د. "حمدي حسن": غلق المشروعات الناجحة جريمة في حق مصر

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
د."حمدي حسن": غلق المشروعات الناجحة جريمة في حق مصر

[27-03-2004]

مقدمه

استجوابي هو الأول الذي يناقشه البرلمان بالصوت والصورة

مشروع القمح كان سيوفر لنا القوت وكنا سنمتلك به القرار

اتهمتُ وزير الزراعة بتدمير مشروعٍ ناجحٍ، ومخالفة القوانين

الادِّعاء بأننا لم نهتم إلا بقضايا الغناء باطل واستجواباتنا شاهدة

قدمنا 6000 طلب إحاطة وسؤال، وشاركنا بفاعلية في أهم القوانين

أجرى الحوار- أحمد سبيع

قدَّم الدكتور "حمدي حسن"- عضو كتلة نواب (الإخوان المسلمون) بالبرلمان المصري- مذكرة للدكتور "فتحي سرور"- رئيس البرلمان المصري- طالب فيها بإدراج استجوابه الذي تقدم به ضد وزير الزراعة عن تدمير مشروع إنتاج وزراعة القمح ضمن جدول أعمال المجلس في أقرب وقت.

وطلب النائب من رئيس المجلس الموافقةَ على استقدام أجهزة كمبيوتر وفيديو وتليفزيون كبير عند مناقشة الاستجواب؛ لأنه سيتضمن عرضًا بالصوت والصورة لأول مرة في تاريخ البرلمان المصري، وقال النائب: "إن هناك أيادي خبيثة لا تريد لمصر النهوض والتقدم، وإنها تقف حجر عثرة أمام أي مشروع من شأنه أن يضع مصر على قائمة الدول المتقدمة".

مذكرة نائب (الإخوان) فجرت العديد من الأسئلة عما يحدث للمشروعات الناجحة وما حدث تحديدًا مع (المشروع الإنمائي) لتطوير وتنمية الصحراء المصرية؛ وهو الموضوع الذي قدمه النائب في استجواب من المفترض أن يناقشه البرلمان المصري قريبًا، خاصة أنه أول استجواب يناقشه البرلمان المصري بالصوت والصورة كما أكد نائب (الإخوان) الدكتور "حمدي حسن"، الذي التقينا به ودار معه هذا الحوار عن محاربة المشروعات الناجحة بمصر، وما هو دور نواب (الإخوان) في ذلك؟ وما الذي حققوه في هذا المضمار؟ وأسئلة أخرى كثيرة تناولناها مع النائب الدكتور "حمدي حسن".


نص الحوار

  • في البداية ما هو موضوع استجواب بالصوت والصورة؟ وهل تسمح لائحة البرلمان المصري بذلك، خاصة أن اللجنة العامة لمجلس الشعب سبق أن وضعت عدة قيود لمناقشة وتقديم الاستجوابات؟
إن مستنداتي في الاستجواب الذي قدمته ضد وزير الزراعة الدكتور "يوسف والي" عبارة عن تسجيلات ولقطات مصورة؛ وهو ما يستدعي وجود هذه الأجهزة، ولا أعتقد أن لائحة المجلس تمنع من استخدام الأجهزة الحديثة، خاصة أن رئيس المجلس نفسه يستخدمها أمام كل النواب؛ حيث إن لديه كمبيوتر محمول يضعه أمامه على المنصة، ويستخدمه في استدعاء المعلومات التي يريدها أثناء الجلسة، أما كون هذا الاستجواب يعد الأول من نوعه الذي يناقش بالصوت والصورة، فهو أمر حقيقي؛ لأنني- كما قلت- أعتمد على مستندات مصورة.
  • لماذا تقدمت بمذكرة تطالب فيها بمناقشة الموضوع؟ أليس هناك دور في مناقشة الاستجوابات بمصر؟!
ليس هناك دور لمناقشة الاستجوابات، وغالبًا ما نتقدم باستجوابات هامة وخطيرة، ولا تأخذ حظها في المناقشة؛ إما لتهرب الحكومة، أو للخوف من إثارة الرأي العام، وفيما يتعلق بتقديمي لمذكرة لرئيس المجلس أطالب فيها بمناقشة الاستجواب في أقرب فرصة؛ حيث إنني سبق أن تقدمت به في الدورة البرلمانية السابقة ولم يناقَش، كما أن الوضع العام بمصر يتطلب مناقشته، خاصة أن مشكلة القمح أصبحت كابوسًا يقلق المصريين صباح مساء، وأن مناقشة الاستجواب تأكيد لروح الشفافية والموضوعية التي تدعيها الحكومة، وأنها مستعدة لمناقشة أي استجواب في أي وقت.
  • وما قصة هذا الاستجواب؟
يدور الاستجواب عن كارثة تدمير المشروع الإرشادي الإنمائي لتطوير البيئة الإنسانية في الصحراء المصرية؛ وهو المشروع المُدرَج في خطة الدولة الخمسية برقم كودي (360800)، وتم تكليف الدكتورة "زينب الديب" بالإشراف عليه، والدكتورة "زينب الديب" تعد من علماء مصر البارزين في الخارج؛ حيث إنها حاصلة على دكتوراه الدولة من (جامعة السوربون) بفرنسا، وأرسل إليها الرئيس الفرنسي السابق "ميتران" رسالة تهنئة، قال فيها: "إن الدرجة الأكاديمية الرفيعة التي حصلتِ عليها لا تُمنح لرؤساء الحكومات ولا لقادة الجيوش؛ وإنما يظفر بها فقط صانعو الحضارات"، وقد استدعتها حكومة الدكتور "الجنزوري" للاستفادة منها ومن خبراتها.
وينقسم المشروع إلى مرحلتين؛ الأولى: مرحلة إرشادية تقدم فيها النماذج الإرشادية والتطبيقية لكل نشاط، والثانية: مرحلة تطبيقية شاملة، ويتم فيها التطبيق الشامل لكل خطط المشروع، وقد استخدم المشروع عدة وسائل لتحقيق أهدافه، منها: البحث الميداني الشامل لكل معطيات البيئة بكل منطقة، إلى جانب البحوث المرئية والبحوث الاجتماعية والأنثروبولوجية التطبيقية والمرئية لكل منطقة أيضًا، ثم النماذج الإرشادية التطبيقية بشتى نشاطات المشروع (زراعة- عمارة) لبناء المنزل الإرشادي وحرف وصناعات قائمة على الزراعة وحرف تقليدية، وكذلك التحضير للتنفيذ الشامل للمشروع ببناء مجتمعات شاملة بناء على تنفيذ المرحلة السابقة، وتقديم مجتمع إرشادي متكامل بمناطق الاستصلاح الزراعي، وذلك من خلال كل نشاط زراعي صناعي متكامل، إلى جانب البناء الشامل لهذا المجتمع، مع تقديم النموذج الأمثل للبناء والعمارة المتوائمة مع البيئة باستغلال الموارد الطبيعية بكل منطقة، ويتراوح عدد المستفيدين في المرحلة التطبيقية الأولى حوالي 5000 خريج زراعي ومزارع وفلاح بجانب 2000 من الحرفيين والمهندسين المتدربين على الصناعات التي يُعنَى المشروع بإنعاشها وقيامها، وزراعة ما لا يقل عن 50 ألف فدان.
  • هل يتم ذلك مرة واحدة، أم على مراحل؟
المشروع له أربعة مراحل؛ تبدأ الأولى من 1991م وتنتهي عام 1997م، وتبدأ الثانية عام 1998م وتنتهي في 2002م بقيمة 64 مليون جنيه لتحقيق عدة أهداف، منها: خمسة آلاف خريج، و2000 من الحرفيين، وزراعة 50 ألف فدان.
أما المرحلة الثالثة فقد كانت في الفترة من 2003م إلى 2007م بتكلفة 70 مليون جنيه لتحقيق عدة أهداف، منها: 10000 خريج، و 4000 حرفي، وزراعة 100000 فدان، بينما كانت المرحلة الرابعة من 2008م إلي 2012م بتكلفة 77 مليون جنيه، ومن أهدافها: 15000 خريج، و6000 حرفي، وزراعة 150000 فدان.
  • ماذا تعني بمشروع تنمية الصحراء المصرية؟
الهدف من المشروع هو إقامة مجتمعات زراعية صناعية حرفية بمناطق الاستصلاح الزراعي قائمة على احترام البيئة، والتميز الحياتي للإنسان المصري بكل منطقة، وقائمة أيضًا على الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والخامات المحلية.


حرب المشروع

  • أشرت أن المشروع تمت محاربته؛ فكيف تمَّ ذلك؟
إن الصراع حول المشروعات الناجحة بمصر لم يتوقف، كأنها أصبحت سياسة واحدة لبعض المسئولين، وفي مختلف المجالات، وربما كان الفرق الوحيد هو اختلاف الوجوه والأسماء وطبيعة المشروعات، إلا أن النهاية واحدة؛ وهي الفشل، وهروب العلماء من وطنهم، وكأن هناك من لا يريد لمصر التفوق، وأمثلة ذلك كثيرة، منها مثلاً:
مشروع التقنية المتكاملة لزراعة القمح، والذي تمَّ تنفيذه في 43 قرية من قرى الخريجين بالنوبارية، ثم أوقف وأهدرت نتائجه، وكذلك مدينة العلم التي كان من المفترض أن يشرف عليها العالم المصري "أحمد زويل"، وكذلك المشروع موضوع استجوابي؛ وهو المشروع الذي طلب رئيس الوزراء السابق ملفه كاملاً، بعد أن تقدمت المشرفة عليه بشكاوى عديدة، إلا أنه لم يفعل شيئًا.
وقصة هذا المشروع غريبة وعجيبة؛ حيث أدرج ضمن الخطط الخمسية للدولة حتى عام 2017م، ونفذ في جميع أنحاء مصر لمدة 7 سنوات، ونتج عنه 24 مركزًا تنمويًّا وإرشاديًّا، وأشادت به الهيئات الدولية والمحلية وكبار علماء مصر، بالإضافة للعلماء الدوليين والوزراء والمحافظون، وعلى رأسهم د "يوسف والي" نفسه، الذي أرسل إلى العالمة د. "زينب الديب"- مدير المشروع- خطابًا يصف فيه المشروع بأنه مفخرة للجميع، ولكن أين ذهبت هذه المفخرة؟! وماذا جرى للمشروع المفخرة؟! وأين ذهبت الآبار؟! وأين ذهبت بذور القمح التي تم إكثارها وتربيتها في جميع المواقع؟! وأين ذهبت النماذج المعمارية التي كانت حلاًّ حتميًّا لمشكلة الإسكان في مصر؛ أشادت به كل المنظمات الدولية والاتحاد الأوربي؟! ولماذا أهملت الدراسات والخرائط والأبحاث والعينات لكل معطيات الوديان في مصر، والتي تمتلئ بها حجرات كاملة من هيئة المساحة الجيولوجية، والتي كانت تتيح للمصريين آفاقًا جديدة سهلة وميسرة للاستثمار في البناء والزرع والإنتاج والتملك في أراضي الوديان الملاصقة للوادي القديم الضيق؟! أين ذهب كل هذا؟ ومن المسئول عنه؟!
فالعلم والأبحاث والدراسات والعلماء والأرض والمياه متوافرة، إلا أن ما ينقص مصر هو إرادة وإدارة جادة وحازمة وأمينة، تأخذ كل هذا وتفعله وتطلقه، وتحل به العديد من مشكلات مصر، ولعل ما حدث مع مشروع "زينب الديب" مثالاً فجًّا لما يحدث؛ حيث لم يكن يبق إلا شهر واحد على افتتاح المشروع الذي أدرجته الدولة في الخطط الخمسية حتى 2017م، ولم يكلف الدولة مليمًا واحدًا، فقد كان دعمًا من السوق الأوروبية المشتركة، ولم يتجاوز رأس ماله 7 ملايين جنيه، بينما هناك مشروعات فاشلة تقف لتقول:
"تعالوا، وانظروا فشلي"! ومع ذلك ما زالت قائمة، وما زالت ميزانياتها جارية! والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: 7 قرى نموذجية للقائمين بالتنمية في سهل (الطينة)، وهي عبارة عن زنزانات تستحيل فيها الحياة، ومع ذلك ما زالت باقية، وهناك أيضًا مشروع الخريجين الذي يمتد بين بحيرة المنزلة وشمال وجنوب (سهل الحسينية) على 57 ألف فدان؛ حيث تحولت حياة الموجودين في المشروع إلى جحيم؛ وهو ما دفع 90% منهم إلى الفرار؛ لا كهرباء، ولا ماء، ولا تليفونات، ولا طعام، وبيوت سيئة لا تزيد على حجرة ضيقة، وصالة بدون دورات مياه، وهناك أيضًا مشروع قرية التقدم التي أُنفق عليها المليارات في النهاية، فهي عبارة عن زنازين أسمنتية (صالة ودورة مياه)، وتكلفت على الشباب 18 ألف جنيه، وصلت إلى 25 ألف جنيه بدون كهرباء، وبدون مياه، وبدون صرف، وتحولت إلى أفران حافظة للحرارة، تصدعت وتشققت، واستحالت الإقامة بها، فاستعانوا بمنهج المشروع التنموي في البناء، وتم بناء حجرة لهم بجوار الزنزانات، يحيون فيها، ويستعيدوا كرامتهم المهدرة بألف جنيه فقط، وقد قدم كل من وزير التموين السابق الدكتور "أحمد جويلي" ومحافظ الإسكندرية الحالي اللواء "عبدالسلام المحجوب" شهادة إجادة للمشروع الإنمائي الذي أنقذ قرى التقدم، وطالبوا بإنشاء القرى على مثل هذا النموذج في قرية (جلبانة) التابعة لمركز القنطرة شرق.


كارثة القمح

حوارات93.jpg
  • كل ما ذكرته يتعلق بالمباني ولم توضح شيئًا حتى الآن عن القمح؟
سأقدم لك أرقامًا عن القمح الذي نتج عن المشروع؛ حيث بلغ إنتاج الفدان من القمح في الأرض المالحة، التي تزرع للمرة الأولى من 15- 18 إردبًّا للفدان، بينما متوسط إنتاج القمح في الأراضي القديمة 35 إردبًّا للفدان، وقد اعتبر العلماء المصريون والدوليون- في مقدمتهم الدكتور "فاروق الباز"- أن هذا المشروع من أهم المشروعات المصرية في نهاية القرن العشرين، فالحقول الإرشادية بلغت 1300 فدان مزروعة قمحًا من سلالات مصرية محسنة، ومن خلال المشروع تم مسح وبحث شامل لخزان المياه الجوفية المصرية إلى جانب توفير توربينات لتوليد الطاقة من الرياح، كما كانت هناك منحة لتوريد محطة كهربائية كاملة بطاقة الرياح، ولم تتجاوز تكلفة البئر 200 ألف جنيه، ومن واقع الأوراق الرسمية التي راجعها واعتمدها الجهاز المركزي للمحاسبات، فإن تكلفة البيت والأرض كحق لمن يزرعها في حدود 5 أفدنة للفرد، وحصة من مياه البئر الجوفي تتراوح بين 9425 و13425 جنيه، وإذا تم تقسيطها على 10 سنوات، فإن القسط الواحد لا يتجاوز ألف جنيه سنويًّا من دخل الأسرة، وهي تزرع وتسكن في ملكها، وتصدر بدل (الكنتالوب) قمحًا مصريًّا أصيلاً.
  • أشرت أكثر من مرة للعلماء المصريين والدوليين؛ فهل أخذ هذا المشروع صفة العالمية؟
إن لمصر نموذجها الخاص بالتنمية الذي يحترم البيئة والشخصية المصرية، ويجعل من المنهج العلمي أساسًا، وتعود من خلاله العمارة المصرية إلى القيم الجمالية والإنسانية التي افتقدتها في السنوات الأخيرة، وترفع المعاناة الاقتصادية، وتسد الفجوة بين الأغنياء والفقراء في حدود الإمكانيات المتاحة وبخامات البيئة؛ وهو ما استطاع المشروع أن يقدمه كنموذج رائع في العمارة المصرية للبيت المناسب لشباب الخريجين، وكان المشروع بالفعل يحمل صفة العالمية؛ لأن مصر بمثل هذه المشروعات تمثل محور التنمية الحقيقي في الشرق الأوسط؛ حيث تملك الرؤية والتاريخ والتراث والتجربة الإنسانية الحديثة؛ وهو ما يؤهلها لأن تكون السوق الأولي للاستثمار في هذه المنطقة.


القمح والاستقلال

  • هل تعد هذه الحرب على المشروع من منطلق (من لا يملك قوته لا يملك قراره)؛ حيث إنه مشروع لإنتاج القمح؟
أعتقد أن الرد المناسب على هذا السؤال هو ما طرحه الدكتور "فاروق الباز" في كتابه (الثورة الخضراء)، الذي أكَّد فيه أن الغذاء سوف يؤثر في إستراتيجيات الدول في المستقبل، وأن الدول العظمى تطور زراعتها الآن؛ لأنها تدرك تمامًا أن الغذاء وتقديم المعونة الغذائية للدول الأخرى سوف يكون له المقام الأول في التحكم في الدول الصغيرة أو النامية من خلال كمية الغذاء التي تقدمها لها.
هذا ما أكده "الباز"، ونحن في مصر لدينا أراضٍ كثيرة، ويجب أن نحمي بلدنا من سيطرة أي دولة أخرى بأن نكتفي غذائيًّا، ونؤمن مستقبل شعبنا من ناحية الغذاء؛ لأن هذا سيكون له دور عظيم جدًّا في وضع مصر سياسيًّا في العالم، فالهند تحولت من الاستيراد إلى الاستغناء، رغم أن شعبها تجاوز المليار نسمة، ولعل ما قاله الرئيس الهندي الحالي "أبو البكير عبدالكلام"، الذي كان عالم الصواريخ الأول في الهند قبل أن يكون رئيسًا لها؛ حيث قال:
"إن الهند يجب أن تكون قوية، ليس عسكريًّا فقط، فالاقتصاد جناح قوة ومنعة أساسي، واحترام النفس من الشعوب لا يتحقق إلا بالاعتماد على الذات.. إننا في الهند إن لم نكن أحرارًا وأقوياء، ولدينا استقلال في الإنتاج، لتحقيق استقلال في الإرادة، ولا نحتاج إلى الآخرين إلا بقدر ما يحتاجون إلينا، فلن يحترمنا أحد إذا كنا ضعفاء، ولا مكان للخوف والخائفين في هذا العالم".


نجاح المشروع

  • نعود للقمح مرة أخرى.. كيف حقق هذا المشروع نجاحًا تستطيع أن تستفيد منه مصر؟
لقد قام المشروع بتطوير سلالات القمح المصري، وأرجع صفاته الوراثية التي كانت منذ عهد قدماء المصريين، تلك الصفات التي جعلت دراسة علمية في فرنسا تعلن عام 2000م أن غذاء المصريين القدماء كان من أسرار عبقريتهم، وما زالت هذه السلالة من القمح بمتحف اللوفر الذي يحتفظ بسنابل عثر عليها في المقابر المصرية القديمة، ووجدوها كأنها زرعت بالأمس، وقد أحيطت هذه السنابل بشروط الحماية العلمية في أهم قاعات العرض باعتبارها أغنى وأقوى سلالات القمح على وجه الأرض؛ حيث طور المشروع السلالة لتستغني مصر عن الاحتياج إلى استيراد البذور العقيمة بتكلفتها الباهظة، وأثبتت تفوق الجودة ونسبة البروتين في السلالة المصرية، وأعطت محافظة واحدة مؤشرات تقاوي لعام 1997م/1998م (100000) فدان، فإذا كان هذا الرقم في محافظة واحدة، ومن واقع المستندات الرسمية؛ فكم من ملايين الأفدنة يمكن زراعتها بالقمح في بقية المحافظات، وأعتقد أنه بـ(24) مركزًا بحثيًّا إرشاديًّا من أقصى شمال الوادي إلى حلايب وشلاتين، ومن الصحراء الشرقية وسيناء شرقًا حتى الصحراء الغربية غربًا، سيكون لمصر وضع آخر؛ لأن المشروع أنقذ أيضًا 12 حرفة كادت أن تندثر، وقبل كل ذلك فإن تمويله غير مردود؛ فهو منحة لا ترد من المجموعة الأوروبية التي رأت في المشروع نموذجًا مثاليًّا رغم محدودية ميزانيته، قياسًا إلى مشروعات أخرى أهدرت المليارات.


جريمة

  • ولكن لماذا تم إيقاف المشروع بعد كل هذه النتائج التي أشرت إليها؟
تم إيقاف المشروع قبل افتتاح رئيس الجمهورية له بعد انتهاء المرحلة الأولى، إلا أن هذا الإيقاف سبقه عمليات سلب ونهب وتخريب لأمهات القمح، رغم صعوبة وجهد تربيتها ونهبت المخازن، وطحنت لتدفن أمهات القمح المخزن إلى الأبد، بدلاً من توزيعها أرصدة وتقاوي لتجدد الزرع في مساحات شاسعة، وأوقفت الورش، وبددت المعدات، ونهبت المنتجات، وردمت الآبار، وسرقت المقتنيات، وتم إيقاف الصرف رغم أن المشروع ممول من المجموعة الأوروبية، وتم تحويل الميزانية بالفعل إلى مشروعات أخرى.
ورغم إدراج المشروع في الخطة القومية فقد تم إحالته للخصخصة، وجاء مستثمرون كبار يطلبون بتطبيق المنهج الشكلي والجمالي في منتجعات واستثمارات خاصة؛ ولذلك فإنني أعتبر إيقاف هذا المشروع جريمة يجب أن يحاسب عليها كل من تسبب فيها أيًّا كان موقعه أو اسمه، فالمشروع- فضلاً عن أنه مشروع قومي هام جدًّا- فإنه يخدم المواطن المصري البسيط في صحراء مصر ونجوعها وصعيدها الذي لم تمتد له يد التنمية الحقيقية، فهو يخدم مناطق الوادي الجديد وأسوان والوادي الأسيوطي في أسيوط وأبو سمبل والإسماعيلية والقنطرة والنوبارية.
  • ولكن وزير الزراعة قال إنه أغلق المشروع لوجود مخالفات مالية فيه؟
هذه المخالفات المالية- التي ذكرها رد وزير الزراعة- المسئول الأول عنها وزارة الزراعة؛ حيث طلبت مديرة المشروع تغيير المراقبين الماليين المعينين من قبل الوزارة، ولم يتم الاستجابة لها، كما أن هذه المخالفات مسئوليته الشخصية؛ حيث طلبت الدكتورة مديرة المشروع الفواتير والحسابات أكثر من مرة، فلم يتم إجابة طلبها، ولما يأست وعهدت إلى محاسب قانوني رسمي (قطاع خاص) لمراجعة حسابات المشروع، لم يجد تعاونًا من مسئولي الحسابات التابعين لوزارة الزراعة، وكل هذا مسجل في مكاتبات رسمية!


اتهامات

  • وما الاتهامات التي وجهتها للحكومة في الاستجواب؟
لقد اتهمت رئيس الوزراء والدكتور "يوسف والي"- وزير الزراعة- بأنهما مسئولان عن إيقاف وغلق مشروع قومي ناجح، كما وصفه السيد "صفوت الشريف"- وزير الإعلام- باعتباره أن وزارته كانت هي المشرفة على المشروع، فوزير الزراعة بقراره بوقف المشروع أهدر نتائج الأبحاث التي أجريت حوله، والتي نتج عنها زيادة غير مسبوقة في غلة الفدان الواحد من القمح بشهادة كل المسئولين المتابعين له، وإيقاف وهدم مشروع قومي رائد في فكرته، نجح في تقديم نموذج لمنزل صحراوي على نموذج العالم المصري العالمي الدكتور "حسن فتحي" وبتكلفة 1/20 مما تم بالنظام العادي، فضلاً عن مناسبته للبيئة الصحراوية، وبشهادة المسئولين أنفسهم، إضافة لمخالفة القوانين المصرية في عدم صرف مرتب مديرة المشروع طوال فترة عمل المشروع وحتى الآن في تصرف غير مسبوق وخارج عن كل الأعراف، وتفويت الفرصة على مصر في أن تكون السوق الأولى للاستثمار في الشرق الأوسط- وفقًا لتقرير وشهادة اليونسكو- وإضعاف قدرة مصر في الاكتفاء الذاتي من الغذاء والماء من خلال مصادر أخرى غير الوادي ونهر النيل، وإهدار المال العام من خلال تعيين إدارة مالية فاسدة، وعدم القدرة على السيطرة عليها وتوجيهها، وتقديم نموذج سيئ للتعامل مع العلماء المصريين؛ وهو ما يدفع إلى هجرتهم، ويدفع من هم بالخارج إلى العزوف عن العودة لخدمة بلادهم.


تمويه

  • هناك من يرى أن سبب اهتمام (الإخوان) بمثل هذه القضايا هو تغيير وجهة النظر التي أخذت ضدهم بأنهم لم يهتموا إلا بالقضايا التي تتعلق بالإعلام والغناء فقط، دون الدخول في قضايا جماهيرية هامة؟!
هذا الاتهام يوجه لكتلة (الإخوان) بمناسبة وبدون مناسبة؛ لكن يجب ألا ينسى من ينتقد أداءنا أننا 16 نائبًا فقط من إجمالي 454؛ أي ما يعادل 5.3% فقط من نسبة إجمالي النواب، والمفروض أن يتم تقييمنا وفقًا لعدد من المعايير، أهمها:
مدى استخدامنا للأدوات الرقابية البرلمانية المتاحة لنا، مثل: السؤال، وطلب الإحاطة، والاستجواب، وطلب المناقشة، والبيانات العاجلة، واقتراح مشروعات القوانين.
حرصنا على حضور جلسات المجلس، والتفاعل مع ما يعرض وما يناقش من مقترحات ومشروعات.
مدى قيامنا بدورنا الرقابي والتشريعي داخل المجلس في حدود كوننا أقلية.
مدى تفاعلنا مع القضايا الوطنية.
مدى اهتمامنا بمناقشة وإثارة القضايا الخارجية ذات البعد العربي والإسلامي، مثل: الممارسات العدوانية المستمرة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، والاحتلال الأمريكي للعراق الشقيق، وأخرى مثل: توجه فرنسا لحظر الحجاب على المسلمات، وغيرها من القضايا المهمة.
مساهمتنا في تطوير أداء المجلس واستخدام التكنولوجيا الحديثة في تسهيل عمل النواب وتوفير أوقاتهم.
هذا بالإضافة إلى أن الواقع العملي يؤكد أن نواب (الإخوان)- رغم قلتهم- كانوا الأكثر في استخدام الآليات البرلمانية، وخاصة الاستجوابات المؤثرة، ومنها الاستجواب الذي قدمه النائب "علي فتح الباب" بخصوص التلاعب في انتخابات النقابات العمالية، والاستجواب الذي قدمه النائب "مصطفى محمد مصطفى" عن الفساد بشركة (النقل والهندسة) في الإسكندرية، والاستجواب الهام والخطير الذي قدمه الدكتور "محمد مرسي" بخصوص كارثة (قطار الصعيد)، الذي كان ناجحًا بكل المقاييس؛ وهو ما دل عليه تفاعل نواب الحكومة معه قبل المعارضة لدرجة أنه صدرت في شأنه توصية بتشكيل (لجنة تقصي حقائق)، على أن تقدم تقريرًا شاملاً للمجلس، ثم استجوابه الأخير الذي كان مثار كل أجهزة الإعلام والرأي العام بمصر وخارجها، وكان عن انهيار عمارة مدينة نصر، وهناك أيضًا الاستجواب الذي قدمه "أكرم الشاعر" عن بحيرة المنزلة، وكذلك الاستجواب الذي قدمه النائب نفسه بخصوص إلغاء المنطقة الحرة في بورسعيد.
وهناك أيضًا طلب الإحاطة الشهير لوزير الثقافة بخصوص 3 كتب ثقافية تدعو إلى الإباحية، وكانت لنا طلبات إحاطة خاصة، مثل: كروت المحمول، والسجائر البلغارية، وجنون البقر، والأسمدة المتسرطنة، وتصدير أسمنت مصري للكيان الصهيوني، وبيع شركات القطاع العام وأموال المصريين بالعراق، ووضع الجاليات المصرية على مستوى العالم، وآلاف الأسئلة، وطلبات الإحاطة عن التعليم والزراعة والصناعة والاقتصاد.
وقد كان لنواب (الإخوان)- دون غيرهم- موقفًا واضحًا لمعارضة التوجه الفرنسي لحظر الحجاب على المسلمات؛ حيث أرسلنا رسالة من نواب الكتلة للرئيس الفرنسي "جاك شيراك"، طالبناه فيها بالعدول عن قراره، كما سلمنا السفير الفرنسي في القاهرة رسالة موجهة لنواب المجلس الوطني الفرنسي، دعوناهم فيها إلى عدم التصويت على قرار (منع الحجاب)، كما قدمنا طلب إحاطة عاجل لرئيس الحكومة بصفته وزير شئون الأزهر، طالبناه خلاله بإقالة شيخ الأزهر بعد تصريحاته المخجلة خلال مؤتمره مع وزير الداخلية الفرنسي بحق فرنسا في تشريع ما يحفظ علمانيتها، حتى لو كان بحظر الحجاب، هذا غير بالإضافة عدد آخر من القضايا المهمة.
  • وماذا عن الدور التشريعي؟
لقد قدمنا عددًا من المشروعات، منها:
مشروع قانون إنشاء محكمة اقتصادية بهدف القضاء على بطء إجراءات التقاضي، كخطوة لجذب رءوس الأموال الأجنبية للاستثمار في مصر، وقد وافق عليه المجلس والحكومة، وهناك مشروع قانون لتحريم وتجريم الخمور وشربها في مصر، كخطوة في تجميل وجه (مصر- الأزهر)، واتساقًا مع الدستور الذي يقضي بأن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، ومشروع قانون بتعديل رواتب أئمة المساجد في مصر؛ حيث يعتبر راتب إمام المسجد في مصر من أدنى الرواتب، مقارنة بنظيره في أي وظيفة أخرى في وزارات العدل أو الإعلام أو المالية، على الرغم من أهمية الدور المنوط بإمام المسجد، هذا بالإضافة لمشاركة نواب (الإخوان) في مناقشات القوانين قبل سنِّها في المجلس، خصوصًا فيما يتعلق بقانون البنوك وقانون الملكية الفكرية، وقد أخذت الحكومة برأينا في بعض المناقشات، كما وافقت على بعض المقترحات التي قدمناها، أذكر منها على سبيل المثال:
مشروع القانون الذي تقدم به "أكرم الشاعر" لقبول الناجحين من طلاب الثانوية الأزهرية في الكليات العسكرية، وبدأ العمل به فعلاً في عام 2002م في كلية الشرطة، وخلال مناقشة قانون ضريبة المبيعات قدنا المعارضة لإقرار هذا القانون، ووقَّع معنا 17 من نواب الحزب الوطني، وكوَّنا تجمعًا من 52 عضوًا، وطالبنا بعدم إقراره، غير أنه لم يؤخذ باعتراضنا لكوننا أقلية، وكذلك في موضوع السندات الدولارية التي أصدرتها الحكومة واعترضنا عليها؛ وهو ما يجعلني أؤكد أن تحركنا في البرلمان من وازع المصلحة العامة، وليس هناك التزام حزبي يقيدنا مثل نواب الحزب الوطني الذين يقيدهم الالتزام الحزبي بغض النظر عن مصلحة الشعب في أي مناقشات، فهم لا يستطيعون الخروج على النص، ومن أعجب ما قرأت في صحيفة (الأهرام) خبرًا يقول:
نائب في الحزب الوطني يهدد بتقديم طلب إحاطة، نائب بالوطني يهدد بتقديم طلب إحاطة، بينما قدم نواب (الإخوان) أكثر من 6000 طلب إحاطة وسؤال واستجواب.

المصدر