د. حلمي محمد القاعود يكتب .. الصحافة: تجارة وعطارة وشطارة!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
د. حلمي محمد القاعود يكتب .. الصحافة: تجارة وعطارة وشطارة!


(الثلاثاء 30 يونيو 2015)

بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود

قبل سبعين عاما تقريبا كان مصطفى وعلى أمين ومحمد التابعي يبحثون عن الخبر والمخبر.

الخبر الصحفي والمخبر الصحفي لا المخبر الأمنجي.

وكانوا يبذلون في سبيل ذلك وقتا وجهدا ومالا، ولنا أن نتفق معهم أو نختلف؛ فقد كانت المهنة هدفهم الأساس الذي يبحثون من خلاله عن التفوق والانتشار، ووضع الكفء على مقعد رئاسة التحرير ولو كان صغير السن (هيكل رئيسا لتحرير آخر ساعة وهو في الرابعة والعشرين)، وكانوا يغدقون على الصحفي الفائق مكافآت وحوافز ليزداد تفوقا وانطلاقا.

اليوم تحولت الصحافة وخاصة الحزبية والخاصة في أغلبها إلى تجارة من نوع رخيص.

وأصحابها أو المتحكمين فيها إلى تجار من النوع الذي لا يوثق فيه. هم أصحاب ملايين معظمها تدور حوله الشكوك، ولا يُعرف مصدرها: حلال أو حرام، وغايتهم العليا في الغالب هي كسب المزيد والمزيد، أو غسل السمعة الملوثة أو مكايدة الخصوم أو ابتزاز من يملكون الملايين الحرام!

الضحية الكبرى في هذا السياق هم المحررون أو الأنفار أو عمال التراحيل الأكْفاء، الذين يبذلون جهودهم وأعمارهم في تعبئة الصفحات الملعونة بالموضوعات والتحقيقات والصور، ويلحق بهم نفر من الكتاب الذي يضطرهم سوء الحظ إلى التعبير عما في أنفسهم في هذه الصحافة التجارة والعطارة والشطارة!

صاحب الصحيفة المليونير النهم يعتمد على مجموعة مقربة منه تداهنه أو تنافقه أو تنحني أمامه لتحصد مبالغ باهظة لا تتأخر يوما واحدا، أما عمال التراحيل أو الأنفار او المحررون فلا ينالون غير الفتات، ويا ليته يستمر متاحا، فالعواصف المليونيرية تهب أحيانا، فيمتنع صاحب الصحيفة عن الدفع، بحجة أن السيولة غير متوفرة.

وأنه في طريقه إلى تخفيض الفتات، وأنه بسبيل الاستغناء عن العشرات من التراحيل، وحين يقول الأنفار إن لنا أُسَرا وأطفالا والتزامات في إيجار السكن والمواصلات واللبس والعلاج وغير ذلك، يقال للمحررين: أمامكم طريقان؛ الرحيل أو قبول الأمر الواقع.

وقبول الأمر الواقع يعني أن يصل فتات الفتات على دفعات كل دفعة تبعد عن الأخرى قرابة الشهرين، وأحيانا يتأخر الفتات لمدة خمسة شهور أو أكثر، ويحتج التراحيل، فيقال لهم عيب، هناك من لا يدفع منذ عام أو عامين، وتحدث لقاءات واتفاقات وتسويات ولكن المليونيرية التجارية العطارية الشطورية لا تفي بوعد، ولا تنجز اتفاقا، ولا تحقق تسوية، واللي مش عاجبه يخبط رأسه في أقرب حائط!

يشترط قانون إصدار الصحف وجود وديعة يستوفي منها أصحاب الحقوق من التراحيل وغيرهم مستحقاتهم، ولكن أصحاب الصحف يتحايلون لفك الوديعة وتسلمها لتعود إلى جيوبهم معزّزة مكرمة وعليها الفوائد أيضا!

وهكذا يعيش الصحفي الذي لا يحظى برعاية أمنية ولا يجيد لعب الأكروبات أمام المسئولين بصحيفته في محنة مزدوجة. العمل الشاق بلا رحمة، والحرمان من الحق المر!

أما كتاب المقالات، فلا أحد يلتفت إليهم، تعاملهم المليونيرية التجارية العطارية الشطورية كأنهم طلاب شهرة، ولا حق لهم في شيء. إنهم طلاب شهرة في المفهوم المليونيري، وعلى طالب الشهرة أن يكتفي بظهور اسمه مقرونا بما يكتبه يستوي في ذلك الكاتب المحترف والكاتب الهاوي أو الغاوي الذي ينقط بطاقيته.

يجنّد المليونير التاجر العطار الشاطر، مجموعة من الكتاب ويمنحهم عطايا كبيرة لينافحوا عنه، ويسوغوا سلوكياته، ويدافعوا عن خطاياه وخاصة لو كان منتسبا إلى طائفة ذات بأس شديد!

وهناك بالطبع عملية الإقصاء العمد التي يمارسها القوم وتتجه إلى أصحاب الفكر الإسلامي بالدرجة الأولى.

لا يمنحهم أحد فرصة التعبير إلا إذا كان صاحبها ممن تجندهم الأجهزة الأمنية أو يكتبون كلاما إنشائيا لا قيمة له، أو من منقولات الكتب دون أن يشتبك مع الواقع.

وفي كل الأحوال عليك إذا كنت كاتبا أو أردت أن تنشر ما تكتب؛ أن تقدم قرابين الولاء والطاعة، بعد أن تخلع إسلامك على باب كلامك.

هناك ممارسات معروفة من أولئك النفر الذين يسمون بالعلمانيين، ويشرفون على صفحات الرأي والفكر، فهم يمارسون الإقصاء مع من ينتقد العلمانيين أو سلوكياتهم، ولا قيمة لهذه اللافتة التي تُرفع فوق الرءوس أو أمام العيون وتتحدث عن الرأي والرأي الآخر!

الشطارة والعطارة والتجارة يستوي فيها أصحاب اللحى التايواني، وأصحاب الياقات المنشاة، كلهم لا ينصف التراحيل أو الأنفار أو المحررين والكتاب، المال يذهب إلى الأنصار والمؤيدين، أما الشغيلة بلغة اليساريين فلا حق لهم في مقابل مجز، أو راتب عادل، فهذا يستحقه من ترضى عنهم الأجهزة الأمنية أو الحضرة المليونيرية، ومن لا يقترب من الحضرة أو الأجهزة فالويل له ولأسرته وأطفاله ومستقبله.

قبل سنتين طرد أصحاب اللحى التايواني مجموعة من الأنفار، بعد أن استقالت هيئة تحرير لا تحب النفاق، وحتى هذه اللحظة لم يحصل هؤلاء وأولاء على حقوقهم المرة، ويقول الملتحون الشيطانيون للمظلومين: هل تريدون أخذ أموال اليتامى والأرامل؟ ويسألهم هؤلاء: وماحكم الملايين التي تهدرونها في الانتخابات الفالصو وفي تأييد الطغاة ودعم أعداء الإسلام؟

نقابة الصحفيين - حماها الله - تأخذ أجراء روتينيا بتجميد عضوية من يتقدم من هذه الصحف الملتحية شيطانيا أو غيرها إلى عضوية النقابة، ولكن يأتي بعض أعضاء مجلس النقابة ممن يدينون بالولاء لهذه اللحى أو لأصحاب الياقات، فيفبركون اتفاقات لم تحدث، ويسمحون بالعضوية ويهدرون حقوق التراحيل أو الأنفار أو المحررين! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

نسمع كلاما كثيرا من النقابة عن مواجهة الفصل التعسفي وأكل الأجور، ولكن الواقع البائس يقول إن هذا الكلام يذهب مع الريح بسبب الحسابات الخاصة والعلاقات التحتية مما يجعل عمال التراحيل بلا مأوى ولا زاد!

الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، وأصحاب اللحى ومليونيرات الطموح، وصحافة السلطة تأبى الدفع إلا لمن يحظى برعاية أمنية أو يغازل تجلياتهم الحرام!

هل يمكن أن يجيب أحد: لماذا تأخرت المهنة؟

المصدر