صادق عبد الماجد: الحركة الإسلامية ضُربت على يد الترابي
محتويات
مقدمة
وجَّهَ الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد- المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان- انتقادات قاسية إلى الزعيم الإسلامي المثير للجدل الدكتور حسن الترابي، محمِّلاً إياه مسئوليةَ توجيه ضربةٍ قاصمةٍ للحركة الإسلامية من خلال سعيه منذ وقت بعيد للوصول إلى السلطة، واتجاهه في سبيل ذلك إلى التصالح مع الرئيس الأسبق جعفر نميري في ذروة أيام ديكتاتوريته، ثم الإعلان لاحقًا عن حل الحركة الإسلامية عام 1992م.
واتهم الشيخ عبد الماجد- في حوار مطول مع (جريدة البيان)- رفيقه السابق في قيادة حركة الإخوان المسلمين بعرقلة تقارب يفترض أن يكون قديمًا بين الحركة وبين الرئيس الحالي عمر البشير الذي انتبه إلى ذلك لاحقًا.
وفي الحوار الذي كرس معظم فقراته عن الترابي حكى الشيخ عبد الماجد بمرارةٍ تفاصيل أول خلاف بينهما، وكيف تطور وانتهى إلى فصله "عبد الماجد" عن التنظيم مع مجموعة أخرى، ويؤكد عبد الماجد في سياق الحوار بأن قبول حزبه بالمشاركة في الحكم لا يعني التخلي عن انتقاد النظام متى ما استدعى الأمر.
ويتطرق الرجل المعروف بهدوئه وقلة أحاديثه الصحفية- رغم كثرة كتاباته في الصحف- في حواره مع (البيان) إلى المبادرة المصرية الليبية المشتركة، واصفًا إياها بأنها خاوية، ومنتقدًا احتواءَها على فقرة تطالب بجعل (المواطنة) أساسًا للحقوق المتساوية.
ويمضي بجرأة إلى إعلان معارضته الصريحة لأن يكون رئيسُ السودان غيرَ مسلم؛ لأن ذلك يتنافى مع الشرع، ويلمِّح السياسي المخضرم- الذي يزحف بعمره نحو السبعين أو أكثر- إلى تحفظه على موقف الحكومة "المتراخي" حيال المواجهة مع الغرب في سياق تأكيده على ضرورة اتخاذ موقف مساند لحركة طالبان الأفغانية!! وفيما يلي نص الحوار:
الصمت بعد المشاركة
- ظلت جماعة الإخوان تتعاطف كثيرًا مع المعارضة، لكنها أخفت خطابها عندما أصبحت جزءًا من السلطة.. ما تعليقكم؟! ولماذا سكتم على الحديث عن الوفاق؟!
- أؤكد منذ البداية أن فكرة الوفاق هذه كان أول من نادى بها هم الإخوان المسلمون وأقول ذلك للتاريخ لا مباهاةً؛ لأنه لا يجوز لإنسان يرغب في خدمة وطنه أن يتباهى، وكل دعوة سياسية لها بالطبع جوٌّ سياسيٌّ يناسبها تولد فيه وتفرخ وتكبر فيه، ودعوة الوفاق هذه باتت تنطبق عليها هذه القاعدة، لا لأن الإخوان المسلمين شاركوا ثم سكتوا إطلاقًا، ولكننا ظللنا نقف وراء هذا الشعار ندعمه ونؤكد عليه إلى أن صار "نداء الوطن"، وأصبحت تنادي به حتى الحكومة، وللحكومة يدٌ أيضًا في تنشيط هذه الدعوة أو السكوت عنها لأسباب قد تتعلق بالدولة نفسها، أما نحن- كجماعة وكتنظيم- فقد ظللنا على هذا الأمر الذي يتأثر أيضًا بمجريات الأحداث العالمية؛ إذ طرأت أثناء طرحنا للوفاق أحداث قللت من الاهتمام العام به من جانب الدولة والأحزاب و
- الإخوان المسلمين، وأحب أن أؤكد بأن الأمر لم يتعلق بأننا سكتنا لأننا شاركنا، ولعل هذا السؤال يحمل هو نفسه بين طياته أن الحكومة نفسها غير راغبة في الاستمرار في هذا الاتجاه، ولأنها هي كذلك.
- ولأن الإخوان شاركوا انطبق عليهم ما انطبق على الحكومة، والأمر ليس كذلك، وقبولنا المشاركة لا يعني السكوت على أي شيء.. نحن متمسكون بمبدأ الإخوان وموقفهم من الحكومة منذ قيام الإنقاذ، وهو أن ندعمها فيما نراه صحيحًا وننتقدها إذا حدث خطأ، وهكذا فإن مشاركتنا لا تعني غضَّ النظر عن أخطاء الحكومة.
ملء فراغ الترابي
- هناك ما يفسر سكوتكم بأنه محاولةٌ لملءِ الفراغِ الذي تركه الدكتور الترابي الذي كان يمثِّل السند الأقوى والمرجعية الفكرية للنظام..!!
- الترابي إذا ترك فراغًا فإن المتأثر به أو المتضرر أولاً سيكون حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ولكننا- كتنظيم منفصل- لا علاقةَ لنا به ولا يؤثر علينا، وما أحب الإشارة إليه هو أن حزب المؤتمر الوطني وحزب المؤتمر الشعبي قسمان في جسم واحد، وغياب المؤتمر الشعبي- بزعامة الترابي- عن الساحة قد يعني أنصاره، ولكن الإخوان المسلمين كحزب وتنظيم سيظل قائمًا وثابتًا بمنهجه الذي سار عليه منذ سنين عديدة، ويمكن أن يكون بيننا وبين المؤتمر الوطني نوعٌ من التعاون فيما يعود بالخير على السودان.
أزمة الإسلاميين قديمة
- بحكم معاصرتك للدكتور الترابي.. ألا ترى أن مجرد سجنه هو هزيمة للحركة الإسلامية نفسها كما يردد أنصاره؟!
- أنا لا أرى أن اعتقال الترابي يمثل هزيمةً؛ لأن الهزيمة للحركة الإسلامية بدأت حقيقة منذ أن حل الترابي الجبهة الإسلامية القومية في 1992م؛ لأن بذور التنظيم تأسست منذ بداية الستينيات وانتظمت فيها كوادر الحركة الإسلامية، ومن المعلوم أن جبهة الميثاق الإسلامي في 1968م كانت إحدى الاستحداثات التي خطَا بها الترابي في مسار الحركة الإسلامية، ويومها تعاملنا معها من باب حسن النية بعد أن حجَّم أو قلَّل من قيمة الإخوان المسلمين؛ حيث كان يرى ضرورة أن ننتقل من فكرة الإخوان لتنظيم أوسع أطلق عليه جبهة الميثاق الإسلامي، ونحن- بحسن نوايانا في العمل الإسلامي- قبِلْنا هذا من باب الثقة، لكن الواقع أثبت أن تلك الخطوة كانت لخطوة أخرى تليها أصابت جسم الحركة الإسلامية.
- والخطوة التالية لجبهة الميثاق كانت الجبهة الإسلامية القومية، وكان في تقديره أنها وعاء أوسع من الميثاق الإسلامي، وتبلورت الحركة الإسلامية في هذا، وعمد الترابي على حين غِرَّة، وأعلن حل الجبهة الإسلامية القومية فكانت ضربةً للعمل الإسلامي وضربةً قاسية أدارت رؤوس الإخوان ولم يصدقوا في حينها أن خطوةً من هذا النوع يمكن أن تحدث ولم يستشاروا.. وإنما تم جمعهم في لقاء كبير، وأعلن عليهم بأنه- ومعه المقربون منه جدًا- تواصوا على حل الجبهة؛ حتى يخطوا بعدها الخطوة التالية، وأردت قول ذلك لتأكيد أن الحركة الإسلامية ضُربت على يد الترابي؛ لأن التاريخ يجب أن يؤخذ على حقيقته ولا يتم الأخذ بالقشور فقط.
أول لقاء بالبشير
- ولكن في التاريخ الذي أشرت إليه كان الإخوان المسلمون- أصلاً- تنظيمًا منفصلاً؟
- نحن أصلاً لم نكن جزءًا من الحكومة.. عندما قامت الإنقاذ لم يتصل بنا أحد ولم نتصل بأحد، مثلنا مثل كل الأحزاب، والحكومة لم تحاول مدَّ يدها للإخوان المسلمين إلا بعد أكثر من سنتين على قيامها، وأذكر أن الرئيس البشير تفضل بأن دعاني في القصر الجمهوري 92 أو 1993م، وكانت جلسةً بثَّها التلفزيون، وحضر اللقاء مستشاره السياسي على ما أذكر يوسف سعيد.
- وحقيقةً لم يكن هناك موضوع محدد، وربما كان الهدف من اللقاء تطييبَ الخاطر؛ إذ إن طيلة الفترة التي سبقت ذلك لم يتم الاتصال بالإخوان المسلمين رغم أننا لم نكن ندعو لكفر أو مبادئ هدامة، ولكنه النبع الذي جاء منه جميع الإسلاميين من خلال منهج الإخوان المسلمين، وهذه الخطوة من الحكومة أو موقفنا من الإنقاذ في بدايتها كان سببها وجود الترابي؛ لأن الترابي يقضُّ مضجعه وجودُ هذه الحركة منذ أن تميزوا وتمنى لو أن هذا التنظيم لم يعُد له وجود، وهذه حقائق أقولها لأول مرة حتى يفهمها الناس على وجهها الحقيقي.
تفاصيل الانشقاق
- متى كان انشقاقكم عن الترابي؟!
- نحن لم ننشقَّ، وهذا التعبير غير دقيق.. حركة الإخوان بدأت ولم يكن الترابي فيها؛ حتى يعلم الشباب الذين يساندونه الحقائق على وجهها الصحيح، وكان ذلك في الأربعينيات 46 أو 1948م.. نحن كنا ناشطين في التنظيم خلال هذه الفترة والترابي لم يكن موجودًا إسلاميًّا أو سياسيًا، ولكن مرت المراحل ولحِق بالركب، ثم بدأ مشوارَه، وفي سبيل الوصول للسلطة بنَى معظم حساباته.
- الترابي نشأ بعد ذلك في حركة الإخوان المسلمين بجامعة الخرطوم في حنتوب، أي جاء ووجد التنظيم نشطًا في الساحة، والإخوان المسلمون منذ أن قاموا في الأربعينيات في هذه اللحظة- التي أتحدث عنها- لم يغيروا منهجهم ولا اسمهم، وهم الآن جزءٌ من التنظيم العالمي الذي يضم الإخوان المسلمين في العالم كله والذي خرج أو انفصل هو الترابي وجماعته، والآن أغلب الذين في السلطة خرجوا في هذه الدعوة المباركة أو هذا التنظيم، وأشير هنا إلى أن الترابي عندما فكر أن الإخوان المسلمين قد لا يوصلونه للغاية التي يريدها بدأ الخروج بزاوية منفرجة، وقال الترابي عند تأسيس جبهة الميثاق قَبِل الإخوان المسلمون بقيام جبهة الميثاق الإسلامي، وهذا أول خروج من صف الإخوان بسبب اجتهاداته، واستمر الحال إلى أن جاءت سنة 78- 1979م، وفي 1979 فكر أن يستريح منا نهائيًا، وكنا مجموعة أنا ود. الجبر، وجعفر شيخ إدريس، ود. مالك بدري، وآخرون.. صدر قرار بفصلنا عن الجماعة، وكنا حوالي ثمانية أو تسعة تم فصلُنا، وما زال قرار الفصل موجودًا، وكان في سبتبمر 1979م، ونحن رأينا في ذلك أول محاولة للانفصال عن حركة الإخوان، ثم واصل مسيرته.
المصالحة مع نميري
- هناك من يقول إن المصالحة الوطنية مع الرئيس الأسبق جعفر نميري كانت سبب الانشقاقات؟ هل كان لكم تحفظ محدد؟
- نعم كان لنا تحفظ، والسبب أننا عارضنا نميري ثمانية أعوام منذ أن وقع انقلابه في 1969م، والمعلوم أن المصالحة عندما وقعت كان أغلب الإخوان المسلمين- الذين يُعتد بآرائهم- خارج السودان.. إن كان ذلك في الخليج أو أوروبا.
- هؤلاء- وأنا واحد منهم.. حيث كنت في الكويت- سمعنا بالمصالحة سماعًا، ولم يستشرنا أحد حتى جاء أحدهم "محمد حسن طنون" وهو الآن من قيادات المؤتمر الوطني الحاكم وكان معنا في الكويت.. جاءنا وقال- وهو يحمل صحيفةً، وطلب منا الاستماع لهذا الخبر-: "الدكتور الترابي يعلن فض الجبهة الوطنية"، والجبهة الوطنية كان يشارك فيها حزب الأمة والإخوان، وقامت بالعمل الحزبي في يونيو 1976م ضد نظام نميري، وهو ما عُرف اصطلاحًا بالغزو الليبي؛ حيث كانت توجد معسكرات المعارضة في ليبيا.
- وقمنا في تلك اللحظات بإعطاء تساؤلات لماذا حدث هذا، خاصةً وأن الخبر تضمن إشارات بالرئيس نميري، ثم جاء خبر أعقب ذلك بأن المصالحة قد تمت بالفعل، وعلمنا أن كل ما حدث هو أن الترابي سعى لإحضار مندوبين من عدة جهات لا يعلم أحدهم ماذا ينتظر منه أن يفعل، وعندما وصلوا- وعبر انتخاب غير مباشر- حاول إقناعهم مع عناصر أخرى بأن جماعة الإخوان عليها ألا تترك جعفر نميري للشيوعيين، ولا بد من الاقتحام والمصالحة، ولعل مصدر عجبنا كيف تسنَّى ذلك لحركة تُعادي نظامًا وتناضل ضده طوال ثمانية أعوام.. هل انقلب الرئيس نميري إلى ملاك؟!
- وأذكر أننا في الخارج وصل إلينا يسن عمر الإمام- القيادي الحالي في حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الترابي- ومعه التيجاني أبو جديري في الكويت وسألنا، وكان ردهم أنها حركة رائدة تم الاتفاق عليها "شيك هاند"، وحضرت للسودان في 1978م، وكان قراري عدم المشاركة في أي عمل في ظل المصالحة، واعتذرت لكل من طلب مني ذلك؛ باعتبار أن القضية قضية مبدأ، ومضوا في طريقهم، وكان مبررهم أن المصالحة تعطي فرصةً من الداخل لمراقبة الشيوعيين، وفرصةً للعمل الإسلامي، ونحن ظللنا على حالنا إلى أن قامت الانتفاضة والتي شاركت فيها لإسقاط حكم نميري.
المصالحة زادت الهُوَّة
- التبريرات التي يقدمها أنصار الترابي للمصالحة ووصفها بأنها أتاحت توسيع العمل والنشاط في مواجهة التقوقع تحت دائرة تنظيم الإخوان.. ما رأيك..؟!
- الترابي رأيه في المصالحة بأنها فرصة لتوسيع القاعدة، وعدم ترك نميري للشيوعيين، والكسب والتوسع للحصول على جماهير جديدة، وكل هذه الجماهير دون منهج، مع العلم أن للإخوان منهجَهم التربوي؛ لأن هذا المنهج إذا غاب لا يمكن تسمية الحركة بأنها حركة إخوان، وجماعة الترابي لا تعبأ بهذا الجانب على الإطلاق مجرد جمع الناس وتوسيع القاعدة والجماهير.
- وهذه الطريقة جلبت كثيرًا من التآكل الذي حدث للحركة الإسلامية بعد ذلك؛ لأنه تم استيعاب جميع الأصناف فيها بمن في ذلك المسيحيون، وهذا هو الطريق بيننا وبينهم؛ ولذلك فإن المصالحة زادت من الهُوة بيننا وبينهم، واستمروا مع نميري وبقينا في المعارضة إلى أن انقلب عليهم وألقى عليهم القبض وأرسلهم لسجن (شالا) في الفاشر والغريب.. أدخلنا معهم ولم تجد المصالحة شيئًا.
- أعود لموضوع اجتماعك مع البشير والذي قلت فيه إنه دعاك له.. هل لمست أي إشارة بأن الخلاف بينه وبين الترابي اثناء حوارك معه آنذاك؟
- لم ألحظ إشارات، ولكن يبدو أنه استدرك أخيرًا عدم وجودنا، رغم معرفته بنا كأحد أوجه العمل الإسلامي، وسبب تشكيل غيابنا بهذا الحجم من عين حكومة جاءت ترفع رايات الشريعة؛ لأن مشاركتنا كانت متوقعةً، لكنها لم تحدث، وأعتقد أن ذلك كان من تأثيرات الترابي عليه، فالترابي أصلاً لا يرغب والبشير انتبه بعد ذلك لهذه الحقيقة، وطلب الزيارة، ولم تكن هناك أجندة محددة، وكان ذلك أول لقاء.. ولكن قبل الدخول إليه أعددتُ ثلاثة موضوعات عن المعيشة والمواصلات وموضوعًا عن المقارنة بين قوانين الشريعة التي أعلنتها حكومة الإنقاذ وشريعة الرئيس جعفر نميري، وفي الموضوع الأول أوضحت له بأنكم محتاجون لأي ناس يلتفون حولكم؛ لأن غلاء المعيشة سوف يسبب سخطًا من الجماهير لا نهايةَ له، وتحدثنا في المواصلات وأخبرني أن الهند وعدت بـ200 باص داتا للسودان، ولكن نتيجةً لتداعيات حرب الخليج أوقفت الكويت دعمها للمشروع، ورفعت يدَها.. أما الشريعة فقد أوضحت أن موضوعها حساس، وسبب فساد مشروع نميري هو الحماس الزائد، رغم أنه كان يطرح مشروعه بشكل أقوى ولكنه لم يُشِر أو يعلق بشيء.
- كيف كانت علاقتكم الشخصية بالرئيس البشير قبل ابتعاد الترابي؟!
- الرئيس البشير ظل على صلته معنا على فترات ولم تنقطع، وكان يدعونا أحيانًا لمعرفة رأينا في بعض القضايا؛ إذ كانت له رؤيته، والترابي له رؤيته، وأعتقد أنه قد يكون تأثر في البداية خلال السنين السابقة، وأوقفوه عمدًا من الاقتراب منا ولكنه عاد وراجع هذه الخطوة، وظلت صلتنا مع البشير بعد ذلك إلى أن شاركنا في الحكومة بخير ولم تنقطع، وكذلك لم تنقطع مع الأخ نائبه علي عثمان محمد طه، عدَا المجموعة التي كانت تُشكِّل حمى الترابي.. فهؤلاء لم يقتربوا منا ولا نحن اقتربنا منهم، وهذه حقيقةٌ أقولها للتاريخ.
- عندما شاركتم أو قبِلتم التعاون مع الإنقاذ.. هل كان لديكم مشروع أو برنامج تزمعون تنفيذه؟!
- لم يكن لنا مشروع سياسي محدَّد، تم التحاور حوله، أو حوار سابق حول المشاركة، ولكن عندما جاءت الحكومة وقررت إشراك الأحزاب المتوالية تم الاتصال بنا وتمخَّضت محاوراتنا عن تخصيص وزارة "الشئون الدينية والأوقاف" التي اختار لها الإخوان المسلمون د. عصام الدين البشير، وكان ذلك اختيارنا، وقد أبدينا الاستعداد للمشاركة في أكثر من وزارة، ولكننا شعرنا بأنهم حريصون على أن تكون الوزارات الرئيسية في أياديهم مع وجود مسحة بمشاركة الأحزاب الأخرى.
- لماذا لم تشارك أحزاب التوالي الأخرى في الحكومة؟
- والله أعتقد أن السبب هو أن حجمهم لم يكن بالقدر الذي يؤهلهم لوزارات، خاصةً وأن حقيقتهم غير واضحة آنذاك والإخوان المسلمون كانوا أصلاً كيانًا موجودًا ولم يأت من العدم، كان كيانًا ممتدًا، والحكومة تعرف حجمَه وتأثيرَه ومكانتَه عند الناس، رغم أننا لسنا حزبًا كبيرًا لكن لنا تأثير، وتتجاوب معنا أعداد كبيرة تمامًا مثل تنظيم أنصار السنة.
لا انشقاق بلا ضحايا
- انشقاق الترابي من حزب المؤتمر الوطني في تقديرك.. ألا يعيق مسار الحركة الإسلامية الحاكمة حاليًا؟!
- تأثير الترابي هو الانشقاق نفسه، كان التنظيم واحدًا بين البشير والترابي، وأول ما يعنيه وحدة الكيان وتمثيل القوة والبرنامج في جسم واحد، والآن هذا الانشقاق أول ضحاياه الشباب الذين يناصرون الطرفين، ويدهم في يد بعض؛ إذ لا توجد إلا المرارات والتي أصبحت ما بين "الوطن" و"الشعبي" أشبه بالمرارات التي كانت بين الشيوعيين وأفراد الحركة الإسلامية وهذا شيء خطير.
- في ضوء ذلك هل يملك الحزب الحاكم من الرموز ما يؤهله للسير قُدُمًا في برنامج الحركة الإسلامية التي أفرخت الحكومة؟
- الرموز موجودة، ولكن شغلهم عن أداء هذا الدور الخلاف نفسه والذي لا يزال له تأثيرات، والحكومة بالها ليس منصرفًا فقط لآداء العمل الإداري، ولكنَّ جُزءًا من تفكيرها ينصرف لمتابعة نشاط أنصار الترابي وما إذا كانوا استسلموا للوضع أم لا.. أم يفكرون في عمل مضاد، وهذا يأخذ من عافية الحكومة وانتباهها القدر الكبير.
الحكومة وطالبان
- تحفظت الحكومة في إعلان موقف مساند لطالبان في أفغانستان ضد أمريكا، كيف تنظر لذلك.. هل هو حياد عن المبدئية أم تحاشٍ للعنصرية؟!
- والله في تقديري التحفظ ليس له ما يبرره؛ لأن السودان تعوَّد أن تكون له مواقف رائدة، خاصةً في مواجهة الغرب وأعداء الإسلام وأمريكا بالتحديد، وما ألاحظه الآن أن الحكومة أرخَت العنان قليلاً وهذه نتيجة تغيِّر درجة الحرارة السابقة، مثلما يحدث في أغلب دول العالم الإسلامي المصاب الآن بالحذر، إذ إن لكل دولة- وبدرجات متفاوتة- موقفًا مع أمريكا.
المبادرة المشتركة خاوية
- نسأل عن المبادرات المطروحة في الساحة بين الحكومة والمعارضة ومن بينها المشتركة المصرية الليبية تأخرت كثيرًا ولم تنجز أي وفاق كيف تنظرون لها باعتباركم حزبًا في الساحة؟
- المبادرة المشتركة تأخرت في إنجاز مهمتها لعدة أسباب، وأعتقد أن أمريكا لها دور كبير في هذا الجانب، ومن بين أساليبها ممارسة ضغوط للتحجيم، ووضع محاولات الاستمرار فيها، فأمريكا تريد حل كل القضايا بمفردها، وإذا سمحت لمصر وليبيا بأن تبادرا بأخذ الزمام في هذا الشأن في قضية مستعصية عمرها50 عامًا قطْعًا تبدو كأن هؤلاء فازوا بكل الغنيمة، وأنها خرجت من اللعبة؛ لذلك بادرت وقدمت عروضًا ومقاطعات لإحباط هؤلاء الوسطاء.
- البنود التي نصت عليها او تضمنتها المبادرة المشتركة هل تعتقد انها واقعية بحيث يمكن تطبيقها؟
- المبادرة قرأتها كثيرًا، وأخضعها حزبنا للتقييم، وأرى أن بنودها الـ9 يمكن اختزالها في أربعة بنود فقط، ووجدت أن فيها خواءً شديدًا، تحمل عناوين ولكن ليس فيها عظم أو مرتكز أو عمود فقري.
- وأعتقد أن وحدة السودان، وموضوع الشريعة الإسلامية، وعلاقات الجوار، ومسألة الحقوق السياسية.. وهناك بند نحن تحفظنا عليه وهو قيام الحقوق على مبدأ المواطنة!! ولا زال تحفُظُنا قائمًا لأن في ذلك تناقضًا مع الحديث عن التمسك بالشريعة الإسلامية التي تنص على أن رئيس الجمهورية في دولة الشريعة لا بد أن يكون مسلمًا، والمواطنة قد تقود إلى أن يصبح رئيس الجمهورية من غير المسلمين، وهذا أمر يتنافى مع الشرع.
- الحركات الإسلامية تواجه اتهامًا عامًا بأنها إرهابية وهي في المعارضة، وديكتاتورية وهي في السلطة.. فما تعليقك؟
- الاتهام للحركات الإسلامية بالإرهاب غير مبرر؛ لأنه يمارَس ضدهم، وإذا وصلت للسلطة فإنها لا تصبح ديكتاتوريةً، لكنها تسعى لحماية نفسها مثلما كانت الحكومة الحالية في بدايتها.. لكن مع ذلك فان الأمر يقتضي أن تسلك هذه الحركات مسلكًا عادلاً ولا تنفي الآخر.. أما اتهام الإسلاميين بأنهم إرهابيون فإنه اتهام فارغ لا مبرر له، فأمريكا تمارس إرهابًا يعرفه الجميع وتطلق عليه اسمًا آخر لاستعمار العالم، أما وصف أمريكا للإسلاميين بأنهم إرهابيون فهو في حقيقته عداءٌ مبطن للإسلام وباسم الإرهاب أعطت أمريكا نفسها جوازًا لدخول أي بلد وقتل أهله.
المصدر
- مقال:صادق عبد الماجد: الحركة الإسلامية ضُربت على يد الترابيإخوان أون لاين