سقوط الأصنام .. الإخوان المسلمون وربيع الغضب العربي (الجزء الثاني)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سقوط الأصنام .. الإخوان المسلمون وربيع الغضب العربي (الجزء الثاني)


(مصر - تونس - ليبيا - اليمن - سوريا)
الجزء الرابع حتي الجزء السادس

السعيد رمضان العبادى

مركز الدراسات التاريخية

محتويات

الفصل الرابع:الإخوان المسلمون وثورة 25 يناير 2011

لا خلاف على أن الإخوان المسلمين لم يكونوا همْ من فجر ثورة 25 يناير، ولكن لاأحد يستطيع أن ينكر الدور الذى قامت به الجماعة لاستمرار الثورة وحمايتها من كافة معوقاتها، وكذلك لا يستطيع أحد أن ينكر أن الإخوان المسلمين هم أكثر من تعرضوا للظلم والقهر من النظام السابق، فطوال الثلاثين عاماً من حكم مبارك، والإخوان يواجهون زيادة استبداد النظام بشتى الوسائل السياسية والنضال الدستوري، يطالبون بالحرية والعدالة وتطبيق شرع الله..

وأخذ النظام في توسيع مساحة التضييق والحصار عليهم. وبدأ في حملة الاعتقالات الموسعة، وعقد المحاكمات منذ عام 1993م، وشمل ذلك حتى نهاية حكمه حوالي 30 ألف معتقل وسجين، واستشهد منهم أفراد، بالإضافة إلى آلاف الحالات من مصادرة الممتلكات والشركات، ومنع السفر إلى الخارج، ومنع التعيين في أماكن يستحقها أفراد الإخوان، والنقل التعسفي، وصور التضييق المختلفة

لكن اعتمد الإخوان في مواجهة ذلك سياسة الصمود والثبات، وعدم التراجع والاستفادة من أي أحداث أو مستجدات للتمسك بالمواقع والمنافذ وتفعيلها، واعتبار دخول الانتخابات والحراك السياسي في المجتمع إستراتيجية ثابتة لها

رغم التضحيات الضخمة من إنفاق مالي، واعتقالات لأعداد كبيرة، وإصابات لأفرادها ومؤيديها، ونتائج هزيلة نتيجة تزييف إرادة الشعب، بل حصار اجتماعي، وهجوم إعلامي لأي منفذ أو شخصية سياسية تنتمي إليها. ولم يصبح همُّ الإعلام المصري إلا تشويه صورة الإخوان.

المبحث الأول: مرحلة ماقبل الثورة

يعتقد البعض أن ثورة 25 يناير كتبت سطورها منذ هذا التاريخ فقط وأن الفضل فى ذلك يرجع إلى مجموعة الشباب الذين تحركوا لمظاهرات هذا اليوم ، ولكن هذه الثورة كانت نتيجة طبيعية لعقود من الظلم والفساد الذى مارسها نظام مبارك، ونتيجة كذلك لتحركات ومظاهرات سابقة فمسيرة الاصلاح والمطالبة به لم تتوقف طوال عهد مبارك

بل وتصاعدت بصورة كبيرة خلال العشر سنوات الأخيرة من عهده، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الإخوان المسلمين كانوا فى مقدمة هذا الحراك الشعبى والذى تمثل بمحطتين هامتين جداً وهما:

  1. مظاهرات الاصلاح عام 2005
  2. مظاهرات دعم استقلال القضاء عام 2006

وكانت هذه المظاهرات مقدمة طبيعية للحراك الشعبى الذى أثمر بثورته العظيمه فى 25 يناير 2011 وسوف نتناول هاتين المحطتين بمزيد من التفصيل

أولاً: مظاهرات الاصلاح عام 2005

شهدت مسيرة الإخوان المسلمون خلال عهد مبارك محطات رئيسية فى مسيرة المطالبة بالإصلاح السياسى، وقد كان أهم تلك المراحل على الإطلاق عام 2005 والتى أطلق عليه "عام الإصلاح" ، فكانت تحرك الإخوان ونزولهم للشارع للضغط على النظام باجراء إصلاحات سياسية وإنشاء واقع سياسى جديد يستند إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية

فقد نظمت جماعة الإخوان المسلمين، مظاهرات مفاجئة في 8 محافظات بدون تنسيق مع أجهزة الأمن، وذلك بعد فشل مفاوضات سابقة بين الأمن والجماعة لتنظيم مظاهرة حاشدة في مصر.

وانطلقت مظاهرات الجماعة في المحافظات الثماني، وهي القاهرة (العاصمة) والإسكندرية والفيوم والشرقية والغربية وبورسعيد والبحيرة والدقهلية. وقدر عدد المشاركين فيها بما يقرب من 35 ألف متظاهر في مختلف المحافظات، فيما أكدت المصادر أن الاعتقالات لنشطاء الجماعة تخطت أكثر من 300 معتقل.

وبدا لافتاً علامات مهمة في مظاهرات الإخوان أمس أنها خرجت بشكل فردي من دون التنسيق مع أي قوى سياسية أخرى، وأنها شهدت مصادمات مع الأمن في بعض المحافظات على غير المعتاد مما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف الجماعة .

وكانت مظاهرات الإخوان أمام مسجد الفتح بوسط ميدان رمسيس بقلب القاهرة هي الأكثر درامية. فرغم أن أعضاء الجماعة توافدوا على المسجد من الصباح الباكر تحسبا لتضييقات أمنية، إلا أن ما يقرب من 4 آلاف إخواني تمكنوا من الوصول الى موقع المظاهرة رغم إغلاق بعض الشوارع ووضع حواجز أمنية.

وكان على رأس متظاهري الإخوان عضو مكتب الإرشاد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي سبق اعتقاله في مظاهرة 27 مارس (آذار) الماضية لعدة ساعات، وزعيم كتلة الإخوان في البرلمان الدكتور محمد مرسي، والقطب البارز الدكتور عصام العريان (47)، وقد شهدت تلك المظاهرات استشهاد الشهيد طارق غنام فى أحد المظاهرات فى مدينة طلخا بمحافظة الدقهلية على أيدى رجال الأمن.

ووفقاً لأحد الأوراق التنظيمية التى تم توزيعها على المستويات التنظيمية الداخلية بخصوص هذه المظاهرات فتقول الورقة تحت عنوان "وضوح الرؤية":

(أ‌) إننا نستهدف فى هذه الأحداث من التفاعل والحركة:

  1. إعلان موقف الإخوان للإصلاح وجوانبه ووصول ذلك للجماهير بكل شرائحها وطوائفها.
  2. تحريك الجماهير بإيجابية وأن تناصرها كرأى عام.
  3. تبنى الأفراد من الصفوة والهيئات والتجمعات لمطالب الإصلاح السياسى.
  4. تحقيق بعض المكاسب للأمة.

(ج) بالنسبة لأفراد الصف لابد من:

  1. تحقيق الرؤية الواضحة والقناعة الكاملة والتفاعل الجاد فى هذا الأمر.
  2. النزول للجماهير والتأثير فيها.
  3. إبراز المزيد من رموزنا السياسية داخل المجتمع.

(د) وفى خطابنا الدعوى السياسى:

  1. نحرص على توسيع مساحة الإصلاح السياسى، وألا تقف عند حدود شكلية؛ حتى يكون ذلك خطوة على طريق الإصلاح الحقيقى.
  2. أن تتحول هذه المطالب الإصلاحية لمطالب جماهيرية، تطالب كل حاكم أن يأخذ بها ، وتجاهد الأمة لانتزاعها، فهى أمر سيستمر لفترة طويلة.
  3. تحقيق المصداقية فى خطابنا السياسى.
  4. تعديل خطابنا بحيث يتبنى مطالب الجماهير الواقعية وطموحاتها.

(هـ) ويتبلور هذا فى مطالب محددة ،هى:

  1. مواجهة تفريغ التعديل الدستورى (مادة76 بانتخاب الرئيس) من مضمونها الحقيقى.
  2. تعديل مواد الدستور التى تتيح السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية.
  3. تعديل مواد الدستور الخاصة بصلاحيات إعلان حالة الطوارئ ، ورفع حالة الطوارء وإلغائها.
  4. مواجهة صور الممارسة الظالمة ضد قوى الشعب وأبناء الحركة بالفضح الإعلامى.
  5. إتاحة مساحة أكبر للعمل الاجتماعى والسياسى داخل المجتمع.
  6. ضمان نزاهة الانتخابات ، ووجود هيئة مستقلة عن الداخلية للإشراف عليها.
  7. حرية تكوين الأحزاب وتعديل القوانين المقيدة لحرية الصحافة والنقابات والإتحادات الطلابية.
  8. فتح ملفات الفساد ونهب ثروات المجتمع.
  9. وقف انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسئولين عن ذلك.
  10. الإفراج عن المعتقلين السياسيين.

(و) بالنسبة للجماعة والأهداف المرحلية:

  1. نستهدف لكل الجماعة بالنسبة للمجتمع نقلة نوعية فتصبح بفضل الله الفصيل الذى يقود الأمة وتلتف حوله وتضع أملها فيه.
  2. الحصول على شرعية قانونية،إما للجماعة أو لتشكيل حزب سياسى لها (48)

كما تكشف أحد الأوراق التنظيمية رؤية الجماعة لأبعاد نزول الإخوان للشوارع عام 2005 للمطالبة بالاصلاح فتقول الورقة المعنونة بـ"الإخوان المسلمون والإصلاح السياسى فى مصر بين الإمساك بالفرصة وعدم الغياب عن المشهد (ورقة نقاشية)"

الحدث: بنزول الإخوان المسلمين إلى الشارع – رغم اعتراض الأمن المسبق- فقد وضح للجميع أن الجماعة قررت ألا تغيب عن مسرح الأحداث المتلاحقة المرتبطة بالإصلاح السياسى فى مصر.. وبالرغم من إعاقة الأمن للتجمع فى المكان الذى كان محدد للتظاهر أمام مجلس الشعب..

إلا أن كوادر الجماعة تمكنوا من القيام بمظاهرات منضبطة فى أماكن أخرى بالعاصمة دون أن ترهبهم الحشود الأمنية المكثفة ودون الإلتفات إلى القبض على العض منهم فى الليلة السابقة، وقد جاء هذا التحرك بآثار ايجابية واسعة خاصة مع التغطية الإعلامية الواسعة التى صاحبته ، كما ضاعف من أصداء المظاهرة أنها تمثل قفزة ضخمة فى حجم المشاركين بالقياس لأية تظاهرة تمت خلال الفترة الأخيرة بشأن الإصلاح السياسى.

موقف النظام

اعتبر النظام أن الجماعة قد تجاوزت الخط الأحمر المحدد من قبله بالنزول إلى الشارع رغم عدم موافقته وعليه فقد قام بالقبض على عدد من كوادرها ليلة الأحد- الجانب الأغلب منهم من الأقاليم- ثم قام بانتشار أمنى مكثف للغاية بمنطقة وسط القاهرة أعاقت الوصول إلى مجلس الشعب وأن أمكن التجمع فى أماكن أخرى ولم يبال الأمن بما أدى اليه انتشاره المكثف من شل حركة المواطنين والعاملين بهذه المنطقة الحيوية

وقد أصدرت الداخلية بياناً أشارت فيه إلى أن التظاهر هو حق مكفول للكيانات السياسية الشرعية ووفقاً للضوابط التى حددتها الوزارة، وكان رد فعل الآله الإعلامية الحكومية فاتراً ومرتبكاً فقد تم تجاهل ذكر الجماعة بإعتبارها الجماعة المنظمة كما تم التركيز على المشاكل المرورية التى ترتبت على محاولة التظاهر مما أعاق قضاء المواطنين لمصالحهم.

وقد أرجع المراقبون إعاقة النظام لقيام المظاهرة فى موقعها المحدد والمغالاة الشديدة فى الاجراءات الأمنية إلى مايلى:

  1. نجاح الإخوان فى الحشد فى مناسبات سابقة مثل مظاهرة الإستاد المليونية وجنازات المرشدين الراحلين مما أثار خشية الأمن حتى بعد إخطار أن الحشد سيكون رمزياً.
  2. تواتر نجاح سيناريوهات المظاهرات الجماهيرية فى إسقاط نظم الحكم المتسلطة بداية بإيران ومروراً بدول أوروبا الشرقية وأخيراً ماحدث فى أوكرانيا وقرغزيا، وقد انعكس ذلك على قلق أمنى من احتمالات خروج سيناريو الاحتجاج من جانب الجماعة عن المعلن وتطور الأمر إلى صدام أو فوضى يصعب السيطرة عليها.
  3. إعلان أمريكا عن قبولها الضمنى لوصول الإسلاميين للحكم وعدم خشيتها من هذه "الفزاعة" واستمرار ضغوطها على أنظمة الحكم فى مصر والدول العربية تحت دعوى التغيير الديمقراطى.

موقف جماعة الإخوان المسلمين

كان أوضح تعبير عن حدود ماتستهدفه جماعة الإخوان المسلمين من نزولها إلى الشارع هو ماصرح به الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام فى 28/3 من " أن تظاهرة يوم الأحد كان الهدف منها إسماع صوت الحركة" وتابع " لم يكن من الممكن أن نقصر فى التعبير عن رؤيتنا فى قضية من أخطر القضايا المطروحة وهى التعديل الدستورى والإصلاح السياسى خاصة ونحن نمر بمرحلة مهمة فى تاريخ مصر السياسى".

وفى هذا الإطار فقد تتابعت فاعليات حركة الجماعة خاصة مع الدفعة التى أثمرها النزول إلى الشارع داخل صفوف الجماعة فتتالى عقد المؤتمرات بالنقابات ونوادى هيئات التدريس والخروج بمسيرات طلابية داخل أسوار الجامعات تطالب بالإصلاح السياسى بمعناه الواسع، كما تقدم نواب الإخوان برؤية الجماعة بشأن تعديل المادة 76 من الدستور.

تقييم موقف الجماعة فى ظل استهداف عدم الغياب عن المشهد:

فى هذا الإطار فقد كفل نزول الجماعة إلى الشارع فى مظاهرة 27/3 واعتقال بعض كوادرها أن سجل لها التاريخ حضورها القوى على مسرح الأحداث التى ماكان لمثلها أن يغيب عنه فى مثل هذه القضية المحورية، قضية الإصلاح السياسى، ومن المتوقع أن تلقى هذه البداية القوية بزخمها على باقى أنشطة الجماعة المتوقعة حتى تاريخ إقرار مجلس الشعب لصيغة التعديل فى 9 مايو قبل الاستفتاء عليها، ولاشك أن التجربة بكاملها سيكون لها ظلالها الايجابية على مسيرة الجماعة خلال المراحل المقبلة. (49)

ثانياً:مظاهرات دعم القضاة

شهد عام 2006 أحد المحطات الهامة الأخرى فى المطالبة بالاصلاح السياسى وهى مظاهرات دعم استقلال القضاة، فكانت أزمة قانون السلطة القضائية والتي نشبت في عام 2006 أهم المحطات الفاصلة في المواجهة بين القضاة والحكومة المصرية منذ مذبحة القضاة وكان للإخوان المسلمين ونوابهم دور كبير في دعم مطالب القضاة برفض قانون السلطة القضائية المقدم من الحكومة والذي أقرته أغلبية الحزب الوطني في المجلس

والذي اعتبره نادى القضاة أو التيار الاستقلال داخل النادي خطوة خطيرة تهدد مستقبل القضاء وحريته وتفرض عليه المزيد من تغول السلطة التنفيذية، وكان تعامل النظام المصري مع المظاهرات التي خرجت مؤيدة للقضاة تعامل عنيف جداً حيث تم الاعتداء بالضرب والسحل على المتظاهرين واعتقال ما يزيد عن الألفين كان كلهم أو معظمهم من الإخوان المسلمين وسنتناول هنا تلك المواقف من خلال رصد لبعض الصحف والمواقع التي تناولت تلك الأحداث وخاصة موقف كتلة نواب الإخوان في تلك الفترة .

نشرت جريدة المصري اليوم تحت عنوان ("إخوان البرلمان" بدأوا معركة قانون الطوارئ واستقلال القضاء) فيقول الخبر :

قدم نواب الإخوان المسلمين، مذكرتين إلي د. فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، الأولي تقترح عقد جلسات استماع قبل مناقشة قانون السلطة القضائية، والثانية تطالب بعدم مد قانون الطوارئ، خاصة أن القانون الحالي تم تجديده في ٢٣ فبراير 2003.

وكشف حسين إبراهيم نائب رئيس كتلة نواب الإخوان المسلمين، في المذكرة الأولي، أن قانون السلطة القضائية من القوانين التي تهم ويتأثر بها كل أفراد المجتمع، خاصة أن هناك جدلاً في وسائل الإعلام حول مشروع القانون، الذي أعده نادي القضاة، ومشروع القانون، الذي انتهت الحكومة من إعداده، لذا اقترح تكليف لجنة الاقتراحات بالمجلس بعقد جلسات استماع قبل مناقشة مشروع الحكومة، يدعي إليها نادي القضاة وأساتذة القانون ورجال القضاء المتخصصون، وبعض مؤسسات المجتمع المدني، علي غرار جلسات الاستماع التي حدثت قبل ذلك بالمجلس. (50)

كما نشر "موقع إخوان اون لاين" خبر يؤكد تبنى كتلة الإخوان بالبرلمان لمشروع جديد للسلطة القضائية أعده نادى القضاة والذي كان يسيطر عليه في ذلك الوقت تيار الاستقلال برئاسة المستشار زكريا عبد العزيز والمستشار أحمد مكي وكان هذا القانون المقدم والذي تبنته كتلة الإخوان يتعارض مع القانون المقدم من الحكومة والتي اعترض عليه نادى القضاة وكذلك اعترضت عليه الجماعة

ويقول الخبر:

تقدم صبحي صالح - عضو الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان المسلمين بالبرلمان المصري وعضو مجلس نقابة المحامين - بمشروع جديد للسلطة القضائية إلى البرلمان بديلاً عن القانون الحالي الذي يؤكد القضاة ضرورة تعديله لتحقيق استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية؛
حتى يتمكن القضاة من أداء دورهم دون تدخلات أو ضغوط من جانب المسئولين في السلطة التنفيذية؛ حيث يتبع القضاة حاليًا وزارة العدل في كافة شئونهم.. الأمر الذي يتيح للوزير نقل أو ندب أي قاض دون أن يملك حق الاعتراض. (51)

كما قدَّم النواب د. محمد سعد الكتاتني، حسين محمد إبراهيم ، ود. حمدي حسن، وسعد الحسيني، ود. محمد البلتاجي، ود. أكرم الشاعر اقتراحًا بمشروع قانون لتعديل السلطة القضائية الذي أعده نادي القضاة، وقال النواب إنه إيمانًا بدورهم كنواب للأمة بضرورة القيام بما ينهض بها في جميع المجالات ولقناعتهم بضرورة تحقيق الاستقلال الكامل للسلطة القضائية بما يجعلها تؤدي واجباتِها دون أي تدخل من أيةِ جهة كانت ضمانًا للعدالة التي هي أساس للملك وبدونها تضيع الحقوق وتُهدر الواجبات وتشيع الفوضى..

فإنهم يتبنون مشروعَ القانون الذي درسه وارتضاه نادي القضاة، وهو الممثل الحقيقي لقضاة مصر، وأسموه "مشروع قضاة مصر" وذلك لدراسته وإقراره من قِبَل المجلس للوصول إلي الهدف المنشود، وهو استقلال القضاء، وطالبوا بعرضه على اللجنة المختصة في أقرب وقت (52)

ويورد د. محمد عبدالرحمن "عضو مكتب الإرشاد" فى أحد مقالاته بعض ماقام به الإخوان ماقبل الثورة فيقول:

نزل الإخوان المسلمون بثقلهم إلى الشارع طوال عشرين سنة سابقة، وقبل أي قوة سياسية أو شعبية وبحجم كبير، وتبنوا كل قضايا الأمة من رفع حالة الطوارئ، والمطالبة بالحريات، ورفع القبضة الأمنية، ورفض تزييف إرادة الأمة.. إلخ، بالإضافة إلى القضايا القومية الخاصة بقضية فلسطين، أو ما تتعرض له البلاد العربية من عدوان.
لكن مساحة التفاعل الجماهيري ونزولها معهم كانت ضعيفة؛ نتيجة لوجود حاجز الخوف عندهم. ولم يثن هذا الإخوان عن ذلك، فكان صبرًا جميلاً، ولم يفقدوا الأمل في الشعب، فواصلوا الأداء نفسه مع ما تكبدوه من اعتقالات وتضحيات وشهداء في التعذيب، أو على أيدي قوات الأمن.. وكانت حركتهم مع الشباب وطلاب الجامعات كبيرة، فلم تخلُ سنة من مظاهرات عارمة داخل الجامعات، رغم قرارات الفصل والإحالة للتحقيق، ومنع أي انتخابات طلابية حرة.

ويضيف د محمد عبدالرحمن فيقول:

في خطة الإخوان المرحلية (20042008م)، كان من أهداف الخطة في المحور السياسي، تفعيل الشارع والتعاون مع كل القوى السياسية والوطنية؛ لتوسيع مساحة الحريات، وتقديم مبادرات الإصلاح. وكانت مظاهرات الإصلاح في أوائل مايو 2005، والتي نزل فيها أكثر من مائة ألف من الإخوان في جميع محافظات مصر، واعتقل على أثرها منهم ثلاثة آلاف في أسبوع واحد، وكذلك نزولهم بالآلاف في القاهرة دفاعًا عن قضاة مصر، وتم القبض فيها على ثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد من الشارع.

في خطة مرحلة (20082011م) تم وضع أهداف منها: تبني ريادة الحراك السياسي المطالب بالإصلاح والحريات، وتفعيل المطالب الفئوية، ومد جسور التعاون مع كل الحركات الوطنية.وفي بداية عام 2010م تم إضافة تفعيل وسائل الضغط على النظام، واستخدام وسائل أعلى في الضغط عليه؛ لمنع صور الاستبداد التي يمارسها.

وفي انتخابات 2010م كان الإخوان يعلمون نية النظام بالتزوير الفاضح؛ لكنهم أرادوا كشفه بها.. أصدر الإخوان أوامرهم بارتفاع سقف مواجهة النظام باعتصامات ومظاهرات حاشدة عقب التزوير، لكن لم يكن التنفيذ على المستوى المطلوب؛ بسبب القبضة الأمنية، وخوف الناس وإرهاقهم مما حدث في الانتخابات.

كل هذا التاريخ وأحداثه، كان يرسخ عند الجماهير صورًا ومعاني معينة داخلها دون أن تظهر في الحال ثمارها.. لكن الإخوان لم يفقدوا الأمل في يوم من الأيام.. كان الإخوان غير بعيدين عن الدعوة إلى الخامس والعشرين من يناير، بل كانوا في قلب الأمر منذ بدايته، لكن دون ظهور أو ضجيج.

وأيضًا نشير إلى أن تفعيل الدعوة بين الشباب لهذا الأمر تولى صلبها الأساسي إحدى وحدات الإخوان المسلمين، وكانت بدايتها في 2005م؛ حيث شكل الإخوان من الشباب في محافظة الدقهلية وحدة إعلامية على الفضاء الإلكتروني لا تعلن هويتها الإخوانية، تتولى رصد حركة الانتخابات بصورة محايدة، وتتواصل مع الإعلام بصورة فَعَّالة. ونجحت في ذلك بدرجة كبيرة، فتم تطويرها، ودعمها بأن أصبحت وحدة مركزية تابعة لقسم الطلبة، وتتحرك مركزيًا بالإطار نفسه الذي وُضع لها.

ثم في عام 2010 ظهرت مجموعة جديدة من شباب الإخوان والنشطاء المستقلين على الانترنت وكونوا فريق عمل سمي بــ (مجموعة رصد) وكان لها دور جيد في تغطية انتخابات 2010م، من خلال التواصل مع المجموعات الإخوانية الناشطة في المحافظات في هذا المجال، وهذه الوحدة شاركت في تفعيل الدعوة إلى الخامس والعشرين من يناير بدرجة جيدة، بلغت التواصل مع ربع مليون فرد.

وكان التوجيه لأفراد الإخوان إنشاء كيانات مختلفة وتشكيلها مع القوى الوطنية والسياسية؛ لتحقيق مطالب الشعب بشأن الحريات. فالإخوان– دون إعلان– كانوا شركاء أصليين في هذا الحراك والدعوة إليه. أما ما حدث في الخامس والعشرين من يناير فكان مفاجأة للجميع، ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه صاحبه، أو أنه خطط له. نعم شارك فيه الإخوان، وشارك فيه جميع فئات الشعب، لكن الحدث نفسه وتصوره وتوقعه كان مفاجأة!!. (53)

وفي يوم الأربعاء 19 يناير – قبل الثورة – أصدر الإخوان بيانًا هامًا لهم، به مطالب عشر للإصلاح تعبر عن مطالب الشعب، والتي نادى بها في ثورته المباركة

ومما جاء فى هذا البيان:

أولاً: إلغاء حالة الطوارئ المفروضة على المصريين منذ ثلاثين عامًا، خاصةً أنها لم تحقق الأمن ولم تمنع الجريمة طوال هذه السنين.
ثانيًا: حل مجلس الشعب المُزوَّر بإصدار قرارٍ جمهوري من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لتكوين مجلس جديد يُعبِّر عن إرادة الأمة ويحقق آمال وطموحات المصريين وتحت إشرافٍ قضائي كامل.
ثالثًا: إجراء تعديلات دستورية لازمة وسريعة للمواد 5، 76، 77، 88، 179 لضمان حرية الترشح وديمقراطية الاختيار في الانتخابات الرئاسية القادمة تحت الإشراف القضائي الكامل، وإلغاء التعارض الدستوري وتحقيق التوافق مع ثوابت وتاريخ وثقافة وحضارة هذا البلد العظيم.
رابعًا: العمل السريع والفعَّال على حلِّ مشكلات المواطنين الحرجة كبدايةٍ لمسيرة إصلاح اقتصادي حقيقي يحقق العدالة الاجتماعية بتوفير السلع الضرورية والدواء، خاصةً إصلاح منظومة التعليم والصحة مع إمكانية توفر الموازنات اللازمة لذلك عبر:
  1. فوائض الصناديق الخاصة التي تبلغ ميزانيتها أكثر من 1200 مليار جنيه ويتحكم فيها الفساد.
  2. مخصصات الوزراء وكبار رجال الدولة التي تعدُّ بالمليارات وبيع ما لم يستخدم فيها بالمزاد العلني لصالح الشعب.
  3. وقف ضخ الغاز والبترول المصدر للصهاينة، وإعادة النظر في سعره وتصديره إلى دولٍ أخرى.
  4. إعادة النظر في أسعار الأراضي التي تم تخصيصها لبعض رجال الأعمال وللفاسدين وسدنة النظام، وهذه تُقدَّر بمئات المليارات، وبيع ما لم يستخدم منها بالمزاد العلني لصالح الشعب.
خامسًا: إعادة النظر وفورًا في السياسة الخارجية المصرية، وخاصةً بالنسبة للصهاينة، وضرورة قطع العلاقات معهم، مع دعم الجهاد الفلسطيني، وعلى رأسه المقاومة الباسلة لتحرير أرض فلسطين أرض العروبة والإسلام، وإقامة الدولة الفلسطينية عليها وعاصمتها القدس.
سادسًا: الإفراج والعفو العام عن جميع المعتقلين السياسيين، وعن كل الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن من محاكم استثنائية غير مختصة بمحاكمة المدنيين كمحاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية.
سابعًا: الاستجابة الفورية للمطالب الفئوية التي أعلنها ويطالب بها أصحابها منذ سنوات طويلة.
ثامنًا: حرية تكوين الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار، وإلغاء القيود على إصدار الصحف، وعلى كل وسائل الإعلام.
تاسعًا: محاكمة المفسدين الذين تضخمت ثرواتهم بصورة غير طبيعية خلال السنوات الماضية.
عاشرًا: إعادة الحيوية إلى المجتمع الأهلي المصري، وإلغاء تدخل الجهات الأمنية في كل الشئون الداخلية في الجامعات والمدارس والنقابات والأوقاف والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية. (54)

وفي يومي الخميس والسبت 20، 22 يناير، وبعد الدعوة للمظاهرات، قامت أمن الدولة باستدعاء مسئولي المحافظات من الإخوان؛ لتهديدهم بالاعتقال، بل القتل، وإنذارهم بعدم نزول الإخوان إلى الشارع، وأن هذا خطٌ أحمر، وردَّ جميع المسئولين برفض هذا التهديد، وأصدر الإخوان بيانًا في يوم الأحد 23 يناير يرفض هذا التهديد، ويطالب بالإصلاح، ويؤكد على المطالب العشرة في بيان 19 يناير

ومما جاء فى هذا البيان:

إن الإخوان المسلمين وهم يتابعون ما يجرى على الساحة الدولية والإقليمية والداخلية وعلى إثر أحداث تونس،ورغبة فى الحفاظ على أمن الوطن واستقراره وعلى أرواح المواطنين وممتلكات الشعب ومكانة مصر،قد أصدروا بيانا واضحا بمتطلبات وطلبات الإصلاح الحقيقى السياسى والاجتماعى والاقتصادى وكيفية تحقيق احترام حقوق الشعب ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين .وهذه هى المطالب الوطنية التى تكفل تحقيق الحريات والاستقرار والأمن لمنع الفوضى التى يحذر منها الجميع.
وفوجئنا برد فعل متعجل يخلو من الحكمة والكياسة وينبئ عن الإصرار على بقاء النظام فى ذات الموقع الذى يدعم الاستبداد والفساد وإرهاب الدولة،وذلك باستدعاء مسئولى الإخوان المسلمين بالمحافظات وتهديدهم بالبطش والاعتقال والمواجهة العنيفة وربما الدامية فى حالة النزول إلى الشارع لإعلان هذه المطالب الشعبية.
وإزاء هذا فإننا نعلن رفضنا للتهديدات، والإرهاب،ونؤكد على أن ملف الجماعة ملف سياسى ولا ينبغى أن يكون بيد الأمن،فإن كان هناك من يريد أن يتحاور مع الأمة ونحن من نسيجها وموجودون ومنتشرون ومتجذرون فيها لبحث وسائل الإصلاح ومنهج التغيير لكى نخرج جميعا من الأزمة والمأزق الذى يعيش فيه الناس والوطن،فنحن على أتم استعداد لذلك، بل ندعو لحوار وطنى شامل لكل القوى والاتجاهات والأحزاب والحركات السياسية والممثلين لكل فئات الشعب .
ولا يتصور عاقل أن أسلوب التهديد والوعيد يمكن أن يخيفنا، لأننا نعمل لله من أجل تحقيق مصلحة الأمة، ومن يعمل لله لا يخيفه شئ، لأنه يخاف الله وحده (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
ونؤكد أن الواجب على المسئولين الآن التعامل مع الاحتقان الشعبى النابع من الفساد والاستبداد بالحكمة المطلوبة وهى الاستجابة لمطالب الأمة والبدء فى تطبيقها فورا،بدلا من إحالة كل الملفات الهامة فى المجتمع إلى الجهات الأمنية التى لا تتعامل إلا بمنهج التهديد والوعيد والاعتقال والتعذيب والسجن بل والقتل، الأمر الذى لا يعالج قضية ولا يحقق عدلا ولا استقرارا،بل ويثير كل طوائف الشعب ويكرس كراهية الأمن والنظام فى نفوس الجميع .
هذا هو موقفنا ونداؤنا إلى الأمة بأسرها ويد بيد وساعد بساعد نبنى المستقبل العادل الآمن لهذا الوطن ولو كره المفسدون،ولن نكون أبدا إلا وسط الشعب، نشاركه همومه وآماله ونعمل من أجل تحقيق حريته وكرامته،ونسعى معه فى كل الأنشطة التى تقرب ساعة الحرية،وإن غدا لناظره قريب (55)

وهذه الشواهد كلها تدل على أن الإخوان كانوا محرك أساسى للثورة وليس كما يدعى البعض أن الإخوان ركبوا الثورة، بل كانوا عنصراً أساسياً فى حمايتها واستمرارها وهو ماسنوضحه بالمواقف والشهادات المختلفة.

المبحث الثانى:الإخوان ويوميات الثورة

دعت صفحة "كلنا خالد سعيد" للتظاهر أمام وزارة الداخلية 25 يناير الذى يوافق احتفالات عيد الشرطة كرد فعل على تجاوزات وزارة الداخلية ومن المؤكد أن مطالب الشباب والمتظاهرين خلال دعوات التظاهر كانت تهدف بصورة أساسية إلى إصلاح وزارة الداخلية وإلغاء مجلس الشعب "المزور" وليس كما تطورت الأهداف والمطالب فيما بعد

وبعيداً عن أن أحد أدمن صفحة "كلنا خالد سعيد" كان من شباب الإخوان وهو الشاب "عبدالرحمن منصور" فإن الإخوان اتخذوا بعض الإجراءات للمشاركة فى هذه التظاهرات ووفقاً لرؤية الإخوان ففي يوم السبت 22 يناير، اتخذ مكتب الإرشاد في اجتماع خاص (بأحد الشقق غير المتابعة أمنيًا) قرار المشاركة في وقفتين يوم 25 يناير، واحدة عند دار القضاء العالي بالرموز السياسية، والأخرى مشاركة شباب الإخوان في وقفة عند الداخلية يوم 25 يناير؛ حيث كانت الدعوة خاصة بالشباب.

كما أعلن الدكتور محمد البلتاجي، القيادى فى الجماعة ، يوم 22 يناير عن مشاركة الإخوان وشبابهم فى مظاهرات 25 يناير، وهو نفس ما أعلنه الدكتور عصام العريان - عضو مكتب الإرشاد - وقتها عن مشاركة جماعة الإخوان المسلمين فى وقفات ومظاهرات 25 يناير.

وفى 25 يناير، شارك شباب الإخوان فى المظاهرات فى كل محافظات مصر كما شارك أكثر من 160 من رموز الإخوان بالقاهرة فى الوقفة التى بدأت أمام دار القضاء العالى قبل الانطلاق للميدان ولعل صورة محمد عبد القدوس - وكيل نقابة الصحفيين والقيادى الإخوانى - وسحله أمام دار القضاء العالى على أيدى عساكر الأمن والمخبرين خير دليل على مشاركة الإخوان فى الثورة منذ بدايتها، فضلاً عن اعتقال حوالى 149 من شباب الإخوان ضمن الاعتقالات التى شنها الأمن المركزى على الشباب المتظاهرين.

ويوم الأربعاء 26 يناير اتخذ مكتب الإرشاد قرارًا تاريخيًّا ، كان القرار أن يكون ذلك بداية الثورة والانتفاضة الشعبية، وأن يتم دعمها بكل الطرق، وأن نعمل على استمرار هذا الزخم، وذلك التحرك الجماهيري؛ حتى تتحقق الأهداف كاملة، ولو استمر ذلك عدة أشهر.. وأن الأمر يحتاج إلى دعوة لحشد كبير يوم الجمعة 28 يناير في التحرير والمحافظات ليستمر بعد ذلك.

وسلك الإخوان طريقين لإخراج هذه الدعوة؛ بحيث لا تنسب إليهم مباشرة، اتصلوا بالجمعية الوطنية – وهم أعضاء فيها – لتصدر بيانًا تتبنى هذه الدعوة، وكذلك تم تحريك مجموعة "رصد" ؛ لتولي تفعيل هذه الدعوة مع الشباب على الفضاء الإلكتروني، وإعطاء التعليمات للمحافظات بالاهتمام بالحشد وتحريك الجماهير في هذا اليوم.

تم إبلاغ جميع مسئولي المحافظات يوم الأربعاء 26 يناير مساءً – في لقاء طارئ مع المشرفين عليهم – بخطة التحرك وأهدافها، وأن يعدوا أنفسهم لحراك طويل، وتوضيح الضوابط التي تحكمه، وتم تقسيم أعضاء المكتب الإداري بكل محافظة إلى قسمين: جزء يتواجد في ميدان التحرير بصورة مستمرة مع الحشد الذي يتوجه من المحافظة، وجزء آخر يبقى في المحافظة لإدارة الحراك داخلها، وترتيب المظاهرات، وأن يتم توزيع الجهد بطريقة متوازنة بين دعم ميدان التحرير بالآلاف، وبين الحشد المطلوب في المحافظات.

فى هذا اليوم قام مكتب الإرشاد بوضع 12 قاعدة حاكمة لحركة أفراد الجماعة بهذا الشأن، وتم إبلاغها لجميع المكاتب الإدارية ووضع آليات محددة للتنفيذ

وهى تشمل النقاط التالية:

  1. أهمية دعم واستمرار التظاهر الشعبي، ومنع أى محاولة لإضعافه أو إحباط الجماهير أو القضاء عليهم.
  2. أهمية رمزية ميدان التحرير، وأن تسهم المحافظات فى دعمه بالحشود والاعتصام.
  3. أهمية العمل فى المحافظات وتحريك المظاهرات الضخمة على التوازى مع ميدان التحرير، وبالتالى تم تقسيم الأفراد وأعضاء المكاتب الإدارية للتواجد فى كلا المجالين: (التحرير - المحافظة).
  4. اتباع آلية اللامركزية لجميع الأفراد فى الحركة والتصرف السريع، وشحن الجماهير والتواصل مع الشرائح كافة، والتغطية الإعلامية فى إطار السياسة العامة التى تم اعتمادها.
  5. أهمية المحافظة على سلمية الثورة وعلى سلامة المنشآت وعلى حفظ الأمن بتشكيل لجان شعبية.
  6. عدم ظهور رموز الإخوان المعروفين، والاكتفاء بمن كانوا أصلا فى الشارع وفى الحراك السياسي، وعدم رفع شعارات الإخوان أو توزيع بيانات الجماعة ، حتى لا يستغل النظام ذلك فى تشويه ثورة الشعب وادعاء أنها صراع بين الإخوان والنظام.
  7. التركيز على المطالب العامة للثورة، وعدم فتح مطالب أو خلافات فرعية، والحرص على الوحدة والتعاون مع جميع التيارات والقوى السياسية، وعدم الرد على من يحاول أن يهاجم الإخوان.
  8. القيام بالدعم اللوجستى الفعال للمعتصمين والمتظاهرين.
  9. طول النفس والحرص على استمرار الثورة والذى قد يدوم شهورًا عدة، وعدم الوقوف لمجرد وعد أو إنجاز جزئي؛ فلا بديل عن إسقاط النظام.
  10. التواصل الفعال مع جماهير الشعب التى لم تنزل للميادين لتوضيح الرؤية وللرد على أكاذيب الإعلام وطمأنة الخائفين.
  11. توطين النفس على الصبر وأنه ستكون هناك تضحيات، ووضوح الرؤية لجميع أفراد الصف (إخوة وأخوات) وأن هذه مرحلة تحول فى حياة الأمة وتاريخ الدعوة.
  12. اللجوء لله -عز وجل- واستغفاره والدعاء والتضرع إليه. كما كان قرار المكتب هو استمرار انعقاده بشكل دائم ليلا ونهارًا طوال الثورة. (56)

وبالنسبة إلى ميدان التحرير، فقد نظم الإخوان بسرعة وحدات الخدمات اللازمة من الإعاشة والمستشفى الميداني، والجهاز الإعلامي من منصات وساوندات، ووحدات للحراسة والسيطرة على مداخل الميدان.. إلخ، وذلك بالتعاون مع العناصر المناسبة من الجماهير المحتشدة.

في الوقت نفسه استمر انعقاد مكتب الإرشاد بصورة مستمرة في غير مكانه التقليدي، متجنبًا محاولة إعاقة حركة أفراده من قِبل الأمن، وكذلك تعرض مقر مكتب الإرشاد في المنيل لهجوم كان وراءه الأمن.

أما فى فجر 27 يناير، فكان رد الداخلية والنظام القمعى للمخلوع باعتقال نصف مكتب الإرشاد و34 من قيادات الإخوان، بناءً على مشاركة الإخوان فى المظاهرات منهم د. محمد مرسي رئيس الجمهورية الحالى، ود. محمود عزت ود. عصام العريان، ولم يخرجوا إلا يوم 31 يناير بعد حادثة فتح السجون وخروج البلطجية والمجرمين.

الإخوان وجمعة الغضب

مثل يوم 28 يناير محطة هامة من محطات الثورة المصرية فكان هذا اليوم هو البداية الحقيقية للثورة المصرية والتى ارتفعت فيها مطالب الثورة من الاصلاح إلى إسقاط النظام وكان الإخوان من أهم القوى الداعمة والمحركة لتلك التظاهرات والتى أطلق عليها "جمعة الغضب" ، عقب انتهاء صلاة الجمعة (يوم 28 من يناير) مباشرة، كانت ثورة الغضب قد امتدت إلى معظم أحياء القاهرة والمحافظات، وسط اشتباكات عنيفة بين الأمن والمتظاهرين فى عشرات المدن

وقد تدفق المتظاهرون فى الشوارع والميادين بصورة غير مسبوقة، بدأت بعدها قوات الأمن فى التراجع فى العديد من تلك المدن، وكانت مدينة السويس هى الأكثر سخونة تليها الإسكندرية التى سقطت مبكرًا فى أيدى الثوار. أما فى القاهرة فلم يكن الأمر يختلف كثيرًا عما جرى فى السويس والإسكندرية؛

إذ تغلب الثوار على جحافل الأمن فى جميع ميادين العاصمة، بعد وقوع العديد من الشهداء والمصابين، وسرعان ما بدأت تلك الملايين الثائرة تتدفق إلى ميدان التحرير.

بدء الاعتصام بالتحرير وانعقاد دائم لمكتب الإرشاد:

دخلت الحشود الهائلة ميدان التحرير وبدأت الاعتصام فيه، بعد سقوط مئات الضحايا من الشهداء وآلاف المصابين، كان بينهم حوالى عشرين شهيدًا من الجماعة ، منهم ستة من القاهرة وحدها(57)، وأكثر من مائتى مصاب، وأكثر من أربعمائة معتقل تعرضت غالبيتهم للتعذيب، بعدما نقلوا إما إلى السجن الحربى أو المتحف المصري، أو إلى شقق أمنية قريبة من ميدان التحرير.

واستمر انعقاد مكتب الإرشاد بصورة دائمة، فى غير مكانه التقليدي، تجنبًا للاصطدام بالأمن ومنع عقده، خصوصًا بعد الاعتداء على مقر المكتب بمنطقة المنيل من جانب أشخاص تابعين لجهاز أمن الدولة.. وقد شكل المكتب لجنة لإدارة الأزمة، داخلها ثلاث لجان: لجنة معنية بميدان التحرير، وأخرى معنية بالإعلام، وثالثة معنية بالتواصل مع القوى الفاعلة، خصوصًا شباب الثورة (58)، وقد أوكلت مهمة اللجنة الرئيسة إلى الدكتور محمد علي بشر، عضو مكتب الإرشاد، الذى تولى المهمة باعتباره مشرفًا على قطاع القاهرة الكبرى بعد اعتقال الدكتور محمد مرسي فجر يوم جمعة الغضب (28 من يناير) الذى كان يتولى هذه المسئولية.

ويحكى الدكتور أسامة ياسين أنه تطورت الأمور بشكل سريع فيما بعد، فتم تشكيل غرفة عمليات دائمة تضم مسئولى مناطق القاهرة الكبرى ونوابهم، كان مقرها منطقة عابدين القريبة من ميدان التحرير، فى مكتب الأستاذ جمال حنفى (المحامي). كان الهدف الرئيسى للغرفة هو التواصل مع أعضاء مكتب الإرشاد فى القرارات، وكان من أول القرارات المهمة فى هذا الشأن: دعم المبيت فى الميدان بحيث لا يقل عدد المتواجدين فيه عن 30 ألف شخص، التواصل مع إخوان المحافظات لدعم ميدان التحرير من ناحية، ومن ناحية ثانية تنظيم فاعليات متقطعة فى محافظاتهم لتخفيف الضغط عن المحافظات الثلاث المشتعلة: القاهرة ، الإسكندرية، السويس (59).

وقد أصدر الإخوان بيانًا يوم السبت (29 من يناير) أكدوا فيه استمرارهم فى الثورة على نظام مبارك، وأكدوا أيضًا أن ما وقع من تخريب على بعض الممتلكات، العامة والخاصة، هو من صنيعة شركاء الجهاز الأمنى من البلطجية الذين سبق أن استعان بهم الأمن فى قمع الشعب وتزوير إرادته فى الانتخابات، وأعلنوا أنهم مصرون على تحقيق مطالب الشعب الأساسية وهي: إلغاء حالة الطوارئ فورًا، حل مجلسى الشعب والشورى المزورين، الإفراج الفورى عن جميع المسجونين والمعتقلين السياسيين، الإعلان عن حكومة وطنية انتقالية من غير الحزب الوطني، تشكيل لجنة وطنية للتحقيق وتقصى الحقائق فى وقائع استخدام العنف والقتل غير المبرر ضد المتظاهرين. (60)

كانت مظاهرات الغضب التى تقدر أعدادها بعشرات الآلاف لا تزال متواصلة فى المحافظات، للمطالبة بإسقاط النظام والإصلاح السياسي، وحاصر المتظاهرون فى الأقاليم مقار للهيئات الحكومية وأشعلوا النيران فى مقار الحزب الوطنى وأقسام الشرطة، فيما تواصلت أعمال السلب والنهب. وفى هذا اليوم (السبت 29 من يناير) قرر الرئيس مبارك تعيين اللواء عمر سليمان نائبًا له، كما كلف الفريق أحمد شفيق بتشكيل الحكومة الجديدة.

وفى الوقت ذاته أصدر مسئولو وزارة الداخلية أوامرهم لجميع قطاعات الوزارة بإخلاء مواقعهم، والانسحاب من الشوارع والمقار ونقاط التفتيش والمرور، وترك أقسام الشرطة، فى الوقت الذى قامت فيه عناصر أمنية بإحراق عدد من أقسام الشرطة، كل هذا من أجل دعم سيناريو الفوضي، وإطلاق سراح المساجين.

بعدما سيطر الثوار على ميدان التحرير يوم الجمعة 28/1، سارعوا فى اليوم التالى إلى تشكيل لجنة تنفيذية تضم 32 شخصًا، من كل الاتجاهات؛ لتنظيم عمليات الإعاشة، والإنقاذ، والتأمين "وهنا برز دور شباب الإخوان المسلمين الذين قاموا بإغلاق الميدان، والبدء فى تأمين المنشآت الحكومية (61) وتولوا إدارة العملية الأمنية بكاملها داخل ميدان التحرير، وكان الدكتور أسامة ياسين هو مسئول الأمن فى الميدان، أما المسئول عن تأمين اللجنة التنفيذية فكان الدكتور أحمد توفيق، وتولى الدكتور خالد حنفي إدارة المستشفى الميدانى الذى اضطلع بدور بطولى باقى أيام الثورة، وضم أكثر من 40 طبيبًا وما يقرب من 20 عيادة ومستشفى جبهة.

وعند عصر السبت (29 من يناير) دخلت إلى ميدان التحرير جنازة الأخ الشهيد مصطفى الصاوي، الذى توفى بالأمس، وكانت فى طريقها للدفن بمقابر السيدة عائشة مرورًا بالتحرير، لكن حملها الشباب وطافوا بها الميدان، ثم اتجهوا إلى شارع محمد محمود

وهنا وقعت معركة كبيرة بين الثوار وقوات الأمن التى تقوم بتأمين محيط وزارة الداخلية -وكان وزير الداخلية حبيب العادلى ورئيس جهاز أمن الدولة حسن عبدالرحمن لا يزالان موجودين فى مبنى الوزارة- وقد استُشهد فى هذه المعركة عدد كبير من الشباب قُدر بالعشرات غير مئات الإصابات الخطيرة.

ومنذ هذا اليوم بدأ المواطنون فى حرق مقرات أمن الدولة، رمز الفساد والاستبداد، وقد سبقت الإسكندرية باقى المحافظات فى هذا الأمر، تلتها كفر الشيخ، فالإسماعيلية، فالبحيرة، فالدقهلية، كما بدأت السجون فتح أبوابها أمام المساجين، ومن ثم زادت أعمال النهب والبلطجة والسرقة فى العديد من مناطق الجمهورية، وقد قام نواب الحزب الوطنى بدعم هؤلاء المجرمين وتحريكهم لترويع الأهالى وسرقة ممتلكاتهم والسطو على البنوك وشركات الصرافة، وقد قام ضباط شرطة أيضًا بعمليات سلب وترويع ضد الأهالى فى أكثر من منطقة.

تشكيل اللجان الشعبية

بادر الإخوان، بمشاركة باقى القوى الوطنية بتشكيل لجان شعبية لحماية المنشآت العامة والخاصة، وإدارة عمليات الحفاظ على الممتلكات، وقد بلغ عدد من شاركوا فى هذه اللجان فى هذا اليوم فى مدينة الإسكندرية على سبيل المثال أكثر من 100 ألف شاب.

وقام شباب الإخوان، كلٌ فى منطقته، بتنظيم المرور، وإدارة المخابز، وغيرها من الأمور الحياتية، وفيما يتعلق بالوضع الخارجى أكد الإخوان أنهم حريصون على استمرار مؤسسات الدولة، وخاصة الاقتصادية، فى أداء عملها؛ لأن هذه المؤسسات مرتبطة بمنظومة عالمية يحترمها الإخوان من باب الحرص على استقرار علاقة مصر بالعالم الخارجي.

وعقب جمعة الغضب 28يناير، ونجاح الحشد الجماهيري، أصدر الإخوان بيانًا في يوم السبت 29 يناير ومما جاء فى البيان:

إن الإخوان المسلمين يؤكدون على تأييدهم وتضامنهم مع الشعب المصرى بكل طوائفه وقواه الوطنية فى رفضهم لكل القرارات والإجراءات والتعيينات التى تم اتخاذها بالأمس ويعتبرونها التفافا على مطالب الشعب المصرى ومحاولة لإجهاض ثورته الشعبية وانتفاضته المباركة .
كما يدين الإخوان المسلمون عمليات التخريب والحرق والسلب والنهب والترويع وإشاعة الفوضى فى البلاد،كما يدينها كل أفراد الشعب المصرى،ويحملون مسئوليتها كاملة للنظام وعلى رأسه رئيس الجمهورية،علما بأن من يقوم بها إنما هم المجرمون الجنائيون الذين أطلقهم النظام من السجون وأقسام الشرطة يشاركهم فى ذلك البلطجية الذين استخدمهم النظام قبل ذلك فى تزوير الانتخابات إضافة إلى مجموعات من الشرطة السرية،ويتم كل ذلك فى غياب تام ومريب لقوات الأمن،وذلك حتى ينصرف المتظاهرون لحماية أسرهم وممتلكاتهم الخاصة،وبذلك يتم إجهاض الانتفاضة .
إننا نطالب رجال القوات المسلحة – وهم درع الوطن وحاميه – بحماية المتظاهرين الذين يعبرون عن رأيهم بطريقة سلمية وحضارية حتى تتحقق مطالبهم المشروعة والعادلة،وكذلك تأمين مؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة،والعمل على إيقاف عمليات القتل المستمرة للمدنيين العزل وتأمين كافة المرافق الحيوية التى تقوم بتوفير مقومات الحياة للمواطنين حتى تفشل سياسة تجويع الناس والتى بدأ يستخدمها النظام لإجهاض الانتفاضة.
يطالب الإخوان المسلمون بالإفراج الفورى عن جميع المعتقلين والمحبوسين السياسيين،وكذلك كل من اعتقل أثناء وبسبب الانتفاضة.كما نثمن الدور الإيجابى العظيم الذى تقوم به اللجان الشعبية من الإخوان وغيرهم التى تمارس حماية الممتلكات العامة والخاصة وتنظم المرور،وندعوها للقيام بدور جديد وهو تحقيق التكافل بين الأسر المختلفة فى حالة نقص أى من المواد الغذائية والأدوية وغيرها من الاحتياجات الضرورية .

كما نكرر مطالبنا والتى هى مطالب الشعب كله وفى مقدمتها :

  1. إلغاء حالة الطوارئ .
  2. حل مجلس الشعب والشورى .
  3. الإعلان عن تشكيل حكومة وحدة وطنية من غير الحزب الوطنى لتقوم بإجراء انتخابات نزيهة وانتقال السلطة بشكل سلمى .

إن الإخوان المسلمين يدعون الله أن يتغمد شهداء الانتفاضة والحرية والكرامة بواسع رحمته وأن يلهم أهلهم الصبر والسلوان ويطالبون بضرورة التحقيق مع ومحاسبة كل أمر وحرَّض وشارك فى ارتكاب جرائم القتل ضد الشعب والتى تعتبر جريمة ضد الإنسانية. (62)

كما كان للإخوان المسلمين دور كبير فى تأمين الميدان من البلطجية، وشهد القاصى والدانى لبسالتهم وشجاعتهم وتضحياتهم يوم "موقعة الجمل" وبعدها، حيث إنهم تصدوا للبلطجية الذين كانوا يريدون إجهاض الثورة، خاصة بعد الخطاب العاطفى لمبارك وانسحاب عدد من شباب الميدان، وحينما طلب د. البلتاجى المدد والعون وأحضر إلى الميدان عشرة آلاف شاب ورجل تغيرت الأوضاع تمامًا، فضلاً عن تنظيم الميدان ونصب شاشات العرض الكبيرة.

موقعة الجمل

إذا كان من المنطقى ارتباط اسم الثورة المصرية باسم "موقعة الجمل" فالأكثر منطقية هو ارتباط هذا اليوم بالإخوان المسلمين فهناك العديد من الشهادات التى تؤكد دور الإخوان فى هذه الموقعة للحفاظ على الثورة، فمنذ يوم السبت (29 من يناير) -أى فى اليوم التالى لجمعة الغضب التى دخل فيها الثوار ميدان التحرير وقرروا الاعتصام فيه حتى رحيل النظام- وهناك محاولات لا تنقطع لإفساد خطة الثوار، والاستيلاء على الميدان، والإبقاء على النظام بأى ثمن ولو أدى ذلك إلى حرق البلاد وتحويلها إلى خرابة وأشلاء.

بعد خطاب مبارك فى يوم الثلاثاء (1 من فبراير) بدأ البلطجية فى الانتشار فى مختلف شوارع القاهرة وباقى المحافظات؛ تمهيدًا للاحتكاك بالمتظاهرين الذين رفضوا الخطاب وأكدوا مطالبهم برحيل النظام.. وكانت تلك الأخبار تصل إلى مسئولى الإخوان؛

حيث كان إخوان كل منطقة من المناطق أو محافظة من المحافظات يبلغون القيادة بما رصدوه فى هذا اليوم.. وقد أكد الجميع أن البلطجية يتم تجميعهم بشكل منظم؛ للانطلاق فى مجموعات إلى أهداف بعينها، كما تم رصد محاولات من جانب أجهزة الأمن لإبعاد وكالات الأنباء الخارجية عن ميدان التحرير؛ لتدبير أمر لم يكونوا يعرفون ما هو ولا متى سيكون، كما وصلتهم أنباء عن وجود وزير الصحة بمستشفى قصر العيني، وأن 15 سيارة إسعاف تحركت على مقربة من الميدان، وبالفعل تجمعت سيارات الإسعاف كأنها تنتظر حدثًا كبيرًا.

فى يوم الأربعاء (2 من فبراير) -أو اليوم الدامى كما أطلق عليه الثوار هذا اللفظ- كان الميدان على موعد مع معركة شرسة بين أنصار الحزب الحاكم والبلطجية من جهة والثوار من جهة أخرى .. وقد اختار النظام هذا الموعد لسببين: أنه جاء بعد الخطاب العاطفى لمبارك والذى استدر به عطف الكثيرين الذين انسحبوا من الميدان

أما السبب الآخر فلأن هذا اليوم كان بعد يوم مليونية الثلاثاء، وعادة تقل الأعداد كثيرًا فى اليوم التالى للمليونية، ولهذا لم يكن فى الميدان وقت نشوب المعركة سوى عدة آلاف من الثوار، معظمهم من الإخوان المسلمين القادمين من المحافظات والذين يقيمون بشكل دائم داخل الخيام التى نصبوها داخل الميدان فى وقت مبكر كما ذكرنا من قبل.

وفى تمام الساعة الثانية والنصف ظهرًا فوجئ الثوار بآلاف البلطجية وأعضاء الحزب الوطني(28)، وخيالة يمتطون الجمال والأحصنة "13 حصانًا وجملا واحدًا"، ويحملون صور مبارك، وفى أيديهم الأسلحة البيضاء والنارية - يدخلون الميدان من مداخله التسعة - فى توقيت واحد- للاستيلاء عليه وإخراج من فيه، وقد استمرت هذه المعركة منذ دخول هذه الآلاف بعد ظهر الأربعاء حتى فجر الخميس، ويبدو أنها كانت معركة مرتبة ترتيبًا محكمًا من جانب النظام؛

إذ تمت على مراحل ثلاث: المرحلة الأولى من الساعة الثانية ظهرًا حتى السادسة مساءً، ثم من السادسة حتى الحادية عشرة، ثم كانت استراحة لمدة ثلاث ساعات أعقبها هجوم جديد أشد ضراوة بدأ من الثانية صباح يوم الخميس حتى موعد صلاة الفجر، وقد استخدم البلطجية القنابل والزجاجات الحارقة

وكسر الرخام والطوب والأحجار التى تم جلبها فى سيارات نقل تابعة للحكومة ولمؤسستى الأخبار والأهرام، يعاون هؤلاء البلطجية قناصة محترفون من الحرس الجمهورى والقوات الخاصة اعتلوا أسطح العمارات المجاورة وبدءوا فى قنص الثوار، وقد استُشهد فى الموقعة ثمانية عشر من الثوار، وأصيب أكثر من 2500 آخرين.

وقد تحمل الإخوان عبء التصدى لهذا العدوان، وتمكنوا من دحر البلطجية وفلول النظام، ومنعهم من دخول الميدان، وقد وقع منهم ستة قتلى وأكثر من مائة مصاب أمام الدور السلبى للجيش الذى التزم الصمت أمام ما يجرى من اعتداء على الثوار، بل إن أحد قادته أصر فى اليوم التالى (الخميس 3 من فبراير) وبعد تغير الموقف لصالح الثوار على إنزال شباب الميدان من فوق أسطح العمارات ومن فوق كوبرى 6 أكتوبر، وهدد بإطلاق النار عليهم إذا لم يستجيبوا لذلك (63)، وكان واضحًا أنه يفعل ذلك ليعاود البلطجية دخول الميدان مرة أخري.

كما لم يخضع الإخوان لتهديدات النظام بترك الميدان أثناء موقعة الجمل وبعدها ؛ حيث كان قرار الجماعة : عدم ترك الميدان إلا بعد رحيل النظام ولو كان المقابل هو الموت.. يبدو هذا فى الحوار الذى دار بين الدكتور محمد البلتاجي وأحد مسئولى جهاز المخابرات؛ إذ أشار البلتاجى فى شهادته أمام محكمة جنايات القاهرة فى قضية "موقعة الجمل" إلى أن أحد الأشخاص طلب منه (يوم الأربعاء 2 من فبراير، الساعة الثانية ظهرًا) مقابلة أحد القيادات الأمنية داخل مكتب شركة (سفير) للسفريات بميدان التحرير

وأنه دخل المكتب ومعه مجموعة من المتظاهرين، والتقى الرجل الذى قدم نفسه بأنه اللواء عبدالفتاح من جهاز المخابرات العامة، وطلب منه إخلاء الميدان حقنًا للدماء، وأبلغه بأن لديه معلومات مؤكدة عن وجود مجموعات من أنصار مبارك سوف تدخل الميدان للاشتباك مع المتظاهرين، وأن ذلك سيؤدى إلى إراقة دماء كثيرة، ولا بد من إخلاء الميدان وفض التظاهر.

وأضاف البلتاجي:

"قلت له: يا سيادة اللواء، كيف تسمحون لهؤلاء البلطجية بدخول الميدان؟ فقال لي: إنهم مواطنون مصريون يريدون التعبير عن رأيهم المؤيد للرئيس مبارك، فقلت له: وهل ضاق بهم ميدان مصطفى محمود؟! فلديهم كل ميادين مصر للتظاهر فيها، ومن الممكن فتح استاد القاهرة ، فهو يستوعب الآلاف، فقال: هم يريدون التعبير عن رأيهم بالتحرير مثلكم، وأنا لا أستطيع منعهم.
واستمر الحوار نحو ساعة، لكن اللواء استمر فى المكتب لساعات يتابع الأحداث أولا بأول، وقبل أن ينتهى اللقاء قلت له: ما الضمان فى حالة عودة المتظاهرين إلى بيوتهم كى يصلوا سالمين بعد أن أحاط مؤيدو مبارك الميدان من جميع الجهات؟! فقال: نحن مسئولون عن خروجكم سالمين دون أن يتعرض لكم أحد، فأنهيت الحوار، قائلا: شكرًا سيادة اللواء، إذا كنتم تستطيعون تأمين خروجنا من الميدان سالمين فأنتم تستطيعون حمايتنا بداخله، وأنتم المسئولون عن حدوث أى اعتداءات على المتظاهرين". (64)

كان تراجع البلطجية والتابعين للنظام بمثابة انتصار جديد للثورة، واندحار للنظام الذى حاول رئيسه منذ يوم واحد كسب عطف الجماهير، فإذا به يعادى الشعب كله، ويخرج المصريون بالملايين يساندون أبطال ميدان التحرير، بمن فيهم الذين انسحبوا بالأمس تعاطفًا مع خطاب مبارك، الذى لم يكن -كما صرح الإخوان- سوى خديعة واستدراج، وقد شاهد المصريون جميعًا الجريمة التى ارتكبها مبارك وأنصاره ضد المتظاهرين المسالمين فى ميدان التحرير، والذين لا يطالبون إلا بحق مشروع، ولا يرفعون سلاحًا أو يقرون عنفًا.

كانت المشاهد مؤلمة، والمأساة كبيرة، وقد تابعت الملايين -على مدار ساعات- ما جرى للشباب على أيدى المجرمين.. وقد اكتملت تلك المأساة فى اليوم التالى للحادثة؛ إذ لم يستح النظام مما فعله بالأمس، ولم يفهم بعدُ أنه منبوذ من شعبه، فأصر على مواصلة حلقات غبائه المعهودة

فقام بإطلاق الرصاص الحى على الوافدين للتحرير، بعد إحكام غلق الطرق والمنافذ الموصلة للميدان، وانتشر البلطجية التابعون للأمن فى كل مكان، بل أغُلقت مداخل القاهرة (65)، وصادر البلطجية المؤن اللازمة للمتظاهرين كالطعام والشراب. وخطط النظام أيضًا لإضرام النيران فى بعض المنشآت الحكومية فى ميدان التحرير لإظهار الثوار بأنهم يثيرون الفوضي.

وقد تنبه الثوار لذلك فقاموا بتأمين تلك المنشآت وتشديد الحراسات عليها، كما قامت الأجهزة الأمنية بإطلاق الشائعات فى الأحياء ضد الثوار، واستخدموا فى أحياء أخرى مكبرات الصوت فى المساجد لتحذير الأهالى من المتظاهرين الذين سوف يسرقون بيوتهم ويعتدون على حرماتهم

جمعة الرحيل..

فى هذا اليوم (الجمعة 4 من فبراير 2011) خرج ما يزيد على سبعة ملايين مصرى ومصرية، فى ميادين وشوارع القاهرة والمحافظات، مطالبين برحيل النظام، مصرين على البقاء فى الميادين حتى يعلن مبارك تنحيه عن السلطة ويذهب غير مأسوف عليه، وقد أطلق على الجمعة (الرحيل) تيمنًا برحيل الفاسد عقب هذا الاجتماع الشعبى الكبير الذى جاء ردًا على ما وقع فى حادثة الجمل، ويقين الشعب أن هذا النظام مستهتر ومستبد ومخادع.

وفى تأكيد واضح على كذب الادعاءات التى أطلقها أحمد شفيق رئيس الوزراء الجديد والتابع للنظام الفاسد، بتأمين المظاهرات وعدم التعرض للمتظاهرين، قام بلطجية وميليشيات الداخلية بغلق منافذ القاهرة لمنع تدفق الآلاف إليها، بل إطلاق النار على تلك الحشود الزاحفة إلى ميدان التحرير

وقاد على مصيلحى وزير التضامن الاجتماعى عددًا ضخمًا من البلطجية لمنع متظاهرى الشرقية من الوصول إلى الميدان.. فى ظل هذه التجاوزات وغيرها اندفعت الجماهير، فى جميع المحافظات، تطالب -هذه المرة- بإجراء محاكمة علنية وعاجلة للنظام وللمسئولين عن مذبحة التحرير فيما عُرف بـ(موقعة الجمل).

المبحث الثالث: الإخوان والحوار مع النظام

فى أعقاب هذه الجمعة بدأ النظام فى تقديم تنازلات جديدة، فأعلن عن إقالة جمال مبارك من رئاسة لجنة السياسات بالحزب الوطني، وإقالة زكريا عزمي، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية والعقل المدبر لمبارك، وتم تعيين د.حسام بدراوى رئيسًا للحزب.. وبدا للعيان أن النظام بدأ فى الانهيار الحقيقي، فبدأ بعض وسائل الإعلام التابعة له -بمبادرة فردية من مسئوليها- فى الانحياز للثورة

وبدأ إعلاميون بأعداد كبيرة يقومون بمحاولات فرز وتطهير للمؤسسات الصحفية، كما حدث فى روز اليوسف حيث مُنع رئيس مجلس إدارتها ورئيس تحريرها من دخول مبناها، وكما حدث مع نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد الذى مُنع من دخول مبنى النقابة.

ومن ثم بدأ النظام الحديث عن حوار مع الثوار، وباقى القوى السياسية، وعن رغبته فى الوفاء بما يرفعونه من مطالب، وتم الإلحاح فى ذلك بعد الدعوة لمليونيات متواصلة أيام: الأحد (6 من فبراير)، الثلاثاء (8 من فبراير)، الخميس (10 من فبراير)، الجمعة (11 من فبراير)، وقد كانت تلك المليونيات تمثل رعبًا للنظام، بعدما انضم الشعب إلى صفوفها وصارت أعدادها تفوق جميع تقديراته.

لم يرفض الإخوان الحوار ولم يقبلوه فى الوقت ذاته، وأصدرت الجماعة بيانين فى يومين متتاليين لتوضيح رأيها فى هذا الشأن، البيان الأول يوم الجمعة (4 من فبراير)، والبيان الثانى يوم السبت (5 من فبراير)، أكد الإخوان فى البيانين أنهم يقبلون الحوار إذا كان جادًا منتجًا مخلصًا يبتغى المصلحة العليا للوطن، شريطة أن يتم فى مناخ يحقق إرادة الجماهير ومطالبها، وأن يكون متكافئًا بهدف التوافق حول طريقة الخروج من الأزمة العنيفة التى أوصلنا إليها النظام، على أن يبدأ النظام فى الاستجابة لمطالب الجماهير (66)

كما لم يتخل الإخوان -رغم قبولهم التحاور من حيث المبدأ- عن:

تنحى مبارك، محاكمة المسئولين عن إراقة الدماء فى المظاهرات، وغيرها من المطالب الجوهرية التى أكدوها فى بيان يوم السبت 5 من فبراير والذى جاء فيه:
"إن الإخوان المسلمين انطلاقًا من حرصهم على تحقيق مصالح الشعب كاملة، وحرصهم على وحدة القوى الوطنية كلها، واعترافًا منهم بالدور العظيم الذى قام به شباب الأمة وتضحياته الجليلة فى تفجير واستمرار الثورة المباركة
ورغبةً منهم فى الحفاظ على مصالح الأمة ومؤسساتها ومرافقها، وحرصًا منهم على استقلال وطننا ورفضهم أى تدخل دولى أو إقليمى فى شئونه الداخلية؛ فقد قررنا الدخول فى جولة حوار، نتعرف فيها على جدية المسئولين إزاء مطالب الشعب، ومدى استعدادهم للاستجابة لها، وهذا ما يتسق مع مبدئنا فى الحوار الجاد المخلص البناء.
ولهذا فنحن نلتزم بأن يكون هذا الحوار شاملا يستوعب كل القوى الوطنية والجماعات السياسية والأحزاب، وعلى رأسهم وفى مقدمتهم ممثلون حقيقيون للشباب، صاحب الفضل فى هذه الثورة؛ حتى نُسمع صوتنا وصوت الأمة للمسئولين، ونحدد لهم مطالبنا المشروعة العادلة.
ونحن نرى أن هذا الحوار لا بد أن يتم فى مناخ مختلف عن المناخ الذى نعيش فيه ويشعر به الجميع، وذلك يقتضي: تأكيد احترام الحريات العامة، التنفيذ الفورى لأحكام القضاء المعطلة بواسطة السلطة، وقف الحملات الإعلامية الحكومية التى ترمى لتشويه ثورة الشعب، إتاحة فرص متكافئة فى جميع وسائل الإعلام القومية، الإفراج الفورى عن المسجونين السياسيين والمعتقلين، ولا سيما الذين اعتُقلوا فى أحداث المظاهرات الأخيرة.
كما يؤكد الإخوان المسلمون إصرارهم على التمسك بمطالب الشعب، التى أعلنها الملايين فى مظاهراتهم العديدة المستمرة فى مصر والعالم أجمع، وعلى رأسها: تنحى رئيس الدولة،ومحاكمة المسئولين عن إراقة الدماء فى المظاهرات السلمية، وحل المجالس النيابية المزورة، الإلغاء الفورى لحالة الطوارئ، تشكيل حكومة وطنية انتقالية تتولى السلطة التنفيذية؛ حتى تتم الانتخابات النيابية بطريقة نزيهة حرة تحت إشراف قضائى كامل، وضرورة الفصل التام بين السلطات، وإطلاق حرية: تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات، إصدار الصحف والمجلات، وضمان حرية الإعلام.
كما يؤكد الإخوان المسلمون ضرورة تأمين المتظاهرين وكفالة حريتهم فى التظاهر السلمي؛ حتى تتحقق مطالبهم المشروعة. والإخوان المسلمون إذ يشاركون كل القوى السياسية والوطنية والشبابية فى هذا الحوار؛ ليأملون أن يسمع المحاورون لهم نداءهم، وأن يتفهموا مطالبهم، ويضعون المسئولين أمام واجبهم لتنفيذ تلك المطالب التى أجمعت عليها الأمة؛ حفاظًا على مصلحة مصر والمصريين جميعًا. حفظ االله مصر من كل سوء، وبلغها آمالها، وحفظ أهلها وشبابها، ورفع فى العالم قدرها.. (وقلٌ اعًملوا فسيرى پله عملكمً رسوله الًمؤًمٌنون ستردون إلي " عالٌمٌ پًغيًبٌ الشهادةٌ فينبٌئكم بٌما كنتمً تعًملون) "التوبة: 105" (67)

وفى صباح يوم الأحد (6 من فبراير) شارك الدكتور محمد مرسي والدكتور محمد سعد الكتاتني (عضوا مكتب الإرشاد) فى أولى الجلسات الخاصة بهذا الحوار الذى دعا إليه عمر سليمان نائب الرئيس، وذلك فى مقر مجلس الوزراء. وكان الإخوان قد تلقوا الدعوة أولا من المشير حسين طنطاوي، ثم من مكتب عمر سليمان.

وقد عقد الإخوان - مرسى والكتاتني - مؤتمرًا صحفيًا مساء هذا اليوم، بمقر الكتلة البرلمانية للإخوان بجسر السويس لتوضيح ما تم فى هذه الجلسة، أكدا خلاله أن انسحاب الجماعة من الحوار قائم إذا اكتشفوا عدم جديته، وأن استمرارهم فيه مرتبط بتنفيذ ما تنادى به ثورة 52 يناير، وقد بدأ الإخوان مؤتمرهم بالوقوف دقيقة حدادًا على أرواح شهداء الثورة.

واعتبر د.محمد مرسي أن الموجودين فى ميدان التحرير هم الجمعية العمومية للشعب، وهى لاتزال منعقدة، وأن الجميع لا بد أن ينزل على مطالبها، مشيرًا إلى أن الشرعية الشعبية فوق الدستور وفوق النظام ورغباته. وأكد أن الإخوان موجودون فى الحوار لتحقيق مطالب الثورة.

وعن سبب دخول الإخوان فى هذا الحوار، أشار الكتاتنى إلى

"أننا أمام شرعية جديدة ومرحلة جديدة تحتاج لتضافر جهود الجميع، وأنه لا يمكن للإخوان بما تملكه من إمكانات شعبية أن تترك حدوث مثل هذا الأمر دون المشاركة فيه، خاصة أن مشاركة الإخوان ضمانة حقيقية لتحقيق مطالب الجماهير وثورتهم المباركة".

وحول مطالب الإخوان فى الحوار قال د.عصام العريان - الذى قدم المؤتمر: "لم نطالب فى الحوار بمطالب خاصة بنا، إنما طالبنا بمطالب الشعب فى الحرية والكرامة والديمقراطية" ، ونفى العريان ما أذاعته إحدى القنوات بأن الإخوان وافقوا على استمرار مبارك فى الحكم حتى سبتمبر المقبل، مؤكدًا أن الإخوان مع مطالب الشعب وعلى رأسها تنحى مبارك.

كما أصدرت الجماعة بيانًا آخر (يوم الأحد 6 من فبراير) عقب جلسة الحوار الأولي، أكدت فيه ما جاء على لسان الأخوين اللذين شاركا فى الحوار - مرسى والكتاتني - وذلك بعد حالة من اللغط حول أجندات ومصالح خاصة للجماعة على حساب الثورة، جاء فيه: "إلحاقًا بالبيان الذى أصدرناه بالأمس وشرحنا فيه موقفنا من الحوار من حيث المبدأ والمناخ والشكل والموضوع، وبعد أن تمت جولة الحوار الأولي، فإنه التزامًا منا بحق الشعب والرأى العام المصرى صاحب السيادة فى تقرير مصيره ومستقبله نعرض وبمنتهى الصدق والشفافية موقفنا، وما تم فى هذه الجولة

ونؤكد:

  1. أننا جزء من شعب مصر العظيم، لا يمكن أن ننفصل عنه ولا نتأخر فى تحمل مسئوليتنا، أو واجبنا فى مشاركته فى السراء والضراء والتضحية والفداء.
  2. أننا لم نغير موقفنا من التمسك بالمطالبة بجميع مطالب الشعب الذى نحن جزء من نسيجه.
  3. أننا قبلنا الدخول فى جولة الحوار رغبة فى توصيل هذه المطالب مباشرة للمسئولين الجدد حتى نختبر جديتهم فى الاستجابة لها، وحتى نجنب شعبنا وبلدنا مزيدًا من الخسائر نتيجة تصلب النظام وعناده.
  4. أن دخولنا هذا الحوار إنما هو لمصلحة الثورة ولمصلحة الشعب والوطن، ونحن مع استمرارها حتى نراقب ونتأكد من تحقيق مطالبها.
  5. أننا حريصون على وحدة القوى الوطنية والسياسية والشعبية والشبابية، ولذلك اشترطنا أن يتم هذا الحوار جماعيا بحيث تمثل فيه كل أطياف الوطن وقواه، وعلى رأسهم الشباب صاحب الفضل فى هذه الثورة المباركة.
  6. أننا شاركنا حتى يسمع المسئولون رأى الشعب ومطالبه الموحدة والمجمع عليها، وإذا كانت بعض هذه القوى قد غابت هذه المرة عن الحوار فلا بد من تدارك ذلك فى المستقبل.
  7. أننا طلبنا أن يتم تغيير المناخ الذى يتم فيه الحوار عن المناخ الحالى لبعث قدر من الثقة المفقودة بين الشعب والنظام؛ ولذلك طلبنا تنفيذًا فوريا لكثير من الإصلاحات التى لا تحتاج لإجراءات دستورية وقانونية لطمأنة الشعب ولإثبات الجدية وحسن النية فى الاستجابة لباقى المطالب.
  8. أننا ليس لنا أجندة خاصة ولا نريد ركوب الموجة كما يدعى المبطلون، ولقد كررنا كثيرًا أننا لسنا طلاب سلطة ولا متطلعين إلى منصب ولا جاه، وكذلك فلن نرشح أحدًا منا لرئاسة الدولة.
  9. أن من أهم النقاط التى تم الاتفاق عليها فى هذا الحوار:
  10. الإقرار بأن حركة الشعب التى بدأت فى 25 يناير الماضى حركة وطنية وشريفة.
  11. ضرورة الحفاظ على سلامة المتظاهرين والإقرار بحقهم الكامل فى التظاهر السلمى فى أى وقت لمراقبة تنفيذ مطالبهم والتعبير عن رأيهم.
  12. إنهاء حالة الطوارئ بمجرد تحسن الظرف الأمنى وقبل إجراء أى انتخابات مقبلة.
  13. تعديل المواد (76)، (77)، (88) وما يلزم من تعديلات دستورية أخرى تتطلبها عملية الانتقال السلمى للسلطة.
  14. تشكيل لجنة تضم أعضاء من السلطة القضائية وبعض الشخصيات السياسية، تتولى دراسة واقتراح التعديلات الدستورية، وما تتطلبه من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور فى ميعاد ينتهى فى الأسبوع الأول من مارس.
  15. ملاحقة الفاسدين والتحقيق مع المتسببين فى الانفلات الأمني، والآمرين والمنفذين لإطلاق النار على الشباب ومحاكمتهم فورًا.
  16. تحرير وسائل الإعلام والاتصالات، وعدم فرض أى قيود على أنشطتها تتجاوز أحكام القانون، ومن ثم وقف الحملات الإعلامية الموجهة لتشويه ثورة الشعب.
  17. تشكيل لجنة وطنية للمتابعة تضم شخصيات عامة ومستقلة وممثلين عن الحركات الشعبية، تتولى متابعة التنفيذ الأمين لما تم التوافق عليه.

هذا وقد حدث خلاف فى الرأى حول بقية المطالب التى يطالب بها الشعب، ونحن نتمسك بمطالب الشعب، فالكلمة النهائية للجماهير.إننا دخلنا هذا الحوار من مركز متكافئ مع الطرف الآخر، ووفق إرادة حرة واستجابة النظام للمطالب الشعبية هى التى ستحدد إلى متى سيستمر الحوار، كل ذلك والتظاهر السلمى المليونى مستمر لتحقيق مطالب الشعب (يا أيها پذٌين آمنوا اصًبٌروا صابٌروا رابٌطوا اتقوا پله لعلكمً تفًلٌحون) "آل عمران: 200" (68)

وكما توقع الجميع، فقد انهار الحوار سريعًا، وانسحب الإخوان منه كما وعدوا قبل الدخول فيه، ففى اللحظات التى انعقد فيها الحوار كان النظام - من جهة ثانية - يختطف الإخوان ويعذبهم، وقد دخل الجيش على الخط فكانت الشرطة العسكرية هى التى تقوم بهذا الدور، فضلا عما قامت به أجهزة الإعلام الحكومية من شن حملة تشويه على الجماعة ، واتهامها بتعطيل الأعمال والمؤسسات وقطع الأرزاق، وأنها سبب الثورة على النظام والانفلات الأمنى فى سائر مناطق الجمهورية.

كان الحوار إذًا وهميًا، غرضه استيلاء النظام على ميدان التحرير بعد فض اعتصام الثوار، وكانت التنازلات التى قدمها النظام هى الأخرى وهمية، وكان هدفها هو هدف الحوار نفسه، وقد قام الجيش بالدور نفسه عندما قام قائد المنطقة المركزية العسكرية بزيارة المتظاهرين فى ميدان التحرير يوم السبت (5 من فبراير) وطلب منهم -بشكل واضح- فض المظاهرة، وكانت هناك محاولات منذ صباح هذا اليوم يقوم بها عدد من قيادات الجيش لكى يرحل المتظاهرون عن الميدان، الذين أكدوا أنهم لا تعنيهم حوارات ولا استقالات؛ لأنهم -على حد قولهم- يطالبون برحيل النظام كله، ولن يفضوا اعتصامهم إلا إذا رحل مبارك.

وكان عمر سليمان يفاوض قادة الحركات السياسية والحزبية، فى حين يسخر أحمد شفيق من الثوار ومن أعدادهم، وفى حين ينتشر البلطجية بأعداد كبيرة فى الميادين العامة فى عواصم المحافظات لإرهاب الأهالى لعدم الخروج فى مظاهرات تطالب مبارك بالرحيل، كل هذا تحت رعاية رجال الشرطة وبترتيب من رجال الحزب الوطني.

ومع كل هذه التناقضات رفض الإخوان -ومعهم جموع الشعب- استكمال الحوار، ليس لعدم جديته فقط، بل لغرضه الخبيث فى محاولة إجهاض الثورة.. وقد أصدر الإخوان يوم الإثنين (7 من فبراير) -فى اليوم الرابع عشر من الثورة- بيانًا أوضحوا فيه موقفهم من هذا الحوار، جاء فيه:

"إن الإخوان المسلمين رغبةً منهم فى مزيد من التوضيح وتحديد المواقف ودرء الشبهات يقررون:

  1. إن هذه الثورة الشعبية أسقطت النظام ومن ثم لا بد أن يرحل، ويتمثل ذلك فى ضرورة تنحى رئيس الجمهورية، وهو المطلب الأول والأكبر الذى تنادى به الجماهير، ولا يُقبل مطلقًا أن تتم التضحية بمصلحة الشعب بل حياة المئات من أبنائه والوطن واستقراره من أجل فرد. وإذا كانت هناك معضلات دستورية وضعها ترزية الدساتير والقوانين فعلى فقهاء القانون الدستورى إيجاد حل لها ومخرج منها، وإذا كانت هناك تعلة واهية بضرورة الحفاظ على كرامة الرجل، فأين كرامة الشعب التى ديست طيلة ثلاثين عامًا قتلا وتعذيبًا وقهرًا وإرهابًا وإفقارًا وإذلالا؟
  2. إننا حين دخلنا جولة الحوار فإنما أردنا أن نحمل إلى المسئولين هذا المطلب وغيره من المطالب الشعبية العادلة المشروعة، مع الاستمرار فى الثورة وحق الشعب فى التظاهر السلمى دون تعرض لهم حتى تتحقق هذه المطالب، وإننا نعيد تقييم الموقف من جميع جوانبه باستمرار، لتحديد موقفنا من هذا الحوار.
  3. إن البيان الذى أصدره النظام لم نتوافق عليه ولم نوقع عليه، وإن معظم المشاركين فى هذا الحوار كان سقف مطالبهم هو سقف المطالب الشعبية العادلة، ولكن- للأسف- لم يتضمنها البيان الرسمي.
  4. إننا نرى أن ما تضمنه البيان هو عبارة عن مجموعة من الإصلاحات الجزئية لا ترقى أبدًا لمستوى تطلعات الشعب، وحتى هذه الإصلاحات لم يتحقق معظمها على أرض الواقع، ونحن نتابع تطبيق الباقي، ولكن الأهم عندنا وعند الشعب هو تنحى رئيس الجمهورية الذى من شأنه أن يزيل الاحتقان ويمتص الغضب.
  5. إن للشعب ونحن معه مطالب أخرى أكثر أهمية مما ورد فى البيان الرسمى سبق أن ذكرناها فى بياناتنا السابقة نتمسك بها، ونصر على تحقيقها.
  6. إن مما يؤسف له ويطعن فى مصداقية المسئولين ويشكك فى جديتهم فى الإصلاح استمرار اعتقال أعداد من أفراد الشعب المصري، ومنهم عدد كبير من الإخوان بواسطة البلطجية ورجال الأمن، ثم تسليمهم إلى الشرطة العسكرية التى تسومهم سوء العذاب وتهينهم أشد الإهانة، كما كانت تفعل مباحث أمن الدولة، ونحن نربأ بالمؤسسة العسكرية التى نحبها ونحترمها أن تتورط فى هذه الأعمال السيئة. كما أن الحملة الإعلامية الرهيبة التى تشنها أجهزة الإعلام الحكومية على جماعة الإخوان المسلمين التى تتهمهم بأنهم وراء هذه الثورة، وأنهم السبب فى تعطيل الأعمال والمؤسسات وقطع الأرزاق، هى ادعاء باطل، فالثورة فجرها الشباب واستجاب لهم الشعب ونحن جزء منه، وهذه الجماهير الحاشدة لا يستطيع أحد أن يثنيها عن مطالبها، أما تعطيل الأعمال والمؤسسات وقطع الأرزاق؛ فالنظام هو السبب فيه بتصلبه وعناده فى رفض مطالب الشعب وعلى رأسها تنحية الرئيس.

إن هذين الأمرين: الاعتقال والتعذيب والحملات الإعلامية الباطلة يلقيان بظلال داكنة على قضية الحوار، فليتحمل العقلاء مسئوليتهم وليستجيبوا لصوت الأمة الذى هو من صوت االله، وجماعة الإخوان المسلمين طيلة تاريخها صادقة فى قولها ثابتة فى مواقفها، تحمل الحق وتصدع به فى وجه كل ظالم، ويسعى أفرادها يحملون الخير لأوطانهم ومواطنيهم، ويدافعون عن حقوق الشعب وحريته وكرامته، وضحوا ويضحون فى سبيل ذلك بكل غال ونفيس ابتغاء مرضاة االله، ويرقبون كل الموقف بدقة ويتخذون حيال كل حادث رد الفعل المناسب له، وهم على يقين أن االله عز وجل يدافع عن الذين آمنوا (الله غالٌبِ علي" أمًرٌهٌ لكٌن أكًثر پناسٌ لا يعًلمون) "يوسف: 21" (69)

وكان واضحًا أن الطغيان متجذر فى أركان النظام، وأن مبارك نفسه قد اعتقد أن له ملك مصر وأن أهلها عبيد عنده، ليس عليهم سوى السمع والطاعة، والخنوع والخضوع، ولو أساء إليهم، ولو حملهم ما لا يطيقون، ولو قتلهم تقتيلا.

وأصدر الإخوان بيانًا يتبرءون فيه من هذا النظام الذى يستخف بعقول الناس، ويتحدى مشاعرهم، ويعتبرهم سفهاء لا وعى لهم ولا عقل.. جاء فى البيان:

" لا يزال النظام -الذى سقطت شرعيته بالمسيرات والمظاهرات المليونية فى القاهرة ومعظم عواصم المحافظات- يتحدى الناس ويعاند إرادتهم، فبدلا من أن يرحل الرئيس ليتهيأ المناخ لانتقال سلمى للسلطة يخرج فى مشهد مستفز فى اجتماع مع بعض معاونيه، ومنهم ذوو الوجوه الكريهة للشعب، ليثبت أن الأمر لا يزال بيده، وأنه يمارس السلطة ويباشر الحكم، الأمر الذى من شأنه أن يدفع المتظاهرين الثائرين إلى تصعيد جديد.
  • ومن مشاهد الاستفزاز أيضًا أن تنشر الصحف الحكومية على لسانه أنه يقدم العزاء لأسر الشهداء فى استخفاف شديد بعقول الناس، إذًا فمن الذى قتلهم؟ أليس مسئولا بشخصه عن كل شهيد وجريح ومعتقل ومعذب ومفقود منهم؟ أليس هو رئيس السلطة التنفيذية التى تأتمر بأمره وتتباهى بتنفيذ توجيهاته؟
  • ثم نسمع أنه شكل لجنة قانونية لاقتراح تعديلات دستورية - فى الدستور الذى أفسده- ومع احترامنا لأعضاء هذه اللجنة، فإننا نرى أنها لجنة غير شرعية لأنها مكونة بقرار من رئيس فاقد للشرعية.
  • ونحن لا نزال نرى فى القرارات التى يصدرها هذا الرئيس غير الشرعى محاولة مستميتة للالتفاف على إرادة الجماهير، وكسب الوقت للتشبث بالسلطة وإبقاء النظام، وإلا فهل تكفى إقالة بعض مسئولى الحزب الوطني، وهم الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية، وهم الذين زوروا انتخابات المجالس النيابية والمحلية تزويرًا فاضحًا شاهده وشهد به الجميع فى الداخل والخارج ثم خرجوا يتباهون بالنصر، وقد مرغوا سمعة مصر فى الرغام، وقهروا إرادة شعبها الصبور؟
  • ألا يستحق كل منْ اقترف هذا الجرم المحاكمة والإدانة؟ ثم ألم يقرهم الرئيس على ذلك؟ وهل يكفى تقديم بضعة أشخاص كباش فداء للفاسدين والمفسدين، فأين الآلاف الآخرون؟ ولماذا يتم التستر عليهم؟ إن كل ملفات الفساد لا بد أن تفتح فالشعب هو صاحب السيادة وصاحب السلطة، وصاحب الثروة وصاحب الحق فى العلم والمعرفة.
  • إن الأموال المنهوبة التى ظهر طرف منها تكفى لسداد ديون مصر كلها، وتكفى لإقامة دعائم اقتصاد قوى يكفل للناس عملا لكل عاطل وأجرًا كريمًا لكل عامل وكفالة عزيزة لكل عاجز، وتنهض بالوطن وتحرره من الفقر والمساعدات الأجنبية، وما يتبعها من ذلة وتبعية، ولذلك فالشعب لن يسكت عن حقوقه المنهوبة حتى تعود إليه، ولا عن الناهبين حتى يقتص منهم.
  • إن الإفراج عن المسجونين السياسيين والمعتقلين -وخصوصًا المعتقلين بسبب التظاهرات الأخيرة- محك حقيقى للجدية والمصداقية.
  • ليس من الكرامة أن يبقى الرئيس جاثمًا فوق صدور شعبه رغم طوفان المقت والكراهية الذى يكنه هذا الشعب لهذا الرئيس، لذلك فكل من يزعم حرصه على كرامة الرئيس عليه أن يسعى لرحيله حفاظًا على مصالح الشعب والوطن.
  • أما آن لإعلاميى السلطة أن يثوبوا إلى رشدهم ويوقظوا ضمائرهم وينحازوا إلى أهلهم ويثبتوا ولاءهم لأمتهم ووطنهم ويلتزموا بأمانة الكلمة واستقامة القصد بعيدًا عن توجيهات النظام وإملاءاته؟
  • إن شعبنا قد شب عن الطوق وعادت إليه الروح والوعى ولن تخدعه الإجراءات المحدودة التى يجريها المسئولون، ولن يفقده صبره وإصراره على تحقيق مطالبه مهما كانت التضحيات. (والله غالٌبِ علي" أمًرٌهٌ لكٌن أكًثر پناسٌ لا يعًلمون) "يوسف: 21" (70)

وقد أصدر الإخوان بيانًا فى 9 من فبراير 2011م، يحذرون فيه النظام من الاستمرار فى عناده، ويدعونه إلى ترك السلطة وحقن الدماء.. جاء فيه:

" إن الجماهير الحاشدة التى شاركت فى مظاهرات أمس، والتى فاقت أعدادها كل المظاهرات السابقة إضافة إلى اشتراك فئات جديدة مثل أساتذة الجامعات والمهندسين والمحامين والصحفيين وكذلك الموقف المشرف الذى وقفه الإعلاميون الحكوميون الشرفاء فى التليفزيون المصرى ضد سياسة النظام التضليلية، والتحريضية.. كل ذلك يؤكد أن الشعب المصرى بكل فئاته وطوائفه عقد العزم، وشحذ الإرادة على تحقيق أهدافه، ومطالبه فى الحرية والكرامة والعدل والعدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية.. كما يؤكد أن الثورة فى ازدياد مطرد بمرور الزمن، وتصلب النظام وعناده.
  • ولا ندرى هل المطلوب أن يخرج الشعب كله عن بكرة أبيه، وبملايينه الثمانين حتى يفهم النظام، ويستجيب للمطالب العادلة المشروعة، وإذا كان كثير من أركان النظام أقروا بعدالة المطالب ومشروعيتها، فلماذا يلتفون حولها، ويحاولون خداع الناس وإجهاضها؟
  • إن هذه الجماهير لن ترهبها تلك التصريحات التى تهدد بالانقلاب العسكري، وهى تثق فى أن الجيش هو جيش الشعب ورجاله هم أبناء الشعب، وهم حماة الوطن والشعب معًا، ولا يمكن أن ينقلبوا على الشعب وآماله ومطالبه.
  • إن الإخوان المسلمين حينما شاركوا فى جولة الحوار لم يكن يعنى ذلك قط التخلى عن الثورة، أو الخروج عنها، وإنما كان بغرض التعجيل بتحقيق مطالبها من خلال نقل سلمى وسريع للسلطة، ولم يكن بغرض إضفاء شرعية على النظام الذى أسقطه الشعب، فلقد شاركنا فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، واتهمنا الآخرون بأننا نمنح النظام الشرعية، وكان تزوير هذه الانتخابات ضدنا وضد غيرنا هو العمل الذى نزع عن النظام الشرعية، وأسهم ضمن عوامل عديدة فى إثارة هذه الثورة المباركة.
  • إن هناك من يفترون علينا أننا نريد إقامة دولة دينية كالقائمة فى إيران، ونحن ابتداءً كررنا كثيرًا أننا لا نتطلع إلى السلطة، ولا نريد الرئاسة، ولا المناصب، ولا نسعى لكسب الأغلبية فى البرلمان ولكننا نتطلع إلى الإصلاح الشامل فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتعليمية والإعلامية وسائر جوانب الحياة ابتغاء وجه االله، والدولة التى نتطلع إليها إنما هى دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية، الشعب فيها مصدر السلطات وصاحب السيادة.
  • إننا نؤكد أن هذه الثورة المباركة هى ثورة الشعب المصرى كله لم يحركها حزب ولا جماعة ولا فصيل، وإن كان الجميع قد شارك فيها ولا يستطيع أحد أن يدعى أنه يقودها، أو يمثلها وحده، وإنما المطالب فيها مطالب جماعية لن تهدأ ثائرتها إلا بتحقيقها وعلى رأسها تنحى الرئيس.. نصر االله شعبنا وحقق آماله وحفظ وطننا وأمتنا، وهو نعم المولى ونعم النصير" (71)

المبحث الرابع: رحيل الطاغية

بالرغم من محاولات النظام العديد الالتفاف على الثورة والثوار سواء من خلال الممارسات السياسية التى قام بها أو عمليات البلطجة والقتل التى مارسها إلا أن تصميم الشعب بجميع طوائفه على ضرورة رحيل النظام، وكان اليوم السابع عشر للثورة (الخميس 10 من فبراير) هو أصعب أيامها وأثقلها على الثوار، فالشلل قد حل بكل مرافق الدولة، والناس خرجت إلى الشوارع فى انتظار خروج الفاسد لإعلان تنحيه عن السلطة..

وأخيرًا خرج لا ليعلن هذا القرار المنتظر وإنما ليلف ويدور ويخادع، ويعد بالإصلاحات، ويعهد إلى نائبه بذلك، ثم يتحدث هذا النائب (عمر سليمان) فيزيد الطين بلة.. وقد أيقن الثوار أن غدًا (الجمعة 11 من فبراير) ربما تكون هناك مذبحة لهم من ترتيب نظام العار الذى بات يقتل شعبه ويخطط للتمثيل به.

وقد أصدر الإخوان بيانًا فى هذا اليوم، توقعوا فيه سقوط النظام قريبًا، وطالبوا الشعب بالصبر والثبات.. جاء فيه:

"بعد هذه الثورة الهادرة التى زلزلت أركان النظام وخرج فيها الملايين ثمانية عشر يومًا متوالية يهتفون هتافًا مدويا يكفى لخلع الجبال الرواسي؛ يطالب برحيل النظام ويعلن سقوطه باستبداده وقهره ومحاسبة أركانه، وبعد أن ظن الناس أن الزئير قد سُمع، وأن الرسالة قد وصلت؛
خرج علينا مبارك ببيان صاعق، يؤكد لهم فيه أنه لا يزال يمسك بزمام الحكم وينقض آخره أوله، فقد ظل يتحدث عن أنه سيفعل ويفعل، ثم يعود ليقرر أنه فوض نائبه فى كل صلاحياته، ولا يمكن تصنيفه إلا ضمن منظومة الأحاديث الخادعة التى يريد بها أن يلتف على مطالب الجماهير، وعلى رأسها تنحيه الكامل عن الحكم، إن كان يحترم إرادة الشعب ويحرص على مصالح الوطن وأمنه واستقراره وإلا فإن الجماهير سوف تظل فى ثورتها حتى تتحقق مطالبها.
  • ثم أعقبه بيان نائبه الذى لم يضِفْ جديدًا قط، وإنما أفقده كثيرًا من تقدير الناس له؛ لأنه قدم نفسه باعتباره امتدادًا للنظام ورئيسه، محاولا بإجراءات ثانوية القفز على مطالب الشعب الأساسية الجوهرية، داعيا الجماهير للعودة إلى ديارهم دون تحقق شيء ملموس ذى قيمة من شأنه أن يفتح نافذة أمل لحياة حرة كريمة عادلة، فلا تزال السياسات هى السياسات والوجوه هى الوجوه، والفاسدون يرتعون كما كانوا يرتعون.
  • إن أسلوب الاستعلاء على الشعب والتصلب والعناد من شأنه أن يزيد الثورة ثورانًا، وها نحن أولاء نرى أنها تتسع وتزداد جغرافيا وفئويا وعدديا، والذى نخشاه أن تزيد خسائر البلد وتتضاعف، فكم هى المؤسسات التى توقفت عن العمل والأيدى التى انصرفت عن الشغل من أجل نيل الحرية والكرامة، وكم هى الأموال التى هربت والاستثمارات التى رحلت، فهل تساوى تلك الخسائر كلها رغبة فرد ظالم فى التشبث بسلطة بضعة أشهر؟
  • إن الديمقراطية التى يتشدقون بها تفرض النزول على إرادة الشعب، ومصلحة الوطن تفرض على من يزعم الوطنية وحب الوطن أن يؤْثِرها على مصلحته ومصلحة أسرته، فليرحل الظالم مختارًا قبل أن يرحل مكرهًا.
  • إن البيانين اللذين أصدرهما مبارك ونائبه مرفوضان تمامًا من الشعب، ونحن جزء من هذا الشعب المصرى العظيم.
  • أما أنت أيها الشعب المصرى البطل فقدرك أن تواجه نظامًا متغطرسًا متجبرًا فاسدًا يراهن على نفاد صبرك وقصر نفسك، فاثبت له- عكس ذلك- طول صبرك وشدة عزمك وإصرارك على استعادة حقك؛ فما ضاع حق وراءه مطالب فلتستمر فى ثورتك، مهما طال الزمن، ومهما بلغت التضحيات، فاالله لا يضيع عمل المصلحين.. (الذٌين جاهدوا فٌينا لنهًدٌينهمً سبلنا إن پله لمع پًمحًسٌنٌين)". (72)

مرت الثورة المصرية - بدون شك - بأوقات عصيبة، وتميزت بعض أيامها على باقيها، غير أن يوم الجمعة (11 من فبراير 2011) يبقى هو يومها الأول والأغر، لا يقل أبدًا عن يوم انطلاق الثورة (25 يناير 2011)، بل هو الأهم؛ حيث كافأ االله فيه المصريين بذهاب هذا الطاغية الأشر، حسني مبارك، الذى أضاع البلاد والعباد، وطال حقده الأسود كل من يقول ربى االله، فكان هذا اليوم علامة على فضل االله على الناس، وكيف أنه -سبحانه- قادر على خسف من يشاء من عباده المفسدين، وتوريث أرضه وملكه لمن يشاء من عباده الصالحين..

وقد أصدر الإخوان بيانًا هنئوا فيه الشعب المصري، الصابر الصامد، وحيوا فيه الشهداء الذين وهبوا دماءهم من أجل تحرير مصر من العبودية والاستبداد، وحيوا الثوار الذين تحملوا عبء هذا التغيير التاريخى المجيد..

جاء فى البيان:

"(قلٌ اللهم مالٌك الملًكٌ تؤًتٌي الملك من تشاء وتنزٌع الملًك مٌمن تشاء وتعٌز من تشاء وتذٌل من تشاء بٌيدٌك الخيًر إنك علي كلٌ شيًءُ قدٌيرِ) "آل عمران: 26".
  • يا جماهير مصر الصابرة الصامدة، يا أبطال الحرية وأنصار الحق، يا أهل التضحية والفداء: نحييكم فردًا فردًا، رجلا وامرأةً، شابًا وفتاةً، طفلا وطفلةً، مسلمين ومسيحيين، تحيةً من أعماق قلوبنا ونشد على أيديكم ونقبل جباهكم، ونحمد االله أن أزاح عن صدورنا جميعًا كابوسًا خانقًا، وطاغيةً مستبدًا، وأزاح عن شعب مصر العظيم غلالة الغبار حتى ظهر معدنه النفيس للعالم أجمع بأنه شعب - وإن كان صبورًا، إلا أنه- يأبى الضيم ويثور على الظلم ويعشق الحرية والكرامة، فهنيئًا لكم هذه اللحظات الكريمة المباركة التى كانت ثمرة عظيمة لثورة مباركة.
  • وأنتم أيها الشهداء يا من ضحيتم بحياتكم فى سبيل الله، ومن أجل تحرير أهلكم ووطنكم: تحيةً خالصةً لكم فى أرقى مكان وأكرم جوار، فى أعلى الجنان وجوار الرحمن، ومع حزننا العميق لفراقكم فإن سلوانا أنكم لستم أمواتًا ولكنكم أحياء فى الجنة تمرحون (لا تحًسبن پذٌين قتٌلوا فٌى سبٌيلٌ پلهٌ أمًواتْا بلً أحًياءِ عٌند ربٌهٌمً يرًزقون "169" فرٌحٌين بٌما آتاهم پله مٌن فضًلٌهٌ يسًتبًشٌرون بٌالذٌين لمً يلًحقوا بٌهٌم مٌنً خلًفٌهٌمً ألا خوًفِ عليًهٌمً لا همً يحًزنون) "آل عمران: 169، 170".
  • وتحيةً لجيش مصر العظيم الذى حمى الثورة منذ نزل إلى الشوارع وأمن الناس والمؤسسات بعد انسحاب الشرطة، وتلاحم مع المتظاهرين، ورفض محاولات توريطه والإيقاع بينه وبين الشعب، ولا عجب!! فالجيش هو جيش الشعب، وأبناؤه هم أبناء الشعب، ونحن نثق فى أن السلطة التى ائتمن عليها بصفة مؤقتة سوف يتم نقلها بطريقة سلمية إلى أهل السياسة؛ للحفاظ على مدنية الدولة وديمقراطيتها وإقامة المؤسسات التشريعية فيها وفق انتخابات حرة نزيهة.
  • وإلى الثائرين فى كل ربوع مصر، ولا سيما الشباب منهم، نقول: إن المرحلة الأسهل قد انتهت، رغم مرارتها وقسوتها؛ ألا وهى مرحلة هدم النظام الفاسد، أما المرحلة التالية فهى المرحلة الأصعب، وهى مرحلة بناء نظام جديد على أسس صحيحة تُحترم فيها الحريات العامة وحقوق الإنسان وكرامته، وتتوزع فيها الثروة بطريقة عادلة، ويقام فيها العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وتُطبق فيها قواعد العدالة الاجتماعية، وُتبنى مؤسسات الدولة على مبادئ وقيم وقوانين سليمة، ويكافح فيها الظلم والفساد، ويحارب الاستبداد حربًا لا هوادة فيها ولا تهاون معها.
  • أيها المواطنون الشرفاء.. لقد حققتم بفضل االله مكاسب عظيمة، فلا بد من حراستها والحفاظ عليها، وهذا يقتضى الاستمرار فى اليقظة والانتباه والوحدة والإيجابية، والحب والتواصل، وفقنا االله جميعًا، وسدد على طريق الحق خطانا وحقق آمالنا لشعبنا وأمتنا ووطننا (قلٌ اعًملوا فسيرى الله عملكمً رسوله الًمؤًمٌنون) "التوبة: 105" (73)

المبحث الخامس: مشاركة الإخوان بالثورة .. مواقف وشهادات

نورد فيما يلي شهادات لبعض الشخصيات العامة ممن سجلوا يوميات الثورة، واعترفوا خلالها بفضل الإخوان في حمايتها:

  • تحت عنوان: (أبناء الطالبية والعمرانية أنقذوا الثورة من السقوط يوم 28 يناير) (جمعة الغضب) قال الدكتور محمد أبو الغار في حوار مع ماهر مقلد لـ(الأهرام) يوم 23/4/2011م: "عدد كبير من شباب منطقة الطالبية في حدود 10 آلاف، كانوا مدربين على أعلى مستوى لتحمل مواجهة الشرطة، وهم من مجموعتين، الأولى شباب الإخوان، والثانية الألتراس من جماهير النادي الأهلي.. أما مجموعة العمرانية فهي مثل مجموعة الطالبية، لعبت دورًا مهمًّا جدًا، وكانت قوية، ونجحت أيضًا في فتح الطريق" (74)
  • في الحلقة رقم (7) من: "يوميات ثورة الصبار" كتب الشاعر عبد الرحمن يوسف في "المصري اليوم" ، يوم 14/4/2011م، يقول: "لقد انتهت تلك الليلة- يقصد فجر الثالث من فبراير 2011م ليلة موقعة الجمل-، ولكي أكون منصفًا، لا بد أن أذكر أن الصفوف الأمامية كانت عامرة بفضل جماعة الإخوان المسلمين أولاً، ولولاهم لما مرت هذه الليلة على خير".
  • وقال أحمد دومة، عضو ائتلاف شباب الثورة (موقع دار التحرير الإلكتروني 22/3/2011م): "شباب الإخوان لعبوا دورًا فاعلاً في حسم (موقعة الجمل) وتصدوا بصلابة وشجاعة لهجمة الخيول والجمال التي حاولت اقتحام الميدان وإجلاء المتظاهرين بالقوة، وأعتبر أن جهد الإخوان في هذا اليوم أحد العوامل المهمة في نجاح الثورة، فمعظم الشباب الموجود في الميدان آنذاك كانوا يعانون إصابات متعددة وفي حالة إعياء لا تسمح لهم بالتعامل مع البلطجية الذين دفعهم النظام السابق لإجهاض الثورة وإخلاء الميدان، ولولا وجود شباب الإخوان ووقفتهم البطولية لتبدلت موازين القوى" (75)
  • أما د. صفوت حجازي فقد أكد- في ندوة حاشدة نظمها طلاب هندسة أسيوط ونشرتها جريدة الفجر يوم السبت 2 من أبريل 2011م- أنه "لولا تصدي شباب الإخوان وشجاعتهم أثناء الثورة في ميدان التحرير لحدثت مذابح رهيبة للعشرات ولذُبحت الثورة، مؤكدًا أن الإخوان حموا الثورة، وأن 80% ممن وقفوا على حواجز المواجهة مع البلطجية في ميدان التحرير يوم موقعة الجمل من شباب الإخوان". (76)
  • وقالت د. نادية مصطفى -أستاذ العلاقات الدولية ورئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة : "ولا يستطيع أحد أن ينكر الدور الجهادى الذى ساند به شباب الإخوان إخوانهم فى ثورة مصر فى ميدان التحرير يوم الهجوم البربرى على الميدان فى 2/2/2011، فلقد تجلت فى هذا اليوم لحظة تاريخية من ماهية توزيع الأدوار وتكاملها (كلٌ ميسرٌ لما خُلق له) فكان الإبداع الاستراتيجى والتنفيذى للدفاع عن الثورة من ميدان التحرير إبداعًا مشتركًا متكاملا، سواء من العقول أو السواعد أو الأبدان، بل الأرواح" (77)
  • وفى المصرى اليــوم "27/2/2011" وتحت عنــوان (الإخوان ليســوا بعبع) كتب د. محمود خليل، رئيس قسم الصحافة بكلية إعلام القاهرة يقول: "لقد لعب الإخوان دورًا أساسيا فى حماية الشباب المصرى خلال الأيام التى انقض فيها رجال أمن الحزب الوطنى البائد وموظفوه وبلطجيته على المتظاهرين فى ميدان التحرير، مستخدمين الخيول والبغال والجمال، كذلك قاموا بدور مهم فى تنظيم عملية الدخول إلى الميدان خلال التظاهرات المليونية التى شهدتها الأيام التالية" (78)
  • أما د. سعد الدين إبراهيم فقد قال "موقع ابن خلدون، يوم 9 من أبريل 2011": ".. كانت الإشارة إلى معركة الجمل؛ لتذكير الناخبين بالدور المشهود والمشكور للإخوان المسلمين، فى صد الجحافل التى أرسلها نظام مبارك من راكبى الجمال الذين أتوا من منطقة الهرم بالجيزة لمداهمة آلاف المتظاهرين فى ميدان التحرير.. وكان شباب الإخوان أول المدافعين عن بقية الجموع، وتصدوا ببسالة لراكبى الجمال حتى أدبروا منكفئين على أعقابهم" (79)

كما أصدرت اللجنة الإعلامية لشباب 6 أبريل بيان قالت فيه

"إن شباب الإخوان شاركوا معنا من أول يوم فى الثورة، نعم الجماعة لم تدعو للثورة معنا لكن شبابها وقياداتها شاركوا معنا بصفة شخصية مثل الدكتور محمد البلتاجي الذى كان من ضمن النواب الذين وقفوا معنا فى يوم 25 يناير أمام دار القضاء العالى، ثم شاركت الإخوان رسميا من يوم 28 يناير ونزلوا رسميا للميدان وهو ذات اليوم الذى جاء فيه الدكتور محمد البرادعى رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق ليشارك فى التظاهرات".
وأكدت الحركة على أن شباب الإخوان والسلفيين كان لهم دور رائع وتاريخى يكتب بحروف من نور مع كل شباب الثورة فى يوم موقعة الجمل، وكنا سويا الدرع والسيف، مشيرة إلى أن بعد الثورة حدثت انقسامات واختلافات وأخطاء من جميع التيارات على درجات مسئوليتها واستقطاب من الجانبين لكن كل هذا اختلاف طبيعى سياسى، لكنه لا يصل لدرجة التخوين والخلاف (80)

هذا قليل من كثير يتناول دور الإخوان المسلمين فى الثورة وأدائهم وبالطبع لم يكن الإخوان وحدهم فى الميدان ولكن كان هناك الكثير من القوى الشبابية والشعبية ولكننا معنيين هنا بتوثيق دور الإخوان المسلمين فى الثورة والذى يحاول البعض أن يخفيه أو يتجاهله وخاصة بعد وصول الإخوان للحكم.

الفصل الخامس: الإخوان المسلمون والثورة التونسية

كُتب التاريخ مليئة باحتفالات الثورات العربية، لكن في الحقيقة لم تكن بينها ثورة بمعناها الشعبي، بل كلها كانت انقلابات أو تغييرات قسرية. أولها الثورة العربية الكبرى عام 1916.. كانت مجرد فكرة ولم تصبح ثورة. وثورة الضباط الأحرار المصرية في عام 1952 كانت انقلابا عسكريا، تلتها في أنحاء العالم العربي عشرات الانقلابات، كلها سمت نفسها ثورات شعبية، حتى وقعت أحداث تونس. المشهد الثوري الحقيقي الوحيد في المنطقة هو الثورة الخمينية في عام 1979، لكن إيران ليست بالبلد العربي حتى تقارن بتونس.

الثورة التونسية تاريخيا حالة مختلفة عربيا، وهذا ما أدهش الكثيرين، تونس كانت خارج رادار المراقبين ومستبعدة من قائمة الدول المرشحة للاضطرابات، لاعتبارات، من بينها قبضة زين العابدين بن علي الأمنية الحديدية. وبسبب انهياره اليوم تعيش الكثير من الأنظمة العسكرية والأمنية هذا "الهاجس التونسي" ؛ لأن هياكل الحكم مشابهة لتونس، انقلابات، أو عن انقلابات موروثة. الهيكل التونسي كان يقوم على منع الانقلابات المضادة، ومنع التمرد على النظام. ثورة تونس أثبتت أن هذا النظام قابل للتحطيم.

ثورة تونس عفوية اشتعلت أولا في شارع في سيدي بوزيد، لا في ثكنة عسكرية، كما هو تاريخ التغييرات العربية، ومع أن الثورة التونسية استغرقت أقل من شهر فإنها أطاحت بواحدة من أقوى القيادات العربية، حالة ستبقى محل تحليل ومراجعة.. لماذا سقط القائد في أيام على الرغم من إمكاناته وتجربته في بلد، يعتبر صغيرا نسبيا، محاط بسياج أمني شديد؟ الحالة تستحق التأمل فعلا.

ومن المؤكد كما ذكرنا سابقاً أن الثورة هى نتاج لأسباب عديدة وتراكم لمراحل سابقة وقبل الخوض فى مرحلة الثورة الحالية ودور الإخوان المسلمين فيها من المهم بمكان التعرض لمسيرة الحركة الاسلامية التونسية وعلاقتها بالسلطة خلال مرحلة ماقبل الثورة.

المبحث الأول:الإخوان المسلمون بتونس ... مرحلة ماقبل الثورة

نشأت الحركة الإسلامية بتونس فى الستينيات من القرن الماضى واتخذت الحركة فى مسيرتها مسميات عديدة وإن كانت تعلن تبنيها لفكر جماعة الإخوان المسلمين، ويذهب بعض الباحثين والكتّاب إلى القول بأنّ الحركة الإسلامية التونسيةعريقة عراقة جامع الزيتونة في تونس ومعروف أنّ هذا الجامع لعب دورا كبيرا في تاريخ تونس كما ساهم في الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية لتونس ووقف سدّا منيعا في وجه الاستعمار الفرنسي الذي كان يعمل على فرنسة تونس وجرّها إلى دائرة التغريب والفرنسة .

ويرتبط ظهور الحركات الإسلامية في تونس بتحركات بدأت في جامع الزيتونة في أواخر الستينيات حيث شرعت شخصيّات إسلامية منها الشيخ عبد القادر سلامة ومحمد صالح النيفر والشيخ بن ميلاد في إلقاء محاضرات ومواعظ ودروس دينية وبعض هذه المحاضرات كانت تنتقد الحالة السياسية والثقافية والاقتصادية في تونس.

وكان من بين الذين درسوا في الزيتونة في هذه الفترة بالذات [[عبد الفتاح مورو]] أحد أهمّ المشاركين في تأسيس الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس وبدأ مهمته تلك في عقد صلات وثيقة بشخصيات وأوساط تونسية .

ويقول الدكتور حيدر إبراهيم علي صاحب كتاب التيارات الإسلامية وقضية الديموقراطية أن تاريخ الحركة الإسلامية التونسية هو التاريخ الموازي والمضاد للبورقيبية وفي إطار أوسع للغرب فقد كان الحبيب بورقيبة من أكثر الزعماء صراحة في إعجابه بالثقافة الغربية وكان أحيانا يعبّر عن استيائه للثقافة العربية التي تشتمل ضمنا بعض العقائد الإسلامية والدينية .. (81)

وفي بداية السبعينيات التقى عبد الفتاح مورو براشد الغنوشي الذي كان في وقت سابق معجبا بالفكر القومي الناصري ثمّ تبنىّ الفكر الإسلامي ونشأت صداقة بينهما انعكست على نشاطهما السياسي فيما بعد .

ولد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في حامة قابس ودرس المرحلة الابتدائية في بلدته حامة قابس والمرحلة الثانوية في المدرسة الثانوية التابعة لجامعة الزيتونة ثمّ انتقل إلى بلدة مثيلبة حيث نال الشهادة الأهلية – المتوسطة – ومن تمّ درس في المدرسة الخلدونية في العاصمة التونسية وبعد ثلاث سنوات حصل على الثانوية العامة .عمل في بداية حياته العملية معلماّ في مدينة قفصة حتى سنة 1964 وبعدها سافر إلى دمشق ليدرس الفلسفة حيث حصل على إجازة في الفلسفة سنة 1968 .

وفي دمشق تسنىّ له أن يقرأ النتاجات الفكرية للإخوان المسلمين وتحديدا ما كتبه سيد قطب وأبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان . وبعد إتمام دراسته في دمشق عاد راشد الغنوشي إلى تونس سنة 1969 , وباشر التدريس في ثانويات تونس العاصمة و حمّام الأنف والقيروان . وفي سنة 1979 ترك التدريس وتفرغّ لاستكمال دراساته العليا في الشريعة الإسلامية (82)

وفي سنة 1970 قررّ مع عبد الفتاح مورو الشروع في إعطاء دروس وإقامة حلقات دينية تعليمية في المساجد وكانت جلّ هذه الدروس تتمحور حول حضارية الإسلام وخطورة الثقافة الغربية المادية . وأنضما كلاهما إلى جمعية المحافظة على القرآن الكريم سنة 1971 وأخذا يمارسان نشاطهما. ومن جامع سيدي يوسف في العاصمة التونسية بدأت الفكرة الإسلامية تسطع وبدأت الفكرة الإسلامية تخرج من دائرة المسجد إلى دائرة الجامعة .

وبعد سنوات من النشاط المتواصل انعقد اجتماع سرّي عام 1979 بضاحية منوبة في تونس قررّ إثرها راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو تأسيس تنظيم إسلامي على غرار تنظيم الإخوان المسلمين أطلقوا عليه اسم : الجماعة الإسلامية .

الجماعة الاسلاميّة التونسية بين 1971- 1981

بين سنتي 1971 و 1981 أي فترة عشر سنوات كانت الجماعة الإسلامية التي تزعمها راشد الغنوشي تقصر عملها على النشاط الثقافي والتربوي والفكري وكانت الحلقات الداخليّة التي تعقد بين كوادر الجماعة الإسلامية تساهم في بلورة العديد من الطروحات والأفكار بين أعضاء الجماعة الإسلامية . ويقول بعض الكتّاب أنّ الحركة الإسلامية التونسيةاستفادت من تسامح السلطة مع انحسار التأييد لها نتيجة تفاقم المشكلة الاقتصادية بالإضافة إلى محاولة السلطة لتحسين علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية خلافا لموقفها الصدامي السابق .

ويتوافق كثير من الباحثين على أنّ البورقيبية كنهج فكري وسياسي ساهمت إلى أبعد الحدود في إفراز التيار الإسلامي ذلك أنّ التطرفّ في تبنيّ الطروحات الغربية أدىّ إلى ردة فعل للنخب التي لا تؤمن بالبديل الغربي في تونس .

ولاشكّ في أنّ مؤسسي الجماعة الإسلامية قد تأثروا الى أبعد حدّ بكتابات المفكرين الإسلاميين من أمثال سيد قطب وأبو الأعلى المودودي ومالك بن نبي وحسن البنا وغيرهم. وقد ركزّ هؤلاء المفكرون في كثير مما كتبوه على إبراز الجوانب الحضارية للإسلام وضرورة أن يصبح الإسلام هو البديل الحقيقي لأزمة الحضارة الإنسانيّة .

وعندما تأسست الجماعة الإسلامية التونسية كانت مجرّد جماعة ثقافية وفكرية تتحرك من منطلق بعث الشخصية الإسلامية ووضع حدّ للإنسلاب الثقافي والتبعية للغرب وتجديد الفكر الإسلامي وكانت المنطلقات الثقافية والفكرية تحول دون دعوة هذه الجماعة إلى العنف لأنّها كانت تعتبر معركتها ثقافية بالدرجة الأولى في صراعها مع التيارات العلمانية التي كانت تجرّ تونس إلى دائرة التغريب .

وقد أنعكس تاريخ تونس الخاص على فكر الحركة الإسلامية في تونس من قبيل رفض العنف كأداة للتغيير وتركيز الصراع على أسس شوروية تكون هي أسلوب الحسم في مجالات الفكر والثقافة والسياسة. (83)

حركة الاتجاه الإسلامي التونسية (19811989)

اثر إعلان الحزب الدستوري الحاكم في تونس عن مشروع التعددية السياسية في سنة 1981 بادر أعضاء الجماعة الإسلامية إلى عقد مؤتمر أعلنوا في ختامه عن حلّ الجماعة الإسلامية وتأسيس حركة جديدة باسم حركة الاتجاه الإسلامي أنتخب راشد الغنوشي رئيسا للحركة والشيخ عبد الفتاح مورو أمينا عاما للحركة وتمّ الإعلان عن الحركة بشكل رسمي في 06-06-1981 وتقدمّت في اليوم نفسه بطلب إلى السلطات للحصول على اعتماد رسمي ولم تتلق الحركة أيّ ردّ من الجهات المعنية .

وفي شهر تموز – يوليو 1981 تمّ إلقاء القبض على راشد الغنوشي و أحيل إلى المحاكمة في العام نفسه مع مجموعة من قيادات حركة الاتجاه الإسلامي بتهمة الانتماء إلى جمعية غير شرعية وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات أمضى ثلاث سنوات منها في السجن وأفرج عنه في 02-08-1984 بعفو رئاسي بعد وساطة من رئيس الحكومة في ذلك الوقت محمد مزالي وأثناء اعتقاله خلف الغنوشي في قيادة الحركة الفاضل البلدي ثمّ حمادي الجبالي .

وقد عقدت حركة الاتجاه الإسلامي مؤتمرا سريّا في كانون الأول – ديسمبر 1984 جرى فيه تثبيت زعامة الغنوشي وعبد الفتاح مورو . وفي 06- 06 – 1985 عقدت الحركة مؤتمرا صحفيا كشفت فيه علانية في الذكرى الرابعة لتأسيسها عن كل أوراقها وأسماء أعضاء المكتب السياسي المنتخب .

وعندما اندلعت أعمال العنف في تونس ووضعت عدة عبوات ناسفة في فنادق سياحية أعيد اعتقال راشد الغنوشي في أغسطس – آب 1987 بتهمة أنّ له صلة بأحداث العنف والتفجيرات التي عرفتها تونس في ذلك الوقت . و حكمت عليه محكمة أمن الدولة بالسجن المؤبّد وذلك بتهمة تهديد أمن الدولة والتواطؤ مع دولة أجنبية هي إيران . وفي 15- 05- 1988 أصدر الرئيس زين العابدين بن علي عفوا خاصا عن الغنوشي وذلك بعد وصوله إلى السلطة وانقلابه على الحبيب بورقيبة .

وفكرة تأسيس حركة الإتجاه الإسلامي ذات الطابع السياسي لم تكن محل إجماع بين كل عناصر الجماعة الإسلامية و حول مستقبل الإتجاه الإسلامي برز اتجاهان الأول يمثله راشد الغنوشي و عبد الفتاح مورو وكان يريان ضرورة المضيّ بالحركة نحو بلورة تنظيم على غرار تنظيم الإخوان المسلمين والاتجاه الثاني ومن رموزه صلاح الدين الجورشي وأحميدة النيفر وزيّاد كريشان الذين رفضوا النموذج الإخواني و أقترحوا إبقاء الحركة في بوتقتها الفكرية والثقافية ومن رحم الاتجّاه الثاني تأسسّ ما عرف بالإسلاميين التقدميين.

وكانت هناك مبررات عديدة جعلت الجماعة الإسلامية تخرج من الدائرة الفكرية والى الدائرة السياسية ومن هذه المبررات :

  1. نضج الخطاب الإسلامي وبداية اقتناع كوادر الفكرة الإسلامية بضرورة لعب دور في الواقع السياسي التونسي.
  2. إغراق السلطة التونسية في حالة التبعية وضرورة التصدّي لها من خلال المساهمة في التغيير السياسي .
  3. تحديّات التيارات والقوى العلمانية والتغريبية.
  4. التحديات التي عاشها العالم العربي والإسلامي مثل أحداث أفغانستان ولبنان وفلسطين وغيرها .
  5. انتصار الثورة الإسلامية في إيران .

وكل هذه العوامل الداخلية والخارجية أملت على راشد الغنوشي ورفاقه ضرورة تكوين حزب سياسي . وفي حزيران – يونيو 1981 أعلن راشد الغنوشي عن تحويل الجماعة الإسلامية إلى حزب سياسي تحت اسم الاتجاه الإسلامي برئاسة راشد الغنوشي و عضوية عبد الفتاح مورو الذي أصبح أمينا عاما لحركة الإتجاه الإسلامي وبن عيسى الدمني مسؤولا عن الاتصالات وحبيب المكني مكلفا عن بالإعلام .

وقد رفضت وزارة الداخلية التونسية جملة وتفصيلا الترخيص لحركة الاتجاه الإسلامي وللحؤول دون أن تكبر في الواقع السياسي التونسي بادرت إلى اعتقال كل قيادات حركة الاتجاه الإسلامي .

وكانت السلطات التونسية تنظر إلى هذا التنظيم السياسي الجديد بكثير من القلق والحذر خوفا من تكرر التجربة الإيرانية في تونس والتي كان راشد الغنوشي ورفاقه يمدحونها كثيرا ويبدون إعجابهم بها , وكانوا يعلنون جهارا تأييدهم لها وخوفا أيضا من تكرار التجربة الجزائرية حيث خرجت التنظيمات الإسلامية في الجزائر من قمقمها إلى العمل العلني وبروز الحركة الإسلامية المسلحة في الجزائر بقيادة مصطفى بويعلي (84)

وإذا كانت السلطة التونسية قد اتهمّت حركة الاتجاه الإسلامي بالوقوف وراء أعمال العنف فانّ الحركة الإسلامية التونسية وعلى رأسها حركة الاتجاه الإسلامي كانت تدفع عنها تهمة العنف ويتهم راشد الغنوشي السلطة التونسية بأنها هي صانعة العنف ومهندسته الأسّاسية

وفي هذا السيّاق يقول:

أبرز ما يسم علاقة الدولة التابعة بمجتمعها هو علاقة العنف انّ التغريب في حدّ ذاته هو أبرز و أفدح ألوان العنف الذي تمارسه الدولة انّه عملية سلخ مجتمع عن أصوله وضميره من أجل ما يسمى بالحداثة وهي في الحقيقة ديكتاتورية الغرب على شعوبنا من خلال وساطة جماعة التحديث والتغريب على النمط الغربي نقيضا كاملا للديموقراطية من كل وجه (85)

ويجزم الغنوشي أنّ حركة الاتجاه الإسلامي كانت ترفض العنف وهذا ما يفسّر وقوف قواعد الاتجاه الاسلامي ضدّ أعمال التخريب التي كان يغذيها شعور الفتيان في المعاهد التعليمية بالحيرة والقلق وغموض المستقبل وديكتاتورية الإدارة كما تغذيها أطراف سياسية داخل النظام وخارجه تتبنىّ العنف منهاجا وعلى رغم ما أجتهد بعض الحاقدين ممن لا خلاق لهم في إلباس الاتجاه الإسلامي لبوس العنف في الأحداث المدرسية الأخيرة فإنني أؤكد وسيكشف التاريخ ذلك أنّه لولا تصدّي الاتجاه الإسلامي في المدارس لأعمال التخريب لما بقيّ شيئ قابل للكسر أو الحرق لم يكسر ولم يحرق (86)

المبحث الثانى:الإسلاميون والسلطة في تونس.. مسار المواجهة

التيار الإسلامي في تونس وإن كانت لا تنفرد بتمثيله حركة سياسية واحدة فإنّ حركة النهضة "الإخوان المسلمون" تعد الطرف الأكثر تمثيلا والأوسع انتشارا في كافة قطاعات المجتمع التونسي.

فالجماعة الإسلامية التي انطلقت في بداية السبعينات كجماعة دعوية تمارس التبشير بالفكرة الإسلامية وتعمل للاقناع بالمثال الإسلامي كصيغة ممكنة لتصحيح الانحرفات القيمية والأخلاقية التي جرها التغريب والتحديث والانحطاط والتي يعود مسؤولية جانب منها إلى خيارات الدولة الثقافية والسياسية.

ثم أصبحت الجماعة الإسلامية حركة سياسية بعد أن أعلنت عن نفسها إثر أحداث اجتماعية وسياسية وطنية منها والتى تعتبر تلك الأحداث بداية الصدام بين السلطة والاسلاميين وإن لم تخلو الفترات الماضية من مضايقات بأشكال مختلفة:

  1. أحداث "الخميس الاسود" 26 يناير 1978 المتمثلة في مواجهات دامية بين الجماهير وبين أجهزة الأمن التي اطلقت الرصاص على المتظاهرين العزل الذين سقط منهم العشرات. وقد جرت الأحداث إثر إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل عن الإضراب العام بعد أزمة بين المركزية النقابية بزعامة الحبيب عاشور وبين حكومة الوزير الأول الليبرالي الهادي نويرة على خلفية حرب مفتوحة من أجل خلافة الرئيس بورقيبة بين أجنحة في السلطة وكتل داخل الحزب الدستوري
  2. عملية قفصة المتمثلة في دخول مجموعة معارضة مسلحة ذات توجه قومي عربي من الحدود الليبية التونسية بدعم قيل آنذاك إنه من قبل النظامين الليبي والجزائري بغاية الإطاحة بالنظام التونسي الموالي للغرب والحليف للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وقد مثلت تلك العملية تحديا أمنيا لم تعرفه الدولة التونسية من قبل وفرضت على السلطة تعديلا في سياساتها الداخلية باتجاه انفتاح سياسي محسوب ومحدود كما وفرت لتيارات المعارضة من اليمين واليسار فرصة للإعلان عن نفسها وعن برامجها بعد أن كانت تعمل في السرية أو تتحسس طريقها نحو المجاهرة بأنشطتها وإيديولوجياتها.
  3. أحداث فبراير 1981 الطلابية والتي كان للإسلاميين دور بارز فيها وقد أبانت الأحداث عن حدود تجربة الانفتاح السياسي وكشفت حاجة التونسيين للتنفيس ورغبتهم في التعبير على تشكل الساحة السياسية على أسس إيديولوجية وسياسية مع استمرار خلفية الصراع على السلطة واحتداد معركة الخلافة.

وقد استطاع النظام التونسى أن يتجاوز أزماته رغم حدتها فقد امتصت الأزمة الاجتماعية السياسية الناتجة عن أحداث يناير 1978 وقفصة (87) 1980 كما حاول احتواء الصعود الإسلامي بمحاكمة قيادات حركة الاتجاه الإسلامي بتهم واهية وملفقة فتلك كانت طريقة النظام في تحييد وتصفية خصومه منذ حصول البلاد على الاستقلال في 20 مارس 1956.

كما عمدت إلى تزييف الانتخابات التشريعية لخريف 1981 بعد أن انهزم فيها الحزب الحاكم أمام حركة ناشئة ومنشقة عنه هي حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة الوزير الأسبق "أحمد المستيري".

غير أنّ أزمة النظام ما لبثت أن تفاقمت بتفجر الأوضاع الاجتماعية واحتداد الضغوط الاقتصادية وقد بلغ الاحتجاج الاجتماعي أوجه بأحداث الخبز في 3 يناير 1984 (88) ودخلت حرب الخلافة بين شقوق السلطة ومراكز النفوذ أحد منعرجاتها الحاسمة وكشفت الأحداث أنّ التيار الإسلامي لم يتقهقر بل تحول رغم القمع والمحاكمات إلى مد ثوري وإسلام احتجاجي باتت شعاراته السياسية صدى لمطالب كل الفئات الاجتماعية المتضررة من سياسة النظام كما تبنى جل مطالب المعارضة السياسية (ليبرالية ويسارية) وجعلها مطالبه الخاصة وبدا كأن البلاد تتجه إلى استقطاب سياسي بين الإسلاميين والسلطة.

وشهدت أواسط الثمانينات تحول ملف الإسلاميين إلى قضية وطنية ذات أولوية تتعلق في ظاهرها بالاعتراف أو بعدم الاعتراف بهم وتتصل في جوهرها وحقيقتها بهوية الدولة التونسية وبتحول أزمة النظام إلى أزمة هيكلية يرتبط بها استمراره أو زواله. فالصراع على السلطة بين أجنحتها أصبح سافرا ومكشوفا وسمم الأجواء السياسية وكشف افتقار الدولة إلى أي مضمون أخلاقي وثقافي متصل بهوية المجتمع وافتقارها إلى أي مضمون ديمقراطي متصل بطموحات القوى الحية بالبلاد وبشروط إمكان تحول النظام إلى نظام ديمقراطي.

وتعتبر مرحلة التسعينات هي المرحلة الأشد أثرا في حياة حركة النهضة التونسية إذ وضعت لأول مرة وجودها وأمنها وبقاءها محل امتحان غير مسبوق ووضعت خياراتها محل تمحيص مراجعة فبعد أن شارفت على الانتقال بنجاح من السرية إلى العلنية ومن اللاشرعية القانونية إلى الشرعية القانونية - وقد رغبت في ذلك وسعت إليه بكل جهدها – وجدت نفسها تعود إلى المربع الأول في علاقة القطيعة والتأزم مع نظام اعتقدت أنها يمكن أن تتعايش معه دون أن تتخلى عن ثوابتها الفكرية ودون أن تقدم تنازلات جوهرية.

لقد كانت تجربة الاعتقالات والمحاكمات والسجن والملاحقات وحتى تجربة المنفى التي تعرضت لها حركة النهضة التونسية طيلة عقد التسعينات تجربة مرة ومرحلة استثنائية من المواجهة المفتوحة والقطيعة السياسية وقد طالت إلى الحد الذي صار معه من الصعب توقع سيناريو مغاير ومشهد مختلف لولا أنّ المناخ السياسي بحسب عديد المراقبين أفضل حاليا مما كان عليه طوال عقد التسعينات رغم ما يسجل من تراجع في واقع الحريات خلال الأشهر الأخيرة مما دفع بالناشطين السياسيين المعارضين والحقوقيين وهيئات المجتمع المدني إلى الاحتجاج والتذمر والتشاؤم على خلفية ملفات سياسية واجتماعية وإنسانية (محاكمات السلفيين، أحداث الحوض المنجمي، محاصرة نشاط المعارضة) (89)

وصعد بن علي إلى السلطة، مبشرا بعهد (جديد) وبفتح المجال لحرية الصحافة، وتكوين الأحزاب، وعلقت في الأذهان جملته الشهيرة ، التي لن ينساها ضحاياه والشعب التونسي " لا ظلم بعد يوم " .ورحبت الحركة الإسلامية بالإطاحة ببورقيبة، وبعد عام من الانقلاب وقعت ، حركة الاتجاه الاسلامي، على الميثاق الوطني، الذي دعا إليه بن علي، لتنظيم العمل السياسي ، وتم السماح للحركة باصادر جريدة الفجر، وقيام الاتحاد العام التونسي للطلبة، الذي كان لسان حال أكثر من 40 ألف طالب اسلامي فضلا عن الأنصار والمتعاطفين .

وحددت الحركة في بيان تأسيسها الأهداف التي تناضل من أجلها،من بينها "تكريس الشورى وتحقيق الحرية وتأكيد استقلال القضاء وحياد الإدارة ، ودعم التعاون بين الأقطار الاسلامية العربية " .

وفي انتخابات أبريل سنة 1989 م شاركت الحركة الاسلامية باسم جديد هو "النهضة " ولكن كطرف مستقل، بعد منع قيام أحزاب على أسس دينية، حيث لم تحصل على ترخيص للعمل القانوني، وهو ما يفسر على أنه احدى ارهاصات المحنة التي تعرضت لها بعد ذلك ، لا سيما بعد الانتخابات، التي احتكر فيها الحزب الحاكم جميع مقاعد البرلمان بالتزوير، بينما أشارت الأرقام إلى فوز الحركة بنحو 20 في المائة .

ومثلت انتخابات 1989 م منعرجا خطيرا، في تاريخ تونس، ولا سيما علاقة "النهضة" بنظام بن علي، وأظهرت النتائج قوة شعبية للحركة، وكشفت الكثير من أنصارها، فضلا عن الطاقات المختلفة التي كانت في الظل ، وبدت كما لو كانت فخا للحركة الاسلامية، كما أظهرت المظاهرات بمناسبة حرب الخليج الأولى مرة أخرى قوة الحركة التي أرعبت بن علي وزمرة النظام البائد وقوى اليسار البائسة .

وكانت ثالثة الأثافي ما جرى في الجزائر من انقلاب على صناديق الاقتراع . فبدت التضييقات، والمنع من التجمهر، وطلب من الشيخ راشد الغنوشي التوقف والامتناع عن تنظيم تجمعات جماهيرية في مناطق البلاد، وبدا واضحا أن مشروعا للاستئصال يعد له باتقان، فخرج الشيخ راشد الغنوشي من تونس يوم 28 مايو 1989 م .

وخلفه على رأس الحركة الدكتور الصادق شورو، الذي شهد المحاكمات كلها، وكان أحد أكبر ضحايا نظام بن علي، حيث قضى أكثر من 20 سنة متواصة داخل السجن منها 14 سنة في زنزانة انفرادية . والحقيقة هي أن معاملة الاسلاميين، كان يطلق عليها في تونس صفة "الحالة الخاصة" وهي الاضطهاد والقمع والإذلال بقسوة ، بدون حدود ، وخارج إطار القانون ، فكلمة "حالة خاصة" يعني خارج إطار القانون، وما يعني ذلك من انتهاك، وخروق، واعتداء، وغياب لأبسط حقوق الانسان، وهي كلمة لا تعبرعن حقيقة ما كان يجري . وعندما يحتج البعض على تلك الممارسات باسم القانون ،" يقال للضحية " أنت حالة خاصة ".

وفي 7 نوفمبر 1989 والذي أعلن فيه منع قيام حزب سياسي على أساس ديني حسب زعمه .ومنع صدور جريدة الفجر، في ديسمبر 1990 م وسحب ترخيص ، الاتحاد العام التونسي للطلبة ، في نهاية مارس 1991 م.

وفي سنة 1990 م بدأ نظام بن علي حربا قذرة واستئصالية ضد الحركة الإسلامية ، وبلغ عدد المعتقلين سنة 1991 م التي ترأس فيها الحركة محمد القلوي، إلى أكثر من 10 آلاف معتقل، وأكثر من ذلك العدد تمكن وبطرق مختلفة من الخروج من تونس، ظلوا على مدى أكثر من 20 سنة في المهاجر في أكثر من 80 دولة .

وفي نفس السنة حوكم 300 مناضل من بينهم نحو 100 عسكري بتهم الاخلال بالامن العام .وفي أغسطس 1992 م صدرت أحكام قاسية وظالمة على الآلاف من قادة الحركة من بينها الحكم بالاشغال الشاقة مدى الحياة ، وتعرضت الجامعات لحملة من القمع خص بها الاسلاميون، وشارك فيها خصومهم من اليساريين .

وبعد الانتهاء من الاسلاميين طارد النظام فلول اليسار . وقال وزير الداخلية السابق عبد الله القلال بخيلاء " لقد انتهى أمر الحركة الإسلامية " وشملت المحاكمات 256 قياديا من حركة النهضة . وطال القمع كل من قدم مساعدة لأسر الضحايا من الاسلاميين .

وفي فترة المحنة تناوب على رئاسة حركة النهضة عدد من القيادات منها، الشيخ راشد الغنوشي، في الفترة ما بين أبريل 1972 وديسمبر 1980 م . وعبد الرؤوف بولعابي، من ديسمبر 1980 وحتى يوليو 1981 م. والفاضل البلدي من يوليو 1981 وحتى أكتوبر 1981 م .

حمادي الجبالي من أكتوبر 1981 وحتى أغسطس 1987 م . والشيخ راشد الغنوشي، من نوفمبر 1984 وحتى أغسطس 1987 م . وصالح كركر من أغسطس 1987 وحتى أكتوبر 1988 م .

وجمال العوى من أكتوبر 1988 وحتى أبريل 1988 م . والصادق شورو، من أبريل 1988 وحتى مارس 1991 م . ومحمد القولي مارس 1991 . ومحمد العكروت سنة 1991 م. ومحمد بن سالم من أبريل 1991 وحتى يوليو 1991 .

والحبيب اللوز من يوليو 1991 وحتى سبتمبر 1991 م . ونور الدين العرباوي في أكتوبر 1991 . ووليد البناني من أكتوبر 1991 وحتى نوفمبر 1991) ثم الشيخ راشد الغنوشي من نوفمبر 1991 وحتى اليوم ، بعد التجديد له .

لقد طالبت الحركة في مؤتمرها السادس بالمهجر، والذي عقدته في يونيو 1996 م ، ومؤتمرها السابع في لندن يوم 3 أبريل 2001 م ومؤتمرها الثامن في 2007 م في لندن بتحقيق " اصلاحات دستورية وقانونية شاملة ورفع القيود على التدين والكف عن وصاية الدولة على الدين ومؤسساته " وكانت الحركة قد كانت من المؤسسين لحركة 18 أكتوبر 2005 م وتضم الكثير من الاحزاب السياسية في تونس من مختلف الايديولوجيات .

وفي أثناء حكم الطاغية بن علي، سقط الكثير من الشهداء تحت التعذيب، أو برصاص زبانية الطاغية ،أو بسبب القتل البطئ في السجون من بينهم الشهداء، الهاشمي المكي ،وصلاح الدين باباي وعدنان سعيد، وأحمد العمري، وطارق زيتوني، وفيصل بركات ، وسحنون الجوهري، وأحمد العامري، وعبد الواحد العبدلي، وعبد الرؤوف العريني، وبولبابة دخيل، ومصطفى الحجلاوي، واسماعيل خميرة

وحمدة بن هنية ، وحمادي حبيق، وسليم الجميعي، والطيب الخماسي، واسماعيل خميرة ، وفتحي الخياري، ومبروك الزمزمي، وكمال المطماطي، وعثمان بن محمود، الذي قتله الطاغية بن علي بنفسه عندما كان مديرا للامن في عهد بورقيبة، والمولدي بن عمر، وعز الدين بن عائشة، والشيخ مبروك الزرن ،وجميل وردة ،ورضا البجاوي،وعبد الوهاب بوصاع ،ولخضر بن حسين السديري،وعبد المجيد بن طاهر، ولطفي العيدودي ، وعبد الستار الجلاصي،والرائد المنصوري الذي قتل هو الآخر تحت التعذيب، وآخرين يطول ذكر اسمائهم (90)

وهكذا كانت الممارسات القمعية المستمرة التى قام بها النظام التونسى سواء فى عهد بورقيبة أو بن على لمواجهة الحركة الإسلامية تصب دائماً فى إطار التحريك لمشاعر الغضب لدى عموم التونسيين من هذه الممارسات القمعية والتغريبية فممارسات النظام لم تكن موجههة ضد الإسلاميين فقط بل موجهه إلى الإسلام فى بعض الأحيان، فالتحركات الشعبية التى تناولناها سابقاً مثل مظاهرات الخبز وأحداث قفصة وغيرها والممارسات القمعية التى مارسها ضد الإسلاميين وأسرهم لا يمكن نزعها من سياق ثورة الياسمين عام 2011 فهذه مقدمات طبيعية لتلك الثورة التى أنهت عقوداً من الظلم والاستبداد.

المبحث الثالث: يوميات الثورة التونسية

أولاً: بدايات الثورة (الشرارة الأولى)

في البداية لابدّ من الاعتراف بأن ما حدث ليس بجديد على الشعب التونسي الذي اعتاد الثورة على الظلم خاصة أن التاريخ التونسي حافل بالثورات المشابهة, فالكثير من الشخصيات الأدبية الثائرة كانت تنتمي إلى الدولة التونسية كالشــاعر أبو القاســم الشـابيّ والشــاعر بيرم التونسي الذي حمّست أشعاره الشعب المصري لقيام ثورة1919 (91)

وها هي ثورة تونس لعام 2011 والتي بدأت بانتفاضة خبز محلية تكررت عدة مرات في وسط وجنوب البلاد في العامين الأخيرين لكن الانتفاضة الأخيرة دامت زمنا يكفي كي تنضم إليها المدن والنواحي التونسية الأخرى، ويعود الفضل في استمرارها إلى عناد وبسالة أهالي ناحية سيدي بوزيد الذين اختلط لديهم المطلب الاجتماعي بالغضب والدفاع عن الكرامة التي تمثلت في حرق الشاب (محمد البوعزيزى) لنفسه رافضا تقبل العجز في مواجهة الإذلال (92)

إن ما حدث ليس وليد اللحظة وإنما كان له العديد من المؤشرات التي عزّزت الحدس بقرب الانفجار، بالإضافة إلى بلوغ الظلم والفساد أوجهما وما كانت قد عرفته تونس من انتفاضات في العقدين الأخيرين مثلت سلسلة من الإنذارات للرئيس بن علي الذي لم يستوعبها وتمادى في انتهاج سياسة القمع.

وأبرز هذه المؤشرات:

  1. اندلاع مواجهات دامية في ولاية باجه الواقعة بالشمال الغربي أواخر التسعينات من القرن الماضي بين المواطنين وقوات الأمن على خلفية مباراة رياضية انحاز فيها الحكم إلى فريق "الترجي الرياضي التونسي" الذي يرأسه آنذاك سليم شيبوب أحد أصهار الرئيس التونسي المخلوع، وقد رددوا خلال تلك المواجهات شعارات سياسية مناهضة لنظام الحكم ومنها شعار " يا زين تلفّت لينا وإلا الجزائر أولى بينا" في إشارة واضحة إلى سياسة عدم التوازن بين الجهات.
  2. اندلاع احتجاجات ومواجهات دامية أواخر الألفية الثانية من القرن الحالي في الحوض المنجمي بمدينة الرديف التابعة لولاية قفصة بالجنوب التونسي بين قوات الأمن والسكان الذين تظاهروا سلمياً مطالبين بحق أبنائهم في العمل، وقد سقط في تلك الأحداث قتيل واحد وكثير من الجرحى في صفوف المتظاهرين ووقعت اعتقالات عديدة وتعذيب شديد انتهى بسجن العشرات على إثر محاكمة جائرة.
  3. اندلاع مظاهرات ومواجهات عنيفة في ولاية مدنين الواقعة في أقصى الجنوب احتجاجا على إقدام السلطات التونسية على غلق المعبر الحدودي الرابط بين تونس وليبيا والذي يمثل شريان الدورة الاقتصادية لأهل الجهة الذين يواجهون تضخم نسبة البطالة وتدهور القدرة المعيشية بسبب سياسة التهميش.

هذه المؤشرات المتلاحقة مثلت إيذانًا وإشعاراً باقتراب التونسيين من نهاية مرحلة قد ينتج عنها أمر وحدث كبير وهو ما حدث وقامت ثورة الأحرار، ثورة الكرامة في تونس لعام 2011..وكان قيام المواطن محمد البوعزيزى بإشعال النار في جسده بمثابة الشرارة للثورة في تونس (93) محاولات النظام التونسي لإخماد أو تحجيم الثورة :

مارس نظام بن على عدد من الخطوات والأساليب لمواجهة الثورة والتى كان آخرها عبارته الشهيرة "الآن فهمتكم" ومن أهم الأساليب التي لجأ إليها النظام التونسي والرئيس زين العابدين بن علي لتطويق الثورة وتهدئة الصدور الثائرة:

  1. إقالة عدد من الوزراء من بينهم وزير الداخـــلية (رفيق بالحاج) (94)
  2. في 10 يناير 2011 ألقى الرئيس زين العابدين بن علي خطابا أعلن فيه عن سلسلة من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية التي ستتخذها حكومته بهدف تحسين أوضاع الشباب، ووعد الرئيس بخلق 300 ألف فرصة عمل جديدة بمشاركة مؤسسات الدولة والشركات الخاصة، كما اقترح عقد ندوة وطنية تشارك فيها المجالس الدستورية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والجامعيين بهدف اقتراح خطط واستراتيجيات جديدة لدعم سياسة العمل، كما تعهد الرئيس بإعطاء دفعة جديدة للإعلام وتخصيص مساحات إعلامية أوسع لكل ولايات الجنوب لتعبر عن مشاكلها إضافة إلى دعم وحدات الإنتاج السمعية والبصرية لإفساح المجال أمام المواطنين للتعبير عن آرائهم و متطلباتهم (95)
  3. في 14 يناير 2011 حلّ بن علي الحكومة التونسية وتمّ إعلان حالة الطوارئ في البلاد كما منعت السلطات التجمعات فيما أكثر من ثلاثة أشخاص حيث يتم القبض عليهم أو إطلاق الرصاص إذا ما حاولوا الهرب, كما أعلن عن الدعوة لانتخابات برلمانية عاجلة خلال ستة أشهر، كما لجأت السلطات إلى الحل الأمني المتمثل في الدفع بتعزيزات أمنية ضخمة إلى بعض المناطق لقمع الاحتجاجات وشن حملة اعتقالات واسعة.
  4. لجأت السلطات التونسية أيضا في سعيها لتطويق وإخماد المظاهرات إلى حل التعتيم الإعلامي فقد قامت بمنع جميع الصحفيين التونسيين والأجانب من الوصول إلى مناطق الاحتجاجات واقتصر دور وسائل الإعلام الوطنية على بث البيانات المقتضبة التي تبثها وكالة تونس أفريقيا للأنباء.
  5. عملت السلطات التونسية على تشجيع الشباب على العمل من خلال موافقة الحكومة التونسية على العديد من الإشعارات أو الطلبات المقدمة من الشبان للحصول على التمويل الحكومي خاصة خريجي التعليم العالي لإنجاز مشاريع خاصة.

كل هذه الأساليب التي اتبعتها السلطات التونسية من أجل تحجيم وإخماد ثورة الأحرار التونسيين لم تنجح ولم تهديء من ثورة المحتجين بل بالعكس فمع شدة البطش والقمع والإرهاب الذي ظل يمارَس ضد المتظاهرين زاد لهيب وحماس الشباب التونسي واتّسعت ساحة المواجهة ولم يهدأ الشعب التونسي حتى عندما أعلن زين العابدين بن علي في خطابه الأخير قائلاً: (لا رئاسة مدى الحياة، لا رئاسة مدى الحياة)، ولم يهدأ الشارع التونسي إلا عندما سمع خبر تنحي الرئيس زين العابدين بن علي عن الرئاسة ومغادرته البلاد (96)

المبحث الرابع: دور إخوان تونس فى الثورة

كثورات الربيع العربى كانت معظم الثورات نابعة من الحراك الشعبى بالأساس ولم تكن محركة من قوى سياسية بعينها فى بدايات الأمور وكذلك كانت الثورة التونسية اشتعلت من دماء "بوعزيزى" وتفاعل معها أهل سيدى بوزيد وانتقلت بعدها للمدن الأخرى كما ذكرنا سابقاً

وبالطبع لم تكن حركة النهضة "الإخوان المسلمين" فى طليعة هذه التحركات لأن معظم قياداتها كانت منفية بالخارج ولكن كان بعض الأفراد المنتمين للنهضة وظلوا فى تونس شاركوا وبفعالية فى تلك الثورة كباقى الشعب التونسى وكذلك ساهمت قيادات الخارج فى دعم الثورة من خلال الفعاليات المختلفة وبناء رأى عام دولى مساند للثورة وإسقاط نظام بن على، وربما كانت هذه ميزة ساعدت فى سرعة سقوط نظام بن على.

ووفقاُ لأحد الباحثين الأمريكان فى مقاله له بعنوان "لماذا خلت الثورة التونسية من الوجود الإسلامي: وكيف سرع غيابهم سقوط نظام بن" طرح الباحث الأمريكي بجامعة جورج تاون ميشيل كوبلو رؤية لافتة نشرتها مجلة فورين بوليسي الأمريكية يوم 14 يناير 2011، ومفادها أن "غياب" الإسلاميين عن مشهد الصدارة في الثورة كان سببا في نجاحها.

وفيما يلي عرض موجز لتصور كوبلو:

"على عكس مصر والأردن والجزائر والأنظمة العلمانية الأخرى، لم يكن التحدي الأكبر للنظام التونسي في هذه الثورة هو المعارضة الإسلامية بل كانت المعارضة التونسية تتشكل من المفكرين وبعض الفئات مثل المحامين والنقابات العمالية.
ويعود غياب أى دور فعال للإسلاميين في أحداث تونس إلى المحاولات المتعاقبة لأنظمة الحكم التونسية على مدار خمسين عام في إقصاء الإسلاميين من الحياة العامة.وبنفس الحماس استمر بن على في نفس السياسة منذ مطلع 1990 حينما زج بمئات من عناصر حزب النهضة، أكبر حركة إسلامية بتونس، في غياهب السجون، في محاكمات لم تخل من اتهامات واسعة النطاق بالتعذيب، ومعاقبة قادة الحزب بالسجن مدى الحياة أو النفي.
فمعظم قادة الحركة الإسلامية يعيشون الآن في الخارج، بينما اضطر أولئك الذين مازالوا فى تونس للدخول فى تحالفات غير تقليدية مع العلمانيين أو الشيوعيين. ولو تبين للنظام وجود أى دور للإسلاميين فى أحداث تونس السابقة لما استجاب النظام بكل هذه السرعة لمطالب الجماهير المحتجة ولتوسع في استعمال القوة والقمع بشكل مضاعف من أجل إخماد تلك الإضطرابات.

ويضيف كوبلو:

إن عدم ظهور الإسلاميين بقوة في صورة الاضطرابات الشعبية السابقة، جعلت العديد من النخب والقوى السياسية تتعاطف وتدعم المطالب الشعبية حيث لم تشكل تلك الثورة أى خطر على هوية الدولة أو تؤشر بتغير شكل النظام السياسي أو تفرض نظاما بديلا.
وأدى غياب الإسلاميين إلى دعم قوي من القوى السياسية المؤثرة بالداخل وإلى تعاطف غربي بالخارج، تجلى في رفض الجيش المشاركة فى كبح عنان الجماهير أو أن يصوب نيرانه إلى أجساد المحتجين فى محاولة لإنقاذ النظام وإخماد الاحتجاجات.
فربما لو ظهر الإسلاميون على السطح لتغير المشهد التونسى بالكامل، فزين العابدين لم يكن ليجد أي غضاضة في استعمال أبشع الأعمال القمعية فى التخلص منهم وسط مباركة من التيارات العلمانية القوية بتونس وربما تعاون من الجيش وكل هذا مع صمت أو تجاهل غربى.
وفى النهاية فإن خلو الثورة التونسية الجديدة من تواجد قوى للعناصر الإسلامية ساهم فى تسريع سقوط نظام زين العابدين بن على (97)

ويقول الباحث "جمال بوعجاجة" الأستاذ الجامعي والباحث في مركز الزيتونة للدراسات الإستراتيجية عن مشاركة الاسلاميين فى الثورة:

ثورة تونس كانت من اجل التشغيل والحياة الكريمة قام بها شباب تونسي عانى الويلات من نظام المخلوع لذلك سمعنا شعارات معبرة على غرار "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" وغيرها من الشعارات التي تعبر عن المأساة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عاشها الشعب التونسي في ظل النظام السابق.

هذه الخاصية للثورة التونسية لا تنفي مشاركة مختلف التيارات الفكرية والسياسية في الثورة بما فيهم الإسلاميون الذين لعبوا دورا في تأليب الجماهير على النظام كغيرهم من التيارات الأخرى باعتبارهم مواطنين وليس لأنهم ينتمون إلى تيار معين هو التيار الإسلامي.

فمثلا عندما أشعل محمد البوعزيزي نفسه في سيدي بوزيد كان للاخ "عمر أولاد احمد" (98) القيادي في النهضة دور في التاطير كغيره من الأساتذة والنقابيين ولكن لم ترفع وقتها أية شعارات لا إسلامية ولا يسارية بل شعارات الوطن ولكن لا أحد يستطيع إنكار دور شباب حركة النهضة فى تلك الثورة .

وكما يورد أحد الباحثين أراء أحد الشبان بخصوص الثورة التونسية فيقول: إن المتابع لما حصل فى تونس، يلحظ توفر الواقع الثورى، وغياب الرأس الثورى.. فتوفر الرأس الثورى الذى تلتف حوله الجماهير يعنى وجود درجة عالية من التنظيم، قوامها: وضوح فى الأهداف، وتوزيع دقيق ومدروس للمهام، وتجذر فى مختلف الميادين والقطاعات، واختراق لكل مؤسسات الدولة وأجهزتها بما فى ذلك الجهاز الأمنى والعسكرى، وهذا مايؤدى إلى دحر النظام القائم وتحقيق الانتقال من مرحلة إلى مرحلة.

ويضيف الباحث:

لقد كان الكثير من قياديى "حزب النهضة" فى السجن أو خارج البلاد وكان ناشطوه الميدانيون مراقبين أمنياً ومترددين غير واثقين عملياً مما كان يجرى، وكان الماركسيون الراديكاليون فى السجن أو مختفين وقليلى التأثير فى عامة الناس، بينما كان الانخراط فى أحزاب المعارضة المعترف بها، من غير الموالية للحكم، أمراً يثير الخوف ويبعد الناس عنها، إلا المثقفين المناضلين منهم الذين آمنوا بعمق بما كانوا يفعلونه، لقد اندلعت الثورة إذاً - وأعتقد أن هذه هى حال أغلب الثورات فى بدايتها قبل أن تعقلنها وترتب أحداثها أدبياته الرسمية اللاحقة- دون سابق تخطيط وإضمار" (99)

ومن جانب حركة النهضة كان لها العديد من البيانات والمواقف التى تؤيد الثورة وتؤكد على مطالب الشعب التونسى المشروعة، فقد حمَّل المفكر الإسلامي راشد الغنوشي ، زعيم حركة النهضة التونسية، نظام الرئيس علي زين العابدين مسئولية تفاقم أزمة البطالة والأحداث المتصاعدة التي تشهدها البلاد؛ على خلفية المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية.

ووجَّه من مقر إقامته في لندن رسالةً متلفزةً عبر "الفيس بوك" إلى الشعب التونسي، حيَّا فيها أرواح الشهداء الذين سقطوا خلال المواجهات العنيفة التي دارت على مدار الأيام الماضية.

وقال:

"نحن فخورون بما يفعله أهل تونس ؛ فهذا الشعب يدفع اليوم ثمن حريتها، وهذا أمر طبيعي وشرعي، كما أنه أمرٌ يُحسب لهذا الشعب الذي طالما قيل عنه إنه شعب مسالم وخائف.. فاليوم تتحرك سيدي بوزيد كما تحرَّكت بالأمس مناطق المناجم وأبو زيان وغيرها من المناطق الطيبة".

وأضاف: إن ما يقوم به التونسيون هذه الأيام يؤكد أن هذا الشعب حريصٌ على حريته، وأنهم يعملون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات دون ماله فهو شهيد" ؛ فالذين يتحركون اليوم والذين سيتحركون غدًا بكثافة أكبر؛ هم يدافعون عن حقهم الطبيعي.

وشدَّد الغنوشي على أن النظام القائم يتحمَّل مسئولية الدماء التي سالت بعد أن سلب الناس أقواتهم وأرواحهم، وفي النهاية لم يعُد لهم إلا الرصاص الحي لمواجهة المظاهرات السلمية.

ووجَّه حديثه إلى رجال الأمن، قائلاً:

"أيها الجنود، لا تظنُّوا أنكم غير مسئولين بدعوى أنكم مأمورون، بل أنتم مسئولون أمام الله وعن كل قطرة دم سالت بغير وجه حق، وإن المسئولية الكبرى تتحمَّلها السلطة التي كمَّمت أفواه الناس وأفقرتهم".

وفي رسالة للشباب التونسي قال الغنوشي: نحن لا نريد للشباب التونسي أن يتجه إلى الأعمال اليائسة، بل نريد منه أن يصمد في مواجهة الظلم وفي مواجهة الفساد. ودعا إلى توحيد الصفوف وعدم ترك منطقة سيدي بوزيد لوحدها كما تركت رديف ومنطقة المناجم من قبل؛ "فالظلم شائع في هذه البلاد؛ ولذلك ينبغي اليوم لكل المظلومين أن يقفوا اليوم دعمًا وتضامنًا، بل دفاعًا عن حقهم في الحياة، فهذا واجبهم الديني، وإذا لقوا الله برصاص الظالمين فهم من الشهداء".

وأضاف:

"واجبٌ أيضًا على الفئات السياسية والأحزاب والجمعيات الحقوقية أن تتحمَّل المسئولية، وأن ترفع الصوت عاليًا لوقف الظلم، وعليها أن تتوحَّد من أجل الدفاع عن سيدي بوزيد وبقية الشعب، وكذلك على الصحافة الإلكترونية وغيرها أن تقوم بدورها" (100)

كما حرصت حركة "النهضة" على توجيه رسائلها المستمرة لتحفيز الشباب والشعب التونسى على الاستمرار بفعاليات الثورة المناهضة للنظام التونسى، فقد طالب راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية المعارضة، الشباب التونسي أن يكون في حالة تعبئة عامة لعدم هدم الثورة.

وأشار خلال حديثه على قناة الجزيرة

"أنه لا شك أن الشباب كان يفر إلي حضن الجيش الذي ركز كل جهوده في الحفاظ على المؤسسات، وهذا يذكرنا بالدور القوى والبناء للجيش التونسي الذي أهتم بدورة بملاحقة أتباع بن علي الفاسدين والفارين، وهذا أهم ما في الثورة الشعبية تحالف الجيش مع الشعب ضد النظام الديكتاتوري".

وقال الغنوشي خلال اللقاء

"أكره مفهوم الاستبداد ومنظومته بكل أشكالها والتي تم تطبيقها في تونس، وأدعو أهل الانتفاضة في تونس إلى الحذر كل الحذر ليحافظوا على ما وصلوا إليه اليوم"

مؤكداً أن الهدف من الانتفاضة هي

"أن تصبح كلمة الشعب وإرادته هي العليا، كما ينبغي أن يعي الشعب التونسي جيدا أن قيادات الصف الأول والثاني في النظام الديكتاتوري المخلوع لا تزال في مكانها وخطرها قوى جدا على روح الانتفاضة اذا طلت في مكانها" (101)

وشدد الشيخ راشد الغنوشي على أن الصبر في الربع ساعة الأخيرة لإعلان النتائج هي العامل الحاسم في صياغتها، وبالتالي لا يوجد أمام الشعب خيار آخر سوى استمرار الرباط حتى سقوط الطاغية ونظامه.

كما أعلن الغنوشي رفضه للإجراء الذي اتخذه رئيس الوزراء محمد الغنوشي بتنصيب نفسه قائمًا بأعمال الرئيس، واصفًا هذا الإجراء بأنه التفاف من النظام على إرادة الشعب التونسي، ومحاولة لإفشال انتفاضته لصالح الطاغية ونظامه، هذا إضافةً إلى كونه إجراءً يعد تجاوزًا صريحًا للدستور الحالي، والذي يعطي لرئيس البرلمان سلطات الرئيس حال عجزه عن القيام بمهامه.

واتهم الغنوشي عناصر محسوبة على النظام التونسي وحزبه بتعمد إتلاف وتدمير المنشآت العامة والخاصة؛ لتشويه انتفاضة تونس في مواجهة الطاغية، وهي الصورة التي تسعى وسائل الإعلام الحكومية لبثها تزييفًا للواقع ومحاولة لإظهار المنتفضين في صورة مخربين.

وفي الوقت ذاته وجَّه الغنوشي نداءً لألوان الطيف المعارض في تونس وكافة قيادات العمل السياسي والمنظمات النقابية والأهلية بأن تكون على مستوى الحدث، وأن تلتف حول مطالب الشعب التونسي سعيًا لتحقيق كافة مطالب الإصلاح التي تبدأ بتشكيل حكومة ائتلاف وطني لتسيير أعمال البلاد لحين إجراء انتخابات عامة وشاملة (102)

وبدون شك فان حركة "النهضة" تعتبر من أبرز القوى السياسية التي خرجت منتصرة من هذه الثورة والتي أعادتها إلى صدارة المشهد السياسي بعد تغييبها لعقدين وحركة "النهضة" التي تمكنت من الحصول في أول انتخابات خاضتها عام 1989 على الدرجة الثانية في انتخابات شابها التزوير – في التصويت وإعلان النتائج - بالرغم من عدم حصولها على الترخيص ونزولها للانتخابات على شكل مرشحين مستقلين

وكل هذا يؤكد أن أرضيتها وجذورها عميقة في المجتمع التونسي ولذلك استمر النظام المستبد وطوال حكمه يعمل جاهدا على تصفيتها واستئصالها إلا أن الاستقبال الحاشد للشيخ راشد الغنوشي عند عودته من المنفى كانت لافتة وأعطت تصورا عن الشعبية التي تتمتع بها "النهضة" وأنها وان لم تكن تمارس النشاط التنظيمي في الداخل إلا أن جماهيرها مازالت موجودة ويؤكد صلاح الدين الجورشي وهو خبير تونسي في الحركات الإسلامية "أن الحركة الإسلامية في تونس كانت الحركة الأكثر تعرضا للقهر من بين حركات المعارضة في ظل حكم بن علي. وأضاف أن إتباعها أكثر عددا بكثير من أتباع حركات المعارضة العلمانية " (103)

وهو ما تأكد أيضا من خلال إعادة ترتيب النهضة لصفوفها بسرعة والإعلان عن هيئة تأسيسية جديدة برئاسة الأستاذ علي العريض في 7\2\2011 والاستعداد لعقد مؤتمر عام بأقرب وقت (104) كل هذا يشير إلى ديناميكية واضحة تتمتع بها الحركة وأنها قادرة وبسرعة على استعادة زمام المبادرة وهي تعكف على تحديد أولوياتها للمرحلة المقبلة.

وربما يحسن أن نبدأ هنا من تصريح للشيخ راشد الغنوشي وهو يوضح التوجه السائد في تونس الآن بعد الثورة ويعطي مؤشرا على أولويات النهضة قائلا :

"على المستوى السياسي، ستكون هناك قطيعة تامة مع سياسة الاحتكار للسلطة والطغيان وهيمنة الحزب الواحد والفرد، باتِّجاه التأسيس للجمهورية الثانية، جمهورية الديمقراطية والنظام البرلماني والقضاء المستقل والإعلام الحرّ.
أما على المستوى الاقتصادي فلا شك أن هناك مراجعاتٍ ستتم في ضوء النتائج الكارثية للسياسات الاقتصادية للنظام السابق، في اتجاه الحفاظ على الممتلكات العامة الأساسية للدولة والتوزيع العادل للثروة بين الفئات والجهات والمزيد من الشفافية ومقاومة الفساد والرشوة والمحسوبية" (104)

وقد كسبت النهضة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي عن جدارة، وبحنكة سياسية وتنظيمية، فللنهضة واحد وتسعون عضواً في المجلس التأسيسي، دون حساب الأعضاء الذين مررتهم عبر الأحزاب الأخرى، أولئك الذين سيُؤكدون قراراتها عند أي تصويت؛ وذاك تكتيك انتخابي كان من حقها استعماله نتيجة لنظام القوائم الجائر الذي استعمل في الانتخابات، والذي وُضع أساساً لضرب النهضة. ولولاه لجاوزت نسبتها 80%.

ويمكن إجمالا تلخيص أولويات النهضة في مرحلة ما بعد الثورة على مستويين كالتالي:

المستوى الأول وهو المستوى التنظيمى ويضم عددة تحديات داخلية أهمها:

أولا: إعادة ترتيب صفوف الحركة وانتخاب هيئاتها القيادية والانتشار في كافة مناطق تونس وإعادة التواصل مع الكوادر القدامى خصوصا بعد الحصول على الترخيص القانوني والحركة معنية في هذه المرحلة بتوضيح أفكارها خصوصا أنها تواجه منافسة من قبل التيارات الإسلامية السلفية التي انتعشت في ظل غياب النهضة .إضافة إلى المنافسة من قبل الأحزاب الأخرى الغير إسلامية .
ثانيا: إن عودة العديد من رموز الحركة من المهجر ، وعودة الحركة للنشاط الفكري والسياسي داخل البلاد وكذلك حصول النهضة على الترخيص القانوني يضعها أمام تحديات مختلفة عن مرحلة القمع والمنفى . وستواجه النهضة برأيي خصوما ومنافسين على عدة مستويات :

المستوى الأول : الغرب الذي يسعى بكل ما يمتلك من وسائل التدخل في الشأن التونسي الداخلي من أجل ضمان استمرار مصالحه في المنطقة وعدم تهديدها من قبل أي طرف سياسي يمكن أن يمسك بزمام الأمور في تونس بعد الثورة .وتبدو النهضة المتجذرة في هويتها العربية الإسلامية والمنحازة إلى قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية طرفا قد لا يعجب القوى الغربية لأنها قد تعتبر خطرا على مصالحه (105)

المستوى الثاني : بقايا النظام السابق في الدولة وهؤلاء بحكم وجود بعضهم في مواقع حساسة لجهاز الدولة سيعملون جاهدين من أجل مزيد التضييق على الحركة وعدم تمكينها من أي مكسب سياسي قد يسمح لها بفتح ملف محاسبة كل من تورط بشكل قاطع في قتل أوتعذيب أبنائها طيلة سنوات القمع.ويضاف إلى هؤلاء بقايا الاستئصاليين من النخب الفكرية التي ترفض الوجود الحزبي الإسلامي بشكل قاطع وتعمل طوال الوقت على التشكيك بأطروحاتهم .

المستوى الثالث : التيارات السلفية: وهذه التيارات الغير معروف حجمها أو قوتها نشأت في ظروف غياب النهضة عن المشهد طوال حكم بن علي وتشكل منافسا محتملا للنهضة على تمثيل التيار الإسلامي خصوصا أن أطروحاتها مختلفة عن النهضة في موضوعات الديمقراطية والتعددية والعنف وغيرها .

هذه الإشكاليات التى تواجهها حركة النهضة على مستواها الداخلى ولكن بالطبع هناك إشكاليات أخرى عديدة تواجهها على مستوى الدولة التى تصدرت المسئولية فيها فى إطار المرحلة الانتقالية التى تمر بها تونس بعد الثورة، وتعد أهم هذه الإشكاليات بعيداً عن بناء الدولة ومؤسساتها فى إطار وطنى جديد هى كيفية التعامل مع تلك الحالة الثورية التى انتابت الشارع التونسى والآلية العاجلة لمواجهة حجم الاضرابات العمالية والثورية وغيرها بالإضافة إلى الاقتصاد التونسى وأوضاعه السيئة وحالة الفساد التى تضرب المؤسسات التونسية المختلفة.

الفصل السادس: الإخوان المسلمون والثورة الليبية

كان للإسلاميّين دورٌ بارزٌ في الثّورة اللّيبيّة منذ انطلاقتها في 17 شباط - فبراير 2011؛ فقد تجنّدوا كمقاتلين عسكريّين وشاركوا بفعاليّة في مصراتة ومعركة تحرير طرابلس ثم تحرير سرت واعتقال القذّافي وقتله.

لقد كانت الحركةُ الإسلاميّةُ في ليبيا بتيّاراتها وأجنحتها المختلفة، مجهولةً بالنسبة إلى غير اللّيبيّين أو غير المُختَصِّينَ في الشّأن الليبيّ، نتيجة القمع والتّعتيم الإعلاميّ لنظام القذّافي من جهة، وضعف هذه الحركة ولجوئها إلى العمل السّريّ من جهة أخرى.

المبحث الأول: الإخوان المسلمون بليبيا.. النشأة والتأسيس

وقبل الخوض فى دور الإخوان المسلمين بليبيا فى الثورة ضد نظام القذافى من الأهمية بمكان التعرض لتاريخ الإخوان المسلمين بليبيا وعلاقتهم مع نظام القذافى وخاصة مع جهل الكثيرين بهذا التاريخ ويمكن تقسيم تاريخ الإخوان فى ليبيا إلى ثلاثة مراحل

الإخوان المسلمون: المرحلـة الأولى

مر تاريخ حركة (الإخوان المسلمون) فى ليبيا بثلاث مراحل، وكانت إنطلاقة المرحلة الأولى فى أواخر العقد الرابع من القرن العشرين، ويمكن وصف تلك المرحلة بأنها مرحلة التعريف بالمنطلقات والأفكار العامة للحركة والدعوة لنشرها، والعمل من أجل الإستقطاب التأسيسى لها فى أوساط الشباب الليبى.

ومن أهم أسباب وصول فكر ودعوة الإخوان إلى ليبيا، وخاصة إلى مدينة بنغازى، هروب ثلاثة من الشبان المصريين وهم من جماعة الإخوان المصرية من مصر ودخولهم إلى ليبيا، وهم عز الدين ابراهيم، ومحمود الشربينى، وجلال سعدة. وكان هروبهم بسبب الإتهامات التى وجهت لعدد من الإخوان فى حادث إغتيال النقراشى رئيس الحكومة المصرية فى عام 1949.

ويذكر الكاتب محمود الناكوع عن هذه المرحلة : يصف المفوض البريطانى فى برقة دى كاندول، ذلك الحدث قائلا: (إن أبعاده تجاوزت نطاق السياسة المحلية. ففى ذات يوم من أوائل يوليو عام 1949، بينما كنت فى إحدى زياراتى المعتادة للأمير ادريس أخبرنى بأنه فى مساء اليوم السابق سمع طرقا على النافذة، فلما استوضح جلية الأمر وجد ثلاثة شبان غرباء يطلبون مقابلته بصورة ملحة.

وحين دخلوا عليه قالوا انهم لا جئون من مصر بعد أن أُتهموا زورا بالإشتراك فى جريمة اغتيال النقراشى باشا. وقد استجاروا بالامير متوسلين اليه باسم الواجب الاسلامى، فلم يجد بدا من اجابة مطلبهم، وأمر باسكانهم فى قصر المنار وهو قصر الأمير.

وقلت له صراحة إن هذا التصرف يضعنى فى موقف حرج اذ أننى مازلت مسئولا عن الأمن العام والعلاقات الخارجية، فأصر على أنه لايملك إلا أن يجير من يلجأ الى حماه. وحين رجعت الى بنغازى علمت أن اثنين من كبار ضباط الشرطة المصرية قد وصلا من القاهرة جوا فى مطاردة الرجال الثلاثة بعد ما تم اقتفاء آثارهم الى حدود برقة، وأنهما توجها إلى ادارة الشرطة رأسا للبحث عن المطلوبين.

وكان من الغريب أننا لم نتلق أية معلومات عن الموضوع من القنصلية المصرية، وبالتالى لم يكن بوسعى أن أفعل شيئا أكثر من رفع تقرير إلى الحكومة البريطانية.وبطبيعة الحال، أخفقت عملية البحث عن الأشخاص الثلاثة فعاد الشرطيان المصريان إلى القاهرة بخفي حنين. وسرعان ما جاء الرد المصرى على تصرف الأمير.

ففى اليوم التالى مباشرة أغلقت الحدود المصرية مع برقة، كما القي القبض على اثنين من الشخصيات البرقاوية كانا يزوران مصر (يقال إنهما بشير لنقى، وعبد ربه الغناي. إضافة من المؤلف) وبعد ذلك طلبت الحكومة المصرية من حكومة بريطانيا تسليم الفارين رسميا فلم أجد ردا مناسبا غير الإشارة إلى فروض الإسلام، تاركا للسفارة البريطانية بالقاهرة أن تجادل السلطات المصرية كما تشاء

وفى واحد من لقاءاتى مع الأستاذ منصور رشيد الكيخيا فى لندن فى اواسط تسعينيات القرن الماضى، أخبرنى أن الشبان الثلاثة دخلوا الى البلاد عبر الحدود البرية، وعند وصولهم إلى مدينة درنة أقاموا عند شخص يدعى: أمين الإمام، ثم وصلوا إلى بنغازى صحبة عمر منصور الكيخيا، وتم توصيلهم إلى الأمير فى منطقة الجخ (مقر الكلية العسكرية فيما بعد) وأضاف منصور أنه كان يتردد عليهم أثناء اقامتهم فى قصر المنار (قصر الملك حنئذن) وبعد فترة سمح لهم بالخروج من القصر للعمل والنشاط العام، فعمل عزالدين فى مجال التعليم، وعمل محمود الشربينى مع عبد الله عابد السنوسى الذى كان يعمل بالتجارة.

إن احتضان الأمير ادريس لهؤلاء الشبان، واصراره على رفض تسليمهم للسلطات المصرية، كان عملا إنسانيا وأخلاقيا لأمير مسلم يعرف معنى وقيمة حماية من لجأ إلى حماه. وعلى اثر هذا الموقف احتضت مدينة بنغازى، بكل شخصياتها هؤلاء الشبان. واستطاع الأستاذ عز الدين بالذات من خلال التدريس فى المدارس الليلية، ومن خلال العلاقات التى أقامها مع الناس أن يعطى صورة جيدة عن الإخوان ودعوتهم، فترك أثرا ملموسا، وبذر أفكارا كان حصادها إنتماء عدد من الشباب الى حركة الإخوان (107)

وإلى جانب هؤلاء الشبان كان لبعض الإخوان من المدرسين المصريين تأثيرهم فى تلك المرحلة. وفى هذا الصدد ذكر السيد عبد الله ابوسن، وهو أحد شخصيات الإخوان فى ليبيا، فى مقابلة مع مجلة المجتمع الكويتية العدد 1054 أن (حركة الإخوان بدأت فى ليبيا فى أواخر اربعينيات القرن العشرون على أيدى مجموعة من المدرسين المصريين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك بعض الإخوان الذين لجأوا الى ليبيا، وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور عز الدين إبراهيم.

وفى طرابلس، وبقية المدن الأخرى بولاية طرابلس، كانت الإنطلاقة الأولى فى أوائل العقد الخامس من القرن الماضى، أي بعيد الإستقلال حيث جاء الى البلاد عدد كبير من المدرسين المصريين للتدريس فى المدارس الإعدادية والثانوية، وفى المعاهد، وكان بعضهم من الإخوان أو من المتعاطفين مع الإخوان، كما رجع الى البلاد عدد من الليبيين الذين درسوا فى مصر، أو كانوا مهاجرين فى مصر، وثأثروا بدعوة الإخوان، وبعضهم شارك مع الإخوان فى حرب فلسطين عام1948 (108)

أما المنطلقات الفكرية التى قامت عليها الحركة فى ليبيا، هي ذات المنطلقات التى وضعها مؤسسها فى مصر ـ1347 ه 1929 م الإمام حسن البنا. فهو العقل الذى جاء بتصورات شاملة عن نظرة الإسلام إلى الحياة، وركـز فى بدايات دعوته على الأخلاق، والتعليم، وبناء الفرد المسلم بناء سليما. وأسس منذ صغره الجمعيات الإصلاحية،التى تنشد تعليم الناس، أركان الدين، ومايحث عليه من قيم أخلاقية.

وبسبب ذلك الصدام الدامى بين الإخوان فى مصر والثورة، جاء إلى ليبيا فى العهد الملكى عدد من الشخصيا ت الإخوانية منهم:

  1. د.محمود أبو السعود، وهو اقتصادي معروف.
  2. د مصطفي مؤمن وهو مهندس معماري مشهور.
  3. المهندس يوسف ندا رجل الأعمال المعروف.
  4. المهندس عمر الشاوي.

وكانوا يمارسون اعمالا مهنية فى مجالات تتناسب مع قدراتهم. وسط تلك الخلافات والصراعات، وفى أجوائها الصاخبة فى مصر حيث الحملات الإعلامية، وحيث الإعتقالات، ثم الإعدامات التى طالت عددا من قيادات الإخوان، كانت ليبيا مازالت تستقبل الكثير من المدرسين المصريين للعمل فى مدارسها ومعاهدها، ومنهم من يحملون دعوة الإخوان، دون الجهر بإنتمائهم إلا لمن يثقون به ثقة كاملة.

وفى العقدين الخامس والسادس، ورغم الظروف الصعبة نسبيا فقد نشأ تيار الإخوان فى ليبيا، وأصبح عدد المنتمين إليه، والمتعاطفون معهم يُقدر بالمئات وذلك رغم منع الأحزاب فى ليبيا رسميا، ورغم المناوشات والهجمات الكلامية التى يقوم بها التيار الناصرى فى ليبيا ضد الإخوان بصورة عامة، وهو التيار الأوسع شعبية لما كان من حضور وتأثير لخطب عبد الناصر، واذاعاته وصحافته.

فى تلك المرحلة لم يتبلور عمل الإخوان فى ليبيا فى شكل تنظيم له تصوراته النظرية، وله أطره التنظيمية، وله قياداته المختارة اختيارا مباشرا من قاعدة منتظمة على أسس إنتخابية متعارف عليها. وربما وجدت بعض الأسر كوحدات تنظيمية لأغراض تعليمية تربوية، ولكنها لا ترقى الى أي مستوى من مستويات التنظيمات الحزبية.

وقد حافظ تيار الإخوان فى تلك المراحل المتوترة سياسيا على حضور ملموس بفضل عدد من رموزه التى كانت تعمل فى المعاهد المتوسطة، مثل معهد مالك بن أنس، وفى المدارس الإعدادية والثانوية المنتشرة فى كل البلاد، وفى كليات الجامعة الليبية. وفى جامعة محمد بن على السنوسى الإسلامية. وقد شهد التعليم ازدهارا جيدا خاصة بعد انتاج النفط وتصديره للخارج 1961.

كما كان لتلك الرموز نشاطا مهما من منابر المساجد فى عدد من المدن الليبية ومنها: طرابلس، بنغازى، الزاوية، البيضاء، درنه، مصراته، غريان، نالوت. ومن تلك الرموز: الشيخ فتح الله محمد احواص، وهو أشهر خطيب اسلامي فى تلك الأوقات. والشيخ محمد كريدان. وعمرو النامى الذى كان يتابع دراسته الجامعية وله نشاطه فى نالوت مع الأستاذ المربى الشيخ على يحي معمر.

ومن الرموز الإخوانية فى بنغازى، والتى كانت تمارس الخطابة، وإلقاء الدروس: عبد الكريم الجهانى. ادريس ماضى. وكنا نقرأ الكتب غير الإسلامية المترجمة، وهي عادة لكبار الكتاب مثل أرنولد توينبى، وبرتراند رسل، وموريس بوكاي، وماكسيم جوركى وغيرهم. والقراءة تعتمد على المجهود والرغبة الشخصية، وهنا تتفاوت درجات الناس فى التحصيل المعرفي، وفى التفاعل الإجتماعي والسياسي.

وفى سياق الحديث عن تلك المرحلة يقول الأستاذ عاشور الشامس: (فى عام 1961 انتقلت من غريان إلى طرابلس. وتعرفت ما بين 1961 و1965 على أصدقاء جدد، ومعلمين جدد استقبلونى بعاطفة غامرة وأولونى اهتماما خاصا.

كان فى مقدمتهم محمد حجازى العنقودى، وفتح الله احواص، وخريج الجامعة محمود الناكوع، الذين احتكيت بهم احتكاكا مباشرا فى ليبيا وتعلمت منهم طوال تلك الفترة.... وفى طرابلس أيضا تعرفت على الإسلام، أكثر من كونه مجرد طقوس دينية إلى أن الإسلام حركة ومنهجا متكاملا يغطى حياة الإنسان فى مختلف اتجاهاتها.

ومن أوائل الكتاب والمفكرين الذين عمقوا فينا هذا المفهوم: الأستاذ سيد قطب، والعلامة الهندى أبو الحسن الندوى، ومحمد قطب، والشيخ محمد الغزالى، والسيد سابق، وغيرهم من كتاب الإخوان. وكان لرسائل حسن البنا دورا تربويا فى حياتى الاولى بدون شك وخاصة كتاب " مذكرات الدعوة والداعية " كما كان استاذى الفاضل محمد حجازى العنقودى رحمه الله وأحسن اليه وهو واسع الاطلاع

وصاحب مكتبة متنوعة ضخمة، كان يوجهنى إلى قراءات خارج إطار كتاب (الإخوان المسلمون) وفكرهم، من أمثال طه حسين، أحمد أمين، خالد محمد خالد، وإلى القراءة فى بعض أمهات الكتب كالسيرة لإبن اسحاق، وتفسير إبن كثير، وإحياء علوم الدين للإمام الغزالى.... كان الشعور بالإسلام قويا وحيا، حيث كان " الإخوان المسلمون " يخوضون صراعا مريرا مع حكومة جمال عبد الناصر فى مصر.

وكنا نقرأ ونسمع أن عددا منهم قد علق على المشانق وأن أعدادا كبيرة منهم تقبع فى السجون، حيث تلقى أشد انواع التعذيب... جاء ارتباطى بمنهج ومدرسة "الإخوان المسلمون " كأمـر عفوي طبيعي بحكم صلتى منذ فترة مبكرة بشخصيات إسلامية وانخراطى فى الإتجاه الإسلامى....

ولكن طوال هذه الفترة لم يحدثنى أحد عن الإنضمام لتنظيم ولم يطلب منى أحد دفع اشتراكات ولم يطلب منى أحد إعطاء تعهد أو بيعة لأحد أو أداء قسم يؤدى إلى أن أصبح عضوا فى أي تنظيم، بما فى ذلك تنظيم يسمى " الإخوان المسلمون " كما أن أحدا لم يعرفنى بهيكل تنظيمى يرأسه فلان.....

ورغم ذلك كنت أحس أننى أنتمى إلى جماعة ما، نعم هي جماعة " الإخوان المسلمون " انتماء خاصا وأن صلة مميزة تربطنى بهم. وأقولها الآن وبعد هذه العقود الطويلة أن هذا الإحساس لا يزال يسكننى، ولم أزل أحمله تجاه العديد ممن عرفت فى تلك السنوات، وكأنه وليد اللحظة).

ومن الشخصيات الإسلامية البارزة التى كانت على صلة بالإخوان فى طرابلس، د أحمد صدقى الدجانى، بل إن البعض كان يعتبره من الإخوان. وهو شخصية لها نشاطها الفكرى المنتظم عبر عدة منابر منها: المحاضرات العامة، والأحاديث الإذاعية وخاصة فى مادة التاريخ، والمقالات الصحفية (109)

المرحلـة الثانية

كان لنكسة يونيو 1967 نتائج عديدة على المستوى العربى والاسلامى فقد أحدثت ردود أفعال كبيرة فى كل المستويات الشعبية فى الوطن العربى، وخاصة على مستوى الأحزاب، والحركات، وكل المهتمين بالفكر، المهمومين بمشروعات النهضة، ومنهم التيارات والحركات الإسلامية وقياداتها.

وفى ليبيا، وبعد الحرب بشهور قليلة بادرت مجموعة من الشخصيات المنتمية فكريا إلى مدرسة الإخوان ببحث امكانية إنشاء تنظيم يجمع أكبر عدد من الأشخاص المقتنعين بمنطلقات وأفكار (الإخوان المسلمون) وأغلبهم على علاقات اجتماعية متواصلة، والرابط فيها هو الإنتماء إلى تيار الإخوان.

يقول محمود الناكوع :انتهت المشاورات والاتصالات إلى عقد سلسلة من الاجتماعات فى شقة محمد رمضان هويسة، وهي بمنطقة زاوية الدهمانى بطرابلس. وكان محمد هويسة يعمل فى التجارة والمقاولات، وقد صار إخوانيا منذ أن كان طالبا فى مدرسة الزاوية الثانوية، وينتمى الى أسرة معروفة، ولها مكانتها الاجتماعية.

وكان شديد الحماسة لحركة الإخوان وتاريخها وجهادها، ولا يُخفى انتماءه لها، وخاصة عندما كنا فى الجامعة ببنغازى فى أوئل ستينيات القرن الماضى.

انتهت سلسلة الاجتماعات تلك إلى الاتفاق على تأسيس تنظيم للإخوان بطرابلس له لجنة قيادية كالآتى:

  1. الشيخ فتح الله محمد احواص ويعرف بالشيخ فاتح احواص رئيسا للتنظيم.
  2. محمد رمضان هويسة مسئول العلاقات الخارجية.
  3. محمود محمد الناكوع مسئولا عن شئون التنظيم.
  4. عمرو خليفة النامى مسئولا عن النشاط الجامعى.
  5. مختار ناصف مسئولا عن الشئون المالية. وهي اشتراكات الأعضاء التى كانت بسيطة، وتقدر بنحو خمسين قرشا، أي نصف جنيه ليبى شهريا.

ونظرا لسرية العمل فلم تكتب المجموعة أي نظام أساسى، أو ميثاق، أو بيان، فكل شيئ فى الصدور، والثقة بين الأفراد هي أساس العلاقة والنشاط. وفى الوقت ذاته كان لإخوان بنغازى تنظيما مشابها، وكان من قياداته: عبد الكريم الجهانى. ادريس ماضى. مصطفى الجهانى. محمد الصلابى. صالح الغول وآخرون.

وكانت هناك علاقات تنسيقية لتبادل الاراء والمعلومات حول النشاط العام. وكان كل النشاط، وكل الاتصالات يتم فى سرية تامة، لأن الأحزاب والتنظيمات السياسية ممنوعة، ورغم ذلك المنع ظل هناك هامش يتسع للنشاط الثقافى، والخطب وإن كانت سياسية.

وطوال العهد الملكى 1952 - 1969 لم تعتقل السلطات أعضاء تلك التجارب التنظيمية الإخوانية لا فى طرابلس، ولا فى بنغازى. ولكن الجميع كانوا تحت رقابة ومتابعة الأجهزة الأمنية، والمراقبة فى حد ذاتها كفيلة بشل أي تجربة تنظيمية، وكفيلة بإضعاف أي عمل فكري. فالفكر و الترويج له لا ينضج ويؤتى ثماره إلا فى أجواء الحرية والديمقراطية، وذلك لم يكن متوفرا.

ظلت تلك المحاولة مقتصرة فى نشاطها على تنظيم بعض اللقاءات لجموعة الأسر، التى لا يتجاوز عدد أعضائها أربعين عضوا، وهم كل أعضاء التنظيم فى طرابلس وما حولها من مدن بغرب البلاد، ولكن هناك العشرات من قدامى الإخوان لم ينضموا الى المحاولة المذكورة لأسباب متعددة.

تلك التجربة التنظيمية استمرت نحو العام، أو أكثر قليلا، ثم توقف النشاط تلقائيا، حيث انقطع كثيرون عن حضور لقاءات الأسر، وهي لقاءات روتينية رتيبة، تدور جلساتها حول قراءة فى موضوع تثقيفي فى التفسير، أو الحديث، أو التاريخ.

ولم يكن هناك أي نشاط سياسي أو صحافي (جريدة مثلا) تدفع إلى الحراك بحيوية وتدافع فى الساحات العامة، لم تكن لدينا رؤية سياسية واضحة ومبرمجة للتعامل اليومى أو المرحلى مع الواقع السياسى والتوقعات المستقبلية.

كنا نعارض الفساد، وهو محدود، ونعارض وجود القواعد الأجنبية وذلك من خلال الخطب، وبعض الكتابات الصحفية. وفى نفس الوقت كنا نخشى من وقوع انقلاب عسكري، يضع البلاد فى مهب الرياح العاصفة، وأن يتكرر فى ليبيا ما حدث فى المشرق العربي حيث كانت الحركات الإسلامية، والإخوان بالذات ضحية تلك الانقلابات.

وكانت سرية العمل من أهم معوقات نمو جماعة الإخوان نموا مناسبا، كما كان نفس الحال بالنسبة للتنظيمات الأخرى. وعندما وقع التغيير العسكرى بقيادة الضباط الوحدويين فى الأول من سبتمبر 1969، وانتهى النظام الملكى، لم يكن هناك وجود فعلى للتجربة التنظيمية الإخوانية، ولم يتم حلها بصورة حاسمة من قبل اللجنة أو الأسرة القيادية.

وبسبب ملفات الأمن منذ النظام الملكى والتى تضمنت قائمة بأسماء العناصر النشطة والمعروفة فى المجتمع بحضورها الثقافى أو الخطابى أو الصحفى أو الجامعى، جرى اعتقال قرابة ثلاثين شخصا فى طرابلس فى أبريل عام 1973، أثناء الإعلان عما سمي رسميا بالثورة الثقافية والإدارية.

وكان فى مقدمة من تم اعتقالهم اللجنة القيادية، والبعض يسميها الأسرة القيادية. واستمر الإعتقال لمدد أقصاها قرابة واحد وعشرين شهرا. ورغم البدء فى اجراءات محاكمة تلك المجموعة، إلا أن المحاكمة توقفت بأمر سياسي، وأفرج عن الجميع اثر خطاب للعقيد القذافى رئيس مجلس قيادة الثورة، قال فيه، اذا اراد الإخوان العمل للإسلام فعليهم أن يعملوا له خارج ليبيا، وأن يتجهوا إلى جمعية الدعوة الإسلامية، ويهتموا بنشر الإسلام فى افريقيا وآسيا.

وفور الإفراج طلبت المؤسسة الأمنية (المباحث العامة) من عدد من الشخصيات الإتصال بجمعية الدعوة بطرابلس، وذلك تنفيذا لقرار العقيد القذافى. وطلب بالذات من د عمرو النـامى أن يسافر للعمل خارج البلاد. وبذلك التطور كان مـآل حركة الإخوان فى ليبيا، حيث انتهى نشاط أعضائها، وأصبحت محصورة مثل كل الأحزاب الأخرى.

ولكن القناعات الإسلامية التى ترسخت فى العقول والقلوب ظلت ثابتة، لم تغيرها أيام السجن، ولا عذاباته. وتلك هي ثمرة الكلمة الطيبة، كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها (110)

المرحلـة الثالثة

فى أواخر العقد السابع، وأوائل العقد الثامن من القرن الماضى، كانت الصحوة الإسلامية فى حالة مد، وتفاعلات واسعة الانتشار. وتزامنت تطورات الصحوة وزخمها مع نجاح الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979. وكانت كل اوربا الغربية، والولايات المتحدة، وكندا تعج بنشاط الشباب المسلم، متمثلا فى المؤتمرات، والندوات، والمخيمات، والمنشورات، والتظاهرات.

وفى ذلك الوقت كان هناك آلاف من الشباب الليبى يدرسون فى تلك البلدان الغربية، ويشاهدون ذلك الحراك الإسلامي العام، وتفاعل بعضهم تفاعلا ايجابيا مع مد الصحوة الإسلامية. وكان شباب ورجال (الإخوان المسلمون) من كل أو جل البلدان العربية على اتصال مباشر ونشط فى كل الساحات الأوربية والأميركية.

وفى تلك الأجواء الحماسية، وفى ظل الحريات العامة فى الدول ذات النظم الديمقراطية الغربية انجذب كثير من الشباب الليبى إلى حركة (الإخوان المسلمون) وكانوا مشاركين فى نشاطاتهم الثقافية التربوية، وفى لقاءاتهم العامة.

وفيما بعد أسس الشباب الليبى فى الولايات المتحدة تنظيما خاصا بهم أطلقوا عليه اسم (الجماعة الإسلامية ليبيا) واصدروا مجلة ناطقة بإسم الجماعة تسمى (المسلم) صدر عددها الأول فى غرة (ذو القعدة 1400 ه - سبتمبر 1980) ومن قياداتها فى تلك المرحلة، المرحوم عبد الله الشيبانى وآخرون.

وظلت الجماعة وأعضاءها على صلة بتنظيمات الإخوان الأخرى الموجودة فى ديار الهجرة، وخاصة فى الولايات المتحدة. والجماعة الإسلامية تعتبر أول تنظيم لإخوان ليبيا ينشأ خارج البلاد.

وعندما تأسست الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا عام 1981 بمبادرة من مجموعة من الشخصيات الإسلامية، انضم عدد من اعضاء الجماعة الإسلامية إلى الجبهة، وكونوا مع عناصر أخرى تيارا مهما داخل الجبهة، وكان الشهيد احمد أحواس أكثر قيادات الجبهة حماسة فى الإهتمام بذلك التيار. وظلت الجماعة الإسلامية قائمة واصلت نشاطها.

وبعد أن أكمل عدد كبير منهم دراساتهم العليا والمتوسطة (الدكتوراه، والمجستير) رجعوا إلى البلاد، واستأنفوا سريا تنظيم عناصر الإخوان. وكان رجوع عدد منهم فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضى.

ومن بين الشخصيات التى شاركت فى إحياء النشاط فى تلك المرحلة: عماد البنانى، عبد المنعم المجراب،، الأمين بلحاج، عبد المجيد بروين. ومن العناصر السابقة، انضم الى المحاولة الجديدة (كل من ادريس ماضى، ومصطفى الجهانى وسينضمان فيما بعد إلى حركة التجمع الإسلامى).

وتعتبر تلك المحاولة التنظيمية، هي الأولى من نوعها التى، كانت قيادةً وأعضاءً تجمع كل حركة الإخوان فى كل البلاد، وتم ذلك عام 1987 تقريبا. وفى عام 1991، طورت المجموعة القيادية أسلوبها فى إختيار القيادات، وأجرت انتخابات لإختيار مجلس للشورى، ومن بين أعضائه، يختار المجلس المراقب العام.

فى تلك الظروف كانت القبضة الأمنية الحكومية بالغة الشدة، ولا مجال لأي نشاط سياسي أو دعوي ملموس، وكل ما كان ممكنا هو محاولة توجيه بعض الشباب توجيها تربويا إسلاميا من خلال علاقات فى العمل، أو فى اطار العلاقات العائلية، أو فى بعض المناسبا ت الإجتماعية أو الدينية.

كذلك عمل الإخوان على جمع بعض الأموال لمساعدة الفقراء، وتخفيف الإحتقان السائد فى المجتمع حسب تعبير سليمان عبد القادر المراقب العام السابق للأخوان (الجزيرة، زيارة خاصة 30 / 5 / 2009).

وفى عام 1995 شنت السلطات الأمنية اعتقالات واسعة، شملت عدة تنظيمات، واستطاعت أعداد كبيرة من الشباب المنتمى لتنظيمات اسلامية الهروب من البلاد بشتى الطرق، وكان بعضهم من تنظيم الإخوان، واتجه أغلبهم الى اوربا الغربية.

ثم استأنفت مجموعات أخرى من الإخوان النشاط من جديد، وكان أغلبهم من العائدين من الغرب بعد أن أتموا دراساتهم العليا، وكان من قيادات المحاولة الأخيرة:

  1. عبد الله عز الدين المراقب العام
  2. سالم أبو حنك نائب المراقب العام
  3. ومجموعة من أصحاب الشهادات العلمية العليا.

وفى عام 1998 أكتشفت السلطات الأمنية التنظيم، ونفذت حملة اعتقالات واسعة، وتم اعتقال قرابة مائة عضو، وحكم على المراقب العام ونائبه بالإعدام، وحكم على أعضاء مجلس الشورى بالمؤبد، وعلى أعداد أخرى بالسجن لعدد من السنوات.ومن العناصر العلمية التى كانت ضمن المعتقلين د عبد الله شامية أستاذ الإقتصاد فى جامعة قاريونس، والمعروف بقدراته ونشاطه فى مجال تخصصه.

وخلال وجودهم فى المعتقل، جرت عدة محاولات من جماعات اسلامية، ومن علماء مسلمين للتحدث مع القيادات الرسمية الليبية مطالبة بالإفراج عن المعتقلين، مبررة محاولاتها، بأن عمل الإخوان مؤسس على العمل السلمى الدعوى، وليس على أي عمل عسكري، ولا يهدف الى التغيير بالقوة، وكان د الشيخ يوسف القرضاوي أحد وأبرز أولئك العلماء، وقام بزيارة لليبيا وقابل العقيد معمر القذافى، ويعتقد أنه تحدث معه عن مسألة المعتقلين من الإخوان.

وبقي الإخوان فى السجن إلى مارس عام 2006 حيث تم الإفراج عنهم جميعا بعد تدخل من المهندس سيف الإسلام القذافى الذى جعل من مهام جمعية القذافى للأعمال الخيرية، تبنى بعض ملفات حقوق الإنسان.

وبعد سلسلة من الحوارات والإتصالات مع عدد من قيادات الإخوان فى الخارج، وبعد حوارات مع المعتقلين، تم الإتفاق بالتأكيد بعد موافقة العقيد القذافى على الافراج عن الإخوان، بشرط ألا يقوموا بأي نشاط تنظيمي ولا سياسي ولا اجتماعي عام، وأن يعيشوا مواطنين عاديين، وأن يمارسوا حياتهم العادية (111)

المبحث الثانى: الإخوان والصدام مع القذافى

استعرضنا سابقاً جزء بسيط من تاريخ الصدام بين الإخوان ونظام القذافى، فمنذ تولى القذافى السلطة عام 1969 والذى كان يتبنى الفكر القومى اليسارى واجه الإخوان المسلمون بليبيا العديد من المواجهات والمضايقات ولكن كان أهمها على الإطلاق

مجزرة سجن أبو سليم (112) والتى تعرض فيها المعتقلين الاسلاميين للقتل إثر محاولة تمر قام بها بعض السجناء وتعد المحطة الثانية الأهم فى تاريخ المواجهات بين الإخوان والقذافى عام 1998 عندما شن القذافى حملة الاعتقالات التى طالت معظم قيادات الجماعة فى الداخل فقد اعتقل في يوليو1998م، العشرات من خيرة شباب ليبيا، بتهمة الانتماء الى تنظيم الإخوان المسلمين

وبعد اربع سنوات، وبالتحديد في 16 فبراير 2002م (قبل عيد الاضحى المبارك بستة ايام فقط) صدرت ضدهم احكام قاسية جداً، شملت الحكم بالاعدام على اثنين، وبالمؤبد على 73، وبالسجن لمدة عشر سنوات على 11 معتقل. وقد اطلق سراح المجموعة في مارس 2006م، بعد تطورات عديدة سنشير اليها والى تطور خطاب الجماعة بصفة عامة في عمل اخر باذن الله. وفيما يلي قائمة المعتقلين مع منطوق الحكم ضد كل منهم كما نشرتها الجماعة الاسلامية الليبية.

  1. دكتور سالم محمد ابو حنك (استاذ الكيمياء- جامعة قاريونس - اعدام)
  2. دكتور عبد الله احمد عز الدين (استاذ الهندسة النووية- جامعة طرابلس - اعدام).

الحكم بالمؤبد على كل من:

دكتور عبد الله محمد شامية (استاذ اقتصاد بالجامعة ورئيس مركز البحوث الاقتصادية)، الدكتور عبد اللطيف كرموس (كلية الزراعة)، دكتور رجب امحمد الجروشي (استاذ الهندسة المدنية)، دكتور سليمان علي ختروش (استاذ الهندسة المدنية)، دكتور عبد المنعم الحصادي (استاذ الكيمياء)، مهندس خالد الهاشمي الزروق (مهندس واعمال حرة) فيصل الصافي (مهندس/الخطوط الجوية الليبية)، محمد فرج القلال (محاسب)، رمضان محمد الكور (فني خراطة)، عياد محمد المهدي (مدرس)، احمد المقطوف دنس (مدرس)، كمال رمضان الوش (مهندس طيران)، مختار عبد الله المحمودي (مهندس طيران)، د. سليمان الفاندي (استاذ في قسم الحاسوب/كلية الهندسة)، صلاح عمر الشامخ (معيد بكلية العلوم)، طارق احمد بو زريبة (مهندس كمبيوتر)، طاهر عبد القادر الثني (اعمال حرة)، محمد ابراهيم التائب (امام وخطيب مسجد)، محمد امحمد الزياني (مهندس)، احمد عبد الله السوقي (مهندس)، حامد نصر بشير الورفلي (مدرس)، عبد الرحمن سالم والي (مدرس)، محمد حسن صوان (مدير شئون ادارية)، علي الصادق الهوني (ماجستير هندسة)، د. عبد الباري علي الهادي العروسي (هندسة تأكل)، صالح فرج المسماري (موظف)، د. جمال فضل الله الماجري (طبيب بيطري)، عبد القادر محمد حمد الاجطل (مهندس اجهزة دقيقة)، عبد الفتاح بركة محمد الاوجلي (مهندس)، عوض بركة محمد الاوجلي (مهندس زراعي)، محمد المبروك الريان (مهندس زراعي)، بشير سليم الورفلي (مدرس ومحفظ قرآن)، فوزي ونيس القذافي (مهندس اتصالات)، نوري ونيس بالنور (طالب كلية الاقتصاد/امام مسجد ومحفظ قرآن)، فرحات مصطفى الهوني (اخصائي معامل هندسة)، مهندس عمر مفتاح السلاك (مبرمج شركة الخليج العربي للنفط)، د. عبد السلام بن خيال (استاذ الكيمياء العضوية)، نور الدين علي جويلي (موظف شركة الخليج العربي للنفط)، فوزي بشير بو كتف (مهندس شركة الخليج)، خالد محمد شعيب، (مهندس مدني)، عبد الله محمد المعداني، كمال الدين رمضان، احمد مفتاح ارفيدة (مدرب طيران)، عوض عاشور الحدودي، صلاح علي الزروق (مهندس مدني)، احمد حسن كشلاف (مصنع الحديد والصلب)، عبد الكريم عبد المقصود الحوتي (عامل)، محمد فتحي امبيق، عمر محمد بن طاهر الزوي، صالح محمد ابراهيم الزوي، عيسى عبد الحميد الزوي (مهندس مدني)، شريف محمد الشيخي (طالب طب)، الصالحين عبد الله المهدوي (محاسب)، عبد السلام علي اشيفني، فرج حسين الضراط (مدرس)، محمد حسين بالرأس علي (معيد بكلية الاداب)، خليفة حسن الجهاني (اعمال حرة)، عبد الحكيم احمد بادي(مهندس)، علي السنوسي المسماري (بكالوريوس اقتصاد)، مختار عبد المجيد الماني (مهندس ميكانيكي)، د.عبد الرحمن اليباني (طبيب بشري)، سفيان عبد الغني العبيدي (كلية الاقتصاد)، علي سالم العباني، صالح محمد دخيل (مهندس ميكانيكي) عبد الحفيظ سويسي (مدرس)، عثمان علي بن صريتي (تاجر)، فوزي محمد نتفة (ماجستير قانون)، ابوبكر رمضان المقرحي (موظف)، خليل علي البكوش (مهندس مدني) علي ابوبكر الصغير(مهندس كمبيوتر)، طارق الطاهر النعاس (مهندس ورجل اعمال)، ناصر عبد السلام كشلاف (اعمال حرة)، عمر الورفلي (موظف).

وبالسجن لمدة عشر سنوات على كل من:

اكرم يوسف العبيدي (طالب طب)، احمد محمد ابراهيم زائد (موظف)، احمد عمر بالطيب (طالب طب)، محمد اشرف فرج فنوش، حمد عبد السلام الفارسي (طالب طب)، انيس حسن القويضي (طالب طب)، محمد صلاح الدين ابو النجا(طالب طب)، عمر علي المقوب (طالب كيمياء)، يوسف سليمان بوشعالة (طالب هندسة)، نزار ميلاد كريكش (طالب طب)، حمدي عبد الهادي الديهوم (طالب علوم اجتماعية ومحفظ قرآن).

وكانت هذه الحملة من أقوى الحملات التى واجهتها الجماعة بليبيا ولم يكتف نظام القذافى بهذه الاعتقالات بل كان يتبع سياسة التعذيب والاختفاء القسرى فاستشهد عدد من رموز العمل الإخوانى بليبيا ونذكر على سبيل المثال منهم:

الدكتور عمرو خليفة النامي

ولد الدكتور "عمرو خليفة النامي"، حسب اغلب المصادر، في عام 1939م، بنالوت بجبل نفوسة. وانهى دراسته الابتدائية والاعدادية بمدينة "نالوت". ثم انهى دراسته الثانوية في مدينة "غريان" . تخرج عام 1962م من كلية الاداب بالجامعة الليبية ببنغازي، قسم اللغة العربية. وحصل على درجة الدكتوراة في الدراسات العربية والاسلامية من جامعة كمبردج عام 1971م.

ويعتبر الدكتور عمرو النامي من القيادات الاسلامية البارزة. وقد نشط في مجال الدعوة الاسلامية وقام بتدريس مادة الثقافة الاسلامية في اوائل السبعينيات في جامعتي طرابلس وبنغازي . والدكتور النامي كاتب واديب وشاعر وباحث. وله عدة اعمال ثقافية وادبية رائعة من بينها كتاب عن "ظاهرة النفاق". كما كان رحمه الله يشارك في تنقية ووضع المناهج الدراسية في ليبيا كلما سنحت له الفرصة لذلك.

كما نظم قصائد عديدة رائعة اشهرها قصيدة "اماه" وقصيدة "يا ليلة العيد"، وقد اوردت القصيدتين في الفصل الثالث من هذا الكتاب. عمل الشهيد في مجال التدريس في اليابان وامريكا. واعتقل خلال اعوام 1971 و 1973م و1974م و1981م، ثم اعتقل مرة اخرى في1984م.. ثم انقطعت اخباره منذ 1986م.

عبد الله محمد الشيباني

اتم الشهيد عبد الله محمد الشيباني، رحمه الله، تعليمه الجامعي في ولاية اكلاهوما بالولايات المتحدة الامريكية، وكان دور الشهيد بارزاً في الدعوة الى الله، بين صفوف الطلبة الليبيين والعرب في تلك الولاية، ثم اتسع دوره مع تأسيس الجماعة الاسلامية الليبية ليغطي الساحة الامريكية، متنقلاً بين ولاياتها، داعياً الى الله، وداعياً أبناء الوطن الى ضم الصفوف وتوحيد الجهود في سبيل الله تعالى.

وحين نادى منادي الجهاد في افغانستان، كان من اوائل الملبين، فقد ساند الجهاد الافغاني، من خلال مؤسسة الرعاية الانسانية العالمية، التي انشأها، ثم شارك في الجهاد بنفسه، وعاد بعدها الى ارض الوطن ليواصل عطاءه في الدعوة الى الله بالموعظة الحسنة

فكان ان كافأه الظلمة بأن اودعوه مع اخوانه السجون والمعتقلات بالرغم من ظروفه الصحية، التي اخذت تسوء تدريجياً، بسبب انعدام الرعاية الطبية التي حرم منها طيلة مدة سجنه، والتي امتدت ثلاثة سنوات (من عام 1998م الى عام 2001م) .

كان الشهيد رحمه الله صلباً في الحق، لا يداهن، ولا يجامل، وكان صادق اللهجة، لم يخالف لسانه قلبه. وقد قضى نحبه صابراً في سجون النظام في ليبيا مساء يوم الخميس 7 ذو القعدة 1421هـ الموافق 1 فبراير 2001م.

محمد ابراهيم المجراب

ولد الشهيد "محمد ابرهيم المجراب" عام 1950م بمدينة مصراتة. وهو من سكان مدينة بنغازي. انضم الى الجماعة الاسلامية الليبية، واعتقل اثر احداث مايو - 1984م (احداث باب العزيزية) وكان يعاني من مرض السكر. قتل داخل المعتقل. وفي نوفمبر1990م استلم ولداه جثته.

فرحات حلب

ولد الشهيد في مدينة زواره عام 1958م. تلقى تعليمه الابتدائي والاعدادي والثانوي في مدينة زواره. نال الشهادة الثانوية في عام 1977م. التحق بكلية الهندسة جامعة طرابلس. غادر البلاد في بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الامريكية على حساب الهيئة العامة للحديد والصلب. اكمل دراسته الجامعية في خريف عام 1984م. وعاد إلى ليبيا بعد تخرجه. أعتقل بعد احداث باب العزيزية، استشهد في10 يونيو 1984م بمدينة زوارة.

الشارف الغول

الشهيد الشارف الغول من سكان سوق الجمعة بطرابلس. تخرج من كلية العلوم الجامعة الليبية قسم الجيولوجيا. نال شهادة الماجستير من جامعة اوهايو . اعتقل في سبتمبر 1983م، واعدم في مارس 1986م في السجن بعد ان نال من التعذيب ما نال.

المبحث الثالث: إخوان ليبيا ويوميات الثورة

شهدت فترة حكم القذافى عدد من الاحتجاجات الشعبية القوية قبل ثورة 17 فبراير 2011 وأبرز ثلاث احتقانات وأحداث شعبية شهيرة في عهد القذافي هيَ مجزرة سجن أبو سليم عام 1996 ومجزرة مشجعي كرة القدم عام 1996 ومظاهرات بنغازي عام 2006.

ففي عام 1996 قامت أجهزة الأمن الليبية بارتكاب إحدى أكبر المجازر في عهد القذافي بسجن أبو سليم، وهو سجن يُؤوي المُعتقلين السياسيين في المقام الأوَّل، ويُعد أكثر سجون ليبيا إحكاماً وتحصيناً، وبنقيض باقي سجون البلاد فهوَ لا يَخضع لإدارة وزارة العدل الليبية بل يُدار مُباشرة من طرف الأمن الداخلي.

لكن في شهر يونيو عام 1996 تمرَّد عدد كبير من السجناء مُطالبين بأن يُحاكموا بشفافية بدلاً من اعتقالهم قسرياً وبأن يَحصلوا على ظروف معتقل أقل سوءاً، وتمكن المُتمؤدون من السَّيطرة على جزء من السجن وطرد الحرس منه، ونتيجة لهذا فقد أطلقت أجهزة الأمن الليبية حملة يوم 28 يونيو من ذلك العام لقمع التمرُّد، واقتحمته في ذلك اليوم ميليشات القذافي معَ العديد من القادة الأمنيين البارزين مثل عبد الله السنوسي وموسى كوسا.

وبعدَ بعض المُفاوضات بينهم وبين المُتمردين، بدأت عملية اقتحام المناطق التي يُسيطر عليها السجناء باستخدام الرشاشات والقنابل اليدوية، وبذلك بدأت المَجزرة، التي قبضوا خلالها على مئات المُتمردين وقاموا بتصفيتهم جماعياً، ويُقدر عدد ضحاياها بحوالي 1170 قتيلاً.

وفي عام 1996 نفسه حدثت مجزرة أخرى أصغرَ حجماً في العاصمة طربلس أيضاً، إذ انتصرَ نادي الأهلي الطرابلسي على النادي الاتحادي في إحدى مباريات كرة القدم، فتحمَّسَ مشجعو الأهلي وأخذوا بالهتاف ضد النادي الاتحادي وتأييداً للأهلي

وقد كان وقتها الساعدي القذافي - ابن معمر القذافي - حاضراً في المباراة على المنصة الشرفية، فلم تَرق له هتافات الجمهور لأنه كان عضواً في النادي الاتحادي آنذاك، ولذلك أمرَ قوَّات الأمن بإطلاق النار على المُشجعين فوقعت المجزرة التي راحَ ضحيتها 20 مدنياً ممن كانوا يَهتفون للنادي الأهلي. وقد تسبَّبت هذه المجزرة بإغلاق نادي الأهلي والاتحاد وتجميد نشاط كرة القدم في كافة أنحاء ليبيا لمُدة ثلاث سنوات كاملة.

وفي بنغازي اندلعت أحداث عام 2006 بسبب أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد، التي خرج رداً عليها المئات في المدينة في يوم الجمعة 17 فبراير واتجهوا نحوَ القنصلية الإيطالية بها، وحاولَ المُتظاهرون اقتحام القنصلية فاعترضتهم قوَّات الشرطة، ثمَّ صعدَ فتى إلى مبناها وانتزعَ العلم فأطلقت الشرطة عليه النار، وبذلك بدأ الاشتباك بين المُتظاهرين الغاضبين ورجال الشرطة الذي تطوَّر إلى استخدام الرَّصاص الحي وانتهى بمقتل 11 متظاهراً وسُقوط ما لا يَقل عن 35 جريحاً.

وبعدَ هذه المجزرة تطوَّرت الأحداث، فاندلعت الاحتجاجات مُجدداً يوم السبت وأحرق المُتظاهرون الغاضبون القنصلية الإيطالية بعدَ أن اتجهوا إليها مُجدداً، وخلال فترة أيام 18 - 20 فبراير توسعت دائرة مطالب المُحتجين، فأخذوا بالتوجه نحوَ رموز السلطة بليبيا نفسها، وأحرقوا أربع مقارٍ للشرطة ومبنيي الضرائب والمباحث الجنائية فضلاً عن اقتحامهم لمديرية الأمن في بنغازي، وكانت حصيلة المباني الحُكومية التي أحرقوها في آخر الأمر حوالي 30 مبنى.

وفي سبيل احتواء هذه الاحتجاجات أعلنت السلطات الليبية الحداد على "شهداء" مجزرة 17 فبراير وأقالت وزير الأمن العام بالبلاد، كما اهتمَّت بنقل عددٍ من جرحى المُظاهرات للعلاج في الخارج. وبعدَ وُصول الاحتقان إلى هذا المستوى على مدى أربعة أيام من التوترات في مدينة بنغازي، انتهت الأحداث بفرض السلطات الليبية لحالة الطوارئ وإعلانها حظر التجوال في المدينة، معَ إرسال تعزيزات أمنية إليها من المناطق المُجاورة للحرص على عدم تكرار المُظاهرات.

كما شهدت مدينة البيضاء في 1 سبتمبر عام 2006 احتجاجاً عارمة أثناء احتفال انقلاب 1969 أو مايعرف الفاتح، وقام بعض المواطنين بالهجوم على عربات بها دبلوماسيين والعقيد القذافي احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية بالمدينة، مما أدى إلى كسر نوافذ السيارات ولم يصاب على اثرها أي شخص.

وكان آخر هذه الاضطرابات قد شهدتها مدينة يفرن في 24 ديسمبر عام2008 والتي تعد حاضرة أمازيغ ليبيا احتجاجات كبيرة بعدما قام مجموعة لسيف الإسلام نجل القذافي باقتحام المدينة ومداهمة لعدد كبير من منازل الناشطين حول قضية حقوق الثقافة الأمازيغية مما أثار غضب أبناء المدينة وتم حصار المدينة وقطع الكهرباء والإتصلات عنها وهدد القذافي بقصفها بالطائرات.

وفى 17 فبراير 2011 انطلقت الثورة الليبية وهي ثورة اندلعت وتحولت إلى نزاع مسلح إثر احتجاجات شعبية بداية في بعض المدن الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي، حيث انطلقت في يوم 15 فبراير اثر اعتقال محامي ضحايا سجن بوسليم فتحي تربل في مدينة بنغازي فخرج أهالي الضحايا ومناصريهم لتخليصه وذلك لعدم وجود سبب لاعتقاله

وتلتها يوم 16 فبراير مظاهرات للمطالبة باسقاط النظام بمدينة البيضاء فاطلق رجال الامن الرصاص الحي وقتلوا بعض المتظاهرين، كما خرجت مدن جبل نفوسه الزنتان ويفرن ونالوت والرجبان في نفس اليوم وقام المتظاهرون في الزنتان بحرق مقر اللجان الثورية، وكذلك مركز الشرطة المحلي، ومبني المصرف العقاري بالمدينة

وازدادت الاحتجاجات اليوم التالي وسقط المزيد من الضحايا وجاء يوم الخميس 17 فبراير - شباط عام 2011 م على شكل انتفاضة شعبية شملت بعض المدن الليبية في المنطقة الشرقية فكبرت الاحتجاجات بعد سقوط أكثر من 400 ما بين قتيل وجريح برصاص قوات الامن ومرتزقة تم جلبهم من قبل النظام. وقد تأثرت هذه الاحتجاجات بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011 م

وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك. قاد هذه الثورة الشبان الليبيون الذين طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. كانت الثورة في البداية عبارة عن مظاهرات واحتجاجات سلمية لكن مع تطور الأحداث وقيام الكتائب التابعة لمعمر القذافي باستخدام الأسلحة النارية الثقيلة والقصف الجوي لقمع المتظاهرين العزّل، تحولت إلى ثورة مسلحة تسعى للإطاحة بمعمر القذافي الذي قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة.

وبعد أن أتم المعارضون سيطرتهم على الشرق الليبي أعلنوا فيه قيام الجمهورية الليبية بقيادة المجلس الوطني الانتقالي، وفي يوم 20 انتفضة مدينة طرابلس وهي العاصمة الليبية وقد افلح شباب العاصمة بإسقاط العاصمة ونظام القدافي في تسع ساعات وبعدها في يومي 21 و22 أغسطس دخل الثوار إلى العاصمة طرابلس المحررة من شبابها بالاحتفال وقامو جميع الثوار بسيطرة على آخر معاقل القذافي وقتل الأخير في سرت بحلول يوم 20 أكتوبر.

وكان للإخوان المسلمين دور واضح فى هذه الثورة منذ يومها الأول وهى استمرار طبيعى لتراكمات المحطات الكثيرة من المواجهة بين الإخوان والقذافى ويروى الأستاذ فيصل الصافى أحد رموز الإخوان بالداخل الليبى فيقول:

مع بداية الثورة تحرك الإخوان على اكثر من صعيد الصعيد السياسي والصعيد الاغاثى والصعيد العسكرى

أولاً: على مستوى الصعيد السياسي

حرصنا على ان نكون متواجدين فى قلب الثورة من ناحية المطبخ الى كانت تؤخذ فيه قرارات الثورة اللى هو فى محكمة بنغازى كنا موجودين فى المحكمة من اول يوم كنت متواجد انا والدكتور عبدالله شامية كنا متواجدين فى داخل المحكمة مع الاخوة الذين كانو يخططون لما هى الخطوات التى ستتلاحق فى اداء الثورة ومتابعة الاحداث فحتى قرار تشكيل المجلس الوطنى الانتقالى تم اتخاذة فى داخل المحكمة كنا مساهمين فى اتخاذ هذا القرار فى داخل المحكمة
وكنا نتابع من داخل المحكمة كافة الاجراءات ومستجدات الاحداث وكنا نتواصل من خلال المحكمة مع وسائل الاعلام المختلفة من داخل المحكمة فكان وجودنا حيوى من اول يوم فى هذا المجال واستمر ادائنا الى ان تشكل المجلس الوطنى الانتقالى واصبحنا على تواصل مباشر مع المجلس الوطنى الانتقالى وكان لينا دور مباشر مع المجلس نحن كأخوان من خلالى انا ومن خلال الدكتور عبدالله شامية
المستور الاخر على مستوى الاداء السياسي بعد مضى اسبوعين او ثلاثة على الثورة رأينا ان الساحة السياسية على مستوى المؤسسسات السياسية فى الساحة الليبية فيها فراغ مؤسسى انه لاتوجد هناك مؤسسة سياسية تقود الرأى العام او تشكل الراى العام الللببى داخل المنطقة الشرقية لانها كانت منطقة محررة الإخوان قرروا تأسيس مؤسسة سميت اتحاد ثوار ليبيا وهذة المؤسسة هى سميت اثال اختصارنا لحروف اتحاد ثوار ليبيا
وكان رئيس الجمعية العمومية لهذة المؤسسة هو الشيخ ونيس مبروك واخترت انا فيما بعد رئيسا لهذة المؤسسة فكنت انا الرئيس التنفيذى لمؤسسة اثال والشيخ ونيس المبروك كان رئيس للجمعية العمومية فى البداية بعد تأسيسها تم اختيار السيد جويدر ابراهيم جويدر رئيس تنفيذى ثم كلف الرئيس جويدر ببعض المهام على مستوى الدولة فقدم استقالته
وكلفت انا ان اكون رئيس اتحاد ثوار ليبيا فى بنغازى وكان الاخ عبد الهادى شلماته هو نائب الامين العام لهذة المؤسسة وحقيقة هذة المؤسسة كان لها دور ايجابى وكبير جدا فى مرحلة الثورة من ناحية ممارسة الضغط السياسي على الأداء السياسي للدولة فى تلك المرحلة على مستوى المؤتمر الوطنى و على مستوى المكتب التنفيذى اللى كان يمثل الحكومة فى ذلك الوقت
فمن الاشياء اللى نذكر أننا انجزناها فى تلك المرحلة اولا كنا اى خطأ يرتكب من قبل الحكومة او من قبل المجلس الوطنى كنا نقدم بيانات وكنا نوصل هذه البيانات لمؤتمر المجلس الوطنى وكنا ندخل داخل المجلس ونبدى آرائنا الى اعضاء المجلس الوطنى فكثير من الاحيان كان يتجاوب معنا وكنا نغير فى كثير من القرارات والاوامر تصدر من داخل المجلس
فكنا احنا كأثال وكما كنا قوة فاعلة فى داخل المجتمع كنا نستطيع ان نخرج كثير من الناس مظاهرات لما المجلس او المكتب التنفيذى يقوم بخطوات سلبية كنا نحن نقيم مظاهرات ونتصدى لهذه المواقف حتى يضطر المجلس ان يغير فى مواقفة بناءا على هذا الضغط ايضا من القضايا اللى احنا ارسيناها فى داخل المؤتمر هى المادة الثلاثين من الاعلان الدستورى
فكان فى السابق فى ذلك الوقت كان المجلس الوطنى كان يرغب ان يستمر الى ان ينتخب البرلمان وهو الذى يقوم بالاشراف على صياغة الدستور وان هذة المرحلة بالكامل يقوم بها المجلس الوطنى لكن احنا فى اثال رأينا ان هذا الامر قد يشكل خطر وان المجلس الوطنى بحكم أنه ليس منتخب وغير منتخب
فعلى المدى القريب سيصبح مرفوضاً من قبل الشعب بمجرد استقرار الاوضاع السياسية فكنا نخاف أن وجود استمرارية المجلس الوطنى قد يسبب اشكالية للبلد ويصبح مرفوضا وبالتالى هتدخل البلد فى فوضى فرأينا أنه لابد ان نشكل مجلس منتخب او هيئة تشريعية منتخبة حتى نضمن استقرار البلد على المدى البعيد الى ان يشكل برلمان فاحنا ضمنا مواد هذة المادة وشرحناها بالتفصيل ان يتم انتخاب مؤتمر وطنى
وهذا المؤتمر يتكون من 200 عضو بالتفصيل نفس المادة اللى تعديل اللى ادارته اثال هو اللى تم اعتمادة وهو اللى الان الدولة تسير بوفق هذا الجدول الزمنى اللى احنا وضعناة فى اثال طبعا احنا اتوصلنا الى أننا يصبح هذا الامر واقع كان لنا دور سياسي على المستوى الدولى
فكانت مجموعة اصدقاء ليبيا تلتقى من حين لاخر وتضع للسياسات العامة للثورة فى ليبيا اللى هى اصدقاء ليبيا قطر وامريكا وبريطانيا وفرنسا هذة الدولة تجتمع فكان هناك اجتماع فى تركيا فنحن وضعنا مسودة المادة ثلاثين فى الاعلان الدستورى وحددنا آلية انتقال السلطة من المجلس الوطنى الى البرلمان
وحددناها من خلال خطوات وذهبنا الى سفير تركيا فى ليبيا واعطيناة نسخه من هذة المسودة وطلبنا منه ان يوصلها الى اردوغان وايضا الفريق الليبى اللى كان يمثل المجس الوطنى فى ذلك اللقاء فى تركيا حملناه هذه الرسالة وكان منها فتحى لبعاجة وعبدالله شامية حملناها هذة المسودة
وايضا أرسلناها الى الدولة الامريكية عن طريق مندوب امريكا فى بنغازى وطلبنا منه رسميا ان يقوم بتوصيلها لوزيرة الخارجية كلينتون فى هذا اللقاء وجمعنا مجموعة من التوقيعات من مؤسسات المجتمع المدنى الليبى وضغطنا ان هذا مطلب لمؤسسات المجتمع المدنى فى بنغازى
وكانت المفاجأة سارة جدا لما سمعنا اول تصريح صحفى لكيلينتون وزيرة الخارجية انها قالت بعد انتهاء هذا اللقاء ان ليبيا لابد ان تنتقل من خلال مرحلة انتقالية ولابد من انتخاب مؤتمر وطنى بهذة الصياغة التى طرحناها فرأينا اننا حققنا نجاح وبفضل الله هذا احد الاداء اللقاء كان من مؤسسة اثال هذا كان على المستوى السياسي
ثانياً: على المستوى العسكرى
من يوم 19 فبراير تقريبا التقيت انا بالاخ فوزى بوكتف (113) امام محكمة بنغازى وكان الاخ فوزى يبحث عن دور لنفسة ورأينا بعد اللقاء اننا شكلنا قيادة طارئة لمتابعة الأحداث وبدأت تلتقى كل يوم من الساعة السابعة صباحا حتى الثامنه والنصف قبل بداية الاحداث بحيث اننا فى خلال الساعة والنصف نضع خطتنا ونضع المهام المطلوب تنفيذها خلال هذا اليوم
وكانت هذة الييادة ممثلة فى الدكتور سالم بوحنك كان يرأس هذة المجموعة وفيصل الصافى وفوزى بوكتف وعبدالله شامية والاخ عيسى الزوى والدكتور جبرى جلوشى كنا نلتقى يوميا وكل منا يأتى بمعلومات ونتابع من خلال ماذا يحدث بالمحكمة على الصعيد العسكرى وعلى الصعيد السياسى ونرى المستجدات وأخد قرارت
وكنا على تواصل مع كافة اعضاء الجماعة فى كافة المناطق وكنا نحن نوجه الإخوان انهم يتحركوا وفق ما نراه من مستجدات و القيادة لما ناقشت الوضع العسكرى رأينا ان الاخ فوزى يسعى لإتجاه تأسيس معسكرات للتدريب العسكرى من خلال دورات تدريبية سريعة
وفعلا استطاع فوزى بوكتف ان مع مجموعة من الضباط العسكريين اللى كانوا متحمسين جدا انهم يشاركوا فى الثورة فالتقى بهم ورأى انهم يجب أن يتعاونوا فيما بينهم و يشكلوا قاعدة او معسكر يدرب الشباب الذين يريديون ان يتطوعوا للدفاع عن ليبيا وفعلا تم اخذ مكان مقر كان تابع للجان الثورية فى بنغازى واختيار هذا المكان كان يفى بهذا الغرض كساحات للتدريب و مقرات ادارية وغيرة
فالاخ فوزى بوكتف أشرف على تأسيس هذا المعسكر وبدأ يتوافد على المعسكر من كل انحاء ليبيا ومن اوربا يريديون ان يقاتلوا كان يتدربوا فى هذا المعسكر وكانو يتخرجوا فى خلال اسبوعين ،واصبح هذا المعسكر شوكة فى ظل نظام القذافى الى ان استقرت الثورة وكان هذا المعسكر له دور بارز وفاعل فى الجانب العسكرى
وخاصة بعد ما اصبحت الثورة تجلب كثير من الذخيرة والاسلحة كانت تخزن فى ذلك المعسكر واصبح هذا المعسكر فعلا دور وبعد ذلك بشهر ونصف اوشهرين تأسست مجموعة من المعسكرات فى عدة اماكن ولكن كان السبق لهذا المعسكر اللى هو معسكر 17 فبراير فى الثورة الليبية هذا على الجانب العسكرى

ثالثاً: الجانب الاغاثى

قام الإخوان بالخارج من أول يوم فى الثورة كلفوا مجموعة من الإخوان ومنهم الاخ صلاح البيلا والأخ ماجد كبلان وبعض الاخوة ورأوا ضرورة تشكيل قاعدة فى مصر وتكون مهمة هذه القاعدة هى تجميع وتوظيف وإدارة العمل الإغاثى لإرسال قوافل الاغاثة الى داخل ليبيا وبالفعل حضروا إلى مصر وشكلوا قاعدة فى مصر
وتم تشكيل مؤسسة إغاثية أطلفوا عليها "فريق نداء الخير" وبدأت تجتمع هذة الجمعية من داخل مصر وكان من ضمن المساهمين فى هذة الجمعية الاخ عبدالوهاب الشريف والاخ الدكتور ناصر العريفى ومجموعة من الإخوان وفى الخارج الإخوان اسسوا جمعية الاغاثة الليبية
وهذة الجمعية دخلت وبدأت تشتغل من داخل البلاد فى اثناء الثورة واستطاعت هذة الجمعية ان تجلب كثير من الاعانات من سيارات اسعاف من مؤن من معدات من ادوية الى غير ذلك من الاحتياجات اللى كانت تحتاجها الساحة الليبية وكان ليها دور كبير جدا الجمعية الليبية للاغاثة فريق نداء الخير انتقل بعد ذلك الى الداخل وشكل تحالف او ائتلاف الجمعيات الخيرية فى ليبيا
وهذا الائتلاف ظل تحت مظلته عدد كبير جدا من الجمعيات الخيرية الموجودة فى السابق وتأسست اثناء الثورة واصبحت تعمل تحت فريق نداء الخير واصبحت أذرع نداء الخير يعنى منتشرة على مستوى ليبيا بالكامل من خلال هذا الائتلاف الذى يجمع تحت منه اكثر من 30 او 40 مؤسسة خيرية تحت نداء الخير.

رابعاً: الجانب الإعلامى

رأت الجماعة انه لابد ان يكون لها دور اعلامى اثناء الثورة يساندها وكانت لدينا فى الخارج جريدة الكترونية ومع قيام الثورة ورجوع الأخوة للداخل تم انشاء جريدة ليبيا اليوم وأصبحت تصدر كجريدة ورقية وأصبح لها انتشار واسع فى بداية الثورة وكانت تنشر اخبار الثوار واخبار الإخوان فى داخل البلد وكان لها الاثر الكبير جدا كمؤسسة اعلامية وبعد ذلك تأسست مؤسسة المنارة التى بدأت تصدر كجريدة ورقية وموقع الكترونى ثم الان اصبحت هذة المؤسسة الاعلامية لديها قناة اف ام محلية و تغطى كافة ارجاء منطقة بنغازى والمنطقة الشرقية تقريبا هذا على مستوى المنقطة الشرقية.
أما بالنسبة للمنطقة الغربية فبعد ان قامت الثورة بحكم ان طرابلس لم تتحرر الا فى 20 / 10 / 2011 يعنى تقريبا بعد ثمانية اشهر من انطلاق الثورة، فقام الإخوان فى المنطقة الغربية فى طرابلس خاصة فى منطقة الزاوية فكان لهم دور كبير جدا فى تأسيس ائتلاف 17 فبراير فى طرابلس
واصبح هذا الائتلاف يعمل بالسر ويتواصل مع كافة الكفاءات فى الداخل وكان يقوم ببعض الأعمال من حين لآخر يخرج الناس فى مظاهرات ويقوم بأعمال لإشعار النظام أن الثورة موجودة فى طرابلس وفى المنطقة الغربية مثل الكتابة على الحوائط وإصدار بعض البيانات المحفزة للثورة والى غير ذلك ايضا
كما كان لهم دور كبير جدا فى تفجير أحد المواقع التى كانت تستهدف اغتيال عبدالله السنوسى وبعض قيادات النظام الليبى فى أحد المواقع وبالفعل قام الإخوان بالاشراف على هذا العمل ولكن لم يوفقهم الله فى انجاح هذه العملية ولكن تم رصد بعض الإخوان فخرجوا إلى تونس وأصبح العمل فى تونس
واصبح لهم دور اغاثى للاجئين فى تونس ودخلوا للمنطقة الغربية فى الجبل الغربى وأصبح هذا الائتلاف على تواصل مع الإخوان فى المنطقة الشرقية بالإضافة إلى وجود بعض الأخوة من طرابلس فى بنغازى مثل عبد الرزاق العرادى والاخ صديق الكبير والذى يتولى الآن محافظ المصرف المركزى وأدار غرفة عمليات فى مكتب فى فندف تبستى وكانت غرفة العمليات تتواصل معهم فى طرابلس وكانوا وضعوا خطة لتحرير طرابلس وبدأو يشتغلوا فى هذا الاتجاة .
وكان ابرز قيادات ائتلاف 17 فبراير فى طرابلس الاخ محمد عميش سفير ليبيا بالكويت الآن وأيضاً هشام كريشى رئيس مجلس محلى فى طرابلس ومجموعة من الإخوان هذا تقريبا على أدائنا فى الثورة وكان احنا عندنا حضور بارز وكنا داعمين ايضا الاخ على العيساوى فى مرحلة كان ماسك المكتب التنفيذى كنا ندعمه بكفائتنا وبكل ما نستطيع الى استقرت الاوضاع الى حد ما (114)

وعلى الصعيد الإعلامى والسياسى كانت تحركات الجماعة فى الخارج وتصريحاتها المختلفة فمنذ انطلاق الثورة انطلقت معها التصريحات الاعلامية التى تؤيدها وتساندها وتدعو لاتخاذ موقف قوى تجاه نظام القذافى فتقول جماعة الإخوان فى بيان لها :

إن المجتمع الدولي مطالب بإتخاذ إجراءات محددة ضد زمرة النظام و هي تتمثل في التالي :

  1. سحب الإعتراف بنظام القذافي ممثلا للشعب الليبي
  2. العمل على إرسال قوافل إغاثة ومساعدات طبية عاجلة إلي لييا
  3. إصدار مذكرة توقيف ضد معمر القذافي و أبنائه وقادة أجهزته الأمنية بسبب إرتكابهم جرائم ضد الإنسانية .
  4. التضييق على التحركات الديبلوماسية لعناصر النظام و المحسوبين عليه
  5. تجميد الأرصدة لعناصر النظام و المحسوبين عليه وتحديدا محافظ المصرف المركزي حافظ بن قدارة ، ونائبه محمد الشكري
  6. حظر نشاط شركة الخطوط الأفريقية، وفتح تحقيق مع القائمين عليها بشأن تورط هذه الشركة في نقل قوات مرتزقة استخدمها النظام في إرتكاب جرائم حرب ضد شعبه.

إننا إذ نطالب بهذه الإجراءات المحددة ، نتوجه بالنداء إلى شعبنا الصامد و هو يقف قاب قوسين من الإبتهاج بالنصر العظيم، أن يكون صفا واحدا إزاء هكذا قرارات من شأنها أن تفرض وصاية خارجية عليه او تدخلا أجنبيا، مذكرين أن حدث الإنتصار على هذا النظام المقيت هو بداية لمسيرة التغيير الذي دام انتظاره ، فاحرصوا على الوحدة الوطنية واحرصوا على السير قدما نحو دولة القانون والمؤسسات، دولة الحرية والكرامة لكل أبناء الشعب الليبي (115)

كما أكد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الليبية الشيخ يونس البلالي انه ليس هناك نظام بقي لمعمر القذافي ليطالب الناس برحيل نظامه، مضيفا بان القذافي يدرك تماما انه منتهي لامحالة وسيقتل او يحاكم.

وقال البلالي في مقابلة مع قناة لعالم الاخبارية: معمر القذافي لص او مجرم في قلعة يقاتل ثم يعود اليها كما كان يعمل القراصنة في البحار قديما وكما كان يفعل قطاع الطرق، انه يعرف بنهايته لكنه يريد ان يقتل اكبر عدد ممكن من الليبيين.

وردا على سؤال حول من يدعم القذافي الآن صرح البلالي: لا احد يدعم القذافي الا من شاركوه في جرائمه وبعض افراد قبيلته والقبائل المستفيدة منه فقط. وفي ما يتعلق بدعم خارجي محتمل للقذافي، اعرب البلالي عن اعتقاده بان لا احد يجازف بدعم القذافي وقال: لا احد يدعم القذافي حتى الادارة الاميركية واظن ان اميركا ستكون حمقاء اذا اعلنت دعمها ومساعدتها للقذافي لانه راحل (116)

أكد سليمان عبد القادر مسئول الإخوان المسلمين في ليبيا أن كل فئات الشعب الليبي توحَّدت لتفرض إرادتها لإنقاذ الشعب، وتحرير ليبيا من ظلم نظام الطاغية القذافي، وتحقيق مستقبل جميل للبلاد ترفرف عليه روح المؤسسات والديمقراطية الحقيقية.

وأوضح خلال مداخلة هاتفية على فضائية (الجزيرة) من منفاه بسويسرا مساء اليوم أن الشعب يتحرك، وهو يصبوا إلى إقامة دولة مدنية لديها قانون يحترم حقوق الإنسان، مستنكرًا تباطؤ المجتمع الدولي في اتخاذه مواقف ضد دموية ووحشية القذافي.

وطالب المجتمع الدولي بفورية إسقاط الاعتراف بنظام القذافي وإصدار دعاوى قضائية على الصعيد الدولي لمحاكمته كمجرم حرب ومراقبة تحركات الدبلوماسيين الليبيين المشبوهة الذين ما زالوا تابعين للنظام المنتهي، وفرض حراسة إجبارية عليهم، ووقف كل التعاملات الدبلوماسية مع القذافي؛ لأنه في حال تخاذلهم سيكونون مشاركين في هذه الجرائم.

ودعا إلى حظر شركة الخطوط الإفريقية للطيران التي شاركت في جرائم القذافي بنقل الأفارقة والمرتزقة إلى ليبيا لقتل الشعب الليبي لصالح الطاغية القذافي، ومنع رحلات الطيران الأخرى التي تنطلق إلى ليبيا لمنع الجرائم ضد الإنسانية، وعدم التعامل مع كل السفارات التي تنضوي تحته في البلدان الأخرى والسعي لإغلاقها.

وشدد على أن انتصار الشعب الليبي قريب وواضح، مطالبًا الثوار بالصبر ونبذ وعود الطاغية الوردية، والاستمرار في مناهضة الطغيان، والتحلي بالنفس الطويل لأنه إذا استطاع العودة إلى إحكام قبضته على ليبيا سيُنكِّل بالشعب، وسيحول البلاد إلى حمامات دم (117)

كما طالبت الجماعة فى أحد بياناتها بضرورة تشكيل حكومة وطنية مؤقتة وأن تكون من الثوار تابعنا تنادي بعض القوى الوطنية من داخل بلادنا الحبيبة، و على رأسها السيد المستشار مصطفى عبد الجليل و الذي نقدر مواقفه الوطنية، لتعلن عن تشكيل حكومة مؤقتة

و إننا إذ نرى ضرورة هذه الخطوة، نؤكد على التالي:

  1. لابد أن تنبثق هذه الحكومة عمن قادوا الثورة على أرض الواقع وألا يتم الالتفاف عليها من قبل أية أطراف أيا كانت.
  2. أن تكون حكومة كفاءات ولا تخضع لحسابات جهوية أو قبلية.
  3. ألا يتم إشراك أيا من أعضاء انقلاب 1969 ولا المتورطين في جرائم اقترفها نظام القذافي ضد الشعب الليبي.
  4. أن يكون من أولوياتها الشروع في بسط الأمن والنظام و تسيير عجلة الحياة اليومية.

وإننا إذ نؤكد على أهمية أن تبذل المجالس المحلية كل ما في وسعها من أجل الخروج صفا واحدا ليحسم الموقف أمام المجتمع الدولي مما سيعجل في إنهاء نظام القذافي، ندعو هذه المجالس إلى الإسراع بتشكيل الجمعية الوطنية التي تمثل فيها جميع المدن الليبية و تعنى بوضع دستور وخارطة زمنية للإنتقال إلى دولة المؤسسات (118)

المبحث الرابع: التحديات التي تواجه الإسلاميين في ليبيا بعد الثورة

من المؤكد أن هناك الكثير من التحديات التى تواجه جماعة الإخوان المسلمين بليبيا بعد سقوط نظام القذافى فهناك العديد من المتطلبات أمام الإسلامين أهمها بناء دولة حديثة تقوم على بناء المؤسسات والهياكل المعتادة فى الدولة الحديثة

فطوال عهد القذافى كانت تعانى ليبيا من عدم وجود دولة بالمعنى العصرى للدولة وتعد هذه أهم إشكالية أمام الإخوان وغيرهم هذا على صعيد الدولة أما على صعيد البناء الداخلى للجماعة فلم تتح للجماعات الإسلامية في ليبيا الفرصة للتواصل مع الجماهير على عكس مثيلاتها في مصر وتونس، كما أنها لم تتمكن من بناء هياكل تنظيمية أو مؤسسات فعالة داخل ليبيا؛

إلا أن تجربتها السياسية النسبية، إلى جانب القدرة على نشر رموز الدين والخطابة في مجتمع محافظ، وأوراق اعتماد ثورية قوية توفر لها ميزة على القوى السياسية الأخرى؛ يؤهلها لتحقيق الازدهار في المشهد السياسي الوليد في ليبيا، ويعد حزب العدالة والبناء خطوة فى هذا الاتجاه لتحقيق درجة من الانتشار السياسى والمجتمعى.