د. محمد حبيب: تعديل الدستور خطوة جيدة لكنها لا تكفي
حوار- محمد الشريف
- من مصلحة أمريكا إرباك الوجود السوري في لبنان
- قمة شرم الشيخ لم تسفر عن شيء وشارون يخادع كعادته
- شرطَ موافقة المؤسسات المنتخبة للترشيح يفرغ تعديل الدستور من مضمونه
أكد الدكتور محمد حبيب - النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين - أنَّ طلب الرئيس محمد حسني مبارك تعديلَ المادة 76 من الدستور حتى يتسنَّى انتخاب الرئيس من بين أكثر من مرشح خطوة إيجابية على طريق الإصلاح الذي يحتاج إلى حِزمة من الإجراءات الضرورية، والتي يأتي على رأسها إيقاف العمل بقانون الطوارئ، وإطلاق الحريات العامة، وحرية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف، وإلغاء كافة المحاكم والقوانين الاستثنائية.
وشدَّد حبيب في حواره مع (إخوان أون لاين) على ضرورة تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية وتحديد فترة ولايته بحيث لا تزيد عن مدتين، معتبرًا أنَّ شرطَ موافقة المؤسسات الدستورية المنتخبة شرط للترشيح للرئاسة يفرغ قرار الرئيس من مضمونه.
وعن رؤية الإخوان صوب الضغوط الأمريكية على سوريا بعد اغتيال الحريري، قال الدكتور حبيب: المشروع الأمريكي يهدف إلى زعزعة الأوضاع الداخلية في الوطن العربي بإثارة الفتن وزرع بذور الحروب الأهلية في المنطقة..
وإلى تفاصيل الحوار:
- بدايةً كيف ترون قرار الرئيس مبارك حول تعديل المادة 76 من الدستور؟
- هذا القرار يُعد خطوة إيجابية على طريق الإصلاح السياسي، وقد سبق أن قلنا في مبادرة الإصلاح الشامل التي أعلنَّاها في 3/3/ 2004 م إننا مع اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر من بين أكثر من مرشح، وسبق أيضًا أن قلنا في بيانٍ لنا إنه في حالة مطالبة الشعب واتفاق القوى السياسية والوطنية على تعديل الدستور، وبخاصة في المادتين 76 و77 منه، واستجاب الرئيس لذلك فإنها تعتبر بادرة طيبة وخطوة نُرحب بها على طريق الإصلاح السياسي.
- هل تعتقدون أنَّ هذه الخطوة كافية لتحقيق الإصلاح المنشود؟
- طبعًا ليست كافية، وإنما يجب أن تتم في إطار حزمة من الإجراءات الضرورية والمهمة، والتي يأتي على رأسها: إيقاف العمل بقانون الطوارئ، وإطلاق الحريات العامة، أي حرية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف والمجلات، وإلغاء المحاكم والقوانين الاستثنائية المقيِّدة للحريات، وتشكيل لجنة وطنية مستقلة للإشراف الكامل على الانتخابات النيابية القادمة بدءًا من تنقية جداول الناخبين وانتهاءً بالفرز وإعلان النتائج، وتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، والإفراج عن المسجونين والمعتقلين السياسيين، هذا أمر.
- الأمر الثاني المطلوب ليس فقط تغيير المادة 76، ولكن أيضًا المادة 77 من الدستور؛ والخاصة بمدة الرئاسة، وهي ست سنوات ولمددٍ أخرى، كي تكون لمدة أربع سنوات ولفترتين فقط، كما أنَّ المسألة تستلزم أيضًا تحديدًا واضحًا لصلاحيات الرئيس، وأن يكون مسائلاً أمام مجلس الشعب على اعتبار أنه يمثل قمة السلطة التنفيذية.
- البعض يرى أنَّ هذه الخطوة مجرد محاولة جديدة لتجميل وجه النظام أمام الضغوط الخارجية.. ما رأيكم؟
- أيًّا كان الأمر، فقد استجاب الرئيس أخيرًا لمطلب القوى السياسية والوطنية، ولإثبات أن هناك رغبة جادة ونية صادقة في الإصلاح يجب أن يأتي التعديل خاليًا من أية شروط أو إجراءات تفرغه من مضمونه، كما أنَّ المطلوب أن يتبع هذا التعديل البدء في تحقيق المطالب الأخرى.
- في تقديركم.. كيف ترون الوجه الأفضل لانتخاب رئيس الجمهورية؟
- المهم وجود مناخ سياسي صحي يتمتع فيه الجميع بالحريات العامة، وتنتهي فيه حالة الطوارئ، ويحترم فيه القانون، وتنفذ فيه أحكام القضاء، فضلاً عن ضرورة الفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث، بعد ذلك من حق أي مواطن مصر ي أن يتقدم للترشيح لرئاسة الجمهورية, وأن يكون له برنامج واضح ومحدد يعرضه على الجماهير، وأن يكون هذا البرنامج متضمنًا لتاريخه الوطني ونضاله السياسي.
- ورد بخطاب الرئيس لمجلس الشعب عدة نقاط تحتاج إلى الوقوف عندها.. كيف تفسرون ما قاله السيد الرئيس عن ضرورة أن يحصل مَن يرغب في الترشيح للرئاسة على تأييد من ممثلي الشعب المنتخبين في المؤسسات الدستورية وفي المجالس الشعبية المحلية؟
- هذه الفقرة تُفرِّغ التعديل المطلوب إجراؤه من مضمونه، ويعيدنا إلى المربع رقم 1؛ حيث إنها تربط عملية الترشيح مرةً أخرى بمجلس الشعب بالإضافة إلى مجلس الشورى والمحليات، وأرى- إن كان ولا بدَّ- أن يحصل مَن يرغب في الترشيح للرئاسة على تزكية أو تأييد عدد من عموم الشعب، يتم تحديده أو الاتفاق عليه.
- أكد الرئيس في خطابه على ضرورة إتاحة الفرصة للأحزاب السياسية لترشيح أحد قياداتها لخوض انتخابات الرئاسة.. فما رأيكم؟
- هذه الفقرة مقصود بها استبعاد الإخوان من هذه الميزة التي لن تجني الأحزاب ثمرتها، خاصةً إذا وضعنا في الاعتبار أنَّ معظم هذه الأحزاب لا وجودَ له في الشارع المصري.. والكل يعلم أنها أحزاب كرتونية أو عائلية لا تتعدى مئات أو بضعة مئات من الأشخاص، أما أحزاب الوفد، والعربي الناصري، والتجمع؛ فهي وإنْ كانت تختلف عن معظم الأحزاب إلا أنها ذات أوزان محدودة، والشارع السياسي لم يعد يثق بها أو يأمل فيها؛ الأمر الذي يفقدها فرصة منافسة شخص كالرئيس مبارك.
- أعلن الإخوان في مواقف سابقة رفضهم خوض انتخابات الرئاسة لوجود شرط موافقة ثلث مجلس الشعب.. ماذا عن موقف الإخوان من الترشيح الآن بعد أن زالت هذه العقبة؟
- مصر مليئة بالكفاءات العالية وأصحاب القدرات الكبيرة التي يفخر ويعتز بها الوطن، وكثير من الشخصيات السياسية والوطنية يصلح لهذا الأمر شريطة أن يتم ذلك في ظل مناخ سياسي صحي يتمتع فيه الجميع بالحريات العامة وإيقاف العمل بقانون الطوارئ.
- ننتقل من الوضع المحلي إلى المستجدات الدولية والإقليمية.. بعد مقتل رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق، صرَّح الإخوان بأنَّ المستفيدَ من هذه العملية هم الصهاينة والأمريكان.. لماذا؟
- المشروع الأمريكي يستهدف ابتداءً تفكيك المنطقة وإعادة رسم خريطتها من جديد بما يحقق مصالحها، ومن ثَمَّ فهو متحفز دائمًا لانتهاز الفرص التي تمكنه من تحقيق مآربه، بل لا أكون متجاوزًا إذا قلت إنه يقوم بصنع هذه الفرص وتهيئة الأجواء المناسبة لها.
- كما أنَّ المشروع الصهيوني يستهدف إقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات على أنقاض تخلف العرب علميًّا وتقنيًّا وعسكريًّا، وانقسامهم وتشرذمهم، وافتعال مشاكل داخلية وإثارة نعرات طائفية وعرقية تستنفد طاقاتهم وجهودهم وأوقاتهم.
- ومن نافلة القول التذكير بأنَّ هناك اتهاماتٍ ل سوريا بدعم المقاومة في العراق، و حزب الله في جنوب لبنان ، والمقاومة الفلسطينية، وهذا كله يمثل تعويقًا للمشروعين الصهيوني والأمريكي، وبالتالي من مصلحة الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني إرباك الوجود السوري في لبنان؛ وذلك من خلال زرع بذور الفتنة هناك، واستدراج المعارضة للمطالبة بمنع التدخل السوري في الشأن اللبناني وما يستتبع ذلك من إخراج القوات السورية ونزع سلاح حزب الله، وسلاح الفلسطينيين هناك.
- صحيح أنَّ الحكومة السورية لم تكن مرتاحة لمواقف الحريري، خاصةً في الفترة الأخيرة، وقد وجهت إليه اتهامات من قِبل أوساط مقربة إلى الحكومة، بأنه كان يخطط لرئيس جمهورية جديد خلفًا لإميل لحود يقبل بإخراج القوات السورية من لبنان، وإرسال الجيش اللبناني إلى الحدود ونزع سلاح حزب الله، لكن سوريا تعلم قبل غيرها أنَّ أصابع الاتهام سوف تُشير إليها حال اغتيال الحريري، وبالتالي لم تكن لتُقدم على هذه الجريمة.
- شغل الوجود السوري في لبنان الرأي العام العالمي.. هل الإخوان المسلمون مع الوجود السوري في لبنان ؟
- أظن بعد أكثر من (12) عامًا لا بد من إجراء عملية مراجعة شاملة لاتفاق الطائف، وأتصور من خلال الهجمة الأمريكية الشرسة، ومحاولة تجميع أوروبا وراءها حول اعتبار وجود القوات السورية في لبنان احتلالاً، وأنَّ على سوريا أن تسحب هذه القوات, هذا الأمر يحتاج من سوريا التصرف بحكمة، لقد انتهزت أمريكا فرصة مقتل رفيق الحريري لكي تقوم بالضغط على سوريا ، وقد قامت الإدارة الأمريكية منذ اللحظة الأولى لاغتيال رفيق الحريري باستدعاء سفيرتها في دمشق على إيحاء بأنَّ ثمة علاقة بين الحكومة السورية ووقوع الجريمة، رغم أنه لم يحدث تحقيق بعد يثبت أنَّ لسوريا يدًا في اغتيال رفيق الحريري.

- أنا مع إخوان سوريا في مطالبتهم بخروج القوات السورية من لبنان؛ وذلك حتى يتم قطع الطريق على الذين يحاولون توظيف قرار مجلس الأمن 1559م للتدخل في الشأنين السوري واللبناني، ولا بأسَ من أن يتم ذلك وفق جدول زمني.. فأنا أرى شبح فتنة عارمة تنذر بقدوم حرب أهلية، والمظاهرات بمئات الآلاف في بيروت تندد بالتدخل السوري في الشأن اللبناني، وتُحمِّل الحكومة اللبنانية مسئولية اغتيال رفيق الحريري.
- من ناحية أخرى تقوم الإدارة الأمريكية بالضغط على سكرتير عام الأمم المتحدة للدفع في اتجاه تدويل التحقيق في جريمة الاغتيال كمقدمة للتدخل في لبنان، وفي هذا الصدد أدعو جميع اللبنانيين إلى بذل أقصى ما في وسعهم من جهدٍ لتفويت الفرصة على مَن قاموا بهذه الجريمة البشعة، والتي أرادوا من ورائها ضرب وزعزعة الاستقرار والأمن والسلام في لبنان، فالمصلحة الوطنية تقتضي من الفرقاء الوقوف صفًا واحدًا لحماية المنجزات الديمقراطية، وذلك من خلال مزيد من التحاور والتفاعل السلمي حول مختلف القضايا الداخلية والإقليمية والدولية بعيدًا عن أي تدخلات خارجية، أتصور ضرورة الاتفاق حول وجود حكومة لبنانية جديدة، وأن ترفع الحكومة السورية يدها عن أي تدخل في الانتخابات المزمع إجراؤها في مايو القادم.
- هناك مَن يرى أن الضغوط الأمريكية لإجبار سوريا على الانسحاب من لبنان حلقة في مسلسل إضعاف حزب الله لصالح العدو الصهيوني، فما رأيكم؟
- الإدارة الأمريكية تريد أن تستفرد ب لبنان ، وأن تعزلها عن محيطها العربي والإسلامي، وأن تدفع الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ موقف مناهض ل حزب الله والدور المقاوم الذي يؤديه في جنوب لبنان؛ وذلك بالعمل على نزع أسلحته، وهذا دون شك يصبُّ في مصلحة الكيان الصهيوني.
- كيف ترون التقارب السوري الإيراني؟
- بعض الدبلوماسيين السوريين أكدوا على أنَّ هذا التقارب لا يهدف إلى استفزاز الولايات المتحدة الأمريكية، بينما نسبت (الجارديان) لمسئول بريطاني قوله: "إنَّ هذا التحالف لا يتجاوز كونه خطابيًّا، فهو زواج يجمع بين دولتين تشعر كل منهما بالحاجة إلى تعضيد الأخرى".
- عمومًا الإدارة الأمريكية حريصة على تشرذم وانقسام الدول العربية والإسلامية، والتعامل مع كل دولة على حدة حتى يسهل تطويعها واحتوائها، والمطلوب في هذه الفترة أن يكون هناك تقارب على الأقل بين سوريا و مصر و السعودية ؛ هذا المثلث التاريخي قادر على أن يكون له دور بنَّاء، وبخاصة في هذه الأزمة الحالية، ولا بأسَ من الدعوة لعقد قمة ثلاثية سريعة وعاجلة لبحث ما يجري في لبنان وما يُحاك بها، فما أتصوره لن ينعكس على لبنان وحدها، وإنما على المشهد العربي كله، أما أن يكون هناك تقارب بين سوريا وإيران فقط في هذه المرحلة، فلربما كانت له سلبياته.
- بعد عودة السفير المصري لتل أبيب.. هل ترون أنَّ هذه الخطوة تحركًا نحو مزيد من التطبيع مع الكيان الصهيوني ؟ وما أثر ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية؟
- الحكومة المصرية تحاول وصل ما انقطع مع العدو الصهيوني، وربما توجد محاولة لتحسين العلاقات مع الإدارة الأمريكية، ولكن مسألة التطبيع تجري في مسار آخر، فالشعب المصري رافض للتطبيع وليس لديه استعداد لنسيان ما حدث من مجازر وحشية واعتداءات بربرية على الشعب الفلسطيني.
- أما أثر ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية فذلك مرهون بعوامل أخرى يأتي في مقدمتها: إرادة الشعب الفلسطيني واستعداده للثبات والصمود في مواجهة حصار الجوع والموت، والفصائل الفلسطينية من حيث وحدتها والتزامها بالخط الجهادى، وأيضًا ما يمكن أن يقع من اعتداءات من جانب العدو الصهيوني .
- هناك كثير من التحليلات تؤكد على أنَّ نتائج قمة شرم الشيخ سوف تؤثر بالسلب على الجهاد الفلسطيني.. فما رأيكم؟
- قمة شرم الشيخ لم تسفر عن شيء سوى التهدئة أو إيقاف إطلاق النار من الجانبين!! ولم تتحدث عن أي شيء كالقدس، وإزالة المغتصبات، والجدار العازل، وعودة الفلسطينيين اللاجئين.
- وقد تمَّ الإفراج عن 500 معتقل من الذين أوشكت مدة محكوميتهم على الانتهاء، مما يعني أنَّ شارون- كعادته- يخادع ويضلل، فعدد الأسرى في سجون الكيان الصهيوني يزيد على ثمانية آلاف أسير.. وأرى التأكيد على وحدة الفصائل الفلسطينية، وألا تضع سلاحها؛ فهو الضمانة الأكيدة في مواجهة عدو غاصب لا يفهم سوى لغة القوة.
المصدر
- مقال:د. محمد حبيب: تعديل الدستور خطوة جيدة لكنها لا تكفيإخوان أون لاين