دمنهور وحقيقة الديمقراطية!
آخر ما كتبه د/ جمال حشمت رداً على الفقي قبل اعتقاله : دمنهور وحقيقة الديمقراطية!
لست متحمسا للتعليق أو الرد على ما يكتبه الدكتور مصطفى الفقى لقناعتي أن المثقف داخله قد انهزم أمام السلطة ، وهو أمر لم يكن مستحدثا بل هو أصيل فيه ، منذ أن كان طالبا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعضواً في التنظيم الطليعي ، فقد ربط حاضره ومستقبله بالسلطة أياً كان توجهها ولعل عقلية المثقف ووعى المفكر كان يغلب عليه في فترات انتقال السلطة في مصر لحين ما تستقر الأمور فكان اللجوء للعقلية الموسوعية التي يملكها استراحة تعلو فيها قيمة المفكر على إغواءات السلطة فيحقق انتشارا يبهر الكثيرين ولعلى كنت منهم !
لكن طول الفترات التي انضوى فيها الدكتور الفقى داخل السلطة لم تترك لنا الفرصة الكافية كي نستمتع بفكر المثقف ورؤية المفكر! وكثيرا ما عبر عن خيبة أمله في عدم قدرة النظام الحاكم من وضعه في مكانه الذي يستحقه – كما يرى هو- ولعل مقالته (الدور المسحور ) في الأهرام كانت تعبر عن ذلك بصورة واضحة ، حتى وعندما ارتقى منصب سكرتير الرجل الأول في مصر اعترف بأنه تم استبعاده لأسباب يرى أنه لم يكن مخطئا فيها لكنه ربما لم يراع حساسية المنصب كما ينبغي في اعتراف يحسب له!
وبعدها طاف على سفارات مصر فى الخارج حيث كانت مصدراً لثرائه الثقافي والفكري وطوال هذا التاريخ لم يقف موقفا حاسما يخير فيه بين تاريخه ومستقبله مثلما فعل في انتخابات البرلمان 2005 بدائرة دمنهور وزاوية غزال ..
ويقيني أنه كمفكر يحمل مكانة صنعها بعرقه وعزيمته قد انهار أمام السلطة – التي من أسف تمثل أسوأ نظام حكم مر على تاريخ مصر الحديث – ولعلى لن أخوض في تفاصيل ماحدث وراء الكواليس والتي وصلتني من أصحابها الذين تعاملوا مباشرة مع الدكتور مصطفى وقد أنشرها يوما ما منسوبة إلى أصحابها الحقيقيين !- لكن استوقفني نداء من بعض المثقفين لقراءة مقال الدكتور الفقى في أهرام الثلاثاء 22 سبتمبر 2009 تحت عنوان " الانتخابات النيابية وحقيقة الديمقراطية" والرد عليه !
وقد عاهدت نفسي ألا أعلق على حديث له إلا إذا مسني شخصيا أو مس أبناء الدائرة التي شرفتني وخصتني بالاختيار منذ العام 1995 وحال التزوير – الداء الذي سيبقى عارا عالقا برقاب مسئولي هذا الزمان ولن يفلتوا من العقاب في الدنيا قبل الآخرة- بيني وبين تمثيلهم !
وحتى عند نجاحي بعد إشراف القضاة الكامل على الانتخابات وتوهان قيادات الأمن وتأخرها في وضع سياسة للتعامل مع القضاة ما بين ذهب المعز وسيفه وهو ما ساد بعد ذلك ، لم يتحمل النظام أدائي الذي أشاد به أساطين النظام بما فيهم الدكتور الفقى ثم طعن فيه فيما بعد ، وأخرجني من البرلمان الذي كان يمثل لي وسيلة للإصلاح وتخفيف آلام المواطنين الغلابة وخدمتهم ومحاربة الفساد الذي ترعرع في ظل سلطة غاشمة فاسدة ظالمة مستبدة ولم يكن في يوم من الأيام هدفا في حد ذاته للاستمتاع أو لاستثمار النفوذ والفلوس – والطريق إلى ذلك معلوم للجميع – وقد وجدت في مقاله ما استوجب الاتفاق ( وهو الذي يعبر عن المفكر في نفسه) وأخر استوجب الخلاف ( وهو ما عبر به عن تبنيه لإدعاءات السلطة ورضوخه لتيارها العام) وهو في ذلك صادق مع نفسه التي تقطعت بين التحليق في عالم الفكر والرغبة في الوجود البارز على أرض الواقع ! وتلك هي المنطقة الرمادية التي ما يبرح أن يغادرها الدكتور الفقى حتى يعود إليها سريعا !!
ولعل فرصة أخرى أرجو ألا تسنح أكتب فيها عن تلك التناقضات التي عبر عنها الدكتور الفقى في كتاباته وتصريحاته حين يؤكد أن أعظم من حكم مصر هو الرئيس مبارك ثم يصرخ في وقت لاحق أمام ضيوفه موضحا أن السمكة تفسد من رأسها !! وهو القائل عن نفسه إنه أكثر واحد تم فصله من مواقع مختلفة " البديل 23 أغسطس 2008م ! رغم أنه هو القائل أيضا " أن هناك مدرستين في الحياة السياسية.. الأولى تعمل ضد النظام وتنتقده، والأخرى تعمل على إصلاح النظام من الداخل، وقال: «أنتمي للمدرسة الثانية التي تحاول إصلاح النظام من الداخل لو احتاج لذلك».المصري اليوم 29 أغسطس 2009" وطبعا لقد فشل في مهمته التي انتدب نفسه إليها بل تأثر بفساد النظام ودافع عن مواقفه المخزية ضد حرية شعبه وأمن أمته بل وضد أمنه القومي ! ولا حول ولا قوة إلا بالله
الآن نبدأ التعليق على المقال المذكور دون إطالة قد تصيب صاحبها بالملل قبل أن تصيب السادة القراء بالسأم رغم أنى أتجنب شخصنه الرد ، لكن ماذا أفعل وقد اعترف أخيرا الدكتور الفقى بالحقيقة الذي أنكرها مرارا وتكرار حيث ادعى تزاحم الآلاف حوله في كل مؤتمراته وأن نجاحه أمر طبيعي في ظل هذا التأييد الجارف ! حيث يقول"مررت شخصيا بتجربة الانتخابات لمجلس الشعب عام2005 في واحدة من أصعب الدوائر وأكثرها سخونة لأسباب تتصل بالتاريخ السياسي للمحافظة ـ التي أتشرف بالانتماء إليها ـ وتغلغل جماعة الإخوان المسلمين فيها بل أيضا بعض العناصر الوفدية القديمة بها, فالمدينة التي أمثلها كانت عبر تاريخها الطويل أقرب إلي المعارضة منها إلي دعم سلطة الحكم, ورغم ثرائها من الموارد البشرية والطبيعية إلا أنني شعرت أن دائرتي الانتخابية لديها تحفظ غريزي تجاه من يأتيها من خارجها حتي لو كان من أبنائها الذين خرجوا منها ليضربوا في الأرض سعيا وراء علم أو عمل أو رغبة في حياة جديدة ومستقبل مختلف"
شكرا على اعترافه ولن أسرد هنا اعترافاته التي تمت لأشخاص قريبي الصلة منه حول حقيقة ما حدث ولماذا قبل هذا الوضع الجارح لأي إنسان يؤمن بالحرية ويتغنى بالديمقراطية ؟ لأن ذلك يستلزم عرض وثائقها وهو ما أؤجله ليوم معلوم !
ثم يطرح بعض أرائه النظرية التي لا يختلف عليها اثنان لكن! لأنها تخرج من دائرة المفكر في نفسه و التي تستحق الإشادة ، ولن أخشى أن ينقلب عليها في وقت لاحق ! حيث يقول:" إن القول الذي يطلقه البعض عن أن هناك شعوبا لاتصلح معها الديمقراطية لأنها ليست من أولوياتها بسبب شيوع الفقر أو نقص التعليم أو انتشار الأمية هو قول مردود عليه تماما, والنموذج الهندي ـ أكبر ديمقراطيات العالم ـ يقدم صفعة قوية لدعاة هذا الرأي بل ولطمه كبيرة لمن يعتقدون أن الديمقراطية خيار مناسب لبعض الشعوب ونقمة علي شعوب أخري"
ثم يؤكد الدكتور الفقى وكأنه يرد على رئيس وزراء مصر الذي فشل في تحقيق تنمية أو تحسن في حياة المصريين بعد 6 سنوات من توليه السلطة وأهان المصريين في كل تصريحاته السياسية – حيث لا علاقة له بالسياسة البتة- وبعد تعدى على الدستور والقانون وتزوير متعمد منذ قيام ثورة يوليو التي تخلصت ممن منحها الشرعية الواقعية والشعبية والقانونية ( محمد نجيب والإخوان المسلمين والمستشار عبد الرازق السنهوري) والتي حيدت الجيش حتى لا تتكرر الثورات وعزلت الشعب المصري بالتزوير الدائم حتى في غياب الإخوان قديما وحديثا !! حيث يقول لا فض فوه "أن الاسطوانة المشروخة التي تتحدث عن أن الشعب المصري لم يحكم نفسه عبر تاريخه الطويل إلا في منتصف القرن العشرين تقريبا وهو بذلك غير مهيأ للديمقراطية الكاملة بل هو في حاجة أكثر إلي نظام الحاكم الفرد الرشيد أو حتي الدكتاتور المصلح نقول إن هذه الاسطوانة المشروخة قد أساءت إلينا كثيرا, بل عطلت مسيرة الديمقراطية في بلادنا وأصبحت مبررا لكل التجاوزات السياسية أحيانا وتغييب الشرعية الدستورية أحيانا أخري فضلا عن العدوان علي القانون وسيادته "
ثم تبدأ الوصلة التي ترددها أبواق الإعلام الحكومي وتسيطر على مربع السلطة في نفس الدكتور وكل من يكره الإخوان لله في لله ! حيث يقول :" إن جماعة الإخوان المسلمين محظورة ولكن موجودة ـ تحتاج إلي مراجعة أمينة لتاريخها عبر العقود الثمانية الأخيرة, وأن تعلن صراحة إيمانها المطلق بالوطنية المصرية قبل غيرها, وأذكر أشقاءنا فيها بأن محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ عندما أخرج من مكة عبر في كلمات ذهبية يعرفها الجميع عن مفهوم الوطن والارتباط به, كذلك فإن هذه الجماعة التي تربط السياسة بالدين قد بدأت دعوية إصلاحية كان يجب أن تشتبك مع أخلاقيات المجتمع فقط وفقا لصحيح الدين بدلا من اللهاث في أروقة السياسة والسعي وراء تطلعات الحكم, وعليها أن تتوقف عن استخدام الشعارات الدينية وأن تؤكد التزامها بمبدأ أن الأمة مصدر السلطات وتسلم أيضا بتداول السلطة ودوران النخبة, وأن تتوقف عن التفكير الأحادي النظرة الذي يتحدث بالمطلق ولايعترف بما هو نسبي, ولا يمكن أن يتحمل الشعب المصري ما يجري كل انتخابات نيابية حيث تطفو الاتهامات المتبادلة بين الحزب الحاكم والجماعة المحظورة ـ شكليا والموجودة فعليا ـ فالحزب يتهمها بأنها تقوم بعملية تزوير معنوي لإرادة الناس عن طريق إقحام الدين في العمل السياسي والجماعة بدورها تتهم الحزب علي الجانب الآخر بالتزوير المادي نتيجة حيازته لمواقع السلطة وسيطرته علي مصادر صنع القرار.. لقد آن الأوان لوقفة موضوعية بين نظام الحكم والجماعة من أجل مستقبل الديمقراطية الحقيقية في مصر, وأنا أكرر هنا مرة أخري أن كل القوي السياسية الموجودة في الشارع المصري هي صاحبة حق في التعبير عن إرادة الشعب بكل ألوانه وأطيافه مهما كان اختلافنا عليها واتفاقنا معها شريطة أن تقف هذه القوي علي أرضية وطنية ثابتة تعلي من مفهوم المواطنة وتجعل له الأولوية علي ما عداه" !!!!.
ورغم أن كلامه خارج سياق الواقع بل هو فقط في رؤوس مروجيه وهناك إلحاح شديد عليه رغم أن الإخوان أوضحوا موقفهم في أدبياتهم مرارا بل وفى مواقفهم المتعددة التي لم تخرج عن أصول الإسلام التي تجعل من الحديث عن الحكم أصل وليس فرع وتجعل اختيار الحاكم له أولوية على دفن رسول الإسلام ويبقى القرآن وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وأصول الفقه شاهدة على الاهتمام بشئون العباد في دولة الإسلام فإن لم تكن هذه سياسة فماذا نسميها؟ ولن نلتفت هنا للسياسة التي يعرفها الدكتور الفقى ويحذر منها الإخوان تلك التي وصفها في حديث له أمام نادي الروتارى في 21 يوليو 2008 حيث يقول " فنحن لدينا مشكلتان، الأولي هي تشابك الدين والسياسة، وتوظيف الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية، والسياسة تختلف عن الدين، فالسياسة تعني «الجنس والنصب والتفاوض والسرقة والانحراف»!!! فنحن نمارس سياسة أخرى غير تلك التي يصفها الدكتور وينصحنا بالابتعاد عنها !
يتحدث الإخوان بقيم الإسلام وأخلاقه ويتعهدون أمام ناخبيهم بالتزامها إذن فالحديث هنا قيد والتزام أما من لا يقبل قيود القيم والأخلاق ولا يحب المحاسبة والالتزام فنحن لم نحتكر الإسلام والحديث باسمه وليتفلت منه من يشاء دون لمز أو غمز أو إساءة للآخرين !! لكن ملحوظة في غاية الأهمية يجب ألا تمر محاولة الدكتور الفقى في مساواة موقفي النظام والإخوان فشتان ما بينهما فالإخوان لا ينكرون أنهم يتعاملون مع المكون الرئيسي في الشخصية المصرية وهو الدين طبقا لدراسات المتخصصين في مجلس الشورى والمجالس القومية المتخصصة لكن الإخوان عندما يتهمون النظام بالتزوير فهم يقرون واقعا يعيشه كل المصريين وترصده كل الدراسات ويعترف به كل القائمون عليه ومن سوء حظ الدكتور الفقى أن شهود التزوير الذي قبل به ودافع عنه كانوا من القضاة الشرفاء الذين دفعوا ثمن موقفهم في تعديل دستوري باستفتاء أيضا مزور لإخراجهم من لجان الانتخابات !!!
وأخيرا عندما يريد الدكتور أن يقرأ وحده ويفسر وحده يختم بهذه الفقرة " ليس صحيحا أن الانتخابات تفرز أفضل العناصر ـ في مصر أوفي غيرها ـ فالشعبية وحدها لاتعبر عن درجة الصلاحية ولا تترجم الإمكانات الحقيقية لمن يكون نائبا عن الشعب وتلك إشكالية كبري حيث تلعب بعض العوامل دورها المعتاد في المساس بسلامة جوهر العملية الانتخابية, وأنا أذكر هنا صراحة بعض العوامل ومنها الدين والمال والنفوذ العائلي بل والسطوة الفردية التي قد تصل إلي حد البلطجة وهذه أمراض مزمنة يجب أن يتعافي منها المجتمع السياسي المصري حتي تتمكن العناصر الصالحة من الطفو علي السطح وبهذه المناسبة فإنني أظن أن إجراء الانتخابات وفقا لنظام القائمة النسبية كان يمكن أن يقاوم بعض التحديات الناجمة عن العوامل السلبية التي ذكرناها" لأنه هنا ينكر أن الانتخابات لاتفرز من يستحق لأن الشعب محروم من الاختيار فيها بقرار سيادي منذ ثورة يوليو باعترافات دكتور عبد العظيم رمضان في النصف الأول من الستينات - كان وكيلا للنيابة ومشرفا على الانتخابات - من ترشح بعض أعضاء الاتحاد الاشتراكي لانتخابات برلمانية في دائرة تحت مسئوليته وجاءت التعليمات بإنجاح فلان وإسقاط فلان ! وعندما تعجب المسئول لأن كلاهما من أبناء الاتحاد الاشتراكي ومن المؤمنين بالثورة قيل له "حتى لا يتعود الشعب على إنجاح من يريد" !
وقد قيلت نفس المعاني في انتخابات 2005 بدمنهور عندما أعلن الدكتور الفقى نفسه أنه ناجح ناجح واستشار بعض معاونيه قبل إعلان النتيجة نجاح من أول مرة ولا إعادة ! فنصحوه - ونعم النصيحة- بلاش وجع دماغ طالما ناجح ناجح يبقى من دلوقت وخلص !! فقد قال مسئول التزوير الكبير فى المحافظة لبعض المعتقلين لديه من الإخوان يوم الفرز "أوعى تفتكروا الشرقاوي (مرشح من رجال الأعمال) حينجح بفلوسه أو حشمت حاينجح بالإخوان !
إحنا ننجح اللي إحنا عاوزينه ونسقط اللي مش عاوزينه" ذلك هو التفسير المنطقي لضمور الحاسة الانتخابية لدى المصريين أي فقدان الممارسة بغض النظر عن الانتخابات فردية أم بالقائمة فكل ذلك تماحيك وتبقى النزاهة التي لم ترد في مقالة الدكتور الفقى ولو على سبيل الخطأ وأظن أنه هنا أيضا صادق مع نفسه فلقد قتلت نزيهة وحرة وأمينة وحتى عدلات وليهنأ الدكتور الفقى بالطرح الديمقراطي الذي يطرحه في أهرام السلطة ويبقى السؤال : من يسمع له؟
المصدر : نافذة مصر