خبراء التعليم: مناهج التعليم تُكرِّس الدكتاتورية وتخلق جيلاً دكتاتورًا
محتويات
[أخف]مقدمة
في مجتمعاتنا العربية لا تكف الشعوب والحركات السياسية وجميع مؤسسات المجتمع المدني عن مطالبة الحكام بالتخلي عن الدكتاتورية، ولكن لا حياةَ لمَن تنادي، ولكن بعيدًا عن الدكتاتوريات الكبرى والممارسات القمعية التي يعانيها الشعب من السلطة هل هناك فعلاً دكتاتوريات صغيرة أو مشاريع دكتاتوريين؟ هل مناهج التعليم وأسلوب الإدارة في المدارس يكرس لدينا مزيدًا من المقومات والإمكانيات التي تخرج لنا جيلاً من الدكتاتوريات الصغيرة التي ما تلبث أن تكبر وتترعرع على قيم دكتاتورية لتصل يومًا إلى سدة الحكم وحينها نقول إنَّ ديكتاتورًا جديًا تولى المقاليد.
في البداية استطلعنا آراء مجموعة من طلاب المدارس حول الطريقة التي تُدار بها العلاقة مع المدرسين ومدى توافر قدرٍ من الشورى في هذه العلاقة فيقول مصطفى عامر- الصف الأول الثانوي- أنَّ المدرسين لا يأخذون آرائنا في شيء ولا يعرفون إلا الأوامر ومَن لم يستجب للأمر يعاقب بالطرد من الحصة أو بالنزول إلى المدير الذي لا يستمع هو الآخر لمشكلته ويعترف بكلام المدرس فقط مما يجعلنا نشعر وكأننا في سجنٍ ولسنا في مدرسة.
ديكتاتورية المناهج
- أما مصطفى صلاح - الصف الثاني الثانوي- فيقول إنَّ المناهج ليس بها أي درس يتحدث عن الشورى في الإسلام باستثناء درسٍ واحدٍ درسته في كتاب التربية الدينية في الابتدائية، كما أنَّ مدير المدرسة يعاملنا جميعًا بالعصا والفصل، ولا يعرف أسلوبًا غير هذا وهو ما يجعل معظم الطلاب يتغيبون عن المدرسة، ومَن يتواجد يصطدم بالمدرسين ويكون مصيره الضرب في الطابور الصباحي ثم الفصل من المدرسة، أيضًا فالمدرسون لا يأخذون آرائنا في شيء حتى في الاختبارات الشهرية فالمُدرس هو الذي يحدد موعد إجرائها ونحن علينا التنفيذ فقط وغير مسموح لنا أن نسال أو نبدي رأيًا، كذلك الأمر في أسلوب إدارة الإذاعة المدرسية؛ حيث إنَّ هناك نمطًا معينًا وثابتًا منذ سنتين وغير قابل للتغيير وغير مسموح لأحد أن يُبدي رأيه حتى لو كان مشاركًا في الإذاعة ومن ضمن أفرادها.
ديمقراطية مزيفة
- ويقول محمد سامي- ثانوية عامة- إنني لم أسمع أي مدرس يتحدث عن الديمقراطية طوال الثلاث سنوات الماضية باستثناء درس واحد في كتاب التاريخ عن ديمقراطية النظام وهو ما جعلني لا أثق في أي فرد ممن حولي سواءً مدرس المادة أو المدير لأنني أشاهد القنوات الفضائية التي تندد بدكتاتورية النظام، ولأنني من خلال تواجدي في المدرسة لم يأتِ إلينا المدير أو مدير أي مدرسة في إحدى المرات وقال: ما رأيكم أن ندير الإذاعة بالطريقة التي تريدونها، ولكنهم يعترفون فقط بالأوامر والنواهي؛ حتى إنَّ فراش المدرسة تعلَّم من المدير فأصبح هو الآخر يحمل في يده عصا ويضرب الطلاب، وللأسف هذا الأسلوب جعل الكثير من زملائي يهجرون المدارس ويتجهون إلى الدروس الخصوصية.
- التقينا عددًا من المدرسين لنستطلع آراءهم حول القضية نفسها، فيؤكد الأستاذ ربيع الكيلاني- مدرس رياضيات- أنه بالنسبة لإدارة المدرسة لا توجد مساحة للشورى والديمقراطية، ولكنَّ الأمور كلها تدار بطريقة القرارات السلطوية سواءً كان ذلك من مدير المدرسة إلى المدرسين أو من الموجه إلى المدرس، وهو ما ينعكس على سلوك المدرس مع الطلاب؛ حيث يضطر إلى تنفيذ القرارات التي حصل عليها من مرؤوسيه بأي طريقة وبأسهل طريقة التي تعد في نظر معظم المدرسين الأوامر الفوقية.
المناهج غير إسلامية
- أما الأستاذ جمال مبارك فيضيف أنَّ مناهج اللغة العربية على وجه الخصوص لا تحتوي على أي موضوع يتحدث عن الشورى في الإسلام أو حتى عن الديمقراطية، إضافةً إلى أنَّ أسلوب إدارة المدرسة يكرس الديكتاتورية؛ حيث إنَّ المدير مطالب بتنفيذ الأوامر الواردة إليه من الإدارة، وبالتالي يأمر المدرسين الذين يأمرون الطلاب، وبالتالي فإنَّ المؤسسة تدار كلها بشكلٍ ديكتاتوري؛ ولكنَّ هذه الأمور تخضع لطبيعة الموقف أو القرار؛ حيث إنَّ هناك مواقفَ يكون فيها نوع من الحرية قبل اختيار موعد حفلة مدرسية مثلاً بمناسبة عيد الام، ولكن حتى في هذه الحالة فإنَّ الشورى تمارس بين المدير والمدرسين فقط ويتم تهميش الطلبة تمامًا.
تنفيذ الأوامر
- ويقول محمد مختار- وكيل مدرسة حكومية- إنَّ الديمقراطية داخل المدرسة أصبحت مجرد كلام فقط، فنحن نعاني من الديكتاتورية في علاقاتنا بمرؤوسينا في الإدارات التعليمية فإنه من الصعب أن نُعلِّمَ التلاميذَ شيئًا نفتقده نحن في تعاملاتنا، ولكننا نحاول قدر المستطاع أن نحقق ولو قدرًا قليلاً من الشورى داخل الفصول، والمدرسون الذين يتعاملون بشكلٍ ديمقراطي مع تلاميذهم يجدون مردودًا طيبًا لهذا الأسلوب ولا سيما إقناع التلاميذ بالمبادئ والمعلومات الدراسية، ومن ثمَّ فالطالب يتقبل المعلومات بشكلٍ سريعٍ، هذا بالإضافة إلى الحب المتبادل بين المعلم وتلاميذه وعلى العكس من ذلك فإنَّ غيابَ الديمقراطية والشورى داخل المدرسة لها نتائج سلبية خطيرة، فالجيل التالي لن يكون ديمقراطيًّا وسيطبق ما تعلمه بالتأكيد حينما تكون مقاليد الأمور في أيديهم، ونحن ننتهج نهجًا غير ديمقراطي ينشئ جيلاً من الدكتاتوريين.
- أما محمد بكري- ناظر مدرسة حكومية- فيقول: الأوضاع داخل المدارس لا تختلف كثيرًا عن خارجها؛ فغياب الديمقراطية الذي يعاني منه كل أفراد الشعب يلقي بظلاله على المدارس، كما أن تعليم الشورى أو تطبيقها داخل المدارس يفرض أن يكون المدرسون أصلاً لديهم مبادئ ديمقراطية ولو بالقدر اليسير، ولكن لا بدَّ أن تقوم الحكومةُ بإعداد دورات تدريبية لهؤلاء المدرسين؛ لتعليمهم كيفية تطبيق الشورى داخل المدارس، وهذا أمر مطلوب جدًا؛ لأن الإناء ينضح بما فيه، ولما كان المدرسون أصلاً يفتقدون الديمقراطية فكيف يعلمونها تلاميذهم.
المشاركة الطلابية هي الحل
- وعن رأي الأساتذة والمتخصصين وتعبيرهم لما يمكن أن تؤدي إليه الديكتاتورية في المدرسة، تقول الدكتورة نادية جمال الدين- أستاذ أصول التربية ورئيس مركز الدراسات التربوية-: إنه على الرغم من أن المدرسة تُدار بطريقة مؤسسية ولها نظام وقواعد وأسس لا بد أن تدار بها إلا أنَّ هذه القواعد يُساء استخدامها؛ حيث تطبق بطريقة ديكتاتورية نتيجة الفهم الخاطئ لها؛ حيث إنه من الممكن أن تلتزم بتلك الأسس وفي نفس الوقت نغرس قيم الديمقراطية في الطلاب، وذلك بإشراكه في بعض الأعمال العامة كتنظيم الإذاعة المدرسية وإدارة الحفلات الموسمية والرحلات التي تنظمها المدرسة ومنحه الثقة في نفسه بمعاملته باحترام والاهتمام برأيه والاستماع له والأخذ به في بعض الأحيان إذا كان صائبًا؛ لأن هذه الأمور تساهم في بناء شخصية الطالب وتجعله يعتاد الإيجابية ونقد الذات ونقد الغير.
- وتضيف أن تنفيذ الأمور سابقة الذكر يحتاج إلى سعة أفق عالية من المديرين والمدرسين ومن الأسرة التي يتربى فيها الطالب؛ لأنه يمكث فترةً طويلةً في المنزل مع الوالد والوالدة، كما أنه يحتاج إلى إصلاحٍ شاملٍ في المجتمع وفي طريقة التعامل بين الناس وبعضها البعض في شتى المؤسسات القريبة من الطفل وليس في المدرسة نفسها.
الديكتاتورية والشخصية السلبية
- ويوضح الدكتور صلاح عبد المتعال- أستاذ الاجتماع السياسي- أنه تمَّ إجراء العديد من البحوث التجريبية على فئتين من الطلاب إحداها تلقت التعليم بطريقة ديكتاتورية ومتسلطة ولم تُجرَ بينهم انتخابات لاختيار رئيس الفصل وتمَّ تعيينه ومجموعة أخرى تعلمت بطريقة التشاور وإبداء الرأي والتعامل مع المدرسين واختيار رئيسهم بالتصويت أو الانتخابات، وكانت النتيجة أنَّ الفئة الثانية أكثر تحصيلاً للعلوم وأكثر اتزانًا في الشخصية وأكثر قبولاً في المجتمع؛ لأن شخصيتهم الإيجابية اتضحت من سلوكياتهم مع الغير والعكس حدث مع الفئة الأولى.
- ويضيف أن تربية الأولاد في المدرسة على الشورى وتعليمهم معاني بسيطة بطريقة عملية مثل الانتخاب والتصويت كانتخاب رئيس الفصل والمشاركة في الأنشطة المدرسية ينعكس على سلوكياتهم في الكبر؛ حيث يصبح الطالب ديمقراطيًّا في التعامل مع والديه ومع أصدقائه ومع أولاده عندما يتزوج لأنه تشبَّع بتلك السلوكيات في صغره وتعامل بها، كما أنَّ معظم الطلاب الذين تربُّوا على التفاعل مع المدرس ومشاركته الرأي أصبحوا علماء ذوي شأنٍ في المجتمع حاليًا وهو خير دليل على صحة ما نقول والعكس صحيح؛ حيث إنَّ الطلبة الذين تربوا على السلبية والخوف أصبحوا جواسيس وأنانيين.
المصدر
- مقال:خبراء التعليم: مناهج التعليم تُكرِّس الدكتاتورية وتخلق جيلاً دكتاتورًاإخوان أون لاين