سيف عبد الفتاح يكتب: حينما ينقشع الانقلا
(3/23/2015)
تبدو تلك المشاهد التي تتواتر من هنا وهناك لتؤكد أن المنظومة الانقلابية صارت في أضعف حالاتها من الناحية الاقتصادية والسياسية والأمنية، وبالاعتبار الذي يؤكد أن مفهوم الأمن هو مفهوم إنساني بالأساس، وتبدو علامات ومؤشرات الدولة الفاشلة ـ للأسف الشديد ـ قد حلت على الدولة المصرية.
ومنذ قيام الانقلاب في الثالث من يوليو 2013 على مصر يشير إلى ذلك مؤشرات تتراكم لتأكيد هذا الوصف، وكذلك يبدو أن تآكل فئة المساندين أو ممن ظنوا أن هذه المنظومة الانقلابية بعد أن خلصتهم من حكم الإخوان ستحدث تغييرا نوعيا يمكن أن يحقق نهضة البلاد والعباد، هذه الصورة توارت لدى هؤلاء وبان لهم حقيقة هذه المنظومة التي بدأت مسارها الانقلابي من خلال تجميع مصالح شتى لكنها في النهاية مثلت تحالفات الثورة المضادة لكل من له مصلحة ضيقة أنانية أراد أن يحافظ عليها أو يمكّن لها أو يواجه كل من اعتقد أنه يهددها أو يشكل خطرا عليها.
تراكمت هذه الصورة بكل عناصرها وأركانها لتبدي هذا الضعف الواضح في تكوين هذه المنظومة الانقلابية وهذا الفشل البادي في أدائها وسياساتها، وهذا البطش والطغيان الذي لا يعد علامة للقوة أكثر مما يؤكد حال الضعف التي تطول أعمدة هذه المنظومة الانقلابية وأركانها، وتبدو تلك العناصر في أكثر من أمر يشير إلى هذه الحالة التي تجعل من الانقلاب في أضعف حالاته، وأوهن أداءاته وممارساته:
الأمر الأول: يتعلق في حقيقة أمره بذلك الفشل الذي طال الانقلاب بعدم قدرته على إضفاء شرعية حقيقية رصينة قادرة على أن تشكل حماية له وتبرير لممارساته، وفي واقع الأمر فإن مرور ما يقارب السنة وثمانية أشهر من الاحتجاجات التي استمرت هذا الوقت القياسي لتعبر عن قدرة هؤلاء الذين يحتجون ويقولون "لا" بينما تؤكد في الطرف الآخر فشلا من خلال سياساته الأمنية والقمعية أن يحدث حالة من الاستقرار الحقيقي يمكن أن تشكل أرضية صلبة لشرعية هذه المنظومة، قد نرى ذلك في الغضب الذي صار كامنا لدى ملايين المصريين من جراء سياسات تعصف بالمواطن ولا تجعله يأمن على حاله أو معاشه أو مستقبله، أكثر من ذلك فقد فشلت كل محاولات الشرعنة لما يشوبها من عمل إعلاني وترويجي (شرعنة الإفك الإعلامى) لا يمكنه أن يؤسس لشرعية حقيقية ولا يمكن أن يقيم دولة فاعلة.
الأمر الثاني : يتعلق بتلك الأبعاد التي تمثل بطشا وعنفا من جهة الانقلاب مبررة كل ذلك بمحاربة الارهاب المحتمل وبدا هذا الضعف واضحا وهذا الفشل بيناً حينما نرى أن سيناء لم تستقر بعد، بل زادت مكامن الغضب فيها ولدى أهلها الذين هُجِروا ونُسِفت منازلهم وقُتِل بعض ذويهم .
وصار التعامل معهم يقوم على قاعدة الاتهام والانتقام وهو ما وطن تصورا قديما بدت له تجليات جديدة في أن "السيناوي لا يتمتع بالمواطنة الكاملة، وأنه أحد أشكال الموطنة المهمشة أو المنقوصة" ،أكثر من ذلك فإن دعوى مقاومة الإرهاب في الداخل، واتهام جماعة الإخوان به، ومحاولة جر العالم إلى أن يتبنى وصف الإرهاب لهذه الجماعة لم يجد القبول الكافي إلا من دولة أو دولتين في الخليج وهو أمر يجعل ذلك التأسيس في محاولة هذه المنظومة الانقلابية أن تضفي شرعنة على حركتها أمر بعيد المنال، بل هو في الحقيقة أصبح مكشوفا ومفضوحا في كل مرة يحدث ممارسة للفشل القمعي من مثل أحداث الدفاع الجوي، فيحاول هؤلاء في إطار الشماعة والفزاعة لتحميل الإخوان وزر تلك الأحداث وهو أمر لم يعد يجد القبول الكافي أو التصديق أو الوثوق الشافى إلا أن يشير ذلك لإفلاس إنقلابى لا يحسن جهاز أمنه إلا ممارسة أعماله القمعية.
الأمر الثالث: يقع في تلك السياسات الإقليمية ،التي بدت أن تكون محل مراجعة لتعبر عن معطيات جديدة، لا نسرف- فنصفها قد انقلبت- ولكن نستطيع أن نجد من المؤشرات التي تؤكد هنا وهناك أنه قد طالها التحول وأصابها التغير، لا شك أن الموقف الذي يتعلق بالمملكة العربية السعودية إنما يشكل مدخلا لإعادة صياغة تصور إقليمي في محاولة لتكوين توافق على مشروع سُنِيّ يمكن أن يجد له التأثير في استقرار المنطقة تمكن من مواجهة التحديات المختلفة، فضلا عن ذلك فإن الشأن الاقتصادي المرتبط بالإمدادات والمساعدات غير المشروطة فيما يبدو أنه قد ولّى زمانها، وبدت الأمور تدخل المنظومة الانقلابية في حسابات جديدة خاصة بعد التسريبات التي جعلت من هذه الطغمة محل شك وارتياب، وهو أمر كان له من الدلالات التي استخدمت في كلمات على الألسنة كلها قد تشير إلى وضع مهترىء، فضلا عن تجهيل أو تعتيم بإنفاق تلك المليارات التي وصلت إلى أكثر من 40 مليارا من الدولارات.
الأمر الرابع: يتعلق بتلك السياقات الدولية التي شكلت حدودا على قيام المنظومة الانقلابية بعمليات بلطجة بسلاحها تحت دعوى مواجهة الإرهاب في بلاد غيرها حتى لو كانت من جيرانها، نقصد بذلك الفشل الذريع والمريع الذي أصاب الدبلوماسية المصرية والسياسات الانقلابية فيما يتعلق بالموضوع الليبي الذي عولج باستخفاف شديد أدى إلى تحفظ ليس فقط المجتمع الدولي ،بل امتد الأمر إلى القيود على أي أمر مستقبلي يمكن القيام به في قابل الأيام وقد زكّى المجتمع الدولي بأسره أن تكون الأولوية لحل سياسي يمكن أن يؤسس لاستقرار في ليبيا وتحقق المقصود من دون أن تسمح للبعض من أن يمارس فشله على أرض غيره باستخفاف سافر ومن غير تقدير للعواقب.
والأمر الخامس: الذي يتوج كل ذلك هو غياب المصداقية لدى تلك المنظومة فيما تقوم به من ترويج لاعلانات ومشروعات هنا أو هناك أشرنا إليها غير ذات مرة إلى أنها "مشروعات الفنكوش القومية"، والتي أدت في حقيقة الأمر إلى تردي حال السياسات الانقلابية وعدم قدرتها على تأسيس أي مسار للمصداقية أو الوثوقية وتأتي التسريبات لتدل على أن من يحكم مصر أقرب ما يكون إلى "العصابة" التي تعمل في "غابة" خارج إطار القانون، يتصرفون فى مقدراتها وكأنها الوسية أو العزبة، أو هي توظف ذلك القانون كغطاء لظلمها وجورها وبطشها من مثل القوانين التي تتعلق "بالحبس الاحتياطي" بلا سقف وكذلك منع "التظاهر"، بل وتجرأ هؤلاء على إهدار ركن أصيل في عمليات التقاضي ألا وهو الشهادة، وأحكام إعدامات بلا مرافعات كل ذلك شوه الصورة وهدم المصداقية في الداخل والخارج.
إذا حينما ينقشع الانقلاب لن تكون فقط تلك الصورة التي تؤشر على الضعف البادي، أو الفشل الذريع؛ الأمر سينكشف عن عصابة تتحرك لتحقيق مصالحها الآنية والأنانية لا تلتزم بأي قانون بل هي التي تصنع القوانين التي تغطي الفساد ،وتزيف كل أمر يتعلق بشبكة العلاقات المجتمعية ويمزقها، بل هي تجعل من صناعة الكراهية بيئة يمكن أن تجر المجتمع إلى حال اقتتال أهلي، كيف يمكن أن تفتخر صحف انقلابية وتقول أن بعض المواطنين قد حرق بعض منازل أو شركات تابعة لجماعة الإخوان؟!،
وماذا عن صحفي يكتب رسالة لكل أم إخوانية فيمارس كل عنصرية موجها "كل عام وأنت قاتلة"؟!، ماذا يعني ذلك إلا أن تكون فضائح ستتكشف أن هؤلاء لم يخربوا فقط المجتمعات أو ينهبوا الخيرات أو يهدروا ويدمروا الخبرات فى الوطن أو يقسموا هذا الشعب الى كيانات، بل تآمروا ضد كل مقدرات مصر، سيتكشف الأمر عن بيع لمصر بالأمر المباشر، وعن فساد يقنن بموازنة الرقم الواحد، وسينكشف المستور عن عصابة في غابة أدارت الوسية أو العزبة وعن إفساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل، قتلوا من قتلوا واعتقلوا من اعتقلوا مستخفين بحرمة النفوس وترويعها، فعلوا كل ذلك من أجل مصالحهم الدنيئة التي سموها "عرقنا"، فأبلغوا الكافة أنهم سيقاتلون دونه ويقتلون كل من يقترب منه، ألا ترى أنه حينما سينقشع غمام هذا الانقلاب وعتمته أنه سينكشف أمر خطير لا يصنف إلا في مربعات الغدر وخيانة الأمانة وتحري الكذب واتهام بالاحتيال، بأي جريمة يمكن أن يُحاكم هؤلاء؟!!
المصدر
- مقال:سيف عبد الفتاح يكتب: حينما ينقشع الانقلا موقع: الشرقية أون لاين