حسن البنا نسر يخفق بجناحيه في سماء الناس (16)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
حسن البنا نسر يخفق بجناحيه في سماء الناس (16)


إبراهيم منير

(11 - 12 - 2015م)

لأنها لم تكن تجمعا بشريا اجتمع من أجل قضية جزئية يسعى لمعالجة هذه القضية .. رغم سمو أي تجمع من هذا النوع يعمل على إقرار الحق وإبطال الباطل، ولأنها لم تكن نفرة في سبيل راية عمِّية جاهلية محكوم عليها بسنة الله بالفناء، ولأنها لم تكن عصبية لجنس ضد جنس أو لقوم ضد قوم أو لزعيم دون آخرين .. لأنها لم تكن كذلك ولا كانت لغير الهدف الأسمى الذي يتجمع في سبيله أي بشر مخلصون ..

كانت جماعة الإخوان المسلمين .. وكان مرشدها الأول حسن بن عبد الرحمن البنا .. حاول وحاولت معه جماعته أن تكون مخلصة لفكرها صادقة في بيعتها لخالق الكون وبارئه سبحانه وتعالى مُنَّزل الكتاب وحافظه والذي بيده ملكوت كل شيء .. والموت والحياة .. ومع اليقين الراسخ بأسس العبودية لله وحده فقد جاءت أسس الفكر التي انطلقت بإذن الله من يقين الإمام وما استوعبه من قرآن ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .. مجتهدا فيه ..

دون ابتداع ودون مصادمة لاجتهاد سبقت به الأمة .. فلا استعلاء على تاريخ الأمة ومجتهديها .. ولا مناجزة لحزب أو تجمع اختار سبلا أخرى لرعاية الخلق وإصلاحهم .. سعيا لتحقيق ما يريد مستترا أو متخفيا أو خادعا للناس بما يفسد على الفكرة أصالتها أو يدخل عليها ما يخدش صفاء نواياها حتى ولو كانت الدنيا كلها .. وبهذا ..

وباجتهاد الإمام وضربه للمثل أمام من بايعه والخَلْق أجمعين .. وباجتهاد الأفراد واندفاعهم دون التخلي عن الضوابط الحاكمة .. بقيت جماعة الإخوان المسلمين وبعد مرور تسعة وخمسون عاما على استشهاد الإمام هي هي جماعة الإخوان المسلمين .. وهو هو .. الإمام الداعية المربي المجتهد حسن البنا .

هل يصف البشر الجبل الأشم بأبلغ ما يقال عنه أنه جبل أشم .. أو يجد بشر وصفا أقوى وأدق للنهر الدافق بغير أنه نهر دافق .. هكذا نرى ويرى معنا الكثيرون من الخلق الإمام الشهيد بأنه حسن البنا ولا غير، والآن وبعد هذه العقود الطويلة التي حاول الكثيرون بعد حادثة مقتله الغادرة

ودفنه تحت التراب أن يعملوا فيه معاولهم للنيل منه فلم يحظوا بغير ما انحط عليهم من غبار التراب الذي وارى جسده الطاهر – بإذن الله – تماما كما يحدث مع الجبل الأشم، أو من حاول أن يكدر ماء النهر ويلقي فيه ما يكدر هذا الماء العذب المتجدد الذي يروي بإذن الله نماء النفوس وطُهر القلوب ولا ينال منه الشانئون أو المحبون

أو الحيارى والقاتلون إلا رداذ الطهر والصفاء كما طالب الإمام به إخوانه (كونوا كالشجرة المثمرة .. يرميها الناس بالحجر وترميهم بالثمر) وهكذا ستظل سيرة مرشدنا الأول - يرحمه الله - متجددة مثمرة تواصل دورها لما خلقها الله لها تماما مثل ما خلق الله سبحانه لأجله الجبال الرواسي والأنهار العذبة دون أن يلحقها سوء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها

ولعل قدر الله الذي جرى عليه بميتة شريفة فور أن بلغ رشده - 42 عاما - وبحال من الدنيا لا يُطغى ولا يفتح بابا للفتنة أو التأويل أو الطعن أو الشبهات في حياته وبعد استشهاده، فلا سلطة يختصم معه فيها الناس ولا مال يدور حوله القيل والقال .. وتراث من الفكر لا يبتدع فيه ولا يرفع به نفسه وإخوانه فوق مستوى عباد الله .. فتزل قدم أحد منهم حين يزل لسانه فينطق بما قد يوسوس به الشيطان إلى نفسه بأنه خير وأفضل عند الله من الآخرين. ليبقى حسن البنا - ولا نزكي على الله أحدا - كمثل (..والسابقون السابقون ..).

في كلمات اختارها الإمام الشهيد سطرها في "مذكرات الدعوة والداعية" وانتقاها من سيرته ورأى قبل أن يأتيه اليقين أن يضعها لإخوانه .. كلمة وجّهها لشباب الجامعة، قال فيها:

ويأخذ الناس عليكم في دعوتكم أنكم لا تحققون مناهجكم في أنفسكم تحقيقا تاما. وأنا مع الناس في أن هذا صحيح إلى حد كبير، فنحن لا زلنا عاجزين عن تحقيق منهاجنا تاما كاملا في أنفسنا. ولا أحب أن نعتذر بأن معظم هذا العجز يرجع إلى الظروف أكثر مما يرجع إلى الأشخاص فإن المقام مقام طموح إلى الكمال لا دفاع عن النقص.
ولكني أحب أن أنبه إلى الفارق بين الإخوان وبين غيرهم في هذا، فإن الإخوان يشعرون من أنفسهم بهذا ويعترفون. على حين يأخذ غيرهم في الدعوى العريضة، ويتسترون بخلابة الألفاظ. والإخوان مع هذا الاعتراف دائبون على طلب الكمال حتى يأخذوا منه بالنصيب الذي قدره الله لهم.

توجيه سيظل يقرع آذان الدعاة والناس جاء على لسان مرشد الجماعة الأول وسيظل دافقا هادرا .. لا هادما ولا مهادنا .. لا مزكيا بل مذكرا نفسه وإخوانه بخطيئة إبليس الأولى (أنا خير منه) التي أوردته مورد الجحيم .. دافعا إلى الكمال .. ورافعا لهمم الدعاة .. إلى حيث يُحلق ذلك النسر الخافق بجناحيه في سماء الناس.

المصدر