حـالنــا مــع رمضــــــــــان (2/2) وقفة محاسبة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
حـالنــا مــع رمضــــــــــان (2/2) وقفة محاسبة


الجمعة 19 يونيو 2015

كفر الشيخ اون لاين | خاص

التخلي عن القبائح لا يتأتى إلا بالتفتيش عنها والاعتراف بها والندم على فعلها، ولهذا لابد للنفس من وقفة محاسبة، نتأمل ما انصرم من الأيام، وما ارتكبت النفسُ فيها من الآثام، ونتذكر أن كل لحظة تمرُّ من عمرنا تقربنا إلى الآخرة، قال عليٌ بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه: "ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكلَّ واحدةِ منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل" أخرجه البخاري.

وقد أمرنا الله بمحاسبة أنفسنا فقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(18)وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (19﴾ الحشر)، وكما في حديث شداد بن أوسٍ عند الترمذي وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الكيِّسُ من دانَ نفسَه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسَه هواها وتمنى على الله الأماني".

وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا ، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتجهزوا للعرض الأكبر (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ )" ونقل ابن القيم عن الحسن أنه قال : ( المؤمن قوَّام على نفسه يحاسب نفسه لله ، وإنما خفَ الحساب يوم القيامة على قومٍ حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقَّ الحساب يوم القيامة على قومٍ أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة).

فإذا أردتَ حياة المقربين، فالزم محاسبة نفسك، واجعل محاسبة النفس أنجع الأدواء لكل داءٍ، وأرجى الشفاء من كل سقمٍ وبلاءٍ، فلو أن لك شريكاً في الدنيا يحاسبكَ لحاسبْتَ نفسك قبل أن يحاسبك، ولله المثل الأعلى سبحانه ليس شريكك ولكنه مليكك.

فاستقم كما أمرت:

بعد أن تَخْلُص النفس من المحاسبة، لابد مع النفس من المجاهدة وأخذها بالعزيمة على الالتزام بفعل الخيراتِ، والاستقامة على الطاعاتِ، والامتثال لأمر الله مهما لاقت من صعوباتٍ، وفقدت من شهواتٍ.

فإن الله عزَّ وجلَّ يأمرنا: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هود :112، وقال صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه نصيحةً لا يسأل أحداً غيره بعدها: "قل آمنت بالله ثم استقم" . رواه مسلم

فاستقامة النفس على صحيح الإيمان، تُثْمِرُ جلاءَ القلوب، وسموَّ الروح، وعلوَّ الهمة، والأمانَ التام، والفرحَ عند لقاء الرحمن، وانتفاءَ الأحزان، والبشرى بالجنان، وولاية الملك الديَّان.

فليكن استعدادنا لرمضان بأخذ العهد على النفس بلزوم الاستقامة التامة لكل الجوارح والأركان، فيستقيم اللسانُ، والعينُ واليدان، والسمعُ والرجلان، ويستقيم الجنانُ.

ضع لنفسك جدولاً زمنياً يومياً تملؤه بالطاعات والعبادات منذ أن تصبح إلى أن تمسي.

حاول تهيئة كل من حولك من الناس لفعل الخير والعمل الصالح مستغلاً روحانيات رمضان.

احصر بعض الأقارب والأرحام والأصدقاء وجدد علاقتك بهم وقوِّها خلال هذا الشهر من خلال زيارةٍ أو اتصالٍ هاتفيٍّ أو رسالةٍ من المحمول أو دعوتهم إلى وليمةٍ، واسأل عن مريضهم وطلَّابهم ومسافريهم وكبرائهم، وشاركهم في مناسباتهم، وأعرض نفسك دوماً عليهم أن تكون في خدمتهم، واستعن على ذلك كله بالدعاء والإخلاص، وتضَرَّع إلى الله دوماً أن يثبت القلوب على الطاعة، وأن يهدينا إلى الصراط المستقيم، وأن يثبتنا عليه.

لا يزال لسانُك رطباً بذكر الله

فرمضانُ الخير يتطلب أن نتدرَّبَ من الآن على كثرة الذكر وأن نتذّكر دائما أن مَثَل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثلِ الحيِّ والميتِ, وأنَّ الذكرَ يزيلُ الوحشةَ بين العبد وربه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما تذكرون من جلال الله التسبيح والتهليل والتحميد, يتعاطفن حول العرش لهنَّ دوىٌّ كدويِّ النحلِ, يذكرن بصاحبهن, أفلا يحب أحدكم أن يكون له مما يذكر به ؟". ومن لمحات جمالِ الذِّكر, أن الإكثارَ منه والدوامَ عليه فيه عوضٌ لمن لا يستطيع أن يفعل الطاعات التي تحتاج قوة في المال والصحة بدليل ما جاء فى صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال وما ذاك؟ قالوا يصلُّون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلا أعلمكم شيئا تدركون به مَنْ سبقكم وتسبقون به مَنْ بعدكم؟ ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم"، قالوا بلى يا رسول الله، قال: "تسبحون وتكبرون وتحمدون دبرَ كلِّ صلاةٍ ثلاثا وثلاثين مرة"، قال أبو صالح فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".

والذكر يَسْكُبُ راحةً في النفس، وقوةً في البدن، وطمأنينةً في القلب، " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ", ومن حسن الطالع للذاكرين، أن الشواهد فى أرض الله للذاكرين تشهد لهم, فالأماكن والخلائق التي تذكر الله عندها تشهد لك يوم القيامة، جاء فى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: "يومئذ تحدث أخبارها (4) الزلزلة"، قال: "أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كلِّ عبدٍ وأمةٍ بما عمل على ظهرها, أن تقول: عملتَ علّيَّ كذا يوم كذا وكذا".

هل ذهب أهل الدثور بالأجور ؟

فليكن لك من الأوراد ما تستجلبُ بها من الله الأجورَ، لتنوبَ هذه الأوراد والأفعال الراتبة في حياتك والتي لا تكلفك كثيراً من الجهد والمال، عن التطوعاتِ الكثيرة التي تستغرق الجهد والوقت والمال, تتبارى بذكرك للرحمن مع أصحاب الدثور، أنفق من وقتك وعلمك جهاداً ودعوة، رابط ولو ساعة في سبيل الله ، حٌضَّ على إطعام المساكين، إمشِ في حاجة أخيك حتى تقضيها له، فإن لم تقضَ فقد بذلت الوسع وكسبت الأجر، انصر المظلوم ولو بكلمة، أصدع بكلمة الحق، وادفع الظلم عن المظلومين بقدر ما تستطيع، أدخل السرور على قلب مسلمٍ ، لا تحقرَّن من المعروف شيئاً، وليس أقل من أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ، فالابتسامة في وجه أخيك صدقة، وليكن لك زادٌ يوميٌّ من القرآن تلاوة ومراجعةً وحفظاً وتدبُّراً، وليكن لك مع بيوت الرحمن مودة وصلة، ومع الصفوف الأولى تلازم، ومع السنن الرواتب حفظٌ ودوامٌ، ومع قيام الليل لمحاتٌ ومحطاتٌ، ومع السجود مذلةٌ وعبراتٌ، ومع الجيران ودادٌ ورحماتٌ، ومع الأهل عشرةٌ وتسابقٌ إلى الخيرات، ومع التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل صولاتٌ وجولاتٌ، كن من المشَّائين لبيوت الله في الظُلَمِ تفوز بالنور التام يوم القيامة، كن من المستغفرين بالأسحار، تزوَّد بخير زادٍ إلى يوم المعاد، وإن خير الزاد التقوى:

تزود من التقوى فانك لا تدري ** إذا جنّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ

فكم من فتىً أضحى وأمسى ضاحكاً ** وقد نُسجت أكفانه وهو لا يدري

وكم من صغار يُرتجى طولُ عمرِهم ** وقد أُدْخِلتْ أجسادُهم ظلمةِ القبرِ

وكم من عروسٍ زيَّنوها لزوجها ** وقد قُبِضَتْ أرواحُهما ليلة القدرِ

تذكَّر الموت

تذكر أن الموت أقرب لك من شراك نعليك، وتذكر من كانوا بالأمس معك، حالت آجالُهم دون آمالهم، وانفرط عقدهم، وطُويت صحائف أعمالهم، فلا تَنَمْ إلا ووصيتك تحت وسادتك، تخفف من ديونك فإن السدادَ يوم القيامةِ خصمٌ من الحسنات أو طرحٌ عليك من السيئات، ولتتذكر باستمرار لحظات الاحتضار وخروج الروح إلى بارئها العزيز الغفار، وأنه قد لا يبلغنا الله رمضان القادم، فاغتنم الفرصة، وخذ من حياتك لموتك، فإنها أنفاسٌ معدودة.

فاللَّهم بلغنا رمضان، وتقبل منا رمضان، واجعلنا فيه من الفائزين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلِّ اللهم وسلِّم وزد وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وسار على دربه إلى يوم الدين. (دكتور/ الغباشي الشرنوبي العطوي..13/6/2025 ghobashyelatawy@yahoo.com)

المصدر