د. رشاد البيومي: شهادة ورسالة
لك الله يا أخي يا شهيد القهر والظلم لك الله يا من قتلوك غيلة لا لشيء إلا أن تقول ربي الله.. لك الله يا من سالت دماؤك الحرى لتضيف فصلاً جديدًا في كتاب دعوتنا إلى الله، وتسجل إلى أي مدىً تُستباح الحرمات وتُستحل الدماء.. فهل من محاسب... لا ملجأ لنا إلا الله نشكو إليه عسف المتجبرين وجور الظالمين.
ودعاء آلاف آلاف القلوب المكلومة على الظالم أن ينتقم الله منه، وأن يرده وأمثاله عن التمادي في البغي والطغيان، وأحسب أنك تنعم بمنزلك عند رب العالمين في تلك الأيام المباركة، التي يُفترض أن ينعم فيها المسلم بالأمن والأمان والرحمة، فإذا بروحك الطاهرة تُقبض لا لذنب أو جريرة إلا أنك في عداد الداعين إلى الحق.
وأتساءل ويتساءل كل الناس حولي عن جناية ذلك الشهيد كي يعذب حتى الموت.. تاركًا عيونَ وقلوبَ والديه داميةً منفطرة، ومخلفًا زوجة أصبحت بين يوم وليلة ثكلى أذهلتها الأحداث وتركتها حيرى لا تدري ماذا تخلفه الأيام وما يخبئ القدر!.
ماذا جنيت أخي "مسعد" حتى ينالك هذا القدر من التعذيب والتنكيل؟ هل شاركت في نهب أموال الأمة، وقمت بتهريبها للخارج كما فعل ويفعل الكثيرون؟.. هل ساهمت في ذلك الانهيار الاقتصادي الذي يكاد يودي بمقدرات الناس، ويبدل أمنهم واستقرارهم خوفًا وجزعًا؟ هل زوّرت أو دلست أو تعمدت الخداع والغش كما يباهي بذلك المتبجحون؟.
هل شاركت في نشر الفاحشة التي أصبحت تحيط بنا وتطل علينا في كل وقت وحين مع إعلام تردى وتدنى إلى أسفل الدركات؟ هل تاجرت في السموم والمخدرات التي أصابت شبابنا بكل البلايا والأمراض؟، هل عمدت على تخريب منظومة التعليم في بلادنا حتى أصبح التعليم شكلاً باهتًا بلا أصل ولا مضمون.
وكأني بك وأنت ترد هادئًا مطمئنًا: حسبي أن كنت أدعو إلى الله على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأسعى بكل الخير لأمتي ووطني هل هذه جريمة، نعم يا أخي لقد أصبحت الدعوة إلى الله جريمة.. وعلى من يتصدى لها أن يلقى كل أنواع العنت والقهر ظلمًا وقهرًا.. بدءًا من التعذيب ونهاية بالسجن والحرمان من كل الحقوق.. وأخيرًا
بالقتل!! وأعود فأسأل الذي فعل هذا الفعل، الذي لا تقره الشرائع الدينية ولا يرتضيه العرف ولا تسمح به أدنى الحقوق الإنسانية.
أسأله ماذا يقصد بفعلته هذه.. هل بهذا يستطيع أن يحول بين النفوس الطاهرة وبين العمل في سبيل الله.. وأقول له هيهات فتاريخ دعوتنا مسطر بدماء الشهداء الأبرار ومعاناه المتجردين لله، الذين عانوا وقاسوا.. ما صرفهم ذلك عن طريقهم.. ولا حاد بهم عن نهجهم.
فهذه هي سنة الدعوات: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾. (العنكبوت:1إلى3).
حسبنا أننا نُرضي الله ونعمل بهديه، وهو كافينا وحامينا.. وإليه نشكو ونشكو.. وحقنا لديه لن يضيع.
وأعود موجهًا كلامي لمن تلطخت يده بدماء الشهيد ألم يكن الأجدى أن تدخر جهدك الذي بذلته في التعذيب والقتل لما فيه صالح الأمة وعزتها في وقت أحاط الأعداء بنا في كل مكان! ألم يكن أحرى أن تنصرف الجهود لمواجهة تزوير الانتخابات التي طالت حتى انتخابات الطلاب! أليست البلطجة التي أصبحت تحكم شارعنا في حاجة إلى من يقاومها ويقوِّمها، ألسنا في حاجة لمحاربة التدني والتهتك الذي أصاب مجتمعنا وخيَّم على أطنابه، ثم أعود مذكرًا هل غاب عنكم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ (عبس:34 إلى37)، وكأني أرى الشهيد "مسعد" وقد أمسك بتلابيبكم يوم القيامة أمام الحكم العدل وأنتم ترتجفون.. ولا سند ولا معين.. هل من المروءة أن تتضافر قوى البغي على أسير أعزل.. معصوب العينين مكبل اليدين.. لا حول له ولا قوة.
هل من الإنسانية أن نقتحم على الناس أمنهم وأمانهم ونعيث في البيوت الآمنة ترويعًا وتخويفًا.. هل من القانون أن يتم هذا الفحش في غفلة من أية تشريعات دونما رقيب أو معقب أو محاسب.
إن ما تعانيه أمتنا من ضيق وضنك.. هو جزاء سكوتها على هذا الظلم البين والسلوك المهين.. فالسكوت عن الظلم إثم.. والتجاهل له خطيئة.
وأقول للغافلين..
إن عين الله لا تغفل ولا تنام.. فحقوق العباد محفوظة لديه.. وأفعالكم محسوبة عليكم.. إن الله يمهل ولا يهمل وحق الشهيد "مسعد" عند الله أمانة وهو الكفيل برد المظالم وحفظ الحقوق.
المصدر
- مقال:د. رشاد البيومي: شهادة ورسالةإخوان أون لاين