خواطر حول فريضة الحج - الفصل الثاني (مقاصد الحج )
بقلم : خميس النقيب
يتقلب المؤمن في طاعة الله عز وجل ، لحظة بعد لحظة وساعة بعد ساعة ، ويوما بعد يوم ، وشهرا بعد شهر ، وعاما بعد عام ، هناك عبادة يومية ( الصلوات الخمس)، وأسبوعية ( صلاة الجمعة وصيام الاثنين والخميس) ، وشهرية ( صيام ثلاث أيام القمرية )، وسنوية ( صوم رمضان وصوم يوم عرفة وصوم التاسع من المحرم) ، وعمرية - في العمر مرة - ( الحج ) ، إنها عبادة العمر وشعيرة العمر ، هذا فضلا علي العبادة التي علي مدار الساعة ( الاستغفار )
الطاعة رفعة وتطهر و سمو :
يعيش المؤمن هذه العبادات، فيخرج خاليا من الذنوب ، مطهرا من العيوب ، مقاوما لكل الخطوب، يسدل الله عليه كفلا من رحمته ، وفيضا من رضوانه ، وسترا من غفرانه ، يقيل عثرته ، ويهديه وجهته ، ويرفع مكانته ، فيعبد ربه علي علم ، ويتبع رسوله علي حب ، ويلتزم دينه علي إخلاص...!!! إنها الحياة في ظل الإسلام ...!!!
ونحن نقبل علي موسم من مواسم الإيمان ، وركن من أركان الإسلام ، وشعيرة من شعائر الدين ، إنها شعيرة الحج ..!! وجه الله تعالي من استطاع من عباده ، أن يعظمها ، وان يلبي نداءها ، وان يخرج إلي أول بيت وضع للناس ، بل وضع لعبادة الله عز وجل في الأرض ، نقف مع هذه الشعيرة نستلهم منها الدرس ، ونأخذ منها العبرة ، ونستوحي منها التطبيق ، نترسم من خلالها الطريق إلي الله سبحانه وتعالي .
الزمان والمكان يقدسان لما يحملان من ذكريات وعبر وعظات :
، لا يعظم الزمان ، ولا يقدس المكان ، إلا بقدر ما فيهما من ذكريات حافلة ، وتجليات حاضرة ، وعظات مؤثرة لهذا الدين العظيم من لدن ادم عليه السلام إلي يوم الدين .
- شهر رمضان لا يقدس لأنه دورة معينة من دورات الزمن ، وإنما يقدس عند المسلمين لأنه نزل فيه القران ، وفيه الصوم الذي يذكر بهدي القران" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..."( البقرة : 185)
- ويوم الجمعة لا يقدس لأنه يوم الجمعة ، وإنما يقدس لان الله استدعي الناس فيه من بيوتهم وأعمالهم وبيوعهم إلي خير بقاع الأرض( بيوته) يناجونه ويدعونه ويستغيثون به..انزل الله تعالي سورة سميت باسم ذلك اليوم (الجمعة ) قال فيها :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ "(الجمعة:9) ، يدعوهم فيه ليقفوا أمامه ، ويخشعوا بين يديه ، ويبثوا حوائجهم إليه وهمومهم ، يخافون عذابه ، ويرجون رحمته ، ويحصلون آجره..قال عليه الصلاة والسلام : من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها قال الشيخ الألباني : صحيح
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة لا في يوم الجمعة . رواه مسلم .
- ويوم عرفة لا يقدس لأنه يوم عرفة ..! وإنما يقدس لا ن الله تعالي قال "َ... فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ "(البقرة:198) و عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة قال الشيخ الألباني : صحيح
- وبيوت الله في الأرض ( المساجد ) التي نعمرها بالبناء والتشييد ، ونعمرها بالصلاة والذكر والتسبيح لا تقدس لذاتها ، وإنما تقدس لان الله تعالي انتدبنا إليها ، واوجب علينا الصلاة فيها فقال سبحانه " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ "(النور:36-37).
- والبيت الحرام كذلك لا يقدس لذاته ، ولا يعظم لبنائه ، وإنما لان الله قال فيه " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ "(آل عمران:96) ودعانا إليه ، واوجب علي المستطيع حجه و زيارته " فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ " (آل عمران:97) دعاهم للطواف حوله والسعي فيه ، فضلا علي الصلاة عندما انتدب إبراهيم عليه السلام أن ينادي في الناس " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ "(الحج:27) .. في الأثر ..قال إبراهيم عليه السلام يارب كيف أناديهم ، وكيف لندائي أن يصل إليهم جيلا بعد جيل ..! قال الله له عليك النداء وعلينا البلاغ ... فنادي أيها الناس حجوا بيت الله الحرام ...فاسمع الله الحيتان ف البحر ، والوحوش في البرية والطير في السماء ، اسمع الله الحجر والشجر والمدر ، اسمع الله النطف في أصلاب الرجال ، والأجنة في أرحام الأمهات ..!! نطف وأجنة لم تأتي بعد ، ولكنها ستأتي عبر الزمان والمكان فتلبي دعوة الرحمن ، و نداء خليل الرحمن "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ "(الحج:27) .
هذا أمر الله ، لباه كل من أطاعه ، وأبي كل من عصاه ...! كل شيء يلبي الحجر والشجر والمدر ..! ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا ... قال الشيخ الألباني : صحيح ويلبي كذلك المؤمن " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "(النور:51)..." رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ "(آل عمران:193)
الكل يصدح بهذه التلبية الفريدة و هذا النشيد الثائر ، الذي يزلزل الزمان والمكان ( لبيك اللهم لبيك ..لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك ... إن الحمد لك والملك ... لا شريك لك لبيك ) يعيدون الحمد والثناء لله ، يوجهون التلبية والتهليل إلي الله، يعلمون أن التوكل لا يكون إلا علي الله ، والاستعانة لا تكون إلا بالله والاستمداد والاستلهام لا يكونا إلا من الله...!!
فالله تعالي هو مالك الملك وخالق الخلق وصانع الفلك بيده كل شيء وهو علي كل شيء قدير.
- والحجر الأسود لا يقدس لأنه حجر كذلك ، وإنما يقدس ويقبل لأنه عمل من أعمال الحج ، ومنسك من مناسك الحج ، ومشعر من مشاعر الحج التي أمرنا الله أن نعظمها لان في ذلك الخير لنا " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ..."( الحج:30)، ...!!كذلك لننال تقواه ورضاه " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ "(الحج:32)" كذلك الحجر جزء من البيت العتيق ، عنده تسكب العبرات ، وتقبل القربات ، وتمحي الذنوب والسيئات ، وقد قبله رسول الله صلي الله عليه وسلم .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه : والله إني لأعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ، وما قبلتك إلا لأني رأيت رسول الله يقبلك .
القلب النابض يستشعر فضل الله ، ويري بنور الله :
آيات بينان لمن يريد أن يصل إلي منزلة عظمي من الله ، ومكانة عليا من الدين ، لمن يريد أن يستشعر هذه المعاني ، و أن يعي تلك المحطات ، حتى ولو كان بعيدا عن ذلك المحفل العظيم، لمن يريد أن يحصل رحمات الله تعالي ، فإنما هي نفوس تستشعر ، وعيون تدمع ، وقلوب تخشع ...المؤمن ما هو إلا مجموعة من المشاعر والأحاسيس ، وإذا ذهبت هذه المشاعر وتبلدت هذه الأحاسيس، أصبحت الحجارة أفضل منه ، لان الحجارة لو انزل عليها القران لتصدعت من خشية الله " لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ "(الحشر:21)..وقد تهبط من خشية الله " ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "(البقرة:74) وقد هبطت الحجارة مع إبراهيم وهو يرفع القواعد من البيت ، وعلامة ذلك موجودة حتى الآن هناك علي الحجر ....ّ!!!
الحج رباط بين القديم والجديد :
شاء الله تعالي -ولا راد لمشيئته سبحانه - أن ترتبط المساجد في الكون كله ، في الدنيا بأسرها بأول مسجد وضع للناس ، فهم يتجهون في صلاتهم إليه ، ثم ينتدبون في الوصول إليه، مرة في العمر واجبة التنفيذ علي المستطيع ...!! ، وأن يرتبط المسلمون في كل الدنيا بابيهم الأول إبراهيم عليه السلام ، فهو الذي نادي ، وهم الذين لبوا النداء ، يؤدون نفس ما أداه ويعملون ما أمرهم به الله ....!!
الحج موسم للتجارة ومؤتمر للعبادة :
الحج موسم تجارة – في كل الحالات مع الله - تجبي أليه من ثمرات كل شيء" .. أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ "(القصص:57) ، احل الله فيه البيع والشراء " لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضالين "(البقرة:198) ...!! والحج موتمر عبادة يجمع بين العبادة البدنية( صلاة وطواف وسعي ) والعبادة الروحية ( تلبية وذكر وتهليل وتسبيح ) ، الله وجه الذين تفاخروا هناك بالألقاب والأنساب إلي شيء آخر . إلي ذكره وشكره " َإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً.."(البقرة :200)
الحج يجمع بين الدنيا والآخرة :
والحج يجمع بين الدنيا والآخرة ..!! كيف ؟ ! الذي يريد الدنيا فحسب لا خلاق ( نصيب ) له في الآخرة " فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ "(البقرة200) ... والذي يريدهما معا - يجعل دنياه مزرعة لأخرته – يحوزهما معا " وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ "(البقرة:201-202) ...جاء ذلك في معرض الحديث عن الحج في كتاب الله عز وجل .
فالحج قوة سياسية بالتشاور والتحالف، وقوة اقتصادية بالبيع والشراء ، وقوة اجتماعية بالتحاد والإخاء ، وقوة روحية بالذكر والدعاء ... ..!
بلاغ عظيم وإنذار شديد :
والله انزل سورة سميت بسورة الحج جاء في مطلعها َ"يأيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم *ٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ "(الحج:1-2)...يذكر الناس أن يوما ما ستنتهي الحياة ، وان مجامعهم ستؤول إلي الله، المال يفني والملك لا يبقي وسلطان الحياة يزول وعز الدنيا لا يدوم " وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ "(الرحمن:27)..
وانزل سورة سميت بسورة إبراهيم عليه السلام ( أبو الأنبياء ، ومطلق النداء ، ومقدم التضحية والفداء ، صاحب المقام ، ومؤسس البيت الحرام ، والذي كان للمتقين إمام ) جاء فيها " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ*رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" ( إبراهيم 35-37) دعا ء آخر لأمن البيت ، الذي تحقق بفضل الله فلا يصاد صيده ، ولا يروع طيره ، ولا يقطع شجره ، ولا يخوف زائره " وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ "(الحج:25)وتتحدث السورة أيضا في جلها عن الآخرة ، وتختتم ببلاغ من الله للناس ، كل الناس أبيضهم وأسودهم ، مؤمنهم وكافرهم ، قويهم وضعيفهم ، غنيهم وفقيرهم ، الحاكم والمحكوم ، الرئيس والمرؤوس ، التابع والمتبوع ...! "وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ"(إبراهيم :21)...! وكأنها تربط بين رجم الشيطان في الحج وخطبة الشيطان في الآخرة " وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"(إبراهيم:221)...! وكأنها تربط الدنيا بالآخرة ، وتربط الحج الأكبر بيوم الجمع الأكبر ، وتطلق تحذيرا غير مسبوق للظالمين الملحدين ، والمجرمين المعاندين ...!! " وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء* وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ* وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ* وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ* فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ؟* يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ* وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ* لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ*هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ"(إبراهيم :42-52) تدعو إلي التوحيد الخالص ، كل الأعمال وكل الأقوال ، كل الحركات والسكنات ، كل الآهات والأنات ، كل العطاءات والتضحيات من اجل توحيد الله في الأرض نعم انه بلاغ للناس قوي ...!! نعم انه بلاغ للناس شامل ...!! نعم انه بلاغ للناس عظيم ...!! نعم يا رب انه بلاغ للناس منذر ...!! نعم يا رب انه بلاغ للناس مسموع ...!!! نعم يارب انه بلاغ للناس مقروء ...!!! نعم يارب انه بلاغ للناس محفوظ ...!! " هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ"(إبراهيم :52)
اللهم ارزقنا حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ، اللهم نجنا من عذاب القبور ، ونجنا من هول النشور ، واجعلنا في الآخرة من أهل السعادة والسرور ، اللهم سدد خطانا إليك ، شرفنا بالعمل لدينك ، ووفقنا للجهاد في سبيلك ، وغير حالنا لمرضاتك، امنحنا التقوى وأهدنا السبيل وارزقنا الإلهام والرشاد ، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل ، ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي أهله وصحبه وسلم ، والحمد لله رب العالمين
المصدر
- مقال:خواطر حول فريضة الحج - الفصل الثاني (مقاصد الحج )موقع:الشبكة الدعوية