د. إبراهيم الديب يكتب: قراءة استراتيجية فى قرار حل جمعية الإخوان المسلمين

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
د. إبراهيم الديب يكتب: قراءة استراتيجية فى قرار حل جمعية الإخوان المسلمين

بتاريخ : الخميس 26 سبتمبر 2013

بداية وبحسب تعليق خبراء وفقهاء القانون، فإن هذا الحكم باطل كون محكمة القاهرة للأمور المستعجلة غير مختصة، وليس من حقها إصدار هذا الحكم، وهذا بنص قول المستشار أحمد مكى وزير العدل السابق، والفقيه الدستورى نور فرحات.

بيد أنى لا أود الخوض فى تفاصيل وإجراءات الفعل القانونى، حيث إن الأمر برمته لا ينتمى للمسألة القانونية بقدر ما هو أمر عسكرى واجب التنفيذ يتم تنفيذه باستخدام وسيلة قانونية تسمع وتطيع لجبروت العسكر.

كما أنه وفى سياق الخصومة السياسية القائمة بين النظام الانقلابى الحاكم، والمنتزع السلطة قسرا بقوة السلاح من النظام الشرعى المنتخب، والذى يعد ممثلا للإخوان المسلمين، يعد حكما سياسيا لا قانونيا بامتياز للانتقام من الخصوم السياسيين ومحاولة لتجريدهم من أسباب قوتهم بل ومحض وجودهم القانونى.

ما أود التركيز عليه هنا هو السياق الاستراتيجى لهذا الحكم المطعون فيه قانونيا ومنطقيا، ومآلات هذا الحكم على الواقع المحلى المصرى والإقليمى العربى والدولى.

وعن السياق العام الذى جاء فيه هذا الحكم، فقد جاء متزامنا مع مجموعة من الإجراءات التفصيلية المتسارعة على الأرض، من إغلاق غير مسبوق لما يزيد عن ستين ألف مسجد فى كافة محافظات مصر بقرار إدارى غير مسبوق بتحديد حد أدنى لمساحة المساجد، فى دولة تعانى نقصا فى الموارد، وضعف قدرة الأوقاف عن بناء مساجد جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من المصلين الذين يفترشون الشوارع خمس مرات يوميا للصلاة.

وشاع فيها تخصيص الدور الأول من العمارات السكنية لإقامة شعائر الصلاة، بالإضافة إلى سحب ترخيص الإمامة والخطابة لما يقارب الخمسين ألف إمام بدون سبب، مما اعتبره البعض حصارا متعمدا للمد الدينى فى مصر وحربا صريحة على الإسلام، خاصة عندما تتزامن مع الكثير من التصريحات المنسوبة لرموز علمانية تتحدث عن انتهاء عصر الإسلام والإسلاميين فى مصر، وأن مرجعية مصر يجب أن تكون لثقافة البحر المتوسط!.

وتتزايد الشكوك حول نية النظام العسكرى فى حربه على الإسلام عندما تصدر نفس التصريحات على لسان ممثل رسمى للحكومة وهو الدكتور مصطفى حجازى.

ويؤكد ذلك الهجوم الكبير والإلغاء المتعمد للنصوص الدستورية الستة الشهيرة التى تتناول وتؤكد الهوية الإسلامية للدولة المصرية فى الدستور المصرى.

ويزداد الأمر تعقيدا عندما تصدر الكثير من التصريحات الاستفزازية من بعض رموز نصارى مصر حول ضرورة تغيير هوية الدولة عن قبلة الإسلام، ويختتم المشهد بمشهد صادم وغير مسبوق على الشعب المصرى حين يجبر طلاب المدارس والتى جلها طلاب مسلمين للاستماع إلى ترانيم من الإنجيل فى طابور الصباح المدرسى كل يوم!.

فى نفس الوقت تأتى التصريحات الإسرائيلية لتشكر السيسى، وتعظم من شأنه لدرجة التكريم والاحتفاء به على تخليص مصر وإسرائيل من الإخوان المسلمين عدوها الأول فى المنطقة والعالم، أيضا فى حين يتغافل الغرب وأمريكا عن سحق ستة آلاف من المعتصمين المصريين جلهم من التيار الإسلامى، فى ظل دعاوى محلية معلنة حول فرصة إبادة أكبر قدر من الإخوان المسلمين والإسلاميين عامة المعتصمين فى رابعة والنهضة.

نقرأ ذلك فى سياق فهمنا لحقيقة الصراع الحضارى الكبير بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، مما بدا موثقا فى وثيقة كامبل 1917، وصراع الحضارات لصمويل هنجتون، وتصريحات جوزيف ناى حول القوة الناعمة والاستراتجيات الناعمة لحصار الهوية الإسلامية، وكلهم من الرموز والمراجع الفكرية الغربية التى تأتى جميعها فى منطق فعل رابط واحد، هو رفض المنافس الحضارى الإسلامى الجديد، ولتكن محاربته وحصاره بداية من أرضه وأصوله التجديدية فى مصر، أصل ومنشأ فكر الإخوان المسلمين.

كل ذلك يوحى وبلا شك بحرب محلية وإقليمية وعالمية على الإسلام، والإخوان المسلمين تحديدا باعتبارهم الجماعة الأكثر التزاما وتمثيلا للإسلام الحضارى الذى ينتشر بقوة الدفع الذاتى، كما كونها الأكثر تنظيما وقوة وفاعلية فى حقل الدعوة الإسلامية عالميا، والمحافظة على الهوية الاسلامية، ليس فى مصر فحسب بل والعالم كله.

إذن بما لا يدع مجالا للشك هى حرب عالمية على الإسلام وعلى الربيع العربى وعلى الإخوان المسلمين باعتبارهم القلب الحى النابض فى جسد الأمة العربية والإسلامية الغارق فى سبات عميق.

مما يؤكد فرضية أن قرار حل الإخوان جاء قرار دوليا بلسان الحاكم العسكرى لمصر وبقلم قاضى محكمة القضاء المستعجل فى القاهرة.

خاصة إذا ما كان التاريخ يعيد نفسه، لنفس القرار الذى اتخذ عام 1948 من قبل الملك فاروق الذى جاء بعد طلب القوى العالمية الثلاث حينئذ إنجلترا وفرنسا وأمريكا، عندما اجتمع ممثلو الدول الثلاث بالملك فاروق فى فايد بالإسماعيلية وأبلغوه قرارهم، لينقله لحيز التنفيذ على يد حكومة النقراشى.

شواهد أخرى كثيرة تربط بين توجيه ضرب قوية وقاصمة تقترب من الإبادة، فيما يمكن تسميته بضربة القرن، وبين محاولات وأد وقتل الربيع العربى، إذا ما اتفقنا على توصيف الربيع العربى كونه هو تغيرا نوعيا كبيرا فى وعى المواطن العربى وإحساسه بذاته، وإدراكه لهويته وتراثه الحضارى، ومكانته التاريخية، دفع به إلى تحرك جماهيرى جارف أدى إلى إسقاط بعض الأنظمة الديكتاتورية واستبدالها بأنظمة أخرى، وقد بدأ فى أربع دول ومرشح للتمدد ليشمل العالم العربى من أقصاه إلى أقصاه، بمقتضاه أصبح المواطن أكثر إدراكا لحقه فى تغيير أوضاعه إلى الأفضل، وأكثر جرأة فى التعبير عن رفضه للظلم الاجتماعى والسياسى.

بالتأكيد أن جميع مخابرات الدول الغربية، والمعنية بالشأن العربى وحماية مصالحها فرض عليها أن تسأل: ما هو السر الكامن وراء احتفاظ المواطن العربى بهذا المكنون القيمى، والإرث الحضارى الذى جدد فيه هذه المعانى وجعله يخرج ويثور ويطالب بحقه، بل ويغير نظما حاكمة كانت موالية ومستقرة عقودا من الزمن، وقد مارسنا عليهم كافة وأحدث أشكال حرب الهوية وتفريغ الإنسان من مكنونه القيمى وإرثه التاريخى ليسهل تركيعه واستعباده واستنزافه بسهولة ويسر؟!

بالتأكيد لن تجد أجهزة مخابرات هذه الدول صعوبة فى الوصول إلى أن الإخوان المسلمين هم السبب الرئيس فى محافظة المجتمعات العربية ومصر بالذات على قيمها وهويتها الحضارية، الباعثة للشوق الدائم والحنين الملهب لدى المواطن العربى فى استرداد إرثه ومكانته الحضارية المرموقة بين الأمم، إذ لم يكن فى العالم العربى كله ومصر خاصة من يجمع ويصف الشباب لتربيتهم وإعدادهم ككوادر مستقبلية لإدارة المجتمعات، ولا يهتم بغرس الأفكار والقيم بصورة مؤسسية منظمة، إلا تنظيمان وحيدان، الأول هو تنظيم الإخوان المسلمين.

والثانى هو التنظيم الطليعى الذى أسسه عبد الناصر لمواجهة الإخوان، وقد ولى سريعا التنظيم الطليعى، لأسباب عديدة، أهمها غربته وغربة ما جاء به عن التربة بل والمناخ المصرى والعربى المتدين بطبيعته، فى حين نما وترعرع وأثمر تنظيم الإخوان المسلمين مصريا وعربيا ودوليا لينشر ويعزز ويبنى ويمكن لمفردات الهوية الإسلامية، ويعد كوادره لقيادة المستقبل القادم للحضارة الإسلامية العائدة بقوة لميدان التنافس الحضارى مع الغرب.

بالتأكيد لو كنت أنا مسئولا بأحد أجهزة المخابرات الغربية لخصصت كل جهدى لمواجهة الإخوان المسلمين، إذ هم القلب النابض فى الجسد المصرى والعربى، وبوأد الإخوان أوقف الربيع العربى المهدد لمصالحنا ومستقبلنا فى المنطقة العربية.

ما يعنينا فى الأمر هو تداعيات هذا القرار محليا على مصر، وإقليميا ودوليا، ثم على الإخوان المسلمين أنفسهم، وعلى الحراك والفعل الثورى الجارى على الأرض الآن بكافة محافظات مصر.

من أهم تداعيات هذا القرار على الحراك والفعل الثورى المصرى الجارى حاليا ضد نظام الحكم القائم، أحسب أنه سيقابل بردة فعل عكسية ثورية كبيرة، والتى يمكن تتبعها فى التزايد المرتقب لأعداد المتظاهرين الرافضين للانقلاب، وفى حماس وجرأة الثوار على مواجهة القمع الحكومى، فيما يعرف بمعركة كسر الإرادة بين النظام والشعب، باختصار القرار يعد بمثابة مزيد من الوقود على نار الثورة المشتعلة.

ومن أهم تداعيات القرار على المجتمع المصرى والذى سيتضرر كثيرا بحصار وتجميد الكثير من أنشطة الإخوان، وعلى رأسها ملف التكافل الاجتماعى لملايين الأسر التى كانت تستفيد من الأنشطة الخدمية التى يؤديها الإخوان بكفاءة ومهنية عالية جدا، بحكم إخلاصهم لفكرتهم وحبهم لوطنهم وتربيتهم العقائدية والمهنية التى تميزهم عن أقرانهم، وتمنحهم قدرات كبيرة فى خدمة وطنهم بحب واعتزاز

خاصة وأن الإخوان موجودون فى كل قرية وشارع فى مصر، ووصولهم لخدمة الشعب أقدر وأفعل وأفضل مما تقوم به أجهزة الدولة بكثير فى مجالات التعليم والصحة والتكافل الاجتماعى وتوفير الاحتياجات الأساسية لحياة الناس.

كما أعتقد أن المتأثر الرئيسى أيضا فى مصر نتيجة محاولة تغييب الإخوان عن ساحة الفعل السياسى، هو توقف نمو ونضوج بل وتجمد وتخلف منظومة الحياة السياسية فى مصر كفكر وأفراد ونظم وتطبيق على الأرض، فلا شك فى أن الإخوان هم الفصيل الفاعل فى إثراء منظومة الحياة السياسية فى مصر.

وبشأن التداعيات المرتقبة لهذا القرار على الشأن الداخلى للإخوان المسلمين، فأحسب أنها ستتأثر لفترة مؤقتة، حتى يستعيد فيها الإخوان قدرتهم وقوتهم التنظيمية العالية للعمل بشكل غير معلن، إذ هم أصحاب فكرة ومبدأ دينى لا يساوم عليه، كما أن حبهم لخدمة وطنهم موثق تاريخيا، وبالتأكيد لن يتخلوا عنه خاصة فى ظل الظروف الصعبة والقاسية التى يعيشها المواطن والأسرة المصرية، خاصة فى ظل إهمال الحكومة له.

بالتأكيد سيجدون من الوسائل المبتكرة ما يستمرون به فى نشر فكرتهم وخدمة مجتمعهم، والمحافظة على هوية وحيوية المجتمع المصرى بما يعزز قدرته على النهوض الحضارى من جديد.

ما خلصت إليه هو أن غياب الإخوان ولو مؤقتا وبشكل جزئى عن ساحة الفعل السياسى والاجتماعى والثقافى والاقتصادى المصرى سيمثل ضربة قوية للمجتمع المصرى فى حاضره ومستقبله، فالإخوان بحكم التجربة التاريخية يمثلون قيمة مضافة لأى مجتمع يتواجدون فيه، وإلا لما سمحت لهم تسعون دولة فى العالم بممارسة نشاطهم حتى وإن اختلفت معهم أيدلوجيا.

المصدر