صورة من تفريط الإسلاميين بقلم محمد الحبر يوسف

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
صورة من تفريط الإسلاميين بقلم محمد الحبر يوسف



أظن أننا - معاشر الإسلاميين-بحاجة إلى نعيد النظر فيه وهو الاهتمام البالغ بالعمل العام على حساب الصلة بالله.

فقد درج كثير من العلماء على تقسيم العبادات المشروعة إلى نوعين ، عبادات محضة يمثلون لها بالصلاة وتلاوة القرآن ، والذكر والصيام ونحو ذلك من الأعمال التي هي بين العبد وربه ، وعبادات متعدية النفع ويمثلون لها بالصلة والصدقة وقضاء حوائج العباد ، وفهم بعض الناس من هذا التقسيم أن العبادات المحضة لا تتعدى آثارها من يقوم بها ، بينما النوع الثاني أعظم أجرا وأكثر نفعا لأن خيره يتعدى حدود الأفراد ويشمل المجتمع كله.

والحقيقة أنه ما من عبادة يقوم بها المسلم إلا وتترك آثارا على المجتمع ، وإن لم تكن هذه الآثار آثارا مادية مباشرة يراها الناس في تفريج كربة وقضاء دين وسد خلة. وخذ مثالا على ذلك بالصلاة التي هي الصلة بين العبد وربه ، وانظر إلى آثارها المباركة حينما يقيمها الناس ويتواصون بها ، وتأمل فيما ستشيعه في حياتهم من رحمة وترابط ، وطهر ونظافة قال تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).وتأمل في مقابل ذلك ما سيتركه التهاون في أمر الصلاة على حياة الناس من شؤم وضياع ، وقد نقل الحافظ ابن حجر عن الإمام القفال أنه كان يقول إن ترك الصلاة يضر بجميع المسلمين، وأن الذي يتركها فقد قصر في حق الله وحق رسوله وحق نفسه وفي حق كآفة المسلمين ولذلك عظمت المعصية بتركها ، ومن أخل بها فقد أخل بحق جميع المؤمنين من مضى ومن يجئ إلى يوم القيامة لوجوب قوله فيها :السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

حينما قرأت هذا الكلام الجميل جال بخاطري معنى أظن أننا -معاشر الإسلاميين-بحاجة إلى نعيد النظر فيه وهو الاهتمام البالغ بالعمل العام على حساب الصلة بالله والاشتغال بالعبادات "المحضة"،فانطلق كثير منا إلى ساحات العمل النقابي والسياسي والاجتماعي ،ومنحنا هذه المجالات من أوقاتنا وأعمارنا وجهودنا شيئا كثيرا ، حتى كادت أن تكون هي محل الاهتمام الأول ، وبلغ الغلو ببعضنا أنه لا يكاد يجد حرجا في التفريط بصلاة الجماعة على سبيل المثال بحجة الانشغال بالشأن العام ، ومناصرة قضايا المسلمين، وخرج من بيننا من يقول إن مشاركتي في المسيرات والمظاهرات لا تقل خطرا عن شهود الصلوات!! ورأينا من شباب الدعوة من يقضي جل وقته في اجتماعات إدراية ومتابعات ميدانية بينما يثقل عليه أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة ولو مرة في الأسبوع ، بل سمعنا عن خطباء يصعد أحدهم منبر الجمعة يحدث الناس بلسان مبين عن مجريات السياسة وماءلات التدافع الحضاري والهيمنة الأمريكية،فلا يرق قلب ولا ينتبه غافل.

وهذا النوع من الأفراد هو الذي جعل بعض الحركات الإسلامية تهمش أو تكاد دور الفقيه والمربي والعالم المفكر في أوساطها ،بينما تتاح مواقع التأثير والقرار لآخرين تظن هذه الحركات أنهم أنفع لها وأقدر على الانتصار لمشروعها وأسرع استجابة لقراراتها!،بيد أن التجربة العملية في بعض الأقطار أثبت خطأ هذه المنهجية،حيث تحول قطاع عريض من العاملين للإسلام إلى طاقات قادرة على الحركة وتملك خبرات إدارية جيدة ، ولكن بروح تفتقد نداوة الربانية، وعقول محجوبة عن الاتصال بتراث الأمة تفهما له أواحتفاء به على أقل تقدير ، ونتج عن ذلك أن هذه الحركات بدأت تفقد مواقع الصدارة وجاذبية التأثير رغم أن الأمكانيات المتاحة لها أعظم مما كان في أيام البدايات وعهود التربية الأولى.

ورب قائل يقول إن تحقيق الكمال في مثل هذه الجوانب عزيز ، ولست أنكر ذلك،وإنما أنكر أن نقابل التفريط الذي وقع فيه المسلمون بإهمال الحياة بغلو آخر يستخف بالسبحة والسجادة وحلق العلم ومجالس الفقهاء.

المصدر