زوجة معتقل: هذه هي اعتقالات حكومة الأمر الواقع
مقدمة
رغم أنَّ الدكتور عبد الناصر صقر يسكن في نفس العمارة التي يقطنها الدكتور عصام العريان، إلا أنَّه كان قد سبقه إلى المعتقل في الدفعة الأولى من اعتقالات المظاهرات، وكان ذلك في السابع والعشرين من مارس الماضي، ورغم تلك الأسبقية إلا أنَّ بيته قد أصابه ما أصاب بيت الدكتور عصام العريان في صبيحة اعتقال الدكتور عصام، لأن بيت الدكتور الغائب وللمرة الثانية من كسر أبوابه وترويع أهله، وتفتيش محتوياته بطريقة همجية وشرسة وغير مبررة، إذ أنَّ صاحب البيت نفسه ما زال تحت التحفظ والارتهان عند السلطة وحتى إشعار آخر!
وقد ساهمت التصعيدات الأخيرة من قبل السلطات في مصر إلى إلقاء الضوء مرةً أخرى على قضية الدكتور عبد الناصر من جديد وبعد مرور أكثر من ستين يومًا على اعتقاله، فكان لنا هذا الحوار مع السيدة وفاء فضل زوجة الدكتور عبد الناصر صقر عضو مجلس نقابة أطباء الجيزة، ونائب مدير مستشفى أم المصريين بمحافظة الجيزة.
- لا ندري عن ماذا نسأل: عن يوم اعتقال الدكتور عبد الناصر؟ أم يوم مداهمة بيته للمرة الثانية في يوم اعتقال الدكتور عصام العريان؟
- إن شاء الله سنتكلم عن الاثنين، لأن الحدثين بهما مفارقات كثيرة تستدعي إلقاء الضوء عليها؛ لأن الشاشات لا تنقل كل ما يحدث، ولأن الأخبار تنقل القشور، بينما تظل الجروح تحكي آلامها لنفسها، ولا يعلم بها إلا الله وحده.
- هل سبق وأن اعتقل الدكتور عبد الناصر من قبل؟
- لا، كانت تلك أول تجربة اعتقال له ولنا.
- وكيف كان وقع ذلك عليكم؟
- مرارة الاعتقال ليست جديدة علينا فقد عايشناها كثيرًا مع حالات الاعتقالات المتكررة للدكتور عصام العريان باعتباره زوج شقيقتي وباعتباره جار لنا؛ حيث نسكن معًا في عقارٍ واحد، ونتجرع مرارته مع الكثيرين من أصدقاء زوجي الذين يتعرَّضون للاعتقالات الموسمية المعروفة.
زوبعة سياسية
- كيف كان رد فعل الأهل خاصة أهل زوجك؟
- كالعادة انقسمو إلى فريقين: الأول كان والدته والتي ما إن سمعت الخبر إلا واتصلت بي باكيةً، فما كان مني إلا أن هدَّأت من روعها، وطمأنتها بأنها زوبعة سياسية تتكرر مع مواسم الانتخابات الساخنة، وأنَّ الأمورستكون على ما يُرام بمرور تلك الأزمة.
- أما الفريق الثاني: فتمثل في بقية أقارب زوجي الذين أخذوا يثبطون من عزيمتنا؛ حيث يرون أنَّ الفساد متجذر، وأنه ليس هناك فائدة، وأننا لن نستطيع أن نغير شيئًا، خاصةً وأن النتيجة كانت الاعتقال وهؤلاء أيضًا كنت أجادلهم في محاولة لإقناعهم بعدم اليأس من الإصلاح لأن اليأس هو سر هزيمتنا الآن وليس الفساد!
إشراقات
- ألا يُوحي لكِ ذلك بأنَّ المجتمع لن يساندك وبأنَّ بينه وبين الوعي مسافاتٍ طويلة حتَّى يعرف أهمية الحرية؟
- المسألة ليست مسألة وعي، وإنما يأس من الإصلاح ورغم ذلك فإنَّ هناك إشراقاتٍ يرسلها لكِ بعض البسطاء لتكون عونًا إلهيًا لاجتياز عقبات الطريق فمثلاً في أحد الشوارع المجاورة لنا ذهبت جارة لنا لتشتري شيئًا ما من مكتبة هناك فإذا بصاحبة المكتبة تسأل عنَّا وتطلب منها أن تبلغنا سلامها، مؤكدةً لها أنها تدعو لنا لأنها تعتبرنا ندافع عنهم ونُسجن من أجلهم، ولهذا أنا متأكدة أنه حتى الذين يثبطوننا هم مؤمنون في قرارة أنفسهم بأننا نُريد لهم وللجميع الحرية، ونكافح من أجل ذلك، وندفع الثمن أيضًا والذي قد يكون حياتنا ولعل حادث الشهيد طارق غنام ليس ببعيد عن الأذهان.
لسنا غرباء
- ولكن ألا تشعرين بالخوف من أن تحاول السلطات تشويه صورتكم أمام المجتمع؟
- السلطات لم تفعل ذلك ولن تفعل؛ لأننا نعمل في وضح النهار، فنحن نخوض انتخابات النقابات والمحليات ومجالس الشعب والشورى والكل يعرف أخلاقنا ومبادئنا، فجيراننا يعرفون مَن نحن، وأقاربنا على يقينٍ أنَّ الدين كان بصمة خيرٍ في علاقتنا معهم، فزوجي واصل لرحمه لدرجة جعلته موضع ثقة وحب الجميع، وهذا من بركة صلة الأرحام!
- وحتى زملاء زوجي في المستشفى يعرفون فكره جيدًا، ويحترمون تدينه وأخلاقه، وقد لمستُ ذلك بسؤلاهم الدائم عنه بعد الاعتقال، واتصالاتهم المستمرة بنا، وتفقدهم لأحوالنا، وهؤلاء من بينهم طبيب ناصري اتصل بنا أكثر من خمسة عشرة مرة عارضًا علينا استعداده للقيام على كل شئوننا في غياب زوجي، وهناك طبيب مسيحي آخر طلب أن يزور زوجي للاطمئنان عليه وعرض علينا أن يقوم بتوصيل أي شيء نريد إيصاله إلى الدكتور عبد الناصر في سجنه، وقال إنَّ سلطات السجن ستكون أكثر تساهلاً معه لكونه مسيحيًّا!
- وهكذا يثبت لنا المجتمع أننا لسنا غرباء عنه، وكذلك هو الآخر ليس منفصلاً عنا في الحقيقة.
- هل تشعرين أنَّ المداهمات الأمنية يمكن أن تخلق ردة فعل سيئة عند الأبناء؟
- رغم ما حدث من مداهمة وتفتيش للبيت عند اعتقال الدكتور عبدالناصر، إلا أنَّ الأسوأ كان يوم اعتقال الدكتور عصام العريان ؛ إذ كانت طريقة الاقتحام المفاجئة وكسر الأبواب وترويع الأولاد وتهديدهم بالسلاح والضرب في المليان أمرًا مفاجئًا وجديدًا في أسلوب الاعتقال الذي بدا شبيهًا إلى حدٍّ كبيرٍ مع الأسلوب الذي كنا نسمع عنه في تعامل قوات الأمن مع جماعات العنف، وخفتُ فعلاً أن يحدث ذلك رعبًا وهلعًا في نفوس الأولاد؛ ولكنني وجدت ابني يتعامل معهم بقوة، محتجًا على طرحهم له ولبقية الأولاد أرضًا على وجوههم مكبلي الأيدي إلى الخلف، وقال لهم: ليس لكم الحق في دخول بيوت الناس هكذا والتعامل بتلك الطريقة، ونحن لسنا مجرمين، فأجابه الجندي بأنَّ تلك أوامر، فقال له: هل الأوامر تجعلك تطرحنا أرضًا وتكبلنا هكذا وأنت تعلم أننا شرفاء!
- تلك الثقة التي تعامل بها ابني مع الواقعة دفعتني أنا الأخرى إلى التعامل معهم بقوة ووجدتني أدعو عليهم بصوتٍ عالٍ حتى يسمعني الجيران، وشرعت أحتسب عليهم لدرجة دفعت أحد الجنود إلى مطالبة ابني بمنعي من الدعاء عليهم في يوم الجمعة!
- ولم يتوقف الأمر عند هذا بل وقف ابني مدافعًا عن عدالة قضية أبيه عندما حاول فرد من أحد الاتجاهات الدينية بالمسجد الذي يصلي فيه- إقناعه بأنَّ المحافظة على عورات البيوت من الانتهاك مقدم على الجهاد من أجل الاصلاح!! فردَّ عليه ابني بقوة قائلاً: لو تعامل أبو بكر بهذا المنطق ما هاجر مع الرسول تاركًا أهل بيته بمكةَ وقد فعل أبو جهل ما فعل مع أسماء، ولو تعامل كل المسلمون بهذا المنطق ما وصل الإسلام إلينا على اعتبار أنَّ الأولى أن يجلس المرء لحماية حرمات أهل بيته من الانتهاك.
الحاكم المقدس
- نلاحظ أنَّ المثبطين في المجتمع كثيرون.. ألا ترين أنَّ ذلك يدعو إلى اليأس خاصةً مع تزايد وتيرة الاعتقالات؟
- هذا التثبيط ليس معناه اختلاف في وجهات النظر بقدر ما يعني الخوف من التنكيل في غيبة حقيقية للقانون؛ إذ الحاكم في بلادنا هو وأسرته هم الحاكمون بأمرهم فلا قانونَ ولا دستورَ ولا شيء يضمن حماية إنسانية الناس وحرماتهم، وأصبح الكل مُعرَّضًا باسم الإرهاب إلى الذهاب وراء الشمس أو الدفن تحت الأرض؛ ولذلك فإنَّ المثبطين لا يملكون حججًا مقنعةًَ، وأنا قد زارتني جارة ذات اتجاه سلفي وتحدثت معي أيضًا عن أولوية الحفاظ على البيوت من الانتهاك والتي تراها مقدمة على الإصلاح ، وما إن شرحت لها كيف أن تاريخ الحرية يكرر نفسه فسعد زغلول نفي بسبب وطنيته، كذلك أحمد عرابي، مصطفى كامل استنفد صحته وشبابه على منبر الوطنية والحرية، وأيامها أيضًا كان الحاكم هو الكيان الشرعي المقدس، وكان هؤلاء هم الخارجون عن الشرعية والقانون (أي إرهابيين) بالتعبير المعاصر!
- بعد أن قلت لها ذلك اقتنعت وشرعت في الدعاء لنا، وهذا يعني أنها لم تكن بحاجةٍ إلى كلامي كي تقتنع وإنما هي تعي ذلك جيدًا، ولكنه الخوف من البطش والظلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل!
المصدر
- مقال:زوجة معتقل: هذه هي اعتقالات حكومة الأمر الواقعإخوان أون لاين