خليل عناني يكتب: عن مصير السلطوية العربية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
خليل عناني يكتب: عن مصير السلطوية العربية


(3/14/2015)

خليل عناني

كان القرن العشرين هو "قرن الثورات" ضد الأنظمة السلطوية والتي زادت بحسب كثير من الدراسات عن حوالي أربعين ثورة أدت إلى تغيير الأنظمة القائمة حول العالم.

لكن لم تفض معظم هذه الثورات إلى إقامة ديمقراطيات أو أنظمة سياسية سليمة تحترم الحقوق والحريات وتتحلى بالمحاسبة والمسؤولية.

علي العكس، ففي أغلب الحالات التي شهدت قيام ثورات عنيفة أدت إلى قيام أنظمة سلطوية جديدة أسوأ فى بعض الأحيان من تلك التي قامت لإسقطها وذلك بدءا من الثورة المكسيكية أوائل القرن العشرين التي استمرت حوالي عقد بين 1910-1920 وأدت إلى هيمنة حزب سياسي واحد على السلطة لأكثر من سبعين عاما مرورا بالثورة البلشفية عام 1917 والتي أوصلت الشيوعيين إلى السلطة بقيادة فلاديمير لينين وبعدها الثورة الكوبية 1953 1959 التي أسقطت الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا كي تحل محلها سلطوية فيدل كاسترو وانتهاء بالثورة الإيرانية 1979 التي أنهت حكم الشاه وأسست مكانه حكما سلطويا ثيوقراطيا.

بيد أن السلطويات الجديدة لم يكن حالها أفضل من سابقاتها.

فبعد استنفاذ قدرتها على البقاء ومعاندة التغيير وفقدانها القدرة على استخدام العنف الدولتي لردع المعارضين، تصبح هذه الأنظمة مجرد هياكل فارغة المضمون والقيمة ويصبح إسقاطها مسألة وقت.

ولا يخرج مصير هذه الأنظمة السلطوية عن واحد من عدة سيناريوهات أولها الانهيار والتفكك علي غرار ما حدث مع الاتحاد السوفيتي السابق الذي لم يستطع مقاومة الرغبة فى التغيير وتفكك خلال سنوات قليلة.

ثانيها العزلة والانغلاق مثلما حدث مع كوبا وإيران وهو ما يعني فقدان الدولة والمجتمع للقدرة على البقاء ضمن أطر العالم المفتوحة وتراجع مستوي معيشة الأفراد.

وثالثها إنهاك الدولة وإضعافها والدخول فى حروب مع المعارضين والمتمردين مثلما هو الأمر فى الفلبين منذ أواخر الثمانينات وحتى الآن.

وفي المنطقة العربية بعد أن قامت الثورات خلال النصف الثاني من القرن العشرين كانت النتيجة قيام أنظمة سلطوية عتيدة مارست كافة أنواع القهر والقمع والعنف الدولتي ضد معارضيها وكانت مصائرها إما الهزيمة والنكسة كما حدث مع جمال عبد الناصر، وإما غياب الدولة وتفسخ مؤسساتها كما كانت الحال فى ليبيا، وإما الانقسامات والنزاعات الأهلية كما كانت الحال ولا تزال في اليمن والسودان، وإما الحرب الأهلية كما هي الحال فى الجزائر طيلة التسيعنات والعراق بعد 2003 والآن سوريا.

وعلى عكس ما قد يبدو، فإن مصير النظام السلطوي الجديد/القديم فى مصر لن يختلف كثيراً عن مآلات غيره من الأنظمة السلطوية فى المنطقة، وذلك بالرغم من إصرار البعض على اعتباره نظاما استثنائياً.

وفى الوقت الذي يجري فيه العمل على قدم وساق على تثبيت هذا النظام، فإن الضعف الكامن فى بنيته لا يمكن إخفاءه.

كما أن مآل السلطوية الجديدة فى مصر لن يكون أفضل حالا من مثيلاتها.

ليس فقط لأنه لا يمكن بحال القبول بإعادة استنساخ السلطوية المباركية أو الناصرية وإنما أيضا لعدم وجود أسس هيكلية لضمان نجاح وبقاء مثل هذه السلطوية.

فمن جهة فإن البنية المؤسسية لدولة مبارك تفتقد لأي قدرة على العمل والانتاج والانجاز بشكل قد يدعم شرعية النظام الجديد.

وهذه المؤسسات انتقلت من مأسسة الفساد إلى الصراع فيما بينها على مناطق النفوذ فى الدولة والمجتمع مثلما يحدث بين الجيش والشرطة والقضاء وذلك فى إطار ما أطلق عليه البعض "صراع ملوك الطوائف".

ومن جهة ثانية فإن قدرة السلطوية الجديدة على شراء ولاء الطبقات الوسطي والدنيا بشعارات جوفاء كالوطنية وهيبة الدولة وعجلة الإنتاج...إلخ تتراجع مع عجز هذه الدولة على ترجمة هذه الشعارات إلى واقع ملموس.

وهو أمر قد يؤدي على المدى المتوسط إلى انصراف قطاعات لا بأس بها عن دعم هذه السلطوية وهو ما حدث بالفعل خلال الشهور الماضية.

ومن جهة ثالثة فإن السلطوية الجديدة لا تمتلك من الموارد والأموال ما قد يساعدها على تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية حتى وإن حصلت على دعم مجاني خارجي فإن ذلك لن يستمر طويلا.

ومن جهة أخيرة، وهي الأهم، فإن قدرة السلطوية الجديدة على خنق ومحاصرة الآلاف من الشباب تتراجع مع لجوء هؤلاء إلى أساليب جديدة للمعارضة والاحتجاج تجعل من الصعب حصارها أو إخمادها دون رفع تكلفة القمع.

يقول ليون تروتسكي "إن مصير أي ثورة يحدده ولاء المؤسسة العسكرية".

بكلمات أخرى، فإن مآلات الثورات تتعلق دائما بقرارات الجنرالات وما إذا كان لديهم الحس السياسي والرغبة على إفساح الطريق أمام عملية ديمقراطية حقيقية يمكنها أن تجبنهم وتجنب بلادهم ويلات الانقسام والتفكك والانهيار وبدون ذلك فإن المستقبل سيبدو كئيبا.

وتكشف خبرة العامين الماضيين أن جنرالات مصر ليس لديهم هذا الحس أو الرغبة، ليس فقط لأن الديمقراطية بالنسبة لكثير منهم هي معادلة صفرية "إما نحن أو هم"، وإنما أيضا لأنهم قد يدفعون ثمناً غالياً للتحول الديمقراطية خاصة بعد الأخطاء والخطايا التي ارتكبوها طيلة العامين الأخيرين. وهي معادلة سوف تزيد من حالة الاستنزاف المستمرة تجاه الدولة والمجتمع.

ويخطئ من يظن بأن البلاد سوف تعود لما كانت عليه الأوضاع إبان مبارك واستنساخ "الاستقرار المزيف" الذي سقط خلال 18 يوماً هي عمر ثورة يناير.

المصدر