خليل العناني يكتب:ـ الأسئلة الحائرة
(12/22/2014)
مرت الآن أربع سنوات على الموجة الأولي "للربيع العربي" ولا يزال الكثير من الأسئلة معلقاً بلا أجوبة يقينية واضحة.
أسئلة كثيرة برسم الماضي القريب تحاصر المستقبل وتطارده كل يوم مع كل نقطة دم تسقط هنا أو هناك ومع كل روح تُزهق على أيدي مجرم هنا أو مستبد هناك.
لم يعد شريط الأخبار "العاجلة" يحمل أخباراً سارة، وإنما يقذف أخباراً مؤلمة وقصص موجعة، لم يكن لأحد أن يتخيلها قبل أربع سنوات.
حكايات متكررة لعائلات ثكلى، وأطفال يتامى، ونساء تتشح بالسواد بعد أن فقدت عزيزاً أو ودعت قريباً، ونفوس حائرة وضعت همومها فى حقيبة سفرها وحملتها على ظهرها مودعة الأهل والوطن والأحباب.
هل ثرنا حقاً أم كانت ثوراتنا بلا أنياب فلم تقو على اقتلاع جذور الاستبداد؟ وهل سقطت ثوراتنا بسبب قل خبرتنا ووعينا ورعونة قياداتنا أم كانت ضحية لانقساماتنا وخلافاتنا وخياراتنا السيئة؟ هل كانت الثورة المضادة قدراً محتوماً أم جاءت نتيجة لأخطاءنا وفشلنا وضعف خياراتنا؟
وهل تتحمل أحزابنا ونشطاءنا وجماعاتنا السياسية والثورية المسؤولية أم تتحملها الشعوب التي لم تصبر على دفع فاتورة التغيير؟
هل نحن شعوب صالح للثورة ابتداء أم أننا شعوب تعشق الاستبداد والاستعباد؟ وهل انحازت أغلبيتنا للحرية والعدالة والكرامة أم مالت باتجاه الصمت من أجل الاستقرار؟
مضت الأعوام الأربعة، ولا تزال أسئلة كثيرة عالقة فماذا كسب الإسلاميون من الهرولة إلى السلطة وماذا خسروا؟
وماذا حقق خصومهم بتواطئهم وتآمرهم وإلى ماذا وصلوا؟ وماذا حدث لشباب الثورة ولماذا انتكسوا؟
وماذا حلّ بملايين الحالمين بالتغيير وأين ذهبوا؟ وماذا حدث لشعوبنا ولماذا استمرءوا البطش القتل، ولماذا صمتوا؟ وأين ذهب رموز "الربيع العربي" وكيف سقطوا؟ وأين ذهبت صيحات "الحرية والكرامة والعدالة" ولماذا اختنقوا؟
سنوات أربع مرت، لم نقرأ فيها أو نسمع عن مراجعة للأخطاء أو وقفهة جادة مع الذات أو مراجعة لفكر أو محاسبة لقيادة أو تغيير لاستراتيجية أو تعديل لخطة أو نرى خطوة للخلف من أجل تصحيح المسار. فتكررت الكوارث، وتكاثرت المحن والنوازل، وتكالب الخصوم، وتضاعفت الهموم، ولم يعد فى الصدر متسعٍ لمزيد من الألم والشجون.
بعد أربع سنوات، لم يعد أمام بعضنا سوى أن يصرخ: "جبنا آخرنا" من شدة القهر والظلم، بينما يئن البعض الأخر تحت سياط السلطوية وتفحش "إعلامها" وانحطاط إعلامييها وتواطؤ نخبتها ومثقفيها.
بعد أربع سنوات لم تعد الثورة حلماً بل باتت كابوساً، ولم يعد التغيير مطلباً وإنما أصبح مرادفاً للعنف والفوضي. بعد أربع سنوات، سقط الثوار، وانقلب الجنرالات، وانقسمت الآراء، وتفتت الرؤي، وانزوى التوافق والاجماع.
سنوات أربع مضت، تمكنت فيها الأصولية السلطوية من استعادة زمام المبادرة بمساعدة ورعاية حلف إقليمي فاسد احتضن الثورة المضادة فموّل رجالها، وجهّزها إعلامها، وانطلقوا جميعاً ينهشون فى جسد الثورة الأصيلة.
اشتروا النفوس، وأفسدوا الأخلاق، وزوروا الأقلام، واغتصبوا الأحلام، واستحلوا الدماء، وتآمروا على الشباب، وأتلفوا الألباب.
فعلوا ذلك تحت غطاء دولي سافر، وتواطؤ أممي مُشين، وصمت عالمي مفضوح سوف يظل نقطة سوداء فى سجّل التحرر من الاستبداد. لا يخجل تحالف الثورات المضادة من أقواله وأفعاله، بينما يصمت أصحاب الحقوق وطالبي التغيير إما هروباً أو خوفاً.
نجحت الثورة المضادة، ولو مؤقتا، بعد أن استفاق السلطويون، وانقسم الثوريون، وتفرّق المتحمسون للتغيير، بعد أن فترت عزيمتهم، وضعُفت شوكتهم، وانزوى معظمهم إما خوفاً أو إحباطاً أو فشلاً.
وسقطت الثورة الأصيلة تحت ضربات قضاء لا يُنصف، ونخبٍ لا تُنصت، وجمهور لا يكترث، ومؤسسات قاصرة تعتاش على الفساد، وتمالئ السلطان، وتحمي عرين الاستبداد.
سنوات أربع مرت، سقط فيها عشرات الأبرياء من كل الفرق والتيارات والجماعات، وارتقت فيها أرواح عزيزة، وكُسرَت فيها نفوس سليمة، واحترقت فيها وجوه كانت يوماً شريفة، ولم يعد على السطح سوي نفايات عقلية وبقايا بشر.
هذا كله بينما لا يزال رفقاء الميادين منقسمون، حائرون، تائهون، متنابذون، ومتعاتبون كأن شيئاً لم يحدث، وكأن الثمن لم يكن فادحاً.
ماذا تنتظرون بعد أن خُنقت الثورات، ووقعت الانقلابات، وانتفض المستبدون، وتوحش المرتزقة والمنتفعون؟
ماذا تنتظرون بعد أن بُرّئ القتلة، وتعالت ضحكات الفجرة، وسُجن الأبرياء، وضاعت حقوق الشهداء؟
وماذا تنتطرون بعد أن وصل البطش والقمع أعتاب بيوتكم بينما أنتم تتناحرون وتتشاجرون وتتلاومون؟
أما السؤال الكبير فهو: هل كانت "الثورات" العربية من تونس إلى اليمن ثورات حقيقية أم كانت انتفاضة ما قبل "الموت" والسكون؟ وهل ثرنا حقاً أم أن الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد؟
المصدر
- مقال:خليل العناني يكتب:ـ الأسئلة الحائرة موقع: الشرقية أون لاين