حوار مع إبراهيم عيسى ومقال (الجماعة المسجونة)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

حوار مع إبراهيم عيسى ومقال (الجماعة المسجونة)

بقلم د / محمد البلتاجي

د. محمد البلتاجي

طوال مشواره الصحفي ظل الأستاذ إبراهيم عيسى على أدائه المتميز، تتفق وتختلف معه كثيرًا، لكنك تبقى على احترامك له، فهو يكتب ما يؤمن به, ثم إنه استطاع أن يرفع سقف الأداء الصحفي في جريدته إلى حدٍّ تكاد تراه بلا سقف, ومن ثمَّ كانت لكتاباته أهميتها ولآرائه خطورتها ولجريدته مصداقيتها.

وللحق فإن مقالَه (الجماعة المسجونة) يستوجب الوقوف معه، وإلا تسرَّبت منه العديد من الرسائل السلبية والخطيرة؛ ليس على الإخوان فحسب، بل على مسيرة الإصلاح والتغيير والأمل في صناعة مستقبل أفضل لهذا الوطن، ولا أظنه قصد هذا يقينًا, أقول هذا لمعرفتي به وبأدائه أولاً، ولأني ضد الاتهام والتخوين وأخذ الناس بالظنون ثانيًا.

وقد اتصلت بالأستاذ إبراهيم عيسى في نفس يوم صدور المقال بجريدة (الدستور- 1/7/2009م) ودار بيننا حوارٌ أعتقد أنه من المفيد تسجيله:

  • أولا:ً يا أستاذ إبراهيم، أنت لست في حاجة للتأكيد أن اتصالي بك الآن للعتاب بشأن مقالك (الجماعة المسجونة)؛ يأتي في سياق اهتمامنا برأيك ومصداقية جريدة (الدستور) لدينا، وإلا فأنت تعرف أن هناك عشرات من الصحف والكتَّاب ليس لهم مهمة إلا شتمنا والهجوم علينا بشكل يومي، ونحن لا نهتمُّ لا بمناقشتهم ولا بالرد عليهم.

ثانيًا: قد أتفهَّم دوافعك النبيلة لمثل هذا المقال، لكنْ ألا ترى أن القيام بجَلدنا من إخوتِنا في النضال في نفس الوقت الذي يذبحنا فيه خصومُنا غيرُ مقبول ولا مبرَّر ولو من ناحية التوقيت؟!

    • يا د. بلتاجي، لكم حق العتاب, لكن أنتم وحدكم أمل هذه الأمة، ومن ثم وجب علينا أن نستفزَّكم لفعل شيء؛ ليس فقط من أجلكم، ولكن من أجل هذه الأمة.


  • قلت لحضرتك أني أتفهَّم هذا الغرض النبيل, ليس هذا فحسب, بل أؤكد لك حاجتنا لمن ينتقدنا ويقترح علينا ويُبدع معنا في وسائل مواجهة هذا الظلم الواقع علينا وعلى الأمة, لكن بالمناسبة يا أستاذ إبراهيم، لماذا لم تذكر في مقالك (ماذا يريد إبراهيم عيسى من الإخوان؟!) فتكون قد أسدَيت لنا وللأمة الكثير.. أكرر نحن في حاجة إلى مقترحات عملية، ونرحِّب بها، شريطة أن تدور داخل إطار التغيير السلمي الذي نسير عليه، ولن نتزحزح عنه أبدًا.
    • أنا اعتبرت التفاصيل هذه شأنًا يخصكم وحدكم, وطبعًا أنا لا أقصد فوضى ولا عنفًا، لكنه العمل السلمي, وهي إذن وجهات نظر تحتاج للنقاش حولها, وقد علمت أنك تريد أن تكتب ردًّا على هذا المقال، وأنا أرحِّب بذلك، فالجريدة جريدتك.


  • أشكرك، وأنا في الحقيقة اتصلت لاستئذانك في الردِّ على المقال، وأكرِّر تقديري لكم، وواضح أننا في حاجة للقاء والحوار وتفهُّم مواقفنا عن قرب.
    • نرحِّب بالزيارة، ويُسعدنا التنسيق للقائكم. (انتهى الحوار الهاتفي).
إبراهيم عيسي

وأغلب ظني أنني لو أرسلت هذا المقال للجريدة فسيتم نشره، وهذا يزيد من مصداقية الجريدة لدى قرائها، ولكني آثرت نشر هذا الرد في (إخوان أون لاين) موقع الجماعة, واخترت التعقيب المباشر على عباراته التي وردت في المقال على النحو الآتي:

يقول: "ثم تتلقَّى سيدات وبنات شريفات عظيمات من عائلات الإخوان اعتداءات سفيهة وخسيسة من أفراد أجهزة أمنية، أثناء محاكمات الإخوان، ولا يصرخن (وامعتصماه)، ولا تنجدهن نخوة جماعة ولا فروسية تيار، ولا تنتفض عروق كبرياء تردُّ وتصدُّ عن الزوجات والأمهات الصفعة والركلة واللكمة، بل كاظمين للغيظ يحسبونه إيمانًا".

هذا التهييج والاستفزاز والتصوير بالمبالغة في المشهد؛ لو صدر عن غيرك لقلنا إنه يحاول الدفع بشبابنا واستدراجه لسلوك سبيل الانفعالات والردود التي تخرج عن المنهج السلمي للتغيير، ولعل بعضهم تستهويه قراءة سطحية لنصوص تقول إن من قُتِلَ دون عرضه فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ويتناسَون نصوصًا ربَّت الجماعة المسلمة الأولى على ضبط النفس وعدم الاستجابة لاستفزازات السفهاء، بل عدم الدخول في معارك جانبية تُلهي عن أصل معركة التربية والإصلاح والتغيير.. ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)﴾ (إبراهيم) ﴿لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ﴾ (المائدة: من الآية 28) ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ (النساء: من الآية 77)، أو يتناسون قتل سمية برمح أبي جهل في موطن شرفها, ويتناسون ضرب أم سليم بالسيف في وجهها ورسول الله وخيرة أصحابه إلى جوارها, ويتناسون تعليق زينب الغزالي من قدمها وإطلاق الكلاب والأوغاد عليها، فضلاً عن حبسها سبع سنين, ويتناسون كيف مضت قافلة الإيمان في طريقها إذا خاطبها الجاهلون تقول سلامًا، وكيف مرت أيام ليست بالطويلة في عمر الأمم؛ فإذا بالظالمين في مزبلة التاريخ، يطويهم النسيان بينما هؤلاء الذين كانوا بهم يتغامزون وعليهم يتضاحكون صاروا محل فخر وشرف الأمة إلى يوم الدين، لعلك- أخي- تذكر بلالاً أو لعلك تذكر سيد قطب وكيف بقي عطر ذكراهم، بينما كان مصير جلاديهم الخزي والهوان واللعنات في الدنيا قبل الآخرة.

يقول: (ثم إذا بهم يتعرضون للعصف الأمني الأسبوعي وشبه اليومي فيما يشبه الخطف البوليسي لكوادرهم؛ فإذا بالصمت ردًّا، والسكوت جوابًا والصبر احتسابًا، كأنهم تبنوا فجأةً نظرية المهاتما غاندي فيتصاعد العصف إلى عاصفة أمنية تأخذ عددًا من كبار قياداتهم وأعضاء في أعلى قيادة للإخوان، ويتم الزج بهم في قضايا وتهم وسجن وسجون، فيكون الرد الوحيد الذي يملكه الإخوان (هو ما لا يملكون غيره) مزيدًا من الصبر؛ مما يعطي لمراقب الموقف إحساسًا بأن هذا هو هدفهم أن يكونوا ضحية!).!

هل يليق بمنصف محب للحق والعدل بدلاً من أن يتوجه للجزار باللوم والتشنيع والهجوم؛ فإذا به يمسك بالكرباج يجلد المظلوم، ويتهمه أنه هو المحب لدور الضحية؟؟

نحن نتفهم أن يكون هناك دفع للتفكير في ضرورة محاولة تغيير قواعد اللعبة ليتوقف هذا النزيف في الطاقات البشرية العظيمة، وهذا واجب لا نختلف عليه؛ لكن هذا الدفع وهذا التحفيز له وقته ومكانه وأسلوبه الذي لا أظنك تخطئه.


يقول (المشكلة أن جماعة الإخوان..... كهؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة، لا يفعلون بها شيئًا، ويدفنونها في جب أو سرداب، لا عمروا بها الأرض ولا زرعوا بها الجدب، ثم هي جماعة يتصارع فيها حب البقاء مع حب الوطن ولا ينتهي الصراع أبدًا، فالجماعة تظل باقية (ضعيفة ومسلولة ومشلولة وخائفة على نفسها) ويبقى الوطن في حاجة لمن يحبه أكثر ممن يحب البقاء فيه!).

القول بأن الإخوان لم يفعلوا شيئًا، ولم يعمروا أرضًا، ولم يزرعوا جدبًا، وأنهم فقط يحبون البقاء؛ يبطله قولك أنت إنهم يملكون الذهب والفضة– وأنت تعني بالطبع الثروة البشرية التي يمتلكها الإخوان كمًّا ونوعًا– قل لي- بربك-: من أين جاءت هذه الآلاف- بل الملايين- في كافة أقطار الأمة (تلك التي تسلحت بالعقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والخلق القويم والثقافة والفكر الراشد، وتميزت في مجالات عملها، وتفوقت ثم هي بعد ذلك لم تعش لنفسها؛ بل لأمتها عاشت تقدم الخير لغيرها وتدل عليه، وتتقدم الصفوف للإصلاح مؤثرة التضحية والغرم على المال والمناصب والمغانم، ولو أرادت عرضًا من هذا لسبقت غيرها في تحصيله)؟ أو ليست هذه الثروة البشرية التي تتفاخر بمثلها الأمم هي غرس وزرع ونبت دعوة الإخوان؟.. ثم هم في ميادين العمل الخيري والاجتماعي والإصلاحي ينبتون الخير لمجتمعاتهم في ساحة كل مسجد وجمعية ونقابة ونادي ومدرسة وجامعة, ثم هم في قضايا الأمة حاضرون رغم التحديات والتهديدات لا يبالون!

قل لي: من وقف يدعم القضاة في استقلالهم، والصحفيين في حرياتهم، والطلاب في حقوقهم غير الإخوان وتحمل في سبيل ذلك ما تحمل؟

قل لي: لماذا يجمع المراقبون على أن الدافع الرئيسي وراء التفكير في حل البرلمان هو المجيء ببرلمان آخر ليس فيه الإخوان– وإن استبدلت مقاعدهم بمعارضة حزبية على النحو الموجود في مجلس الشورى لا يحرك ساكنًا؟

قل لي: من كان للأمة في كل قضاياها في العراق وفلسطين والسودان وأفغانستان والبوسنة وغيرها سوى الإخوان، ومعهم عشرات من الشرفاء (قلت أنت على أحسن تقدير إنهم لن يبلغوا الـ300 مناضل)؟.


يقول: (كما يبقى الإخوان في خزانة مدخرات النظام للجوء إليهم في التعبئة ضد الغرب وأمريكا متي لزم الأمر والاستخدام المنضبط لهم في الديكور الديمقراطي، ولعلك تتذكر أن معظم- إن لم تكن كل- المظاهرات الإخوانية التي تجاوزت الثلاثين والخمسين ألفًا من المواطنين تمت بموافقة وبتوافق سابق بين الأمن والإخوان، ولم يحدث أن فاجأ الإخوان النظام بمظاهرة ولا فاجأ الأمن الإخوان بالتسامح مع مظاهرة غير متفق عليها، ولا كانت مظاهرات الإخوان بعشرات الألوف إلا بناء على حساب محسوب وكذا في مدن غير القاهرة وبشعارات ملتزمة ومهذبة مع منع مشاركة أي فريق سياسي في مظاهرات الإخوان المعدة سابقة التجهيز؛ حتى لا ينفلت الفالتون من غير الإخوان إلى غير ما اتفق عليه الأمن والإخوان).

الحديث عن تنسيق واتفاق وموافقات أمنية لتظاهرات الإخوان مغالطة ومجافاة لحقائق التاريخ، فضلاً عن مخالفته لبديهيات القراءة السوية لمشهد الصراع بين الإخوان والنظام- أذهلني أن يقع في هذه المغالطة والقراءة الخاطئة الأستاذ إبراهيم عيسى وأنا أذكره:

أولاً:أن المرة الوحيدة التي تم فيها خروج مظاهرة بتنسيق مع أجهزة الدولة كانت المظاهرة ضد الغزو الأمريكي للعراق بإستاد القاهرة, ولا يتصور دخول 200ألف مواطن لإستاد القاهرة دون ترتيب مع الأجهزة المعنية.

ثانيا: أتذكر يوم مظاهرة دعم القضاة (18-5-2006م) والتي اعتقل فيها المئات من الإخوان، وعلى رأسهم د. محمد مرسي، ود. عصام العريان؟ لعلك نسيت أن هذه المظاهرة تمت رغم بيان التحذير الذي أذاعه السيد وزير الداخلية في الليلة السابقة للمظاهرة، وهدد فيه أي تحرك أو نزول للشارع.

ثالثا: هل يقول منصف إن مظاهرات القاهرة لدعم غزة أثناء العدوان الصهيوني الأخير عليها (والتي اعتقل فيها قرابة الألفان من الإخوان، والتي هي أيضًا السبب الرئيسي لدخول العديد من قيادات الإخوان في القضية الأخيرة والتي قد تتحول لقضية عسكرية) تلك التظاهرات التي كانت ضد الموقف المصري الرسمي وتواطئه أكثر مما كانت ضد العدو الصهيوني, وقد سعت الحشود الأمنية الكثيفة لقمعها فما أفلحت، وتسببت هذه التظاهرات في حرج شديد للنظام في الداخل والخارج، أيقول منصف أنها كانت باتفاق مع الأمن؟!

رابعًا: أما حديثك عن الاستخدام المنضبط في الديكور الديمقراطي؛ فلعلي أذكرك بمواقفنا الحادة من النظام يوم أزمة القضاة إياها، ويوم التعديلات الدستورية التي قاطعناها، ودعونا الشعب لمقاطعتها، وفي أحداث العدوان الصهيوني- على لبنان ثم على غزة- وكيف اختلفت مواقفنا مع النظام مائة وثمانين درجة، وقدنا حراكًا شعبيًّا يتهم النظام ومواقفه الرسمية في كل محافظات مصر، فضلاً عن البرلمان والإعلام؟؟ أم لعلك نسيت معركة معبر رفح التي لم تنته بعد والحملات الشعبية لفك الحصار؟؟ أم قيامنا بسحب الاستجوابات من المجلس ورفضنا للاستخدام في الديكور الديمقراطي يوم قام المجلس بمعاقبة النائب المستقل سعد عبود؛ بسبب اتهاماته للداخلية؟؟

لن أسهب– أخي- في التذكير بالمواقف فهو واجب أديناه أرضينا به الله وإن أغضب علينا النظام وإن دفعنا ثمن ذلك من حرياتنا.. لكن قل لي بربك هل من فارق بين أداء المعارضة في مجلسي الشعب والشورى إلا بسبب وجود الإخوان في الأول(دون الثاني)، ومن ثم الحديث عن قرب حل الأول (دون الثاني) استعدادًا لسيناريوهات الرئاسة القادمة.

يقول: (ماذا تريد الدولة من الإخوان المسلمين من الآن وطالع؟

الدولة تريد من الإخوان أن يلعبوا دور المعارضة على ألا يأخذهم الدور ويندمجوا فيه «قوي» وأن ينسقوا مع جهاز أمن الدولة: من الذي سينجح منهم في الانتخابات؟.. ومن سيسقط؟ بل من يتم القبض عليه ومن يتم الإفراج عنه؟ ويتم توزيع نصيب الإخوان "أزيد حتة من "الوفد" و"التجمع" في أي انتخابات أو حتى تعيينات شورى، ثم يدعمون الدولة بفتاوى وبيانات ضد الإرهاب ويتفقون معها على كيفية التعامل مع السعودية وحماس، فضلاً عن لجم دور التنظيم الدولي الذي لا مانع من إدارة علاقة بينه وأجهزة الأمن المصرية أرفع.. وكذا ضرورة أن يلعب الإخوان مع إدارة الشئون العربية في أمن الدولة بالهجوم على الشيعة وإيران واستخدام رموز من الإخوان في حملات حكومية ضد دولة ما أو زعيم ما.. وهو السيناريو نفسه- مع بعض التعديلات- الذي رسمه السعوديون في المملكة لتعاملهم وتعاونهم مع الإخوان منذ أوائل الستينيات، لكن جماعة الإخوان تمردت منذ البداية على كل هذه الأطواق لأسباب دينية وسياسية، ولأسباب لا أعلمها.. والتزمت بما ألزمت به نفسها فقط، وهي تذهب وتجيء وتتمنع وتتوافق أحيانًا.. وأظن أن الضربات المتلاحقة قد تجبرها على شيء من هذا إن لم يكن هذا كله).

قل لي: بربك، متى حدث في السابق قديمًا أو حديثًا أن استخدم النظام المصري أو غيره الإخوان ديكورًا أو استعملهم أداة في معاركه الشخصية في الداخل أو الخارج, الحمد لله أنك شهدت ضد ما تقول، فقلت في نهاية كلامك (لكن جماعة الإخوان تمردت منذ البداية على كل هذه الأطواق لأسباب دينية وسياسية، ولأسباب لا أعلمها.. والتزمت بما ألزمت به نفسها فقط) إذا كانت هذه شهادة التاريخ طوال ثمانين سنة تؤكدها أنت، فمن أين يأتيك ظنك العلمي أن الضربات المتلاحقة قد تجبرها على شيء من هذا إن لم يكن هذا كله؟ (هل هذا منطق الاستقراء التاريخي النزيه؟؟) قل لي بربك ماذا صنعت الضربات المتلاحقة والتي هي- بمقاييس اليوم- ضرب من الخيال لا يتصوره بشر؟؟ وهل أجبرت الإخوان على أن يكونوا غير ما أرادوا هم لأنفسهم؟ أنت أجبت على نفسك.

أما الحديث عن علاقة وتنسيق أرفع بين التنظيم الدولي للإخوان وأجهزة الأمن المصرية!! فهل هذا يتماشى مع– وبمناسبة- القضية التي طالت حتى الآن أكثر من ثلاثين من قيادات الإخوان العليا، ويبدو من المشهد أنها في طريقها لمحكمة عسكرية جديدة؟؟ وهل يليق تشويه صورة هذه المؤسسة وهؤلاء الأفراد بهذا التوصيف، وهم رهن الحبس، وقادمون على ملحمة جديدة وفصل جديد من الظلم والعسف دون جريرة؟! (حتى وإن كان الحديث تحت عنوان: ماذا يريد النظام من الإخوان من الآن فصاعدًا).

يقول: (هذا يقتضي بنا أن نسأل أولاً: ماذا تريد قوى معارضة مبارك ونظامه من جماعة الإخوان المسلمين؟ تريد أن تعلن قوى المعارضة عن مظاهرة فلا تتمكن من تجميع ثلاثمائة شخص، فيلحقنا الإخوان بثلاثة آلاف حتى تصبح المظاهرة حاشدة وجماهيرية بشرط ألا يرفعوا أي شعار لهم، ولا يظهروا باعتبارهم الأقوى، ويريد المعارضون من الإخوان أن يخرجوا في مظاهرات واعتصامات واحتجاجات تملأ شوارع مصر ضد مبارك والتوريث، وليس مهمًّا أن يتم القبض على ألفين أو خمسة آلاف إخواني، المهم أن نواجه مبارك حتى آخر إخواني، أما المعارضة قليلة العدد والعدة فهي ستندد على استحياء بالمحاكم العسكرية للإخوان وبالقبض عليهم، والمعارضة تريد من الإخوان أن يغيروا برنامجهم السياسي، فلا يتكلمون عن أن «الإسلام هو الحل»، وبعض المعارضة يريد أن يقنع الإخوان بأن الليبرالية هي الحل، وبعضها الآخر يريد أن يقنعها بأن الاشتراكية هي الحل، والمعارضة- يا للغرابة- تريد من جماعة الإخوان أن تقتنع، والمعارضة تريد من الإخوان ألا تتفاوض مع الدولة أبدًا، بينما ممكن المعارضة تتحاور وتتفاوض، فإذا توقفت الدولة عن سجن الإخوان يبقوا عملوا صفقة مع بعض، وإذا نجح الإخوان في الانتخابات يبقى وافقوا على تمرير التوريث.. ولهذا الدولة سابتهم.. وإذا سجنت الحكومة الإخوان يبقى لأن الإخوان عقدوا صفقة مع الأمريكان والحكومة كشفتهم).

يا أخي نحن نعلم الكثير مما تقول وأكثر مما ذكرت, لكنا لم ولن نتحدث بمثل هذا الحديث الذي ستكون الرسالة من ورائه (لا الإخوان قادرين ولا غيرهم فالحين، فيا أيها الناس لا أمل لكم في هذا الوطن في غد كريم إذ لا أحد ممن تظنون يصلح للدفاع عن مصالحكم، إذًا فلتريحوا أنفسكم، ولتعيشوا يومكم، وليأت من يأتي، وليذهب من يذهب، فأي أحد مثل أي أحد، فالجميع إما فاسدون أو عاجزون) وهي رسالة نربأ بأنفسنا وبك عن قصدها.


يقول: (ها أنا أعرف ماذا تريد الدولة من الإخوان.. وما الذي يريده المعارضون من جماعة الإخوان.. بقي أن أعرف ماذا يريد الإخوان من أنفسهم، أو ماذا كان يريد الإخوان من أنفسهم؟!).

إن لم يكن مثلك قد وضح لديه ماذا كان يريد الإخوان، وماذا يريد الإخوان؛ فنحن مقصرون، وعلينا إعادة صياغة أدبياتنا وخطاباتنا من جديد، لكن الثابت لدينا أننا نعرف ما نريد، ولسوف نكرر الحديث عنه في مقام ومقال آخر)


يقول: (مرة أخرى ليست لدي اقتراحات للإخوان، وليس هذا شأني).

لا يا أخي.. نحن في حاجة ماسة تفرض عليك وعلى كل مخلص لهذا الوطن وهذه الأمة أن يتقدم لنا بالنصيحة وبمقترحات عملية تمكننا من الوقوف ضد الفساد والاستبداد والاعتداءات المستمرة علينا وعلى حريات هذا الوطن؛ شريطة ألا تخرج الاقتراحات العملية عن إطار التغيير السلمي؛ لأننا لن نستبيح حرمات هذا الوطن، فنحن نحبه وإن أكرهنا على الخروج منه بإزهاق أرواحنا سنفتديه بأرواحنا دون أن نحيله لشلالات دماء ولا أن نقسمه شيعًا أو طوائف.

في هذا الإطار نطلب من قياداتنا أن تفكر وتقرر، ونطلب من أفرادنا أن يقترحوا، ونطلب من شركائنا في النضال الوطني أن ينتقدوا أداءنا، ويفتحوا علينا بكافة الوسائل التي تجعلنا قادرين على وقف هذه الاعتداءات والانتهاكات والتجاوزات سواء علينا أو على شعبنا ووطننا، ولعلها فرصة الآن لإدارة حوار حول هذه الإبداعات والأفكار والوسائل، وما أظن قيادتنا إلا مرحبة بها ومستجيبة لها.

يقول: (لكن الأزمة الحقيقية هنا أنه لا يمكن أن تتحرك أي قوى وطنية في مصر نحو النضال من أجل التغيير والإصلاح دون وجود ومشاركة الإخوان، ولا يمكن أن يتحرك الإخوان وحدهم دون مشاركة بقية التيارات والقوى).

هذه الحقيقة نقرها ونؤمن بها ونفهم أنها تفرض تعاونًا وتنسيقًا ومشروعًا مشتركًا لكافة المخلصين لهذا الوطن بدلاً من تبادل الاتهامات والتخوينات، ودون أن نترك الواقع المرير يودي بنا في غياهب اليأس والقنوط والاستسلام لمقولة (ومن ثم فالمعارضة لا تبرح مكانها؛ وهو ما يجعل الحكم لا يبرح مكانه أيضًا!).

إجمالاً أقول: لقد شاركت رسالة مقال (الجماعة المسجونة) في تحقيق ذلك الهدف الذي يقول الأستاذ إبراهيم إن النظام يسعى إليه من اعتداءاته المستمرة على الإخوان، وهو (إنهاء الهيبة، وضرب الرهبة، وسحب جماهيرية الإخوان القائمة على أنه الفصيل الوحيد المعارض القادر على مواجهة النظام وتحويل هذه الجماهيرية من تعاطف إلى عطف وشفقة)، بل أقول إن الرسالة التي وصلت للقارئ من المقال هي (انفضوا أيديكم من هؤلاء، فليس فيهم من أمل لكم, بل ولا يستحقون حتى الوقوف معهم ضد جلاديهم, بل ولا البكاء عليهم) وهي رسالة لا أتصور أن تكون مقصودة من الأستاذ إبراهيم على هذا النحو.


أخيرًا: (والنقد هنا لنا نحن ) أؤكد أنه يجب علينا وإن كنا لن نتزحزح أبدًا عن منهجنا السلمي في التغيير والإصلاح, وإن كنا سنظل متسلحين بالصبر الجميل مهما وقع بنا, لكن لا بد لنا أن نعمل كل الوسائل ( وهي كثيرة!!) لمحاولة التصدي للنزيف الحاد والمستمر لنا في طاقاتنا البشرية والتصدي لمؤامرات التشويه والانتقاص من رصيدنا، والتصدي لتسيير عجلة الإصلاح للخلف بعد أن قطعت أشواطًا للأمام وعلق الناس عليها آمالاً, أتفق مع الأستاذ إبراهيم في أن الإخوان يجب أن يدركوا أنهم أمل الأمة، ومن ثم وجب عليهم أن يبدعوا فكرًا وعملاً يحفظ على الناس آمالهم، وهذا واجبنا وليته يساعدنا مشكورًا


المصدر : نافذة مصر