خالد إبراهيم يكتب: الرئيس مرسي مروّض الوحوش
07-04-2014
عقب ثورتها العظيمة في 25 يناير، أخطأت أو لم تستطع جماهير الشعب المصري الثائرة أن تقضي على الوحوش الكاسرة التي عاثت في الأرض فسادًا، فأذلت العباد وأفقرت البلاد، ونشرت الجهل والتخلف والأمراض.
وأعني بالوحوش المفترسة أجهزة الدولة العميقة التي عاونت ومكَّنت للمخلوع حسني مبارك وغيره من الطغاة، ومن أهم تلك الأجهزة: قادة العسكر الخونة، والداخلية المجرمة، والقضاة الفسدة، والإعلاميون الفجرة.
وبعد سقوط رأسها، أعادت ترتيب أوضاعها، ولعبت الدولة العميقة بذيلها في المرحلة الانتقامية "الانتقالية"؛ فارتكبت مجازر محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية وماسبيرو وبورسعيد ...إلخ، ووأدت مجلس الشعب المنتخب، وجنّدت أصحاب الذمم الرخيصة من مدّعي الثورية والبطولات الزائفة.
واعتقادًا منهم بأنه– بشخصه وحزبه وجماعته– هو الوحيد القادر على مواجهة الدولة العميقة الفاسدة، اختارت أغلبية الشعب المصري الدكتور محمد مرسي- دون غيره– رئيسًا لمصر الحرة؛ ليقوم بمواجهة تلك الوحوش المفترسة.
وعلى المستوى الشخصي، كان الرئيس مرسي مؤهلاً ليقوم بهذه المسئولية الجسيمة،علميًا: حصل على أعلى الشهادات من مصر وأمريكا وعمل أستاذًا جامعيًا بكلية الهندسة، وسياسيًا: انتخب عضوًا بمجلس الشعب ورئيسًا لأكبر كتلة معارضة وسجن لمطالبته باستقلال القضاء، ثم اختير رئيسًا لأكبر حزب سياسي عقب الثورة، وروحيًا وأخلاقيًا: حفظ القرآن الكريم وحافظ على عباداته، ولم يُثْرِ بطرق مشبوهة– شأن الكثير من الساسة- بل سكن في شقة بالإيجار.
وعلى المستوى العام آزرته جماعة كبيرة ضحى أفرادها وتمرسوا في العمل السياسي والتنظيمي طيلة أكثر من 80 عامًا، ودفعته لكرسي الرئاسة في ثلاثة أسابيع فقط، وهي سابقة لم تحدث في دول العالم العريقة في الديمقراطية، واعتبر جميع أفراد هذه الجماعة أنفسهم مسئولين عن نهضة مصر وشعبها وانطلقوا للكفاح والعمل بدءا من إعداد الخطط والمشروعات الكبرى، .
ومرورًا بتوصيل أنابيب الغاز ورغيف الخبز للمواطنين، وبدأنا نسمع عبارات من قبيل: مشروع تنمية قناة السويس ومنخفض القطارة والمحطات النووية والاكتفاء الذاتي من القمح وأول تابلت وأول سيارة وإنتاج غذائنا ودوائنا وسلاحنا... إلخ.
وبالطبع فكّر الرئيس مرسي في كيفية التعامل مع المؤامرات الدولية وأركان الدولة العميقة المناوئة لحق الشعب في اختيار حكامه، ويبدو للعيان أنه اجتهد فاختار عدم مواجهتها حتى لا يحدث صدام عنيف يؤثر على استقرار الدولة، وفضّل استخدام أسلوب الاحتواء والتغيير والترويض التدريجي، وسعى لبناء مؤسسات منتخبة بدءا بالدستور ثم الدعوة للانتخاب البرلمانية التي يعقبها اقتسام السلطة مع الحكومة الجديدة.
من حق البعض أن يجلس في الغرف المكيفة واضعًا رجلاً على أخرى، ويبدي اعتراضه على اجتهاد الرئيس– الذي كانت يده في النار-، ولكن ليعلم هؤلاء أن الرئيس مأجور على اجتهاده حتى لو كان أخطأ فيه، علمًا بأن كثيرين يرون أنه لم يخطئ، والدليل على ذلك: نجاح التجربة المشابهة لحزب الحرية والعدالة التركي.
واحترامًا للقيم الديمقراطية كان من الواجب على جميع الأحرار من الثوار أن يؤازروا الرئيس في معركته الشرسة كي يطبق خطته لترويض مؤسسات الدولة العميقة، أو على الأقل (ينقطوه بسكاتهم)، لكن الذي حدث كان على النقيض من ذلك، إذ امتدت أيدي كثير من رفاق الأمس بالخناجر الغادرة إلى ظهر الرئيس، ومن أشهرها: ضعيف، ديكتاتور، فاشل، أخونة... إلخ، .
وبلغت الكارثة مداها حين حملوا على أكتافهم من قتلوهم وفقئوا عيونهم بالأمس، وسلموهم حكم مصر بغبائهم وبالصمت.
ووقع الفارس النبيل مرسي وسط ساحة المعركة لا بسيوف الأعداء العبيد– مؤسسات الدولة العميقة وأتباع المجرم مبارك– وإنما بخناجر الأصدقاء الألداء، لكنه كان بطلاً فلم يُسقط الراية أو يسلمها، بل ظل قابضًا على الجمر رافعًا راية الشرعية.
وقع سيد الشهداء حمزة بطعنة غادرة، ووقع سيد شباب أهل الجنة الحسين بغدر أهل العراق، ووقع قيصر بيد صديقه بروتس، وهكذا لو أتينا بأعظم المحاربين وطُعن من الخلف لما استطاع الصمود، لذا علينا أن نعلم أن ما حدث كان بقدر الله تعالى، وأن قدره كله خير، فلا نبكِ على اللبن المسكوب.
قد (يتفذلك) متحذلق ويقول: ولماذا لم يصارح الرئيس مرسي شعبه بحقيقة الأوضاع؟، وأنا أسأله: كم مرة صرخ الرئيس: "لا عودة للنظام القديم" ، "أنا شايف صوابع بتلعب" ، "اوعوا الثورة تتسرق منكم" ؟!، ثم لمن كنت تريد أن يشتكي الرئيس: إلى عدو يحاول إفشاله ويتمنى سقوطه؟! أم إلى صديق غادر كل همه إعادة الانتخابات؟!، .
أما إن كنت تقصد أن يشتكي للكرام الحريصين على دولة الحق والعدل، فسأريحك وأقول لك: إنهم كانوا وما زالوا يكافحون ويعانون كما يعاني الرئيس، وها هم- وحدهم- يدفعون من دمائهم الزكية وأرواحهم النقية ضريبة الحرية والكرامة للجميع.
دعونا من الانشغال بالجدال، وعلينا أن نفكر في ما سنفعله لإزاحة هذا الكابوس الذي جعل من مصر وأهلها أضحوكة العالم، وليلتف المصريون الأحرار الشرفاء– وبخاصة بعض ثوار 25 يناير و30 يونيو الذين أفاقوا مؤخرًا– حول راية الشرعية الشعبية التي ما زال البطل الرئيس محمد مرسي يرفعها، وبعد الانتصار يعود الأمر للشعب بحق، فيقرر من ينوب عنه في إدارة دولته.
وأخيرًا، رسالة خاصة للرئيس الحبيب محمد مرسي:
- يا أخا يوسف الصديق، أيها الإمام العادل.. طبت وطاب مسعاك، وتبوأت في قلوب الأمة ما أرضاك.
- نسأل الله السميع العليم مجيب المضطرين، أن يعيدك عزيزًا لمصر، فتغيثها في السنوات العجاف المقبلة عليها، وتجبر كسر أهلها، وتداوي جراحها، وتلم شعسها، لتنهض من عثرتها.
المصدر
- مقال:خالد إبراهيم يكتب: الرئيس مرسي مروّض الوحوشموقع:إخوان أون لاين