خطة فياض: جيدة ولكن...؟
بقلم:هاني عوكل
محتويات
تغيرات كبيرة في الساحة الفلسطينية
خلال شهر آب الماضي لوحده،حصلت تغيرات كبيرة في الساحة الفلسطينية ليس على مستوى التغير القيادي في كل من اللجنة المركزية والمجلس الثوري التابعين لحركة "فتح" ولا على اللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير وحسب،وإنما على التوجه الحكومي وعبر وثيقة رئيس الوزراء سلام فياض التي طرحت في الخامس والعشرين من آب الماضي.
فياض وقبل يوم من إتمام ملء الشواغر الخاصة باللجنة التنفيذية،قدّم وثيقة مهمة تتعلق ببناء مؤسسات السلطة الوطنية تمهيداً لقيام الدولة المستقلة،تحت عنوان "وثيقة إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة".
في المؤتمر الصحافي الذي أطلق فيه الوثيقة،ألمح فياض إلى صعوبة انتظار المفاوضات السياسية المبنية على نتائج فارغة،وهدد بأن رد الفعل الفلسطيني قد يعني إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد.
الوثيقة لم تلقَ الكثير من التصفيق والإشادة، ربما لأن سقفها الاقتصادي متعلق بالسياسي،إذ ركزت على فكرة "التأسيس"، بمعنى إعادة بناء وتأهيل مؤسسات السلطة الفلسطينية وإقامة مشاريع ضخمة هي بطبيعة الحال سيادية،مرتبطة بتوجه قد يكون أحادي الجانب لقيام الدولة.
دخول السياسة من باب الاقتصاد
فياض أراد أن يدخل إلى السياسة من بوابة الاقتصاد،فوثيقته تطرح سلاماً اقتصادياً داخلياً،ذلك أن الاقتصاد من شأنه تخفيض معاناة الناس،لكن يختلف طرح فياض عن نتنياهو في مشروع "السلام الاقتصادي"،بأن الأول يسعى لترجمة الاقتصاد إلى سياسة،بحيث يتحول الحكم الذاتي إلى حكم رفاهي قابل للدولة السيادية،بينما يرى نتنياهو في خطته مع الفلسطينيين سلاماً اقتصادياً كبيره حكم ذاتي غير قابل للتطور.
لماذا لم تلقَ الوثيقة كل هذا الدعم الفصائلي؟يعود ذلك أولاً لموقف بعض الفصائل من حكومة فياض، فحركة "حماس" تعتبر الوثيقة غير قانونية لأسباب عدم شرعية ودستورية الحكومة التي على رأسها فياض،ولأن عقد الانتخابات أصبح ضرورة رئاسية- عباسية، وحكومية- فياضية، فإن "حماس" تربط عقد الانتخابات في موعدها بالتوصل إلى اتفاق وطني شامل،وإذا ما عقدت بقرار أحادي الجانب فهذا يشكل "جريمة وطنية" بنظر "حماس".
أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،فترى أن الاتفاق على إعلان الدولة يأتي بالتشاور مع الفصائل وتحت راية الحاضنة الأم منظمة التحرير الفلسطينية،فهذا البرنامج تحدده المنظمة ويخضع للنقاش وتدخل فيه حسابات كثيرة،خصوصاً وأن قيام الدولة من جانب واحد بحاجة إلى دعم عربي ودولي كبير.
وأما حركة "فتح" فقد أيَّد زعيمها الرئيس عباس الوثيقة باعتمادها، لكن هناك الكثير من قيادات "فتح" تعادي فياض من منطلق أحقية الحركة في الاندماج بالحكومة الفياضية، ما يعني أن طبيعة المعاداة مناصبية ولا تتعلق ببرنامج الحكومة.
وإذا كانت الوثيقة تعبر عن رد الفعل الفلسطيني على كل السياسات الإسرائيلية،وتقدم لأول مرة في تاريخ الحكومات الفلسطينية خطة سياسية هجومية،إلا أنها واقعة في الكثير من المطبات والعقبات،فضلاً عن بعض الالتباسات الموجودة.
خطة اقتصادية
الخطة تنشط في الاقتصاد على قضية بناء المطارات،واحد في الغور وآخر في قلنديا،والثالث مطار ياسر عرفات الدولي الذي دُمر أكثر من مرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي،ناهيك عن ميناء غزة.
هذا بالإضافة إلى الخطط المتعلقة ببناء المؤسسات وتحسين الأداء الوظيفي مع خلق مناخ اقتصادي استثماري محفز.ولكن كيف يمكن بناء كل ذلك في ضوء معضلتين، الأولى أن الاحتلال يمتلك القدرات التدميرية الفعلية الحقيقية لقيام الدولة،ابتداءً بالمستوطنات والجدار العنصري، ومروراً بنقاط التفتيش والحملات العسكرية المكثفة والطائرات الحربية،وانتهاءً برفض الخطة وأحقية الرد عليها من قبل إسرائيل؟
والمعضلة الثانية كيف يمكن بناء اقتصاد قوي طموح يحسن من شروط الحكم الذاتي للارتقاء بالدولة، خصوصاً في ظل أزمة اقتصادية عالمية ودعم دولي مشروط وفي كل أحواله دعم "غير مؤكد"؟وما هي الضمانة الفياضية التي تحقق وقف التصعيد الإسرائيلي ورغبة المانحين في تقديم الدعم للحكومة الفلسطينية؟
أمرٌ آخر يتعلق بقلب الوثيقة على الوضع الداخلي الفلسطيني، بمعنى أنها تستند إلى إنجاز وحدة وطنية بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
هل هذا يعني أن فياض سيكون طرفاً ثالثاً بين "فتح" و"حماس" في الحوار،أم سيدفع باتجاه الضغط على الطرفين من أجل المصالحة،أم سيبتعد عن أجواء الحوارات ويجتهد في القضايا الاقتصادية الإجرائية بالضفة وغزة،كنوع من التصالح الجغرافي الذي قد يخدم عملية التصالح الفصائلي؟
الحقيقة أن فياض اجتهد في محاولة تقديم إجابة مكتوبة في صيغة وثيقة للوضع الفلسطيني الحالي، لكن الوثيقة لم تُعبِّر عن "الكفيل" أو الراعي الحصري لأنشطتها،هل هو الأمريكان أم الاتحاد الأوروبي أم الرباعية الدولية،أم الإرادة الفلسطينية التي تعاني من صراع الإرادات؟
الكفيل الأمريكي
إذا كنا نراهن على الكفيل الأميركي،فربما لن نشهد قيام الدولة المستقلة في العام 2011 استناداً إلى الوثيقة الفياضية،ذلك أن الولايات المتحدة لم تقف بقوة أمام إسرائيل وأمام موقفها الرافض لوقف الاستيطان،وكل ما قالته –أميركا- للفلسطينيين والعرب "تخفيف الاستيطان مقابل توجه عربي تطبيعي".
وأما الاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية فكلاهما يقفان إلى جانب الولايات المتحدة،وكلاهما يصفقان لنظرية المؤامرة التي تحبكها الولايات المتحدة مع إسرائيل.
أمام حشد للجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية "الإيباك" في أحد نشاطاتها،قال باراك أوباما بالحرف الواحد التالي: "أي اتفاقية مع الفلسطينيين يجب أن تحترم هوية إسرائيل كدولة يهودية،دولة ذات حدود آمنة،سالمة ومحصنة،والقدس ستبقى عاصمة إسرائيل ولن تنقسم.
اتحادنا قائم على مصالح وقيم مشتركة،هؤلاء الذين يهددون إسرائيل يهددوننا،وسوف أتقدم للبيت الأبيض بالتزام لا يتزعزع تجاه أمن إسرائيل،والذي يبدأ بضمان كفاءة القدرة العسكرية الإسرائيلية،وكرئيس سوف أتقدم بمذكرة تفاهم تنص على تقديم مبلغ (30) بليون دولار في شكل مساعدات لإسرائيل خلال العقد القادم".
هذا ما قاله أوباما بالحرف الواحد والناس بالآلاف يصفقون له قياماً وقعوداً،ويدرك فياض جيداً أنه لا توجد ضمانة دولية لترجمة خطته على الأرض،فقد كان المؤتمر الصحافي الذي ألقاه أمام الصحافيين، محاولة للكشف عن الخطة دون الخوض في ضمانات تطبيقها.
إذا ما دخلنا في موضوع الإرادة الفلسطينية،فإن غياب هذه الإرادة وهي غائبة في كل الأحوال،لن يُنجح الخطة،بل سيزيدها انقساماً في ظل الاختلاف الفصائلي عليها،وخصوصاً في ظل خروجها وتأثيرها على الانقسام الفصائلي المُنقسم في الأساس.
في كل الأحوال يبقى القول إن الخطة جيدة من حيث كونها سياسة هجومية وطموحة،ولكن كان ينبغي عرضها ومعالجتها في منظمة التحرير الفلسطينية حتى تأخذ حقها ومستحقها في النقاش على المستوى الفصائلي،وحتى تخرج بقوة الدفع الفصائلي،وكان ينبغي أيضاً أن تخرج إلى النور بعد إنجاح الحوار والوصول إلى اتفاق وطني شامل،وليس في هذا الوقت الحرج.
المصدر
- مقال:خطة فياض: جيدة ولكن...؟ موقع : المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات