سيف عبدالفتاح يكتب: وجه الانقلاب أقبح من أن يتجمل

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سيف عبدالفتاح يكتب: وجه الانقلاب أقبح من أن يتجمل


(3/9/2015)

سيف عبدالفتاح

تحدث كثيرون من كل اتجاه ومن كل صوب وحدب عن ذلك التعديل الوزاري الذي شمل وزير الداخلية، واعتبر البعض ذلك عملا كبيرا ضمن عملية تغيير محتملة في منظومة أصبح فيها كل شيء "محتمل"، وأشار فريق ليس باليسير فيمن توقفوا عند ذلك الحدث بأن المقصود من هذا التعديل الوزاري التجمل قبل المؤتمر الاقتصادي في محاولة لرسم صورة إيجابية عن منظومة سلطة الأمر الواقع الانقلابية، ولكن في حقيقة الأمر أن هذا التحليل يحاول أن يقفز بنا إلى سياقات تغيير داخل منظومة الانقلاب وكأنه يروج إلى القبول ببعض انفتاح هنا أو ببوادر انفراجة هناك.

تناسى كل هؤلاء أن المشكلة ليست في وزير الداخلية وإنما في سياساته، والسياسات بهذا الاعتبار تشكل جزءا من استراتيجية انقلابية تقوم على الغصب والقمع والتخويف، وعلى قاعدة من التطويع والتركيع، أراد هؤلاء أن يكرسوا عودة الدولة البوليسية بكل أشكالها وأدواتها، وتجاهل هؤلاء أن الأصل في الموضوع يقع كذلك في تأسيس فاشية عسكرية تحاول تأسيس دولة استبدادية عسكرية تحاول عسكرة الدولة والمجتمع، وتقيم أساسا لقبول هذا الاستبداد العسكري باعتباره قدرا مقدورا وعملا نهائيا لا يستطيع أحد الخروج عليه أو منه.

بين هذين القبحين تحدث هؤلاء عن أن مجرد إقالة وزير الداخلية إنما يعد إيذانا بتغيير الصورة للنظام الانقلابي، ونقول بأعلى صوت "إن وجه الانقلاب القبيح المشوه أقبح من أن يتجمل"، فقد اعتاد هذا النظام الكذب وتحراه، واعتاد الإفك واتخذه سياسة، وجعل من إعلامه أداة في صناعة الكراهية بين أبناء الجماعة الوطنية على اختلافهم في الفكر أو في الدين، بل ونادى على الناس أن يقتتلوا في مشهد حقير؛ يستدعي الناس ليس فقط للابلاغ عن بعضهم البعض ولكن لقتل بعضهم بعضا، والانتقام والثأر ليعبر بذلك عن استخفاف واستهانة بتماسك أمة وعلاقات شعب ووحدة وطن، نال من كل هذا ليعبر عن قبح السياسات وسوء الأداء والأدوات، وفساد الأهداف وانحراف الغايات حتى يمكننا القول كيف لكل هذا القبح أن يتجمل، أو يزيف، أو يغطى؟، لأن هذه السياسات لا يقوم بها أعتى عدو أو أكبر خصم لهذا الوطن.

فماذا عن هؤلاء الذين يقتلون في السجون وفي الأقسام تحت التعذيب والظروف غير الآدمية التي تحيط باعتقالهم وبالانتقام منهم، مطالبة بالاعتراف تزويرا وتزييفا بأمور لم يرتكبونها ، لقد بدا ذلك التعذيب أمر مهينا يخرج عن حد الإنسانية ذاتها، منظومة الانقلابية تحتقر كل أمر يتعلق بالإنسانية والإنسان، ومن ثم انطلقت تؤجج مشاعر مؤيديها لتستبدل فيض مشاعرهم من أجل "كلب" لا يمكننا بحال إلا أن نؤكد رفضنا لأي قسوة في التعامل مع أي روح كائنة من كان إلا أنه في ذات الوقت لا يمكن ـ أيضا ـ قبول امتهان كرامة إنسان والاستخفاف بروحه ثم الحديث عن القسوة مع الكلاب، ماذا يعني ذلك سوى قبح يجعل من الإنسان المكرم أدنى من الحيوان، ويستخف به قتلا أو حبسا أو تعذيبا أو اعتقالا؟، كيف يمكن لوجه الانقلاب وهو أقبح ما يكون أن يتجمل؟!.

وكيف بهؤلاء الذين احترفوا الفساد والإفساد، واغتصبوا الأموال التي اغتصبوها باسم هذا الشعب فيجعلونها لهم أو تحت أيديدهم أو رهن تصرفهم من دون أدنى حسيب أو رقيب، إنها سياسات الفساد والافساد حينما تعد استراتيجية في الحكم والتحكم وتحرك كل المعاني التي تتعلق بمعنى "العصابة" التي تحكم الدولة، ويصير ذلك ديدنا لكل علاقة أو لعمل ، فسنرى كيف أن كل مؤسسة تحاول أن تجعل من ميزانيتها ميزانية "الرقم الواحد" الذي يخفي الفساد وذراريه، ألم نجد بعد ذلك حكما من المحكمة الدستورية ترفض فيه حكم محكمة النقض بالإفصاح عن مرتبات قضاتها، فتكون الحكم والخصم رغم توجيه محكمة النقض باعتبارها السلطة القانونية العليا في هذا المقام وهو أمر كما قلنا يمكن أن يدفع مؤسسات أخرى إلى الدخول في لعبة الفساد من خلال ميزانية الرقم الواحد التي لا تفصح عن تفاصيلها أو تصاريفها أو مصروفاتها، أليس ذلك إلا تقنينا للفساد القبيح بكل أشكاله والانحراف بكل أفعاله، ما أقبح وجه الانقلاب الذي لا يمكن أن يزيحه أي تجمل أو كذب أو تزييف مهما اجتهد في ذلك ومهما غير شخوصه.

وها هي الأساليب الرخيصة التي تتبعها نخب الاستبداد حينما تجعل ولادة مؤسسات منتخبة مثل البرلمان يطولها العوار المتعمد حتى تظل تحت طائلة سلطات التنفيذ أو سلطان المحكمة الدستورية فتجعل ذلك التعمد من ثغرات القوانين تؤجل من خلالها استحقاقات انتخابية أو تحل مؤسسات تشريعية، تتخذ السلطات المعينة من قوتها تلك سيفا مسلطا على رقاب سلطات منتخبة تجعلها غير آمنة إلا أن تكون في حالة خضوع كامل لهوى المستبدين ومزاج المستعبدين، وهو أمر لا يفقد هذه السلطة فحسب سلطان التشريع ولكن ينحي سلطانها في الرقابة جانبا؛ كيف يراقب من صنعت عبوديته أو خوفه؟

أليس ذلك قبحا يمارس في ساحات الديمقراطية وعملا من أعمال الشياطين تفرغ كافة الأدوات من كل قيمة سياسية وتزهق معنى الديمقراطية، لتحرك تحت غطاء هذا الزيف مسارات لاستبداد ديمقراطي تجعل فيها المؤسسات المعينة قاضية وحاكمة على كل المؤسسات المنتخبة ،رأينا ذلك ليس فقط في مؤسسات التشريع ولكن في مؤسسات منتخبة مثل النقابات لتبدد كل خيار أو انتخاب، وتصنع بدورها بما يشبه انقلابات صغيرة داخل تلك المؤسسات، أتجد أقبح من ذلك حينما تكون عملية التشويه متعمدة لتقبيح الحسن وتزيين القبيح، ما أقبحكم كيف تتجملون؟!.

هؤلاء الذين ضربوا الأرقام القياسية في أحكام إعدام تتوالى لتؤكد أن مرفق العدالة صارت الإعدامات لديه من أيسر ما يقوم به من أحكام، لا يحركه في ذلك إلا الانتقاء أو الانتقام، ما بال هؤلاء يهدمون كل أصول العدل وكل حرمات النفس وكل حقوق التقاضي فيجعلونها محلا لاستباحة ويطلقون أحكاما بالإعدام وكأنهم قرروا أن يكونوا من مداخل الترويع من خلال تلك الأحكام التي المستخفة بروح الإنسان، أليس ذلك هدما لمرفق العدالة الذي يفزع له كل مواطن لينال الحقوق في محاكمات عادلة ناجزة فيستخف بروحه ويجعل من إعدامه ترويعا وتلويحا لغيره وكأنه لا يملك حقا ولا يمكنه أن يطالب بحق، إن هذا الاستبداد القضائي هو عين الظلم والجور حينما يجعل من الناس محطا لتسييس مؤسسات وجب عليها أن تظل في موضع الحياد الذي تلتئم به الجماعة ويتحقق من خلاله العدل، أليست هذه السياسات من جور وإجحاف وفي غياب عدل وإنصاف ليس إلا هدرا لملاجئ الانتصاف لكل الناس ،ما أقبح أن يفقد الناس الثقة في مرفق عدالتهم الذى يلتمسون فيه العدل فلا يجدون إلا كل ظلم، أنجد أٌقبح من هذا، ثم بعد ذلك تتجملون؟!

وانظر إلى هؤلاء الذين يحسنون القبيح ويقبحون الحسن في لعبة خلط أوراق تتعلق بالساسة وتتخذ من أدوات القضاء ما ترسخ به هذه السياسة، فتجعل المقاومة إرهابا وتجعل العدو صديقا وجارا تحرص على أمنه وأمانه، وتجعل من يقف في وجه الكيان الصهيوني عدوانا وإرهابا، ما تلك إلا سياسات خرقاء تفقد الثقة في ساحات القضاء .

وتحاول أن تجعل من العلاقات الإقليمية والدولية مساحات توزع فيها صفات الإرهاب والعداء على كل من يواجه الكيان الصهيوني بينما تحكم في ذات الوقت بعدم الاختصاص في اعتبار إسرائيل كيانا إرهابيا، إنها الفضيحة حينما نرى كل نقيصة ترتبط بسياساتكم وبكل عمل ينتقص من فعل المقاومة والمواجهة لكيان صهيوني غاصب فما غصب الانقلاب إلا كغصب الاحتلال فيحسن هذا وذاك، ما أقبحكم مقاومتنا ستسحق كل عدو صهيوني وكل عدو متصهين.

أليس هذا أقبح ما يكون حينما تحسنون القبيح وتقبحون الحسن فتجعلون الزيف والتزوير أمرا يدخل في مساحات المقضي به والمشروع وتجعلون كل عمل مقاوم محل إدانة وإهانة، ألا سحقا لقبحكم كيف يمكنكم أن تتلمسوا أي مسلك أو مهرب لتجميل قبحكم حتى لو احترفتم تجميل تحسين القبيح وتقبيح الحسن.

لو أردنا أن نعدد أشكال القبح ومظاهره في وجه الانقلاب وساحاته ومساحاته وسياساته لطال بنا المقام فإن صفحات "أسود كتاب فى قبح الانقلاب" لا تحصى أو تعد، ما أقبح وجهكم، سحقا لكم، عليكم أن تتواروا وتخجلوا ،لا تزيفوا أو تتجملوا، فمازالت سيرتكم وأساليبكم تفضح كذبكم وتؤكد قبحكم ،العلة فى الإنقلاب وسياساته مهما تغيرت شخوصه وأشكاله.

المصدر