د. محمد عبد اللطيف يكتب: لميس ودعاء الرئيس

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
د. محمد عبد اللطيف يكتب: لميس ودعاء الرئيس


أعتقد أن الرئيس محمد مرسي يتعامل برصانة تتناسب مع حدث بناء سد النهضة في إثيوبيا، وهذا ما أكدته زيارته إليها، وهي الزيارة التي تكررت خلال المدة الوجيزة من رئاسته، وكان من أهدافها تقليص الخسائر التي ترتبت على إهمال نظام الرئيس المخلوع للشأن الإفريقي، وتسبب بها غيابه التام عن إثيوبيا إثر تعرضه لمحاولة اغتيال فيها عام 1995؛ الأمر الذي أكد أن الرجل كان يهتم لحياته أكثر من اهتمامه بكل مسألة حيوية تؤثر في حياة شعبه.

ونحن نعلم أن السيدة لميس الحديدي كانت تشرف على حملة انتخاب الرئيس المخلوع في عام 2005، ولم نعلم يومًا أنها قد طالبته بالالتفات إلى دول حوض النيل، أو بالتعامل بجدية مع المخططات الإثيوبية التي كان الجميع يعلم أنها ستؤثر في حصة مصر في مياهه.

والمتابع للبرنامج التلفزيوني للسيدة لميس، يرى مدى إسهامها في الحملة الإعلامية الشرسة التي يتعرض لها الرئيس مرسي، وهي الحملة التي تجاوزت حدود النقد، ووصلت إلى أقصى درجات التجريح والتشهير، بل بلغت الذروة في إثارة الفتن بين سلطات الدولة، والإلحاح في تحريض المؤسسة العسكرية على الانقلاب على إرادة الشعب التي جاءت بأول رئيس مدني منتخب.

وقد ساءني أن تسخر السيدة لميس من مسألة دعاء الرئيس بأن يزيد الله تعالى مياه النيل لمصر؛ لأن الرئيس لم يكن متواكلاً، ولم يقل إن الدعاء هو سلاحه الوحيد في هذه الأزمة، ولأن سخريتها تدل على جهل شنيع مقترن بازدراء الدعاء الذي يعد شعيرة من شعائر الإسلام دين غالبية المصريين.

فالله الذي سيدعوه الرئيس هو الذي قال في القرآن الكريم: (ادْعُونِي اسْتَجِبْ لَكُمْ)، وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ).

والاستسقاء منصوص عليه في قول الله تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ) وهو مع الاستغفار باب واسع من أبواب الخير؛ فقد قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا). وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة، ثم قال: "يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله يُغثنا".

فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا"، قال أنس: "ولا والله ما نرى في السماء من سحاب، فطلعت من ورائه سحابة، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت".

قال: "فلا والله ما رأينا الشمس ستة أيام"، قال: "ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائمًا فقال: "يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله يمسكها عنا".

قال: "فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام وبطون الأودية، ومنابت الشجر" فانقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس.

وهكذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه فأنزل الماء، ثم دعاه بعد أيام فانحسر الماء.

وقد جرى على تلك السنة الخلفاء والأمراء والفقهاء والعلماء الذين يعرفون أن لهم ربـًّا يستسقونه كلما حلَّ بالمسلمين جفاف.

وكل من عاش في دول الخليج قد عاين بأم عينيه نزول المطر بمجرد رجوع المسلمين من صلاة الاستسقاء التي دعا إليها خادم الحرمين في السعودية، أو غيره من حكام الدول الخليجية.

ومع ذلك فأنا على يقين بأن قنوات الليل في مدينة الإنتاج الإعلامي ستشهد أكبر حفلة للسخرية من الرئيس، وأن العلمانيين سيقيمون مناحة في طول مصر وعرضها وسيتهمون الرئيس بالدروشة لو أنه دعا الشعب في يوم من الأيام للخروج معه إلى صلاة الاستسقاء، مع أن النبي وصحابته والخلفاء من بعدهم قد استسقوا بالخروج إلى الصحراء متذللين متواضعين، وبعضهم استسقى بالأطفال والعجائز، وبعضهم استسقى بذوي الصلاح والدين من الناس؛ لأن دعاءهم أقرب إلى الإجابة.

والفقهاء مجمعون على جواز الاستسقاء بصلاة الجماعة أو بالدعاء والاستغفار، أو بهما جميعًا، وقال بعضهم: "إن صلى الناس صلاة الاستسقاء وحدانًا فلا بأس به".

أسأل الله تعالى ألا يحوج الشعب المصري إلى صلاة الاستسقاء ودعائه حتى لا تشمت فينا لميس ونظراء لميس.


  • وكيل كلية القرآن الكريم- جامعة الأزهر.

المصدر