رسالة مفتوحة إلى صحيفة (المصري اليوم)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
رسالة مفتوحة إلى صحيفة (المصري اليوم)


الأستاذ: مجدي الجلاد رئيس التحرير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد؛

أعتقد أنكم تعلمون أن هناك خصومةً سياسيةً بين النظام الحاكم وبيننا - نحن الإخوان المسلمين - لأسبابٍ أظنها لا تخفى على فطنتكم، يستخدم فيها النظام كل أجهزة الدولة لإقصائنا عن ميدان العمل العام وخدمة الجماهير، وأجهزة الإعلام القومية ادعاءً، الحكومية حقيقيةً، تأتي في طليعةِ الوسائل التي تسعى لاغتيالنا معنويًّا بنشر المفتريات والأكاذيب واستعداء السلطة وتحريضها لتحقيق الاستئصال المادي أو الإقصاء على أقل تقدير.

ومن هنا فقد رحبنا بالصحافة المستقلة آملين أن تنحاز للحقِّ والصدق والعدل والحرية لتعتدل الموازين وتتضح الحقيقة أمام الجماهير، وأشهد أنَّ صحيفتكم حافظت على كثيرٍ من هذه القيم، واتسمت بالحياد والموضوعية فيما بين الفرقاء السياسيين في البداية، ولقد تعرَّضت من أجل ذلك لكثيرٍ من قذائف كُتَّاب الحكومة، ورموها بما هو فيهم، لإرهابها وإخراجها عن خطها الصحيح.

ويبدو أنَّ هذه الخطة الحكومية قد نجحت في أهدافها، فرأينا في الآونة الأخيرة مشاركةً منكم في حملةِ التحريض، ففي يوم واحد نشر أحد كُتَّاب الأعمدة الثابتة عندكم دعوة للحكومة للنص في الدستور على حظر الجماعة لمدة عشر أو عشرين سنة، ونقلت الصحيفة عن أحد الأحزاب المغمورة أنه يطالب بإسقاط الجنسية المصرية عنَّا

وقد تقول: إنَّ الأول رأي والثاني خبر، وأنا أفهم أن الرأي أن يناقش فكرنا، أو موقفًا لنا وأن يستخدم الحجة والمنطق في مواجهةِ الحجة والمنطق، أما أن يقول إن رأيي أن أحظرك، فليس هذا برأي ولكنه تحريضٌ سافر؛ ولذلك فأنا لا أستبعد أن يأتي غدًا كاتب ليقول إن رأيي أن أسجنك أو أقتلك، فهل هكذا تكون الآراء؟

وأما الثاني فهو خبر يتضمن تحريضًا باغتيالنا معنويًّا بإسقاط الجنسية عنا، وخارج نطاق القانون، فهل المطلوب أن تتحول مصر إلى غابةٍ تحكمها الكراهية والأحقاد ضد فصيلٍ وطني شعبي له مؤيدوه الذين بلغوا عدة ملايين. إنَّ معنى هذا أنه من حق الواحد منكم لا أن ينتقد مخالفه فحسب، بل أن يحاكمه ويحدد له العقوبة التي يراها وعلى السلطة أن تتولى التنفيذ.

وبعد أحداث جامعة الأزهر التي شاركتم في تضخيمها وأطلقتم على المشاركين في الاستعراض اسم الميليشيات، ولم تبرزوا استنكارنا لها واعتذار الطلاب عنها ولا الأسباب التي أفضت إليها، كما ينبغي أو كما أبرزتم الاستعراض نفسه، وهو الأمر الذي أدَّى لاعتقالاتٍ وانتهاكاتٍ كبيرة واتهامات ضخمة ظالمة، وإحالة قيادات كبيرة إلى المحكمة العسكرية، وإحالة الأموال والشركات والمؤسسات الاقتصادية إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ

وقد كان ذلك كفيلاً بتوقفكم لإعادةِ تقييم الموقف باعتباركم من أنصار الحريات وحقوق الإنسان والعدالة، إلا أنكم للأسف الشديد استرسلتم في المشاركة في الحملة الظالمة التي يشنها النظام علينا، وكأنَّ أجهزةَ الإعلام الحكومية لا تكفي، فرحتم تنشرون مذكرةَ المعلومات التي أعدها ضابط أمن الدولة ضد القيادات المحولة للقضاء العسكري، وكأنها حقائق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وكأنَّ جهاز أمن الدولة يتحرَّى الحق ويحترم القانون وحقوق الإنسان

وهو الذي ينشر الرعب والفزع ويتحكم في كل مؤسسات الدولة، ويعتقل الآلاف بدون تهمةٍ أو بتهم ملفقة كثيرًا ما رفضها القضاء النزيه وبرَّأ المظلومين منها، وليس أدل على ذلك من أنه اعتقل حوالي 25 ألفًا من الإخوان في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة بتُهم شبيهة بتلك التي يتهم بها الإخوان الآن، ولم يقدم منهم للمحاكمة سوى مائتين

وهؤلاء قدموا لمحاكم عسكرية تفتقد الحد الأدنى من الضمانات، فالقضاة ضباط لا يشترط فيهم الحصول حتى على ليسانس الحقوق وهم تابعون لوزير الدفاع، أي السلطة التنفيذية، وكذلك الادعاء العسكري، ويملك الوزير نقلهم أو عزلهم بجرة قلم أي ليست لهم حصانة وحكمهم غير قابلٍ للاستئناف أو النقض، أي أن السلطة التنفيذية (الحكومة) هي الخصم وهي الحكم وحكمها نهائي.

فهل بعد ذلك يصح نشر مذكرة المعلومات وعلى صفحةٍ كاملةٍ ولأيام متتالية؟ وفي أي قضيةٍ أخرى فعلتم هذا؟ ولمصلحة مَن هذا النشر؟ ألا يُعدُّ هذا اغتيالاً معنويًّا تمهيدًا للاغتيالِ المادي؟ ألا يعني ذلك أيضًا أنكم تعتبرون المواطن منا مُدانًا حتى تثبت براءته على عكس القاعدة القانونية المعروفة أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته؟

لو كان المنشور حيثيات حكمٍ نهائي أصدره القضاء الطبيعي العادل لرحبنا به، أما أن يكون قول الخصم الكاره المتربص بخصمه المفترى عليه بالباطل على طريقة "لقد عكَّرت عَليَّ الماء".. فهنا تسقط كل القيم النبيلة التي اكتسبتم بها مصداقيتكم في البداية

وتحولتم إلى سياط تعذيبٍ تلهب أعراض المظلومين وإيذاء الأعراض والنفوس أفدح كثيرًا من إيذاء الأبدان، وهذا ما كنا نربأ بكم أن تسقطوا فيه.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة:119) ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (ق: 18) صدق الله العظيم

"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، "وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم"، "وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟، "ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ الشرك بالله وعقوق الوالدين، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والجديد الذي أُريد أن أذكرك به، وأسألك عنه هو أن مذكرات التحريات وخصوصًا في القضايا ذات الطابع السياسي غالبًا ما تكون ملفقةً ومختلقة. وأحسب أن سيادتك سمعت عن قضية (التفاحة) أيام السادات، والتي اتهم فيها الدكتور محمد عبد السلام الزيات نائب رئيس الوزراء الأسبق، والنائب أحمد طه وعدد من اليساريين بالتخابر مع سفارة بلغاريا، وملأت أخبارها صفحات الجرائد، ثم انتهت إلى لا شيء؛ حيث أُفرج عن المتهمين جميعًا، ولم يقدم أحدهم للمحاكمة.

ولعلك سمعت عن التنظيم التابع لإيران، بعد نجاح ثورة الخوميني، والذي نُسب إليه التخطيط لعمليات انفجارات وتخريب في مصر، وظهر أعضاؤه على شاشة التليفزيون، واعترفوا جميعًا ثم ذاب التنظيم كما يذوب الملح في الماء، فلم نسمع عنه شيئًا طيلة الثلاثين سنة الماضية وحتى الآن.

ولعلك سمعت عن تنظيم الحمام الزاجل الذي كان ينوي تدمير السفارة الأمريكية بالقاهرة عن طريق ربط المتفجرات بأقدام الحمام الزاجل، وإطلاقه ليدمر السفارة، ثم أُفرج عن المتهمين جميعًا بدون محاكمة.

ولعلك سمعت عن محاولة اغتيال اللواء حسن أبو باشا التي قُبض على إثرها على مجموعةٍ من الشباب وعذبوا تعذيبًا وحشيًّا؛ حتى اعترفوا على أنفسهم، وبينما قررت النيابة تحويلهم للمحاكمة، والمطالبة بإعدامهم ظَهَرَ الجناة الحقيقيون واعترفوا، وأُفرج عن المجموعة المظلومة.

ولعلك سمعت عن عشرات الآلاف من الإخوان الذين اتهموا بمحاولة قلب نظام الحكم وتعطيل الدستور ومؤسسات الدولة، ثم أُفرج عنهم بدون محاكمة، وكذلك عشرات التنظيمات التي نسمع عنها كل فترة ثم تنعدم أخبارها ويفرج عن أعضائها.

ثم ألم تسأل نفسك مرة؛ لماذا يقدم من يقدم منا إلى محاكم عسكرية وليس إلى القضاة الطبيعيين؟ في الوقت الذي يُقدَّم فيه عتاة المجرمين من القتلة وتجار المخدرات ومنتهكي الأعراض، بل وجواسيس الصهاينة إلى القضاء الطبيعي؟

لماذا يُفرج عن جواسيس الصهاينة بقضاء نصف مدة السجن، ولا يفرج عن رجالنا بقضاء ثلاثة أرباع مدة الحبس، والحصول على أحكام قضائية بوجوب الإفراج عنهم؟ ولماذا تتصاعد الحملة ضدنا قبل وبعد كل حدث سياسي في البلد أو خارجه مما يمت للبلد بصلة.

ألم تحرك هذه الحقائق والتساؤلات ضميرك لتتوقف عن مسايرة الظلم والافتراء وتتذكر قول المولى تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ الحجرات: 6.

وهل تقبل أن يفتري عليك ضابط موتور، ويكتب في شأنك مذكرة بإحراز مخدرات أو اختلاس أموال أو ما شابه ذلك؟ هل تكون سعيدًا؟ ثم إذا جاء صحفي ونشرها بتفاصيلها في صحيفة ما، كيف يكون وقعها على نفسك وأسرتك وأولادك وبناتك وأهلك وأصدقائك، وإذا كنت لا ترضى هذا لنفسك فكيف تفعله مع الآخرين؟ ألأنك مختلف معهم فكريًّا وسياسيًّا تشارك في اغتيالهم معنويًّا؟ أم لأنك تشعر بنوعٍ من الحصانة تستبيح أعراض الناس؟

وهل لو أرسل إليكم أحد المحامين مذكرة دفاع بحجم مذكرة المعلومات التي نشرتموها فهل ستقومون بنشرها وعلى مدة أيام مثلما فعلتم مع مذكرة المعلومات ؟ أستاذ مجدي.. لقد فقتم صحيفة (الأهرام) وفيها صحفي يعتبره زملاؤه كبير المخبرين.. فلماذا تفعلون هذا؟ إرضاءً للنظام أم إرضاءً لملاك الصحيفة ومجلس إدارتها؟ أم إرضاءً للنفس وتشفيًا من المخالفين؟ ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (التوبة: من الآية 62).

إننا لا نريد منكم أن تقفوا معنا أو تدافعوا عنا، رغم أن هذا حقنا؛ فنحن مظلومون ومضطهدون والشرع والأخلاق والمبادئ والرجولة تقتضي ذلك، ولكننا لا نطمع في ذلك، ولكن نريد ألا تكونوا علينا فهذا قصارى ما نطمح إليه..

وأخيرًا.. أكرر هدانا الله وإياكم أيها الأستاذ الكبير.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ولله الأمر من قبل ومن بعد

المصدر