سقوط بغداد... أم سقوط الغزاة؟!!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سقوط بغداد... أم سقوط الغزاة؟!!


بقلم : مأمون الهضيبي

رسالة من المستشار محمد المأمون الهضيبي
المرشد العام للإخوان المسلمين

15 من صفر 1424هـ = 17/4/2003م

تجاوزت الحرب الأمريكية الآثمة على شعب العراق كل الأديان والقوانين والأعراف، فقد حشدت أمريكا جيوشها الجرارة، وأساطيلها وصواريخها وكافة أسلحة الدمار والتدمير؛ لتسحق بلا رحمة وفي إهدار لكافة القيم شعبًا جرى حصاره على مدى أكثر من أحد عشر عامًا ليُحال دون وصول الطعام والدواء إلى أبنائه، ودون حصوله على السلاح المطلوب للدفاع عن نفسه والذود عن أرضه ودياره.

وقد نحّى وأجّل الشعب العراقي الحر الأبي المُحاصر بدافعٍ من إيمانه.. ونهوضًا بواجبه نحو وطنه كافة خلافاته الداخلية مع نظام حكمه -رغم ما عاشه من سنوات طوال في ظل القهر والتهميش ومصادرة الحريات-؛ ليواجه الخطر الأمريكي الداهم الذي جاء يسلبه أرضه ودياره، ويجتزَّ رقاب أبنائه، فضرب المثل في الصمود والصبر عند المواجهة، وجسَّد موقف الشعوب العربية والإسلامية الأصيلة في ذودها عن عقيدتها وأرضها وعرضها.. وقدَّم النموذج والمثال المُشرِّف للشعوب التي يحركها الإيمان بقضيتها وحقوقها حين تتصدى لجيوش وأساطيل وصواريخ دولة كبرى، فتعوق تقدمها وزحفها لثلاثة أسابيع رغم حُمم النيران التي صبتها أمريكا على مدن العراق وقراه ومؤسساته ومنشآته، ومن ثََم فإنه أعطى بصموده درسًا سيسجله التاريخ للولايات المتحدة التي حشدت ضده كافة قواها.. وترسانات سلاحها، وأحدث ما سخرت له العلم الحديث من أسلحة الدمار الشامل، وفي الوقت نفسه جسَّد طاقات وإمكانات الشعوب العربية والإسلامية.. الإيمانية والمادية، والتي تستطيع بها قهر المستعمر الجديد اليوم بجحافله جيوشه كما قهرت المستعمر بالأمس.. حين سيَّر جيوشه لاحتلال أرضها.. وإزالة هويتها.. ومصادرة حريتها وأمنها.

وإذا كان الغزاة الطغاة قد دخلوا بغداد بعد واحدٍ وعشرين يومًا من مواجهة باسلة من شعب العراق المُحاصر المطحون.. بسلاحه البسيط، فإن سقوط بغداد في أيدي الجحافل الأمريكية وإن كان محفوفًا بالغموض.. مُحاطًا بكثير من التساؤلات والاستفسارات.. يعني أن المعركة لم تنتهي؛ لأن سقوط أو تلاشي نظام بغداد الحاكم، وانهيار السلطة السريع لا يعني أبدًا سقوط شعب العراق الأبيّ الشجاع.. الذي تعرض من قبل لمحن الغزو.. وجحافل الطغاة البغاة.. فأبى أبناؤه أن يحنوا الهامة.. لغير ربهم، أو يسيروا في ركب الغزاة نفاقًا، أو في ذلة وخضوع.

صحيح أن سقوط بغداد هو خسارة فادحة.. فبغداد عاصمة الخلافة لقرون، ومركز العلم والمعرفة وإشعاع النور والضياء على مدى قرون، بوابة الحضارة الإسلامية المشرقة في شرق العالم العربي والإسلامي.. نهض فيها الرشيد بأعباء ومهام الخلافة ومسئولياتها لينشر العدل والأمن على ساحة قارتيْن من قارات العالم هما آسيا وأفريقيا.. وحقق بعدله وحسن بصيرته وفهمه وتطبيقه لشريعة ربه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- أمن المسلمين وغير المسلمين، والحياة الهانئة للجميع لا تعرف الحرمان.. أو التفرقة.. أو الظلم أو القهر في إدراك إيماني عميق لقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ (الأعراف: من الآية96).

وبغداد المدينة العربية الإسلامية ذات التاريخ العظيم.. هي عاصمة العراق.. العربي المسلم بتاريخه المضيء وحضارته العظيمة.. وذي الأهمية الكبيرة، والذي يمثل رصيدًا عظيمًا بالنسبة لكافة العرب والمسلمين وقضاياهم.. وذي الأثر والفاعلية العظيمين بالنسبة للعالم كله؛ حيث يمثل مساحة تبلغ 437072كم. منها 12% أراضٍ زراعية تمثل مخزونًا هائلاً من الطعام والغذاء في كافة أقطار العرب والمسلمين.. إضافة إلى مخزونه الضخم من المعادن، وثروته البترولية الهائلة التي تجعله يحتل المرتبة الثانية في احتياطي العالم، والتي تتيح لأمريكا أن تتحكم في سوق البترول العالمية من خلال سيطرتها على العراق وثرواته.

وفي الوقت نفسه تسبب السيطرة الأمريكية على بترول العراق خسارة للعرب الذين يعتمد دخلهم على البترول تبلغ 78 مليار دولار في العام، حين تخفض سعر البرميل من 28 دولارًا إلى 15 دولارًا، هذا بالإضافة إلى الخسارة الكبيرة التي ستلحق بالدول العربية التي بدأت تنتعش تجارتها مع العراق.. تبلغ خسارة مصر نتيجة الحرب الأمريكية على العراق مليار دولار.. وفقدان عقود للتصدير كانت ستصل إلى 4،5 مليار دولار في غضون أربع سنوات، كما فقد الأردن 300 مليون دولار هي قيمة ما كان يحصل عليه من العراق من بترول، إضافة إلى مليار دولار خسرها سنويًا خسرها منذ أن ضُرب الحصار حول العراق.

إلى أنه إذا كان الغزو الأمريكي بعتاده وكافة أنماط سلاحه المدمر قد استهدف احتلال العراق وإحكام القبضة على أرضه وثرواته، والسعي لعزل العراق وشعب العراق عن باقي شعوب العرب والمسلمين؛ لإضعاف صفهم.. وحرماتهم من ثقل العراق التاريخي والجغرافي والاقتصادي فإن شعب العراق.. وأيضًا كافة شعوب الأمة تدرك دون شك أهمية العراق الشعب العربي المسلم.. والوطن والأرض والديار.. والموقع الجغرافي.. والرصيد التاريخي.. كجزء مهم وعزيز وغالٍ على خريطة الأمة.. لا تفريط فيه.. ولا سكوت على اقتطاعه أو احتلاله.. يؤكد هذا صمود شعب العراق في البصرة والناصرة وأم قصر وكربلاء.. وكافة مدن العراق، كما أن صفحات تاريخه الناصعة مع صفحات تاريخ الأمة المضيء تؤكد كلها رفض الاستسلام أو الخضوع.. أو الإذعان.

لقد اقتحم التتار بغداد منذ قرون.. كما اجتاحتها قوات الغزو الأمريكي اليوم في انهيار أو غياب للسلطة تحفه التساؤلات!!. ولثمانين يومًا استباح تتار الأمس بغداد عاصمة الخلافة.. ليقتلوا ثمانين ألفًا من أبنائها في الشوارع، ومثلهم في داخل البيوت، ولكن بغداد عادت.. مرفوعة الهامة.. منتصبة القامة؛ لأنها تعودت ألا تحني الهامة إلا لربها.. كما تعوَّدت بدافع من إيمانها أن تنفض عن نفسها أغلال الاحتلال أو الاستعمار، وليرتفع من فوق مآذنها صوت المؤذنين يرددون نداء ربهم لعباده المسلمين.. أن الله أكبر من كل طاغية، وأنه يمد عباده الصادقين بالقوة من عنده عندما يصدقون النية، ويوحدون الكلمة، ويصححون الوجهة والغاية، ويحشدون كافة إمكاناتهم وطاقاتهم العظيمة لتحرير الأرض والديار، فيَمنّ عليهم بنصره؛ لأنهم نصروه سبحانه، فكان أهلاً لوعده وهو الصادق عز وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد:7). وإذا كانت الحرب الأمريكية الاستعمارية الآثمة على العراق.. قد كشفت على لسان كافة المسئولين الأمريكيين عن الأهداف والغايات الأمريكية، واستخدمت كافة ترسانات أسلحتها الرهيبة من أسلحةٍ للإبادة والدمار والتدمير.. فإنها أيضًا استخدمت أسوأ وأقبح الوسائل والطرق في محاولة تجميل الوجه، أو إخفاء أو تشويه الحقائق.. مع نشر الأكاذيب والتضليل.

على ساحة الغايات والأهداف والتضليل:

- أعلن المسئولون الأمريكيون في سفورٍ عن سعيهم للتحكم في ثروات العراق.. النفط والمعادن.. وكافة مصادر الثروات، فقد أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية التي يعتمد على تقاريرها صانعو القرار السياسي الأمريكي أن ثروات العراق النفطية أعلى بكثير من تقديرات الهيئات التي قدرت تلك الثروة، كما لم يتورع نائب الرئيس الأمريكي أن يعلن أن العراق غنيُُّ بنفطه، وأن الإنتاج منه سيصل إلى ثلاثة ملايين برميل يوميًا لتحقيق دخل لا يقل عن 20 مليار دولار سنويًا، وفي الوقت نفسه لم يتورع المسئولون الأمريكيون أن يعلنوا عن منحهم عقودًا للشركات الأمريكية لاستخراج وتصدير بترول العراق، أو للحصول على مئات ومليارات الدولارات من خلال إعادة إعمار ما خربته الحرب الأمريكية الظالمة على صعيد الطرق والمواصلات والمدارس، وأيضًا المعسكرات لجيوش الاحتلال الأمريكي.. وذلك كله بالطبع من بترول العراق وثرواته!!.

- وزير الخارجية الأمريكي أكد إصرار أمريكا على رفض أي دور للشرعية الدولية يؤثر أو يحُدّ من أطماع أو سياسة أمريكا في احتلالها للعراق!، وأعلن في مؤتمر المنظمة اليهودية (إيباك) أن ما يحدث في العراق من غزو واحتلال هو من أجل الكيان الصهيوني.

- وإذا كان المسئولون الأمريكيون وهم يعلنون أن غزوهم وتدميرهم للعراق والاستيلاء على ثرواته هو في صالح الكيان الصهيوني، فإن الصهاينة وقد انتهزوا فرصة التدمير الأمريكي للعراق.. والسعي لفرض الهيمنة الأمريكية على شعبه وأرضه قد أبانوا عن تدريب قواتهم على عملية تهجير الشعب الفلسطيني قسرًا من أرضه، ويعلن رئيس المخابرات العسكري السابق أنه اطلع على خطة لترحيل ما بين 600 إلى 700 ألف فلسطيني من الضفة وغزة وأراضي 48 إلى الأردن، مع انتهاز فرصة حرب تشتعل في المنطقة.. كما أتاح الغزو الأمريكي للعراق الفرصة للصهاينة للتوسع في تصفية وقتل أبناء الشعب الفلسطيني، تواصل الحصار الخانق حوله؛ لمنع كافة أشكال المساعدة من الوصول إليه.

- ومع دخول القوات الأمريكية لمدن وقرى العراق بعد قصفها بوحشية تعلن وكالات الأنباء أن واشنطن تستعد لتغيير مناهج التعليم بالعراق من خلال عراقيين في المنفي، شكَّلت منهم الإدارة الأمريكية لجنة للقيام بالمهمة!، ويعلن أحدهم أنه يعكف على دراسة منهج تعليمي يقوم على تعدد اللغات، والابتعاد عن النظام الذي يستخدم اللغة العربية.. كما تعلن المصادر أن المؤسسة الأمريكية التي فازت بقصد تغيير المناهج في أفغانستان مرشحة للحصول على عقد تغيير المناهج في العراق.

- أيضًا بعد اجتياح القوات الأمريكية للعراق ودخولها بغداد، وبعد أن صارت قواها وعتادها على حدود سوريا وتركيا والسعودية والأردن وإيران، ارتفعت نبرة الوعيد والتهديد الأمريكية موجَّهة للدول العربية والإسلامية المجاورة للعراق.. فيتهمها المسئولون الأمريكيون بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، أو إيواء المسئولين البعثيين الذين فروا من العراق، وفي غطرسة وعنجهية يعلن وزير الدفاع الأمريكي أن سوريا ستصبح هدفًا عسكريًا محتملاً إذا كانت تملك أسلحة دمار شامل.

- كما يعلن رئيس المخابرات الأمريكية السابق أن مصر والسعودية هما هدف الديمقراطية الأمريكية القادم، وأن أمريكا تخوض الحرب العالمية الرابعة، أما الحرب القادمة فستنحصر في إيران وسوريا، ويسْفر نائب الرئيس الأمريكي في الكشف عن الوجه العدواني الأمريكي فيقول: 'إن بوش تحدث عن حربٍ طويلة الأجل ضد الإرهاب، وضربات استباقية، وإن أمريكا لديها واجب أخلاقيّ لمواجهة الإرهابيين'!.

أما على ساحة الدعاية والإعلام فقد انتهجت أمريكا من الأساليب والوسائل ما يتنافى مع القيم والمثل، حيث عمدت إلى طمس وإخفاء الحقائق، والسعي لنشر الأباطيل وتضليل الرأي العام العالمي.

وقد بلغ الأسلوب الأمريكي في حَجْب وحصار كافة مصادر الإعلام الأخرى، وإفساح المجال لانفراد وسائل الإعلام التي أطلقتها أمريكا فقط.. إلى مستوى قتل المراسلين والصحفيين التابعين للفضائيات والصحف، التي رأت أمريكا فيما تنشره ما يفضح السياسات والأساليب ويبرز الحقائق، ويُظهر الغزو الأمريكي على حقيقته من خلال عمليات التدمير والسحق والقتل.

أيضًا يبرز ذلك الأسلوب الأمريكي والبريطاني في إفساح المجال للفوضى والانفلات؛ ليعيث اللصوص والمنحرفون فسادًا في العاصمة بغداد أو البصرة؛ في محاولة للإساءة لشعب العراق الأصيل الذي قاوم الغزو وصمد في المقاومة، وتسارع وسائل الإعلام التي سخرها الغزاة لتصوير بغداد والبصرة وغيرها من مدن العراق.. وكأنها قد سادتها الفوضى.. وأعمال اللصوصية والنهب الذي طال المستشفيات ومتاحف العراق الزاخرة بتراثه، مع التصفيق للغزاة، وإعلان الفرح بمقدمهم، هذا بالرغم من أن واجب قوات الاحتلال وفق المعاهدات الدولية أن تحفظ الأمن، وترعى سلامة المؤسسات، وتحول دون الفوضى وتهديدها المساكن والشوارع، وإن كان من الجدير بالذكر أن نُشيد بهذا الدور العظيم الذي أداه أئمة المساجد ومارسوه من خلال المسجد وعلى ساحة القرى والمدن مُبصِّرين مُذكِّرين بحرمة السلب والنهب، ووجوب ردِّ ما تم سلبه أو سرقته، مؤكدين على التزام الإنسان العراقي بأوامر ونواهي إسلامه، وهو دور يأتي بعد سنوات طِوال من الحجْر على المساجد، وإقصاء أئمتها.. ليؤكد أن الإسلام حين ترتفع القيود والسدود هو الذي يحرِّك الناس لالتزام الخير والمُثُل، والبعد عما يشين ويسيء، وبالطبع رفْض الخضوع أو الخنوع والإذعان لمحتل أو مستعمر يهدد الإنسان والعقيدة والوطن.

لا يأس مع الإيمان.. والعمل

إن الحرب الأمريكية على العراق التي تجاوزت الأديان والأعراف والقوانين، فإن أمريكا أرادت من خلالها أن توجه رسالة إلى كافة دول العرب والمسلمين تقول إن العراق هو النموذج، وإن هذا النموذج ماضٍ في طريقه من خلال القوة الأمريكية التي لا تلتزم منطق الحق، وتجافي وتهدد القيم؛ ليتم تطبيقه في كافة الدول العربية والإسلامية.

وذلك يعني أن ما حلّ بالعراق من عدوان بربريّ على شعبه، وإسقاط النظام الحاكم فيه اليوم، إنما هو خطر داهم يهدد كافة الشعوب وكافة النظم الحاكمة في الغد.

وللحقيقة والتاريخ نقول إن بغداد لم تكن وحدها التي تعرضت لمحن الغزو الهمجي الأمس.. ثم كان تصحيح المسار وإصلاح السياسات.. والالتزام بشرع الله وتوحيد الصف والكلمة لإجلاء ودحر المعتدين.. وإعادة الأمن والحرية لبغداد وكل العراق، ولكن أقطار العرب والمسلمين الأخرى تعرضت أيضًا بالأمس لمحن وابتلاءات.. سقطت فيها القدس وفيها الأقصى المبارك، وأُقيمت فيها إمارات وممالك للأجنبي على سواحل الشام، كما تم اجتياح مصر ومنها الأزهر الشريف.. وحين تم تصحيح المسار بالالتزام بالكتاب والسنة.. فرُفعت المظالم، ونُشر العدل، وأُطلقت الحريات، وارتفع الحكام فوق الخلاقات.. وفوق المصالح الخاصة، وصارت مهمة الحكام هي التأكيد على القانون، وتوثيق الصلة بالشعوب، وإعادة ترتيب البيت، في توحيدٍ للصفوف وتأكيدٍ للمشاركة في القرار.. كان الطريق إلى النصر مفتوحًا.. مصداقًا لقوله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد:7).

مع الإيمان العميق في القلوب.. مع إخلاص النية والوِجهة.. مع العزم على تصحيح المسار والتجرد للحق وإنكارٍ للذات.. مع التأكيد على معاني وروابط ومعالم الحب.. لا يكون هناك يأس يتسرب من خلاله إلى القلوب والنفوس.. ولكن يظل الأمل في الله ونصره.. لا يخبو ولا ينقطع.

لقد سقطت بغداد في عُرْف العسكريين في أيدى الغزاة.. ولكن شعب العراق لم ولن يسقط، ومن ثَم فإن بغداد لم ولن تسقط في عُرف وفهْم المؤمنين.

كما أن تهديد أمريكا ووعيدها لدول وشعوب العرب والمسلمين لن يرهب الشعوب، كما لن يفلَّ من عزمها.. ولكن يبقى ما طالبنا به، وسنظل نطالب به لردّ ودحر الهجمة.. وتحقيق وتأكيد العزة والكرامة في أوطاننا، والأمن والحرية في كافة ربوعها.. وهو تصحيح في إطار وظلال الكتاب والسنة.. حتى يتمّ تصحيح المسار ضمانًا لبلوغ الغاية والهدف.. وليتمثل الحكام والشعوب قول الحق تبارك وتعالى ﴿وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (يوسف: من الآية87)، وقوله ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ (محمد: من الآية31)، مذكرين أن أقرب ما يكون النصر إذا اشتد الضيق، وزاغت الأبصار ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ (يوسف: من الآية110)، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية21).

إن بغداد لم تسقط.. ولكن سقط الغزاة.

المصدر