ،واتفق عبد الناصر مع الأمريكان أن يرسلوا له قميصا واقيا ضد الرصاص، وتمت مسرحية حادثة المنشية ، والتى هى بالأساس إخراج أمريكى بامتياز،وخطب عبد الناصر وأثناء خطابه أطلقت عدة رصاصات من مسدس، فهرب الناس ولكن عبد الناصر لم يهرب ولم يتحرك وواصل الخطاب وقال: لا تهربوا, إن قتل عبد الناصر فكلكم عبد الناصر (لقد خلقت فيكم العزة والكرامة.(
وعلى إثر هذه الحادثة، تم حل جماعة الإخوان وأغلقت دورهم وصودرت أملاكهم وسجن قادتهم، وقدم عبدالناصر أول ثلة من قيادات الإخوان للإعدام ، إرضاء لليهود، فأعدم المستشارعبد القادر عودة، الشيخ محمد فرغلي، الذي قاد كتائب الإخوان ضد اليهود في معارك ما قبل 1948، والذي قاد المقاومة المسلحة ضد الإنجليز على ضفتي القناة في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات، حتى أن الإنجليز دفعوا لمن يأتي به حياً أو ميتاً مليون جنيه استرليني، ولكن جمال عبد الناصر قدم رأسه على طبق من ذهب خدمة لليهود والإنجليز،بعد أن جاء به مكبلا فى جوال، ويوسف طلعت، جزار الإنجليز في قناة السويس كما كانت تطلق عليه إذاعة فايد وهنداوي دوير وإبراهيم الطيب ومحمود عبد اللطيف، أما المستشار حسن الهضيبي، مرشد الإخوان، فحكم عليه بالاعدام ثم خفف الحكم لشيخوخته!!
المصدر
- مقال: طبيعة الصراع (3) موقع نافذة مصر