د. محمد حبيب: إيران لها مشروعها.. فأين المشروع العربي؟!
22/03/2009
القاهرة- محمد حسين:
كشف اللقاء مع الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين عن توجهات الجماعة وأهدافها في مصر خلال الفترة الآنية والمرحلية، فيما يتعلق بالشأن السياسي الداخلي والخارجي.
ففي حواره مع شبكة (الإسلام اليوم) استعرض الدكتور محمد حبيب دور ومواقف الإخوان أثناء العدوان على غزة، والعلاقة مع حماس، والقضايا الداخلية، والمشكلات التي تواجهها مصر.
وأبان الدكتور حبيب أن الإخوان مع مَن يأخذ شرعيته الحقيقةَ من الشعب وَفْقَ مناخ ديمقراطي صحيحٍ خالٍ من القيود، بعيدًا عن الإجراءات الاستثنائية والتدابير الشاذة
وأشار حبيب في حواره إلى أن الرهان الحقيقي يجب أن يكون على الشعب؛ حتى يمتلك إرادته الحرة، ويشارك بحق في صنع الحياة وتقرير المصير، وساعتها سيكون هناك تنافس على السلطة.
ونفى حبيب تنفيذ الإخوان الأجندة الإيرانية، مؤكدًا أن إيران دولةٌ لها مشروعها، فأين المشروع العربي؟، وطالب بأن يكون هناك على الأقل نَوْعٌ من التفاهم والحوار بين العرب وإيران.
ويلاحظ في هذا الحوار أنه يختلف شيئًا ما عن الحوار الذي تم بثُّه على شبكة (الإسلام اليوم) بتاريخ 18/3/2009م، فقد جرى تفصيلٌ لبعض القضايا التي كانت تحتاج إلى ذلك، وتقديمٌ وتأخيرٌ لبعض العبارات، وحذفٌ لبعض الفقرات حتى يستقيم المعنى (مع المحافظة على السياق العام)، فضلاً عن إضافة بعض الرؤى والأفكار المهمة، خاصةً تلك التي تتعلق بالشأن الإيراني، فإلى تفاصيل الحوار:
بدايةً.. هل أنت راضٍ عن موقف الإخوان من الحرب على غزة؟
- لا شك أن موقف الإخوان تفاوت تفاوتًا كبيرًا على مستوى البلدان العربية، فكان في بعض البلدان على المستوى المأمول منه، وفي البعض الآخر كان قريبًا من المستوى، والبعض الثالث كان الموقف تحت المستوى!.
لكن مسألة التقييم لا بد أن تتناول محاور عدة، تشمل "المحور الإعلامي، والسياسي، والإغاثي، والتعبوي، والحشد الجماهيري، والمحور البرلماني"، فإذا كان ثمة تفوُّقٌ لبلد ما في محور أو اثنين، فربما لحق القصور بعض المحاور الأخرى، لكن ينبغي النظر إلى المستهدفات التي كنا نسعى إليها، ونسبة ما تحقق منها على كافة المحاور..
مثلاً كنا نسعى إلى إعلان غضبتنا لما يحدث لأشقائنا في غزة، ومحاولة الضغط على الأنظمة والحكومات كي تقوم بدورها الأخلاقي والإنساني والوطني والقومي والشرعي لإيقاف المجزرة التي قام بها العدو الصهيوني، فضلاً عن فك الحصار وفتح المعابر، وبخاصة معبر رفح، وكنا نسعى لإيصال تضامننا ودعمنا وتأييدنا لأهل القطاع رفعًا لمعنوياتهم وتعزيزًا لصمودهم وثباتهم ومقاومتهم للعدوان، وأعتقد أننا حققنا بعض النجاحات في ذلك.
يدخل في عملية التقييم أيضًا المشكلات والمعوِّقات، والتحديات التي تواجه الجماعة، وظروف وسياق العمل، وبالتالي يمكن القول بأن ما كان متاحًا في مكان لم يكن متاحًا في مكان آخر.
الوضع الإجمالي في مصر (على سبيل المثال) شهد تحركاتٍ جيدةً ورائعةً للإخوان على مستوى القرى والمحافظات, لكنَّ الوضع كان مختلفًا في القاهرة، وهذا يرجع إلى خصوصيتها؛ حيث كانت تواجَه الفعاليات بممارسات شديدة وقمعية من قِبَل الأجهزة الأمنية، مما جعلها بلا شك دون المستوى، وهو ما انعكس على نسبة التجاوب الجماهيري، والذي يعاني من ميراث طويل من الاستبداد والقمع، فضلاً عن مشكلات الحياة اليومية الطاحنة التي يواجهها، وأتصوَّر أنه لو كان هناك حراك سياسي مجتمعي عام لكان يمكن أن يكون له أثره على موقف النظام المصري تجاه العدوان على غزة، لكننا نستطيع القول أن العمل في الجانب الإغاثي كان متميزًا جدًّا، مما عَوَّض التفاوت في الفَعَاليات الأخرى.
هل معنى هذا وقوع تقصير من جانبكم؟
- نحن كإخوان وشعوب مهما فعلنا ومهما قدَّمنا فلن نستطيع أن نوفِّي أهلَنا في قطاع غزة حقَّهم.. لقد كانت هناك معوِّقات في أماكن دون أماكن أخرى، ورغم ذلك كانت الحركة على وجه الإجمال متميزة، شهد بذلك المراقبون والمحلِّلون، لكن كانت هناك أماكن قليلة لم يكن تفاعلها مع الحدث على النحو المطلوب، ربما نتيجة ارتباك الإدارة في هذه الأماكن.
نحن الآن نقوم بعمليةِ رَصْدٍ لما حدث؛ لمعرفة أوجه القصور والثغرات التي كانت موجودةً، والأسباب التي أدتْ إليها؛ كنوعٍ من التقييم والمراجعة لأخذ الدروس والعِبَر.
ألم يكن في جعبتكم آلياتٌ جديدةٌ ترتقي إلى مستوى العدوان؟ وهل كان التظاهر وحده كافيًا؟
- كانت هناك آليات كثيرة، وما كان يهمنا بالدرجة الأولى هو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين في مصر، فكانت هناك حملات طَرْق الأبواب والرسائل القصيرة والمطويات والتواصل عبر النت والزيارات؛ التي كانت تتم بهدف تجاوز المعوقات الأمنية، وأتصور أن الإخوان حقَّقوا فيها إنجازًا ظاهرًا.
* هناك من قال: إن الإخوة في حماس قد استاءوا من موقفكم من الحرب على غزة، فما صحة ذلك؟
- تفاوت الأمر في ذلك، لكن على وجه الإجمال تقدير الإخوة في حماس للإخوان في مصر كبير وعظيم، وإذا كان ثمة عتَب فالعَتَب مصدره أن مصر بثقلها وتاريخها وريادتها كان متوقعًا منها الكثير، وعمومًا يبقى الودُّ ما بقي العتاب.
* هل تقصد هنا مصر الرسمية أم مصر الإخوان؟
- أعني الاثنين مصر؛ الرسمية والإخوان، لكن لا بُدَّ من الفصل بين مجموعة أطراف: النظام المصري وأجهزته، ثم الشعب، ثم الإخوان، ثم النخبة، ثم الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، وقد حاول الإخوان العمل والحركة قدر إمكاناتهم وطاقاتهم، والمساحات التي استطاعوا أن يشغلوها كانت جيدةً؛ لأن النظام المصري بأداته الإعلامية الجبَّارة، وأجهزته الإدارية كان ضد هذا التفاعل، فضلاً عن وجود قانون الطوارئ، وما ينتج منه من تعاملات فظَّة وغليظة أثناء التظاهرات ضد الإخوان، إلى الحد الذي تم فيه اعتقال ألف متظاهر في مرة واحدة، وما زال هناك أكثر من 700 معتقل في السجون المصرية.
خلال العدوان هل وصلتكم تحذيرات أو رسائل من النظام المصري تحذِّركم من دعم حماس أو التظاهر من أجل غزة؟
- كان النظام المصري حريصًا على تحجيم الفعاليات على مستوى الشارع، وعلى مستوى القاهرة على وجه الخصوص، وكانت هناك بعض الرسائل بالكفِّ عن التظاهر أو على الأقل تحديد سقف الأعداد، والإجراءات والتدابير الأمنية الكثيفة التي اتُّخِذَت، فضلاً عن الملاحقة والمطاردة والاعتقالات التي جرت خير شاهد على ذلك.
وأما فيما يتعلق بالمشكلات التي ارتبطت بالقوافل الإغاثية، ومنعها من الوصول لمعبر رفح، فحدِّث عنها ولا حَرَج، ففي فترة من الفترات كان هناك نحو 55 ألف طنٍّ من المواد الإغاثية ممنوعًا دخولها عبر معبر رفح!.
تحدثت بعض الصحف عن دعمكم غزة بالمال، فما صحة ذلك؟
- لم يكن الإخوان بدعًا في هذا الجانب، فنحن جُزءٌ من الشعب المصري، ساهمنا بقدر طاقتنا كأفراد، كما ساهم أفراد من الشعب المصري، لكنَّ الدور الأهم الذي قام به الإخوان هو تحفيز وتشجيع المواطنين على التبرُّعات، وقد كانت المظاهر التي واكبت العدوان والقصف والدمار وحجم النار التي صُبَّت على أهلنا في غزة والآثار المأساوية والكارثية التي خلَّفتها كافيةً لتحريك مشاعر الشعوب العربية والإسلامية، بل والشعوب الحرة في العالم لتقديم الدعم والتأييد والمساندة، وقد كان الشعب المصري غاضبًا أشَدَّ الغضب، ويريد تقديم روحه لإخوانه، كواجب أخلاقي وإنساني وشرعي أيضًا.
وأما التبرعات فكانت كلها تصبُّ في مسارات معروفة، مثل لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب، ولجنة الإغاثة بنقابة الأطباء، ومن خلال اللجان الشعبية والجمعية الشرعية، وكانت تنثال التبرعات على هذه الجهات من كل حَدَبٍ وصوبٍ بمبالغَ هائلة.
هل لعبت الجماعة دورًا للضغط على حماس من أجل التصالح مع فتح؟
- نحن مع التصالح بطبيعة الحال، ومع وحدة التراب الفلسطيني، وهذا يُمَثِّلُ بالتأكيد آليةً لحل الكثير من المشكلات، ولا يمكن أن يكون هناك تحريرٌ لكامل التراب الفلسطيني ما لم تكن هناك وَحْدَةٌ، عمومًا حماس هي أول من يحرص على التصالح مع فتح ومع كل الفصائل الفلسطينية من أجل المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وبالتالي هي ليست في حاجة إلى ضغط.. هي تعي وتفهم دورها جيدًا.
يدفعنا ذلك إلى الحديث عن حدود العلاقة بين حماس والإخوان، وهل هناك نوع من الرأي الإلزامي لحماس؟
- حماس شأنها في ذلك شأن أي كيان آخر في أيِّ قُطْرٍ من الأقطار، يَهُمُّنَا بالدرجة الأولى الاطمئنان على نقاء فكرها وسلامة وسائلها ومنهجها ونبل أهدافها، ولأن كل قُطْرٍ أو كيان يعمل وفق ظروفه المتاحة له، والسياقات والتحديات والمشكلات التي يعيشها, وكلُّ لديه تفاصيل كثيرة على الأرض، لذا هم أصحاب القرار؛ لأنهم هم الذين يستطيعون تقدير الموقف.
وفي الوقت نفسه هناك حساسيةٌ على المستوى الإقليمي والدولي لا تسمح لنا بالتدخل، صحيحٌ لا أحد ينكر أن القضية الفلسطينية لا تخصُّ حماس وحدها، ولا تخصُّ الشعب الفلسطيني وحده، ولا الإخوان وحدهم، ولا تخص العرب والمسلمين وحدهم، أو تخص هذا الجيل فقط، ولكنها تَخُصُّ الجميع؛ لأنها قضية مركزية ومصيرية، تخص العرب والمسلمين في هذا الجيل، والأجيال المقبلة، وأعتقد أن حماس وبقية الفصائل الفلسطينية تعلم وتدرك ذلك جيدًا، وبالتالي فهي حريصة على استطلاع آراء كل المهتمين بالشأن الفلسطيني، سواءٌ كانوا من الإخوان أو من غيرهم.
ننتقل إلى الملف الداخلي؛ حيث كثر الحديث عن مستقبل مصر، فهل لدى الإخوان تصوُّر- باعتبارهم أكبر فصيل سياسي- لهذا المستقبل؟
- ما نشهده الآن يعبر عن أفق سياسي مسدود، والنظام المصري ليس لديه أي نية حقيقية، ولا رغبة جادَّة في فَكِّ حالة الانسداد الموجودة، بل على العكس نرى أن كل التوجهات- كما حدث من خلال التعديلات الدستورية التي حصلت عام 2007 في 34 مادة منه- تَصُبُّ في صالح إعطاء الأجهزة الأمنية "الصلاحية الكاملة" بالإمساك بتلابيب الوطن والمواطنين، وإهدار مبدأ المواطنة، من حيث وضع قيود وشروط معيبة للتَّرَشُّح لمنصب رئيس الجمهورية، وجعلها محصورةً في شخص بعينه.
ويُلحق بذلك مصادرة الحريات العامة والخاصة، وتزوير إرادة الأمة، باستبعاد القضاة عن الإشراف الكامل والحقيقي على الانتخابات التشريعية، وجعل الوطن كله في دائرة الاشتباه؛ بحيث صار كل مواطن إرهابيًّا حتى تثبت براءته، هذا عدا الضياع الكامل للطبقة الوسطى في مصر؛ وتحوُّل التشريعات والتدابير إلى خدمة رجال المال والأعمال المتحالفين مع السلطة التنفيذية، والموجودين بشكل مؤثر داخل السلطة التشريعية، وهو ما سينعكس على ازدياد اتساع الهوَّة بين الطبقة العليا، وبين الطبقة الدنيا والْمُعْدِمة، التي تمثل الغالبية العظمى من الشعب.
يكفي أن تنظر إلى الأبراج والقصور والإسكان فوق الفاخر والمدن الجديدة المستفزة، ثم تنظر إلى القبور والعلب الصفيح المسكونة بحطام البشر، وهو ما يُشْعِرُك بحالة التوتر والغليان والفوران الموجودة في المجتمع، وهذا ما تعكسه كثرة الاعتصامات والاحتجاجات الاجتماعية التي جاوزت الألف في أقل من عامين؛ نظرًا للأزمات المتفاقمة؛ كأزمة الخبز والبطالة والغلاء الفاحش وتدني وتدهور الأجور، فضلاً عن مشكلات الصحة والتعليم والإسكان والمواصلات، ناهيك عن الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وآثارها التي بدأت تفعل فعلها في مصر، وما سوف نشاهده في الفترة القادمة من تَرَاجُعٍ في عائدات السياحة، والبترول، وقناة السويس، والاستثمارات الأجنبية، والعمالة في الخارج، كل ذلك سَيُؤَدِّي إلى حالة من الركود الذي ستكون له عواقبه الوخيمة في كافة المستويات.
وبدلاً من تبني النظام المصري إستراتيجيةً تدعم الحريات العامة وتُحدِث إصلاحًا سياسيًّا ودستوريًّا حقيقيًّا، بما يعمل على تفجير طاقات الناس، وتعزيز الانتماء والولاء.. إذا به يمضي في الاتجاه المعاكس، غير مراعٍ للبُعْدِ الاجتماعي، مما جعل المصريين يعيشون حاضِرًا مُؤْلِمًا، وينتظرون مستقبلا قاتمًا.
هناك مَنْ يرى أنكم تفتقدون القُدْرَة أو التصور للتعاطي مع المستقبل والتأثير في حركة الحياة السياسية، وكأنكم تنتظرون قوةً قَدَرِيَّةً ترسم دوركم! ما مدى صحة هذا الاتهام؟!
- هذا كلام غير صحيح؛ فنحن أصحاب منهج، ولنا رؤية واضحة شاملة، مبنيةٌ على:
أولاً: ضرورة التواصل مع كافة القوى الوطنية والسياسية والفاعلة؛ لأننا نرى أن الإصلاح والتغيير لا يمكن أن يقوم به فصيلٌ بمفرده؛ وبالتالي يحتاج الأمر إلى تضافُرِ كُلِّ الجهود وتكاتف كل القوى وفق أجندة واضحة تستهدف إقامة نظام حكم ديمقراطي، يتناسب مع هويتنا وقيمنا الإسلامية، ويرتكز على تعددية سياسية حقيقية، وتداول سلمي للسلطة، واعتبار الأمة مصدر السلطات.
ثانيًا: الحراك مع المجتمع كَكُلّ، ومحاولة الرقيِّ بالوعي العام، حتى يُغلِّب القِيَمِ الإيجابية على القِيَم السلبية، والمصلحة العامة على الخاصة، ويعتاد على ضرورة البذل والتضحية، ونكران الذات؛ بحيث يمتلك المجتمع قوةَ الرأي العام التي تتحَرَّكُ بشكل سلمي وحضاري؛ للضَّغْطِ على السلطة التنفيذية؛ حتى تستجيبَ لاستحقاقات الإصلاح.
إننا لا نريد القفز في الهواء، ولا استبدال استبدادٍ باستبدادٍ، بل نريد السير في الطريق الصحيح، حتى لو تَطَلَّبَ ذلك منا مشقةً وجَهْدًا وتضحيةً، إلا أن النتائج مضمونة؛ فكل نظام- حتى في أعتى البلاد الديمقراطية- ينضبط وَفْقَ قوة الرأي العام، ولو أن تلك البلدان الديمقراطية أحسَّت بضعف الرأي العام لفعلت ما فعلته أي حكومة مستبدة، وبالتالي نحن نراهن على الأفضل والأكثر ضمانةً لتحقيق حياةٍ حُرَّةٍ وكريمةٍ.
ما تعليقكم على من يقول إن تآلف وتكاتف القوى السياسية مع الإخوان- وَفْقَ أجندة واضحة المعالم، وطبقًا لآلية محددة- سيُعَزِّزُ من ثقة الجماهير في العمل السياسي والحراك السياسي المجتمعي العام، مما يقود إلى التغيير؟
- بالتأكيد.. صحيح أن الإصلاح مرهون بحركة هذا الشعب، الذي يملك من الطاقات والإمكانات الهائلة، ما يؤهله لامتلاك الإرادة، والقدرة على الفعل، وعلى فَرْضِ أجندة الإصلاح الذي لا بُدَّ له من ثمن، لكنه يحتاج إلى قيادة يقدِّرها ويثِق فيها ويتحرك خلفها، وأُولى الخطوات نحو بناء هذه الثقة وحدة القوى السياسية والوطنية في مواجهة الاستبداد والفساد؛ حيث إن أبرز عوامل السلبية والإحباط واللا مبالاة التي يعانيها الشعب المصرى تكمن في تشرذم وعدم توافق القوى السياسية والوطنية.
وسط الحديث عن " خليفة الرئيس مبارك" تتعدد الأطروحات والتكهنات، فهناك من يرى جمال، وآخرون يرون عمر سليمان.. فمن تؤيدون؟ وهل يمكن أن يكون هناك ثالثٌ تراهنون عليه من داخل أو من خارج الجماعة؟
- نحن مع من يأخذ شرعيته الحقيقة من الشعب، وَفْقَ مناخ ديمقراطيٍّ صحيحٍ، خالٍ من القيود، بعيدًا عن الإجراءات الاستثنائية والتدابير الشاذة، سواءٌ كانت تشريعية أو إدارية أو أمنية.. إن أية شرعية يجب أن تتأسس على الاختيار الحقيقي للشعب وفق إرادته الحرة، لكنَّ ما يجري على الساحة الآن من خطوات بعضها معلَن والآخر يتم من وراء ستار، يتصادم وهذه الشرعية، وهذا ما يجب أن نركز عليه ونلفت الانتباه إليه.. يجب ألا نستسلم للأمر الواقع، وعلينا أن نؤدي واجبنا بما تمليه علينا ضمائرُنا وبما تسمح به إمكاناتنا وطاقاتنا، ويجب أن يوضع في الاعتبار أن أي إصلاح أو تغيير مرهون بحراك سياسي ومجتمعي عام يضغط على السلطة الحاكمة بالشكل السلمي حتى تستجب لاستحقاقات الإصلاح.
طالما أننا بصدد الحديث عن الخلافة والتوريث، نتساءل: ما هو السيناريو المقترح في خلافة المرشد العام؟! لا سيما ودورته ستنتهي العام المقبل 2010، وقد أعلن عن عزمه عَدَم التَّرَشُّح لمنصب الإرشاد؟
- لا أَحَدَ مِنَّا يرشِّح نفسه ابتداءً، والإخوان في المستويات المختلفة يختارون قياداتهم التي يرونها الأنسب والأكثر ملاءمةً والأقدر لتولي هذا الموقع أو ذاك، ولو أراد أيُّ شخص كالمرشد العام، أو أحد أعضاء مكتب الإرشاد أنْ يَطْلبَ إعفاءه، فله ذلك، وهذا حَقُّهُ، ولكنه بالتأكيد سينزل على رغبة إخوانه واختيارهم له، وإذا فرضنا جدلاً أن المرشد قال إِنَّهُ لن يترشَّح ورأى الإخوانُ أن المصلحة في ترشيحه، فسينزل بالتأكيد على رغبة إخوانه.
ما رؤية الجماعة لقرار اعتقال البشير؟ وهل لديكم تَصَوُّرٌ للتعاطي مع هذا الملف؟
- هذا القرار لا يستهدف البشير، وإنما يستهدف السودان ككل، والإستراتيجية التي يعمل عليها الغرب قائمةٌ على تأليب وتحريض الأطراف في الشرق والشمال والغرب والجنوب؛ للانقضاض على القلب, حتى يتفتَّت السودان إلى دويلات؛ إن السودان هو البوابة لإفريقيا، فإذا ما دافعنا عن استقرار السودان ووحدته، فليس ذلك دفاعًا عن الرجل، بقدر ما هو دفاع عن السودان ووحدته، وبالتالي هو دفاع عن أمننا القومي، وقد قام السودان في الفترات الأخيرة بعمليات تنمية، ومصالحات سياسية، لكن الغرب يأبى إلا أن يمضي في مؤامراته وخطته، ويمثل القرار في ذات الوقت رسالةً غيرَ مباشرة إلى رؤساء وملوك المنطقة؛ أن لا أحد بعيد عن هذا المصير، وأن هذا قد يحدث لأي زعيم أو رئيس، في محاول مكشوفة للضغط عليهم، وابتزازهم لتقديم تنازُلاتٍ لخدمة القوى الكبرى، وعلى رأسها أمريكا.
ورؤيتنا فيما يتعلق بالحل تتمثل في:
أولاً: ضرورة وجود تحرك داخلي لِلَمِّ الشمل، وتجميع الصَّفّ، وتعزيز الجبهة الداخلية بشكل حقيقي وفاعل.
ثانيًا: إقامة محاكماتٍ من خلال قضاءٍ نزيهٍ لمن ارتكب أي خطأ أو تجاوز، وأن يكون ذلك معلومًا للدنيا كلها، بحيث لا يتم التستُّر على أيِّ شخصٍ مهما كان موقعه أو منزلته.
ثالثًا: التفاف الشعب السوداني حول قياداته؛ لأن الشعب هو المستهدف وليس البشير.
ولكن للأسف يبدو التحرك على مستوى العالم العربي باهتًا وفاترًا وضعيفًا، فقد كان لازمًا أن تُعْقَدَ قِمَّةٌ عربية؛ لإشعار الغرب ومجلس الأمن والمحكمة الدولية أن هذا الأمر مرفوض، ولبيان أن القضية سياسية بامتياز، وأن هذه المحكمة- ومَنْ يقف وراءها- يكيلون بمكاييل متعددة، ولديهم معايير كثيرة في التعامل مع كل القضايا، وإلا فأين محاكمة بوش على جرائم الحرب التي ارتكبها في حق مليون عراقي؟! أين محاكمة تشيني ورامسفيلد عن المخازي في العراق وأفغانستان؟! وأين قيادات العصابات الصهيونية، وعلى رأسهم أولمرت وباراك وليفني، وما صنعوه في غزة من عدوان ومجازر وجرائم إبادة؟!!
إن المؤسسات الدولية، بما فيها مجلس الأمن، لن تتحرك ما لم تستشعر أنّ ثمة وقفةً جادةً لجامعة الدول العربية، ولمنظمة المؤتمر الإسلامي، ولا شك أن الوفود التي تسافر إلى السودان، وعقد المؤتمرات، مظهر مهمٌّ من مظاهر التضامن مع السودان.
كَثُرَ الحديث مُؤَخَّرًا عن العلاقة بين الإخوان وإيران، بل وذهب البعض إلى أن الإخوان ينفذون أجندةً إيرانيةً، فما قولكم في الرد على ذلك؟!
- هذا غير صحيح، فإيران لها أجندتها وحساباتها ومشروعها، ونحن لنا أجندتنا وحساباتنا ومشروعنا المختلف من حيث الفكر والمنهج والوسائل والأهداف، كما أن لنا رؤيتنا الخاصة تجاه القضايا المحلية والإقليمية والدولية، ثم إذا كانت إيران دولة لها مشروعها فأين المشروع العربي؟ يقولون: إيران تستعمل مشروعها السياسي للترويج للمذهب الشيعي، حسنًا.. ولكن: أين مشروعكم السني؟ لا بد أن يكون هناك على الأقل نَوْعٌ من التفاهم والحوار بين العرب وإيران، وإذا اعتبرتم المشروع الإيراني مقلقًا، فأين أنتم من المشروع الأمريكي الصهيوني المفزع والمخيف، والذي يستهدف الإسلام وهوية الأمة وخصوصيتها الثقافية، وطمس معالم تراثها الحضاري، وتفكيك المنطقة، وإعادة تقسيمها وَفْقَ الأجندة الأمريكية والصهيونية..
تعالوا نجلس إلى طاولة واحدة، الدول العربية وإيران، للحوار الجادِّ حول المشروع الإيرانى، ماذا يريد، وماذا نريد... ما هي أوجه الاختلاف؟ وما هى مؤاخذاتنا وملاحظاتنا عليه دون تهويل أو تهوين، وما هي رؤيتنا للحل؟ لا يمكن أن يُترَك الأمر هكذا، يتفاقم ويتضخم ككرة الثلج وما يخلفه ذلك من آثار وتداعيات..
هناك مثلثان قادران على الحركة فى هذا الصدد؛ المثلث الأول، ويضم مصر وإيران وتركيا، والمثلث الثاني، ويضم مصر والسعودية وسوريا، ثم ما هي رؤيتنا لمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني على المدَيَيْن العاجل والآجل؟ وهل يمكن أن يكون لإيران وتركيا دور في ذلك؟ وما هي قدرة المثلثين المذكورين على التعامل مع الملفات الشائكة المختلفة في المنطقة؟
ما هي نقاط التماس بينكم وبين إيران؟
- إذا كانت إيران واقفةً في مواجهة أمريكا و"إسرائيل"، وتدعم حركات المقاومة، فهذا أمرٌ نُثَمِّنُه، لكن لدى مؤاخذات وملاحظات حول دورها في العراق وفي أماكن أخرى، والأمر فيه تفاصيل ليس هذا مجالها.
في أكتوبر 2010 ستُجرى انتخاباتُ مجلس الشعب، ولا يُعْقَلُ أنكم حتى الآن لم تُكَوِّنُوا موقفًا, فهل تتوقعون إقصاء النظام لكم, من خلال نظام انتخابيٍّ يبعدكم عن المشاركة في الانتخابات؟
- لم يصدر قانون الانتخابات حتى الآن، ولا شك أن النظام المصري حريصٌ على أن يفاجِئَ الجميع، ويحيط هذا الأمر بتكتُّم شديد، ولا يعلن عنه إلا في آخر لحظة؛ حتى لا يتمكَّن أي فصيل من ترتيب أوراقه، وإعداد ملفاته، وإن كان هناك كلام يتَرَدَّدُ عن القائمة النسبية، وعددٍ محدودٍ جِدًّا للمستقلين، وهناك محاولاتٌ لتفصيل دوائر بعينها؛ بحيث تضمن وصول أشخاص معينين، وتحجب أشخاصًا آخرين.. نحن نرصد ذلك ونتابعه، وسوف نعلن عن موقفنا في الوقت المناسب، وعن الكيفية التي سنخوض بها الانتخابات إذا تقرر ذلك.