د. إجلال رأفت: دارفور الطريق لـ(صوملة) السودان
من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
[11-07-2004]
حوار:السيد ثروت
محتويات
مقدمة
التدهور الكبير في الأوضاع الذي شهدته دارفور مؤخرًا،وزيارة وزير الخارجية الأمريكي لها،والتهديد بتدخل أجنبي قوامه 25 ألف جندي؛ كل هذا يُثير تساؤلات عديدة حول الوضع في السودان ومستقبله، خاصةً بعد أن أصبح للجنوب الحقَ في الانفصال طبقًا لاتفاقية نيروبي الأخيرة،وهو ما يُشكل ضربًا للأمن القومي العربي بأكمله،وفي مقدمته المصري.
ولرصد تطورات الوضع الميداني وأطرافه كان هذا الحوار مع الدكتورة إجلال رأفت أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد،وأحد أبرز المتابعين للشأن السوداني.
نص الحوار
- كيف تفجرت الأحداث في دارفور بهذا الشكل المأساوي؟
- مشكلة إقليم دارفور ليست جديدة، فقد بدأت في الستينيات على يد حركة تحرير دارفور وجبهة بولاد، والآن هناك حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، والمشكلة سببها الرئيسي هو غياب التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم، وفي الوقت الذي كانت حركات الإقليم تركز على المطالبة السياسية القديمة فإن الأمر تطور حاليًا إلى العنف المسلَّح، وبالإضافة لذلك فإن التكوين الاجتماعي للإقليم يعد أيضًا أحد أسباب الأزمة؛ فالإقليم يضم قبائل ذات أصول إفريقية، وأغلبها من المزارعين المستقرين، وهناك أيضًا القبائل ذات الأصول العربية، وأغلبها من الرعاة الرحل، والاحتكاك بين الطرفين يحدث كثيرًا في الإقليم، وفي كافة المناطق المشابهة في إفريقيا، فالقبائل المترحلة كانت في كثير من الأحيان تدمر المحاصيل المزروعة أثناء تنقلها، وكانت الإدارة الأهلية في الماضي- ممثلة في الشيخ أو العمدة- تقوم بحل هذه المشكلات، ولكن بعد إلغائها في عهد "نميري" تفاقمت المشاكل بشكل كبير.
- ومؤخرًا شهد الإقليم جفافًا شديدًا مما جعل القبائل المترحلة تنتقل جنوبًا؛ حيث الأمطار، وبالتالي زاد الاحتكاك.
- ولكن ما سر التصاعد الذي حدث في الفترة الأخيرة بشكل كبير؟
- منذ عام ونصف بدأ العنف يتفجر بـ"دارفور"، ويأخذ شكلاً عسكريًّا متصاعدًا؛ وذلك لسببين: أولهما أنه تأصل في أذهان بعض السودانيين في الفترة الأخيرة أن حامل السلاح هو الذي يأخذ حقه، والسبب الثاني هو أن الحكومة السودانية أخطأت عندما تصورت أن قضية "دارفور" يمكن حلها بالوسائل الأمنية فقط، وهو ما جعلها تتجاهل أساس المشكلة؛ وهو غياب التنمية، وبالتالي فإن الحكومة السودانية لم تقدِّر عمق الموضوع، فكان يجب عليها أن تعالجه بشكل اجتماعي أولاً ليستقر الوضع، ثم تبدأ بعد هذا في إعادة النازحين واللاجئين.
تصفية حسابات.
- وماذا عن قبائل "الجنجاويد" التي جرى الحديث عنها بكثافة في وسائل الإعلام الدولية؟
- "الجنجاويد" معناها: الجن المسلَّح الذي يركب جواده، وهم في الأصل قبائل تمارس السلب والنهب، وكثير من التقارير تُشير إلى دعم الحكومة السودانية لهم في مواجهة القبائل الإفريقية، رغم أنهم جميعًا مسلمون، وهناك تمازج وتزاوج بينهم جميعًا.
الأطراف الرئيسية للصراع في دارفور
- ما الأطراف الرئيسية للصراع في "دارفور"؟
- الأطراف المتصارعة في "دارفور" هي الحكومة الحالية التي تتحمل جزءًا كبيرًا من المشكلة، وكذلك الحكومات السابقة والقبائل الإفريقية، وهي بالأساس قبائل المساليت، والفور، والزاغو، والبرتي، وقبائل أخرى أصغر حجمًا، ومن هؤلاء جميعًا ظهرت الحركتان المسلحتان الحاليتان؛ وهما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، والتي يرأسها الدكتور خليل إبراهيم، أحد تلاميذ الدكتور حسن الترابي، ويقال إن هناك تنسيقًا بين حزب الترابي وحركة العدل والمساواة؛ ولذلك نرى أن أجندتها السياسية قوية وواضحة، وأقوى من الأجندة العسكرية بخلاف حركة تحرير السودان وأمينها العام أمني أركو مناوي، وهي من إرهاصات جبهة تحرير "دارفور" التي ظهرت في الستينيات، وكان من الناشطين فيها أحمد إبراهيم دريج، والدكتور علي الحاج، وهو الآن الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، وهو الذي أدخل حق تقرير المصير في الأدبيات السودانية خلال لقاءاته مع الجنوبيين في ألمانيا.
- وبالنسبة للجانب العربي فهناك التجمع العربي الذي يضم 27 قبيلةً عربيةً أهمها المسيرية، والهبانية، والرذيجان، وبني هلبة، والتعايشة، وكذلك الجنجاويد، والمشكلة تحدث في كثير من الأحيان بين القبائل العربية والإفريقية للرغبة في السيطرة على الأراضي الخصبة في "دارفور" "وكردفان".
- ويلاحظ أن حزب المؤتمر الشعبي- بزعامة الدكتور الترابي- يحاول اللعب على وتر التناقضات الموجودة في "دارفور"، وخاصةً تلك التي تحدث بين الحكومة والقبائل لتصفية حساباته مع الحكومة، خاصةً في ظل علاقته مع حركة العدل والمساواة، وهو ما يثير شكوكًا حول دور هذا الحزب في "دارفور".
- وبالنسبة للأحزاب السودانية الأخرى فإن الحزب الاتحادي لم يتدخل بأي شكل لمحاولة حل الأزمة، في حين قام حزب الأمة ببعض المحاولات؛ نظرًا لوجود الكثير من قواعده في الغرب، ولكن أغلبها يقتصر على الإدلاء بالتصريحات الإعلامية!!
- وزير الخارجية السوداني قال إن جماعات ضغط- كانت موجودة في الجنوب- هي التي تحرك أحداث "دارفور" اليوم!!؟
- الحركة الشعبية بزعامة قرنق فيما أعتقد تنسق سياسيًّا مع الحركتين الإفريقيتين في "دارفور"، ولكنها لا تساعدهما عسكريًّا على ما يبدو، وذلك لاحتياجها لكل إمكانياتها لتكوين الحكومة الجنوبية، فهي لا تريد فتح جبهة عسكرية جديدة في الوقت الحالي.
الدور الأمريكي.
- ما مخاطر تدهور الوضع في الإقليم خلال الفترة المقبلة؟
- إذا لم تنجح الحكومة في علاج مسألة "دارفور" علاجًا جذريًّا فإن هذا يمكن أن يؤدي لـ"صوملة" السودان؛ حيث سيسعى الإقليم للانفصال، وكذلك الشرق أيضًا وقبائل الأكوش في الشمال، وهذا سيؤدي لانفصال الجنوب حتمًا؛ لأنه لن يكون هناك دولة موحدة يتحد معها، وسيكون لهذا خطر بالغ؛ فالسودان هو همزة الوصل بين العالَمَين الإفريقي والعربي.
- هل التدخل الأجنبي في شئون السودان هو الذي خلق حالة الأزمة؟
- الذي يحدث عادةً هو أن التدخل الأجنبي لا يصنع مشكلةً داخليةً من البداية، ولكنه يقوم باستغلالها فيما بعد لخدمة مصالحه، والمعلوم أن الأمريكان لهم اليوم مصالح في السودان، أهمها البترول، ففي ظل التهاب الأوضاع في الخليج تحتاج الولايات المتحدة لمنطقة أقل كرهًا لها تأمن لها حاجاتها البترولية بجانب بترول الخليج، وهو ما ينطبق على السودان الذي توجد بالقرب منه شبكة من البترول فيه، وفي تشاد وأنجولا ونيجيريا، كما أن هذا البترول يتميز بأنه ينقل مباشرةً إليها عبر المحيط الأطلسي بعيدًا عن الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط.
- والمتتبع للسياسة الأمريكية يجد أن هناك تغيرًا إستراتيجيًا طرأ عليها في هذا الصدد منذ التسعينيات، فحتى هذا التاريخ لم يكن السودان على الخريطة الأمريكية، وكانت تكتفي بأن ترعى فرنسا أو البرتغال المصالح الأمريكية، ولكن مع ظهور البترول قامت باستغلال المشاكل المزمنة في السودان للدخول وبقوة للساحة السودانية؛ حيث يرابط اليوم الأسطول الأمريكي أمام القرن الأفريقي وبالقرب من الجنوب السوداني.
- هل ما اتخذته الحكومة السودانية حتى الآن يعد كافيًا لوقف التدهور؟
- الحكومة السودانية في البداية كانت تتصور أنه لا يمكننا فعل أي شيء، ولكن الضغوط الدولية التي وصلت للتهديد بمحاكمة بعض المسئولين بالحكومة جعلها تتخذ بعض القرارات ومنها: نزع سلاح الجنجاويد، وهي خطوة أولى يجب أن يتبعها خطوات أخرى، خاصةً في ظل السماح بدخول قوات دولية للإقليم.
التدخل العسكري
- ألا ترين أن هناك شكوكًا تحيط بزعم الأمريكان أن تدخلهم هو للإغاثة، ووقف المجازر؟
- الأمريكان مثلهم مثل أي قوة عالمية أخرى لا يتدخلون في أي مكان في العالم إلا لخدمة مصالحهم الخاصة، والتدخل الأمريكي في "دارفور" اليوم يأتي مستترًا في ثوب وقف المجازر الإنسانية، وهذا للأسف نوع من الذكاء الخارق الذي تمكنوا به من كسب الرأي العام للقبائل الإفريقية في "دارفور" لصالحهم، كما حدث من قبل في الجنوب؛ حتى إن هذه القبائل في "دارفور" تنادي اليوم بتدخل عسكري دولي في "دارفور"، وفي كل السودان، ويقولون لولا الأمريكان لمتنا من الجوع، وهو ما حدث مع الجنوبيين من قبل.
- هل هناك شبهة لدور صهيوني في أحداث "دارفور" خاصةً بعد هدوء الجنوب؟
- أية دولة إقليمية تحاول قدر طاقتها الاستفادة من أية مشكلة تقع لتعزيز وضعها الإقليمي، وكل هذا يحدث لجلوسنا صامتين لنظل نعلق فشلنا على شماعة الكيان الصهيوني دون أن نقوم بدورنا.
- هل يمكن أن يستغل الأمريكيون الأزمة الحالية لتفتيت السودان؟
- أستبعد أن يستغل الأمريكان هذه الأزمة لتفتيت السودان على الأقل خلال الثلاثين عامًا القادمة، وذلك لسعيهم للحصول على البترول، وهذا لن يأتي إلا عن طريق الاستقرار، وإن كان يجب أن ندرك أن أي استعمار أجنبي يعمل على عدم استقرار الأمن، ولكن يجب أن ندرك أن تفكيك السودان له مخاطر عديدة، فكافة الدول المجاورة له لديها مشكلات عرقية وقبلية، ومعنى هذا أن انفصال السودان سيكون له عدوى يمكن أن تنتشر في هذه الدول، وهو ما يبدو أنه ليس في صالح الأمريكان على المدى القريب.
غياب الدور العربي
- ما العلاج المطلوب تحديدًا؟
- العلاج في المقام الأول يجب أن يكون (سوداني- سوداني) في ظل المشكلات التي تعاني منها العديد من مناطق السودان، وهو ما جعل "البجا" في الشرق يدخلون في تنسيق عسكري مع الغرب، وكذلك تحركت حركة "كوش" في أقصى شمال السوداني؛ لأنهم مهمشون، وإذا لم تعالج هذه المشكلات ستحدث مشكلات كبيرة لكافة الدول المجاورة للسودان- وفي مقدمتها مصر- وستسعى الولايات المتحدة والغرب لتغليب الهوية الإفريقية على الهوية العربية، باعتبارها أكثر تجاوبًا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يقومان بتقديم المعونات والمِنَح لهم.
- بشكل أكثر تحديدًا ما تأثير أي تفكك محتمل للسودان على العالم العربي ومصر؟
- تأثيره سيكون سيئًا للغاية، وسيدخل المشرق العربي في أزمة في ظل الصراع الصهيوني، كما أن تفكك السودان- وهو عمقنا المائي والإستراتيجي- يعني أننا حُوصرنا بشكل مؤكد، ولكن لن يؤدي هذا بالطبع إلى تفكك مصر؛ فهي سبيكة متكاملة ضد الانفصال.
- في ظل كل هذا.. أين الدور المصري والعربي مما يجري في "دارفور" تحديدًا والسودان بشكل عام؟
- الدور العربي والمصري يكاد يكون غيرَ موجود بشكل عام في الأزمات السودانية المتتالية، ومنها أزمة "دارفور"، فكافة المنظمات الإنسانية المهتمة بالصحة، والتي كانت تعمل قبل التدخل الدولي وسط النازحين في الجنوب، والتي تعمل اليوم بـ"دارفور" هي منظمات أجنبية للأسف، وبعض الدول العربية بعثت مؤخرًا إغاثات لـ"دارفور"، كما أن مصر بعثت مؤخرًا حملةً طبيةً، ولكن هذا شيء رمزي وليس كافيًا أمام المجهودات الضخمة التي تبذلها المنظمات الغربية ذات الوجود الممتد في السودان، والمثير أن مصر ليس لها اليوم تأثير سياسي في الجنوب، وكذلك في "دارفور"، ويجب أن تنتبه كافة الدول العربية أنها لا تقوم بدور كافٍ.
- إذا تطرقنا إلى مشكلة الجنوب.. كيف ستكون الصورة إذا تكونت دولة جنوبية بالقرب من منابع النيل تتمتع بعلاقات حميمة مع الكيان الصهيوني؟
- إذا ظلت مصر صامتةً فإن هناك احتمالاً لانفصال جنوب السودان بنسبة 50%، وهذا يعتمد على ما سيحدث خلال الـ5 أو 6 سنوات القادمة، وهي الفترة الانتقالية التي يحددها اتفاق "نيروبي"، فإذا بذل السودان والعرب ومصر معًا مجهودات كافية لتنمية الجنوب فإن هذا يمكن أن يؤدي لاختيار الجنوبيين للوحدة، فـ"جارانج" نفسه ليس انفصاليًا، كما أنه ليس كل الجنوبيين وحدويين، وإذا انفصل الجنوب- والذي سيكون قريبًا من منابع النيل الأبيض، والتي نحصل منها على 15% من مياهنا المستمرة طوال العام، كما أن جنوب السودان له أهمية كبيرة مستقبلاً بالنسبة لمصر- فهناك العديد من المشروعات المائية التي يمكن إقامتها به لزيادة مواردنا المائية- وحتى في حالة انفصال الجنوب- فإن مصر يجب أن تحتفظ بعلاقات جيدة معهم.
- البعض يقول إن السودان يحمل في داخله عوامل فنائه.. هل هذا صحيح؟
- التركيبة الاجتماعية للسودان، وتجذُّر المسألة القبلية تجذُّرًا عميقًا في كافة المناطق- فيما عدا العاصمة- وعدم بذل الحكومات المتعاقبة طوال الـ50 عامًا الماضية جهدًا كافيًا في هذا الصدد؛ حيث ركزت التنمية في المثلث الأوسط (الخرطوم- الجزيرة)، وتركت الأطراف، وقد يكون عذر السودان أنه مترامي الأطراف وإمكانياته محدودة، والتي كان يوجهها للحروب التي كان يخوضها.
المصدر
- حوار: د. إجلال رأفت: دارفور الطريق لـ(صوملة) السودان موقع:اخوان اون لاين