د."الغزالي": تصالح الأنظمة مع شعوبها هو المخرج من أزماتها
[03-01-2004]
مقدمه
نقف قلبًا وقالبًا مع المقاومة في فلسطين.
قضية العراق الأساسية هي تحريره من بطش الاحتلال الأمريكي.
قضية الحجاب في فرنسا ليست شأنًا داخليًّا.
وحدة السودان وتطبيق الشريعة قضيتان لا يجب التنازل عنهما.
المشهد الإسلامي الراهن بجزئياته المختلفة وجراحاته المتعددة لم يعد خافيًا على أحد، فهو يحتاج إلى مَن يضع اليد عليها لتحديد المرض؛ لتسهل عملية وصف العلاج بعد ذلك، وقضايا المسلمين وأزماتهم، وإن تعددت أشكالها ومظاهرها، إلا أن جزءًا كبيرًا منها يعود إلى انصراف الأنظمة الحاكمة عن شعوبها، والالتجاء خوفًا أو حبًّا إلى أعداء الأمة حفاظًا على وجود الأنظمة لا أمن البلاد.
في هذا الحوار نلتقي بالدكتور "عبدالحميد الغزالي"- أستاذ الاقتصاد الإسلامي- ليلقي لنا الضوء على جزئيات المشهد الإسلامي وسبل الخروج من الأزمة.
نص الحوار
- تمر الأمة بأحداث جسام هذه الأيام؛ كيف ترى واجب المسلم عمومًا في التعامل مع ما يجري حوله من أحداث تخص دينه وأمته؟
- لا يشك أحد في حقيقة أن الأحداث التي تمر بها أمتنا، وتتعرض لها- عن قصد من قبل الآخر، أو نتيجة تصرفات خرقاء من قبل بعضنا، أو نتيجة صمتنا وعجزنا- هي جد عميقة وخطيرة، كما يتفق الجميع على أن الوعي بهذه الأحداث وبتفاصيلها على مستوى المواطن العادي، رغم ما يعيشه من ضغوط داخلية، يُعدُّ- في ظل التطور الهائل في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، وفي ظل السماوات المفتوحة والفضائيات- شديد الارتفاع، وشديد الدقة حقًّا.
- ولقد عاشت، وتعيش أمتنا- خلال هذه الأيام- عددًا من الأحداث، التي تمس بشكل مباشر وخطير، ليس حاضرها فحسب، بل قد تُسهم بالسلب إذا ما ظللنا في حالة العجز التي يعيشها، أو بالإيجاب إذا ما اتخذنا المواقف المفروضة حيالها، وارتفعنا إلى مستواها في تشكيل مستقبلها. هذه الأحداث وقعت في عدد من المشاهد وارتبطت بعدد من الأشخاص.
- لا أعتقد أن أحدًا يختلف على حقيقة وضرورة ألا نخطئ الاهتمام بالغاية بالتركيز على شجرة بعينها، كما يقولون، خاصةً أن هذه الشجرة قد اجتثت من ظهر الأرض العراقية، وما لها من قرار، بمعنى أننا لا يجب أن ينصب جُلُّ اهتمامنا على "صدام" مع التوكيد على ضرورة احترام حقوقه كإنسان، والتشديد على ألا يُحاكم إلا من خلال الدستور والقوانين العراقية، ومن قِبَل الشعب العراقي وحكومته الوطنية المنتخبة، وننسى القضية الأساسية؛ وهي تحرير إدارة العراق وكامل التراب العراقي.
- ولقد صدقت توقعات أبناء الأمة العربية والإسلامية بالنسبة للمقاومة العراقية الباسلة بأنها لا ترتبط بشخص؛ وإنما تعمل لتحرير الوطن من براثن محتل غاشم وآثم، وتشمل كافة الطوائف والأعراق في وحدة وطنية متماسكة، ولقد استمرت المقاومة، وزادت ضراوتها بعد القبض على "صدام"، وارتفعت خسائر العدو المادية والبشرية، وما علينا إلا أن ندعم هذه المقاومة الباسلة والمشروعة بكل ما أوتينا من إمكانات.
- فيما يخص المشهد الفلسطيني.. ما رأيكم فيما تعرض له السيد "أحمد ماهر" وزير الخارجية المصري من اعتداء أثناء زيارته للمسجد الأقصى؟ وهل سيؤثر على علاقة مصر بالسلطة والفصائل الفلسطينية؟
- مع اشتداد (الإجرام الشاروني) المستمر على شعبنا الفلسطيني الصامد، كانت محاولة الحكومة المصرية لوقف شلال الدماء الفلسطينية الطاهرة، بدعوة الفصائل الفلسطينية بالقاهرة لتوحيد صفها وكلمتها، وبزيارة السيد "أحمد ماهر"- وزير الخارجية المصرية- للكيان الصهيوني.
- وجاء الاعتداء الآثم على الوزير المصري أثناء محاولته الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، واستنكرت الأمة العربية والإسلامية، وعلى رأسها عموم الشعب الفلسطيني وقياداته المجاهدة، هذا العمل المشين، الذي لا يخدم أحدًا سوى العدو الصهيوني، ويصب في صالحه، وأكدت بعض القيادات الفلسطينية أن ما حدث يعد بحق دسيسة صهيونية.
- وهنا نود التشديد على أن ثوابت القضية شديدة الوضوح والتحدي لدى كافة شعوب الأمة، وعلى رأسها الشعب المصري، بالوقوف قلبًا وقالبًا مع الحق الفلسطيني، وبدعم مستمر ومتزايد للمقاومة الباسلة والانتفاضة المباركة، وبالدعوة المستمرة إلى ضرورة "جهاد الدفع"؛ حتى يتحرر كامل التراب الفلسطيني، ونشير إلى أن عملية "تل أبيب" الفدائية ما هي إلا رد فعل مشروع للمجازر الشارونية المجرمة في حق الشعب الفلسطيني.
قرار القذافي
- اتخذ الرئيس الليبي "معمر القذافي" قرارًا بالكشف عن برنامج ليبيا التسليحي دون طلب من أحد؛ فما رأيكم فى هذه الخطوة؟ هل تخدم تلك الخطوة ليبيا والقضايا العريبة؟
- الرئيس الليبي فاجأ الأمة العربية والإسلامية المجروحة أصلاً في أفغانستان وفلسطين والعراق والشيشان، بتنازلات مجانية؛ وذلك بإعلان التخلي الكامل عن برامج أسلحة الدمار الشامل الليبية، وبالاستعداد التام والفوري لتوقيع البروتوكول الملحق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والذي يسمح بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة في أي مكان في ليبيا، وفي أي وقت تم ذلك، كما تم الاتفاق على التعويضات الشخصية لذَوي ضحايا لوكيربي وضحايا الطائرة الفرنسية، ومغامرات الرئيس الليبي في إفريقيا وغيرها، دون استشارة أو استفتاء الشعب الليبي، أو قُلْ رغمًا وقسرًا عن إرادته.. تم ذلك من خلال مفاوضات سرية مع الإدارة الأمريكية وحليفتها الحكومة البريطانية على مدى العامين الماضيين، والثمن المعلن هو إنهاء العزلة الدولية المفروضة على ليبيا.
- أكثر من ذلك، تطوع الرئيس الليبي بإسداء النصح لكل من سوريا وإيران وكوريا الشمالية بأن تتخلى عن برامجها النووية.. تم كل هذا، والمواطن العربي بخاصة، والمسلم بعامة، كاد ينفد صبره من تهديدات الرئيس الليبي المستمرة "باعتزال" العرب، والخروج من الجامعة العربية، بل اقتراح بتمييع القضية الفلسطينية في مشروعه العجيب بإنشاء دولة "إسراطين"، بغض النظر عن الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني، والكيان الصهيوني مدجج بترسانة كاملة من أسلحة الدمار الشامل الكيماوية والبيولوجية والنووية والهيدروجينية، تعد البرامج الليبية بالنسبة لها لعب أطفال بدائية، يتم ذلك والشعب الليبي مقهور سياسيًا ومستغل اقتصاديًّا؛ إذ تعد ليبيا شديدة الثراء من حيث الموارد والنفط، ومن الدول ذات مستوى المعيشة شديد الانخفاض نسبيًّا بسبب المغامرات القذافية المبددة لهذه الموارد، والمهدرة لهذه الإمكانات، وهنا نأمل في أن تعي القيادة الليبية الدرس، وتتجه فعلاً لإصلاحات داخلية حقيقية، تعيد للمواطن الليبي حقوقه، وينعم بجزء من ثروات بلاده وإمكاناتها!
- ما رأيكم في قرار الرئيس الفرنسي "شيراك" مؤخرًا بمنع الحجاب في المدارس والأماكن العامة؟
- أيد الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" مشروع القانون الذي اقترحته لجنة "ستازي" بخصوص صون العلمانية بالمساواة بين أتباع الأديان المتعددة التي يعتنقها المواطنون الفرنسيون، وذلك بمنع ارتداء الحجاب والقلنسوة والصلبان الكبيرة في المدارس الحكومية.
- وبالرغم من الدور الحضاري والسياسي لفرنسا، ومواقفها الدولية المعتدلة بعامة، فإننا نعتقد أن هذا المشروع يصطدم مع المبادئ الفرنسية التي تدعو إلى الحرية والمساواة، وتدافع عن حقوق الإنسان، وتحافظ على الشرعية الدولية، ومنها إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، فحرية الاعتقاد حق أساسي من حقوق الفرد، والحجاب فريضة دينية كالصلاة والصوم وغيرها من الفرائض التي لا يجوز للمسلمة أن تتخلى عنها، فهو عبادة وليس مظهرًا للتباهي، ولا يمكن أن يستوي الحجاب مع غيره من المظاهر التي أشار إليها المشروع؛ لأن هذه المظاهر ليست من العبادات وفقًا لنصوص شرائعها.
- وإذا ما أخذنا بالمنطق غير المقبول للجنة "ستازي" بالنسبة للمساواة العلمانية، فإن هذا يمتد إلى بقية الفرائض، فطالما هناك فرنسيون لا يصلون ولا يصومون رمضان- لأنهم غير مسلمين- فالمساواة العلمانية إذن تقتضي ألا يصلي أو يصوم المسلم، وهنا يتعين التشديد على أن قضية الحجاب لا تهم المسلمين الفرنسيين فقط؛ وإنما تهم المسلمين كافة، وعلى رأسهم العلماء والمفتين، وبالقطع ليست شأنًا فرنسيًّا داخليًّا، كما يروج البعض.
مفاوضات السودان
- مفاوضات السلام السودانية وصلت إلى مدى بعيد قد يؤدي إلى تقاسم السلطة والثروة في السودان بين الحكومة والمتمردين؛ فما تقييمكم لها؟
- يحاول الرئيس السوداني التوصل إلى اتفاق سلام مع حركة "جارانج" بعد اتفاق المبادئ في مشاكوس برعاية إفريقية وأمريكية مكثفة ومباشرة، مع اطلاع مصر "بعد الحدث" إبراءًا للذمة؛ حيث استُبعدت مصر ومشروعها- المشترك مع ليبيا- على أساس أنه لا يقوم على أساس حق تقرير للجنوب؛ تمسكًا بوحدة السودان، ولقد توصل المفاوضون في "نيفاشا" الكينية إلى اتفاق حول تقاسم الثروة، ومازالت المفاوضات جارية حول اقتسام السلطة والمناطق المتنازع عليها بين الشمال والجنوب.
- وبعد الاتفاق على هذه النقاط، بإشراف- بل بضغط- أمريكي واضح، ستأتي عملية نقل الاتفاق الثنائي إلى اتفاق لكل الأطراف السودانية، وهنا، يتعين التشديد على وحدة السودان، وعلى عدم التفريط في تطبيق الشريعة الإسلامية في ظل احترام حرية الاعتقاد، ثم التركيز على إحداث عملية تنمية جادة ومتوازنة ومستدامة لمجابهة ثالوث المرض والفقر والجهل؛ حتي يستطيع السودان الموحد أن يقف أمام ما يهدده من مخاطر حقيقية "خارجية".
- إذًا كيف ترى المخرج للأمة مما تمر به من أحداث؟
- هذه أشخاص ومواقف في مشاهد خمسة تؤكد- جميعًا- أن المخرج الوحيد لأمتنا مما تتعرض له من ابتلاءات يتمثل في ضرورة أن تتصالح أنظمتنا مع شعوبها، وفقًا لهويتها وعلى أساس ثوابت هذه الهوية؛ حتى تعود إلى خيريتها، وتحتل مكانها اللائق بها بين الأمم، وصدق الحق تبارك وتعالى إذ يقول: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ (طه: 123، 124).
الأستاذ بكلية السياسة والاقتصاد - جامعة القاهرة، من قيادات الإخوان المسلمين.
المصدر
- حوار: د."الغزالي": تصالح الأنظمة مع شعوبها هو المخرج من أزماتها موقع اخوان اون لاين