سيف عبدالفتاح يكتب: المشروع الحضاري الإسلامي غير قابل للاستئصال (2): إشكال الاختزال
(10/18/2015)
قد يختلف المهتمون بتشخيص أزمة الأمة من أنها أزمة علم ومعرفة أو عقلٍ وفكرٍ وإدراك، كما يشخصها بعض من الباحثين والمفكرين بأنها أزمة تخطيط سليم وتنظيم حكيم لأهدافنا وطموحاتنا، كما قد يؤكد البعض أنها أزمة برامج ومشاريع تربوية وحضارية معاصرة.
تحتاج الأمة، في ظل الظروف القاسية التي تمر بها والتحديات التي تحيطها، إلى مشاريع حضارية راقية تحفظ لها كيانها السياسي ووجودها الاقتصادي والعسكري وقرارها الأساسي في نموذجها التنموي والسياسي، وثروتها التراثية والفكرية والثقافية، وتضمن لها جيلًا واعيًا راشدًا، جامعًا بين الوعى والسعي.
قد يكون كل ذلك محل اختلاف، إلا أن الأمر الذي لا يجوز الاختلاف عليه أن المشروع الحضاري للأمة الواحدة المؤكد على معنى جامعيتها يقوم في الحقيقة على تراثها وأصولها، ومن قيمها ومبادئها، ونجاح هذه الأمة يعتمد بصورة أساسية على مدى أصالة هذا التراث، وهذه القيم والمبادئ، واستثمار كل إمكانات هذه الأمة ومكنوناتها، فتحولها إلى مكانة وتمكين.
تعريف الظاهرة الإسلامية في هذا المقام أمر حيوي؛ والرؤية الكلية في هذا السياق من دون اختزال هي التي تجعلنا نتعرف على حقيقة هذه الظاهرة في عمقها ومحاولة كشف مكنوناتها والمستور فيها والمسكوت عنه فى رؤيتها ودراستها وتحليلاتها. المشروع الحضاري الإسلامي
هذه الرؤية المنظومية إنما تحاول أن تخضع مثل هذه الظاهرة للتعامل الرصين القادر على التحليل المعمق والمنظم والتفسير الأكثر بيانًا وتبيينًا.
وضمن هذه الرؤية الكلية يبدو لنا ضرورة النظر في مثل هذه الظاهرة إلى حقائق العموم والخصوص فيها وارتباط الداخل والخارج في تحديد حركتها ودراسة الظاهرة فى سطوحها وأعماقها، ودراسة عناصر المشترك والمختلف فى مثل هذه النماذج التى نحاول أن نطرقها للتأشير على هذه الظاهرة.
من الأهمية بمكان أن نؤكد على أن إدراك الشيء فرع على تصوره، هذا الإدراك لا يمكن أن تتحقق كامل فاعلياته إلا من خلال التعريفات والتعرف على الحالة المفاهيمية التي ترتبط بما أسميناه بالظاهرة الإسلامية.
هذه التعريفات تتجه إلى ثلاثة أنواع من المفاهيم تطلق على الظاهرة؛ بعضها يتعلق بوصف المادة الأساسية لهذه الظاهرة فيسميها أحيانًا اتجاهات أو تيارات أو حركات، ويحاول من خلال كل ذلك أن يقدم رؤية تفرق بين هذه الاستخدامات المختلفة.
وإذا كان الاختلاف ضمن هذا الاتجاه الذي يحاول تسكين هذه الظاهرة الإسلامية في اسم بعينه أو في نشاط مخصوص إنما يشكل أمثل هذه المناطق اختلافًا، فإن الاتجاه الثاني يتعلق بالوصف بما يسمى بـ "الإسلامية".
وعلى الرغم من اتفاق البعض على ذلك الوصف الذي يستخدم مرتبطًا بالتيارات أو بالتوجهات أو بالنشاطات أو بالحركات أو بالتنظيمات، فإن هذا الوصف مُختلَف عليه في تضميناته ومضمونه يؤكد على ذلك المعنى الذي يتعلق بأن مجمل هذه التوجهات المختلفة داخل خريطة هذه الظاهرة لا يخلو من تنازعات حول هذه الصفة والاستئثار بها في الفهم والتأويل.
أضف إلى ذلك أن هذه الصفة لا تزال تجد غبشًا أضفته استخدامات الكتابات الأجنبية في هذا المقام Islamic & Muslim - Moslem & Islamist، على الرغم مما تبدو في ظاهرها أنها تمييزات بين صفات متعددة إلا أنها في حقيقة الأمر لعبت دورًا سلبيًا لا يمكن إنكاره، خاصة أن تضمينات هذه التمييزات قد وجدت لدى بعض عناصر هذه الظاهرة الإسلامية هوى في الاستئثار بصفة "الإسلامية" والتفرقة بين "الإسلامي" و"المسلم"، وبدا للكثيرين يتحدثون عن تلك التيارات المختلفة التي تتبنى مرجعية إسلامية في هذا المقام ومدى تمثيل هذه التيارات للظاهرة الإسلامية بكاملها أو لبعض عناصرها.
وهناك اتجاه يحاول التعامل مع هذه الظاهرة من خلال مفاهيم متعددة تتضارب في بعض الأحوال ليس فقط في مرادها ولكن في أهدافها فتحاول بعض هذه المفاهيم أن تضم الظاهرة الإسلامية في محاولة لمد أوصاف جزئية على كامل الظاهرة الإسلامية، فضلًا عن استخدام كلمات ومفاهيم محملة سلبيًا في سياقاتها الحضارية وإطلاقها على ظواهر فى سياقات وأنماط مجتمعية مختلفة.
يبدو هذا فى كلمة مثل "الأصولية" وكلمه مثل "الراديكالية الإسلامية" وكلمات مثل "التيارات العنيفة" أو"التيارات المتطرفة" و"الفاشية الإسلامية" بينما في مقابل ذلك سنجد ضمن هذه الخريطة اختيار من الجانب الآخر لجملة من الكلمات التقريظية لوصف هذه الظاهرة من مثل "الصحوة الإسلامية"، "اليقظة الإسلامية"، "التجديد الإسلامي"، "البعث الإسلامي".. وغير ذلك من الكلمات وما هو في حكمها.
ضمن هذه الخريطة التي يمكن أن نراها لهذه التوجهات فى عمليه التعريف سنلحظ بعض أمور تتعلق بمسألة التنازع حول هذه الظاهرة ومدى سلبيتها وإيجابيتها واللغة التحذيرية التي قد تترافق أو تستحق التوقف العلمي والفحص البحثي، والأمر كذلك قد تختلط فيه الأمور عند الحديث عن علاقة هذه التيارات بمفاهيم أخرى تهتم بتشكيل المواقف حيال مساراتها المختلفة، ومن أهم تلك المفاهيم ونحن بصدد هذا التحليل لهذا الصعود هما مفهوم "الديمقراطية" والعلاقة بين الديني والسياسي.
الظاهرة الإسلامية، ضمن السياقات السابقة وأهم السمات التي تتسم بها، تعبر بدورها عن ضرورة تتبع عالم المفاهيم المرتبط بها، ذلك أن هذه الظاهرة تعاني بحق من أزمة تتعلق بالمفاهيم التي ترتبط بها وتسهم في عملية اختزالها والإخلال بقواعد وأصول فهمها.
كذا فإنه من أهم الإشكالات التي تتعلق بالبحث في المشروع الحضاري الإسلامي وأهم تصنيفات مشاريعه الفرعية إمكانية التصنيف الجامع لهذه الظاهرة وعدم اختزال خريطة التصنيف بالاقتصار على توجه دون الآخر، وقد اعتمدنا تصنيف الدكتور عبد المجيد النجار في كتابه "مشاريع الإشهاد الحضاري" ، والتي حددها في ثلاث مشروعات كبرى يمكن تطويرها إلى مشروعات أخرى قد تتقاطع معها أو تتولد عنها، أو هي محاولات جادة ومستأنفة للإجابة على أسئلة تتطلب إجابات جديدة مع تحديات ومعطيات جديدة:
- المشروع السلفي الذي يضم كلًا من الحركة الوهابية والسنوسية والمهدية.
- المشروع التحرري الذى جمع أعلامًا من المصلحين والحركات، والذي يمثله على وجه بارز الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وخير الدين التونسي، وابن باديس.
- مشروع الإحياء الإيماني والتربوي الشامل، والذي اتخذ طابعًا حركيًا تربويًا بارزًا، والذي يمثله بالأخص الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في شبه الجزيرة الهندية.
- ويمكن إضافة اتجاه فكرى إسلامي معاصر تمثل في اجتهادات معاصرة وارتبط بعضهم بمشاريع فكرية من أمثال (مالك بن نبي والحكيم البشري والدكتور محمد عمارة).
- كذلك يمكن الإشارة إلى توجهات ومشاريع فكرية مؤسسية من مثل مشروع إسلامية المعرفة، ومشروع مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، والتي دشنت مشروعًا مقاصديًا تأصيلًا وتفعيلًا وتشغيلًا.
- كما لا يفوتنا التنويه إلى مشروعات حركية معاصرة ارتبطت بما سُمى بـ "الصحوة الإسلامية"، وهي من الكثرة حتى يحسن الرجوع إليها في مظانها في موسوعات صدرت أخيرًا حول الحركات الإسلامية.
إشكالات أولية لهذا المشروع لا بد أن نتعرف على وجودها وعلى تقديم إجابات لائقة بها، الإشكال في الاختزال، وأخطر هذه الإشكالات أن نختزل دراسة الظاهرة الإسلامية في مشروعاتها الحركية أو تعريفات قاصرة أو خرائط تصنيف متحيزة مبتورة تؤثر على التعاطي معها وتعتل مناهج التفكير بها ونهمل زوايا نظر أخرى هي التي تبلغنا النظر الكامل والمتكامل، وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
المصدر
- مقال:سيف عبدالفتاح يكتب: المشروع الحضاري الإسلامي غير قابل للاستئصال (2): إشكال الاختزال موقع: الشرقية أون لاين