د. محمد إدريس: ضرب الصهاينة للمفاعل الإيراني غير مستبعد
[18-10-2003]
محتويات
مقدمة
دكتور "محمد السعيد إدريس" لإخوان أون لاين:
إيران هدف أمريكي منذ سقوط نظام الشاه.
العدو الصهيوني لا يحتمل وجود أي قوة نووية غيره في المنطقة.
العلاقات الأمريكية الإيرانية مرهونة بالتطورات داخل العراق.
احتلت القضية الإيرانية مؤخرًا مزيدًا من اهتمام الرأي العام العالمي؛ نظرًا للتصعيد الأمريكي المبطن بالرغبة الصهيونية ضدها بدعوى امتلاك إيران للأسلحة النووية؛ وهو ما يهدد أمن المنطقة, ونجحت الولايات المتحدة في دفع وكالة الطاقة الذرية الدولية لمتابعة الوضع النووي في إيران، وهو نفس السيناريو الذي نفذته الولايات المتحدة ضد العراق منذ عدة شهور, وقد دفعتنا التطورات السريعة التي تشهدها إيران هذه الأيام إلى مقابلة أحد أبرز المتابعين للشأن الإيراني في مصر، وهو الدكتور "محمد السعيد إدريس"- الخبير بمركز البحوث والدراسات الاستراتيجية بالأهرام- للتعرف على كثير من القضايا المتعلقة بالشأن الإيراني؛ حيث أكد لنا أن إيران مستهدفة من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية منذ سقوط نظام الشاه، وأن الثورة الإسلامية الإيرانية تمثل قلقًا كبيرًا للولايات المتحدة، كما أن نظام التسلح الإيراني يقلق الولايات المتحدة وحليفها العدو الصهيوني؛ ولذلك فليس مستبعدًا أن يوجه العدو الصهيوني ضربةً سريعةً للمفاعل النووي الإيراني مثلما فعل مع المفاعل النووي العراقي, وإلى مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
نص الحوار
- تشير التطورات الراهنة إلى الضغوط الأمريكية على إيران؛ هل جاء هذا التصعيد نتيجة تخوف الولايات المتحدة من النفوذ الإيراني داخل العراق مما يهدد الاستقرارالأمريكي، أم أن إيران موضوعة في الاهتمام الأمريكي قبل ذلك؟
- إيران مستهدفة مبكرًا منذ سقوط نظام الشاه؛ حيث تكبد الأمريكان خسارة فادحة كان في مقدمتها ضياع النفوذ الأمريكي داخل إيران، كما أن أزمة الرهائن الأمريكيين الذين احتجزوا داخل السفارة الأمريكية في إيران لمدة 444 يومًا تسببت في أزمة سياسية داخل الولايات المتحدة، وكانت سببًا مهمًّا في سقوط الرئيس الأمريكي "كارتر".
- كما وضعت إيران تحت الحظر والمقاطعة الأمريكية وفرض عليها الحظر العسكري منذ نشأة نظام الجمهورية الإسلامية, فضلاً عن ذلك فقد ورطت الولايات المتحدة العراق في حرب مع إيران لمدة 8 سنوات، كان هدفها إفشال المشروع الإسلامي وتصفيته؛ حتى لا يمتد إلى دول الجوار, وابتداءً من حرب عاصفة الصحراء ضد العراق وضعت الأخيرة وإيران ضمن سياسة الاحتواء المزدوج؛ أي احتواء البلدين، ومحاولة إسقاط الحكم في البلدين، أو إضعاف النظامين كحد أدنى, والحيلولة دون نجاحهما في تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة.
- وفي الفترة الأخيرة كانت الولايات المتحدة لها مآخذ على إيران، فالأخيرة متهمة بدعم الإرهاب ومساندة ما أسموها بمنظمات الإرهاب الفلسطيني وحزب الله في الجنوب اللبناني، وأنها تعرقل المشروع الأمريكي للتسوية, فضلاً عن كونها تهدد الأمن الصهيوني, ثم جاءت بعد ذلك مسألة امتلاك إيران السلاح النووي، وإن كان هذا الوضع ينطبق على العراق إلا أن الوضع بالنسبة لإيران أكثر أهمية؛ لأنها تمتلك قدرات عسكرية أكبر، ولديها تصنيع عسكري متطور، واستطاعت مؤخرًا أن تنتج صواريخ شهاب1 و2، إضافةً إلى قيامها بالتصنيع العسكري بالتعاون مع روسيا.
- والعامل الأهم من كل ذلك هو العامل الصهيوني، فالأخير لا يحتمل وجود أي قوة قادرة على ردع الإرادة العسكرية الصهيونية، ولا تحتمل وجود منافس قوي قادر على امتلاك قدرة التهديد؛ ولذلك فنحن نعلم أن هناك فيتو صهيوني مطلق، وهو "لا لامتلاك أي دولة عربية في المنطقة للسلاح النووي".
- ومن ثم بعد سقوط بغداد كان الدور على إيران؛ لأن الأمريكان وضعوا إيران والعراق وكوريا الشمالية ضمن ما أسمته أمريكا محور الشر.
- إذًا التوتر بين الولايات المتحدة وإيران يسبق سقوط "صدام حسين"، ولكن سقوط "صدام" خلق متغيرًا جديدًا؛ وهو أن الولايات المتحدة تريد إحكام السيطرة على العراق، وتحقيق الاستقرار، وإيران بوسعها مهمة زعزعة الاستقرار داخل العراق مثل استخدام ورقة الشيعة؛ ولذلك سبقت الولايات المتحدة الأحداث، وصعدت مع إيران لإبعاد الخطر الإيراني المتوقع، والإحالة دون تورطها في أي دعم لعمليات المقاومة داخل الأراضي العراقية.
الردع الأمريكي
- وهل نجحت هذه السياسة في ردع إيران؟
- بالفعل يبدو أن هذه السياسة قد نجحت، بدليل أن الموقف الإيراني من الاحتلال الأمريكي للعراق مثير للاستياء؛ فقد اعترفت إيران بمجلس الحكم الانتقالي, وعضو مجلس الثورة الإسلامية في العراق "عبدالعزيز الحكيم"، والذي خلف "محمد باقر الحكيم"- عضو في مجلس الحكم الانتقالي.
- إذًا نجح الأمريكان في ردع إيران, وعلى الرغم من موقف إيران السلبي من عرقلة القيادات الشيعية من اتخاذ أي مواقف قوية ضد الاحتلال الأمريكي، فإن الولايات المتحدة تصعد مع إيران والعدو الصهيوني يغذي هذا الاتجاه, وأصبحت قضية البرنامج النووي الإيراني قضية موضوعة في مرتبة متقدمة على الأجندة الأمريكية هذه الأيام.
- هل الضغوط الأمريكية على إيران هي المسئولة عن تراجع ردود الفعل الإيرانية حول التهديدات الأمريكية؟
- إيران تحتذي بالنموذج الكوري؛ حيث تعمل على أن تظل متشددة لأطول فترة ممكنة، وتحاول أن تسارع الزمن لتحقيق نجاحات في برنامجها النوويي, وأن تدفع الولايات المتحدة إلى التفاوض، وتحصل على مكاسب معينة تستهدفها, في مقدمتها تمكين إيران من الاستمرار في برنامج التخصيب النووي السلمي، وأن تستفيد من المساعدات الدولية في هذا المجال مقابل أن تفتح المنشآت النووية للتفتيش المفاجئ، وأن توقع على البروتوكول الإضافي؛ أي أنها تقول إنها ستخضع بالكامل لإرادة المجتمع الدولي، ولكن على المجتمع الدولي ألا يمنعها من امتلاك برنامج نووي سلمي طبقًا لما جاء في اتفاقية حظر إنتاج الأسلحة النووية التي تحتم على الدول المالكة للأسلحة النووية أن تساعد الدول الأخرى في برامجها النووية السلمية، كما تنص الاتفاقية على أن تبدأ الدول المنتجة للسلاح النووي في تقليص برنامجها؛ وهو عكس ما تقوم به الولايات المتحدة التي تزداد شراسةً في إنتاج الأسلحة النووية، وتصفي قدرات الدول الأخرى من امتلاك قدرات نووية سلمية.
رسائل صهيونية
- في تقديرك ماذا تعني الرسالة التي سربها العدو الصهيوني مؤخرًا حول نيته في توجية ضربة عسكرية إلى المفاعل النووي الإيراني؟
- العدو الصهيوني لا يريد لأي دولة عربية أن تدخل المجال النووي من الأساس؛ لأنها تدرك أن امتلاك قدرات نووية سلمية من الممكن أن تتحول في لحظة إلى قدرات نووية عسكرية؛ ولذلك لا يغامر بقبول مثل هذه الأوضاع، ومن ثم يثير من حين لآخر الحديث عن قدراته النووية إلى جانب إثارة بعض التهديدات, وحديثًا مؤخرًا عن وجود غواصات تابعة له تجوب البحار، وبها أسلحة نووية قادرة على ضرب المنشآت النووية، وهي محاولة لخدمة غرضين.
- أولهما توجيه رسالة مهمة لإيران، والثانية إعلان غير مباشر عن القدرات النووية الصهيونية, والأهم من ذلك هو توظيف هذه القدرات لتهديد الأمن والسلم العالمي من خلال استخدام هذه القدرات النووية ضد إيران، وبالتالي تحاول ابتزاز المجتمع الدولي كي يسبق الأحداث، وبدلاً من أن يضغط على العدو الصهيوني ليتراجع عن العدوان، يقوم بالضغط على إيران حتى تفكك برنامجها النووي، ومن ثم نجنب العالم حربًا نووية؛ أي أنهم يحاولون إرهاب الرأي العام العالمي وتحفيزه للوقوف ضد إيران, ولكن للأسف هذا الرأي يعبر عن نوع الفهم الصهيوني للمجتمع الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية وأنهم يعتمدون على الأخيرة في تمرير كل مطالبهم وإطلاق أيديهم في فعل أي شيء وقتما يريدون, وللأسف بدأ المجتمع الدولي يمارس بعض الضغوط على إيران, فمَنْح "شيرين عبادي" جائزة نوبل للسلام بدا مقترنًا بضغوط دولية من أجل حقوق الإنسان؛ أي أنهم اختاروا أحد الرموز الموالية للغرب والمنخرطين في ضرورة فتح إيران أمام الثقافة الغربية، واعتبر التيار المحافظ في إيران هذه الجائزه برهانًا على سوء نية الغرب تجاه إيران والأمة الإسلامية.
- هل التهديدات الصهيونية قد تتطور لتصل إلى مرحلة الصدام؟
- هذا بالفعل قد يحدث؛ فالعدو الصهيوني قد فعلها قبل ذلك، وقام بتدمير المفاعل النووي العراقي، ويستطيع أن يفعلها مرة أخرى مع إيران، خاصةً في ظل الوجود العسكري الأمريكي شرق وغرب إيران؛ حيث يتواجد في تركيا وأفغانستان والعراق.
- ربما تكون إيران لديها قدرة على تدمير أشياء داخل الكيان الصهيوني، لكن ربما يراهن العدو الصهيوني على ضربة خاطفة سريعة تحقق الغرض منها، وأنه يستطيع بأسلحته الدفاعية- مثل صواريخ الباتريوت- أن يتصدى للضربة الثانية التي يمكن أن تقوم بها إيران دون تمكين إيران من إصابة أهداف لها أهمية كبيرة داخل الكيان الصهيوني.
مواجهه محتملة
- هل الضغوط الأمريكية المتصاعدة تجاه إيران تؤكد حرص الولايات المتحدة على فرض وضع معين عليها ويعكس حتمية المواجهه بين الطرفين؟
- السياسة ليس بها حتميات، ولكن الموقف الأمريكي يكون حسب تطور الأوضاع الأمريكية في العراق, وحاليًا إيران مدعوة من الولايات المتحدة لحضور مؤتمر مدريد الخاص بإعادة إعمار العراق، وإيران قبلت هذه الدعوة من أمريكا؛ وهو ما يعني أن هناك جذور تواصل ربما يؤدي نجاحها إلى تقليل خطر المواجهه المحتملة بين الطرفين.
- ولكن إذا تطورت الأوضاع الشعبية داخل العراق وانخرط الشيعة في المقاومة وفي العملية السياسية، ووجدت إيران نفسها أمام حتمية التدخل لدعم الشيعة سوف تسوء العلاقات أكثر مما هو كائن الآن.
- هل يمكن أن نقول إن حدوث نوع من التفاهم بين إيران والولايات المتحدة دفع العدو الصهيوني إلى إحداث نوع من الاستفزازات لإسراع عملية المواجهة بين إيران والولايات المتحدة؟
- بالطبع ممكن.. لأن العدو الصهيوني ليس من مصلحته أن يحدث تقارب بين إيران والولايات المتحدة، بل يسعى دائمًا إلى إحداث الوقيعة بين الطرفين, فأي تورط أمريكي مع إيران أو مع أي دولة أخرى في المنطقة هو هدف صهيوني أصيل.
الأوضاع الداخلية
- لكن من الملاحظ أن الولايات المتحدة تسير في اتجاه التصعيد ضد إيران من خلال محاولاتها للتدخل في الشأن الإيراني؛ كيف ترون هذه المحاولات؟
- الولايات المتحدة- كما ذكرت- لم تتوقف عن مساعي التدخل في الشئون الداخلية الإيرانية, وقد شاهدنا عند قيام المظاهرات الطلابية تأييد الرئيس "بوش" لها، لكن الملفت للانتباه أن دعم الرئيس الأمريكي للطلاب في مارس الماضي وضع الطلبة في موقف صعب داخل إيران؛ حيث اتهموا بالعمالة للولايات المتحدة، وتم إيقاف المظاهرات, ولعل هذا الموقف يؤكد أنه بالرغم من وجود خلافات داخلية على بنود معينة في السياسة، فإن الجميع حريص على المصلحة الوطنية.
- ولكن الأخطر من محاولات التدخل الأمريكي في إيران هو موقف بعض الدول العربية التي بدأت تروج للخطاب الأمريكي؛ حيث بدأت بعض الأقلام العربية التحذير من خطورة السلاح النووي الإيراني على جيرانها، ويزعمون أن السلاح الإيراني لن يستخدم لردع العدو الصهيوني أو غيره من الدول المعادية لإيران؛ وإنما سيستخدم ضد الدول العربية المجاورة, وهو كلام يصب بالقطع في صالح الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيوني, وذلك بالرغم من أن الدول العربية يجب عليها أن تقيم علاقات قوية مع إيران؛ حتى لا تظل مطية للولايات المتحدة.
الموقف الدولي
- أنتقل إلى نقطة أخرى؛ وهي معرفة الموقف الدولي من الضغوط الأمريكية على إيران، الذي نعتبره غير واضح حتى الآن، وذلك على خلاف الموقف الدولي من العدوان على العراق، والذي كان واضحًا تمامًا!
- الدول الأوربية لها (فيتو) ضد امتلاك إيران للأسلحة النووية، والعدو الصهيوني يلعب في هذا الاتجاه؛ وهو ما جعل أوربا تنصح إيران بأن تقدم تنازلات في برنامجها النووي مقابل أن يقوم الاتحاد الأوربي بتقديم تعاون اقتصادي مع إيران؛ لعل هذا الموقف- غير الحيادي- هو الذي دفع وزير خارجية إيران إلى أن يهاجم الدول الأوروبية بألفاظ قاسية؛ لأنه اعتبرها غير نزيهة في مواقفها تجاه إيران.
- وماذا عن الموقف الروسي؟
- الموقف الروسي يختلف جذريًّا عن الموقف الأوربي؛ وذلك لأن روسيا أصبحت بلا حليف استراتيجي، وتعلم تمامًا أن الولايات المتحدة تفرض عليها سياسة الحصار, ومن ثم فالعلاقات الروسية الإيرانية المميزة تعتبر حصنًا مطلوبًا لروسيا، وأحد دعائم الموقف الروسي في التفاوض مع الأطراف الدولية؛ ولذلك أنا أعتقد أن روسيا لن تفرط بسهولة في علاقتها مع إيران خاصةً أن الأخيرة تعتبر مدخلاً للمنطقة.
- ورغم ذلك فإن روسيا ضعيفة اقتصاديًّا وغير مستقرة سياسيًّا، ومن ثم تظل عرضة للضغوط الأمريكية، ويظهر ذلك بوضوح على الرئيس الروسي الذي يقدم من حين لآخر التنازلات للولايات المتحدة الأمريكية.
المصدر
- حوار: د. محمد إدريس: ضرب الصهاينة للمفاعل الإيراني غير مستبعد موقع اخوان اون لاين