حرب غزة (إستحقاقات النجاح وضريبة الفشل )

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث


حرب غزة.jpg

بقلم وائل الحدينى

إسترشاداً برؤية الراحل الكبير د / عبد الوهاب المسيري مر الخطاب السياسي العربي فى تعامله مع الظاهرة الصهيونية بعدد من المراحل ربما توضحها المصطلحات الآتية :

(1)مصطلح إسرائيل المزعومة ، وهو مصطلح ليس له أية مقدرة تفسيرية ربما سوى عدم التصديق العربي بما حدث ، والذي حدث للتذكير به أن كتلة بشرية (متنافرة مختلفة المشارب والجذور واللغات ) جاءت، تحت رايات الاستعمار البريطاني وتدريجياً تبدأ في احتلال الأرض إما بالقوة العسكرية أو من خلال شراء الأراضي إما مباشرةً من بعض كبار الملاك أو بشكل غير مباشر من خلال وسطاء ثم تتحول الكتلة البشرية الغازية، بين يوم وليلة، إلى دولة تستولي على جزء كبير من فلسطين ثم تقوم بطرد السكان الأصليين، يساندها في ذلك العالم الغربي بأسره.

(2) شذاذ الأفاق وهو مصطلح استُخدم في فلسطين للإشارة إلى المستوطنين الصهاينة، ويخلط بين التهوين وعدم التجذر.

(3) مخلب القط وظهرفى منتصف الخمسينيات للدلالة على اعتبار اسرائيل رأس حربة للاستعمار الغربي وهو مصطلح استمر فيما بعد في عبارة "إسرائيل كحاملة طائرات"، باعتبارها "قاعدة الاستعمار الغربي". وهي مصطلحات تقترب إلى حدٍّ ما من الطبيعة الوظيفية للظاهرة الصهيونية.

(4) الدولة الصهيونية ، الدولة اليهودية ، الدولة العبرية ، الكيان الصهيوني .

(5) فلسطين المحتلــة وهو مصطلح يوحي أن وضع فلسطين لم يتقرر بعد وأنها لم تصبح بعد إسرائيل بشكل نهائي .

ربما كان هذا فى الماضي ، فالخطاب السياسي العربي أصبح أكثر تحايلاً فى منطلقاته ، وإلتباساً فى دلالاته ولم تعد فلسطين محتلة ، وإنما أصبحت هناك رؤى واقعية تقتضيها الحكمة تفصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة ،وعلى أساس هذا التقسيم (الإختياري) تم تجميع المبادرة العربية للسلام ، وعلى أساسه أيضاً رصت النظم العربية صفوفها وميزت بين معسكراتها فهناك دول للإعتدال وآخرى للممانعة ، وعلى أساسه تميزت مواقف الدول العربية فى حرب غزة الاخيرة وعليه بنت كل دولة منطقها ، وأعلنت مبرراتها وحركت جيوشها الإعلامية لتخوض غمارحرب قاسية ـ ظنها البعض حقيقية ـ شتتت الجهود وخَلفّت جراحاً ووجد خلالها كثير من المفكرين (المزعومين) والسياسيين (المنهكين) وعوام الجماهير فرصة للهروب من استحقاقات الأُخوة وأبجديات النصرة ونداءات الواجب ! فحينما كانت التظاهرات الحاشدة تتحرك غاضبة فى أوربا كانت العقول العربية المصابة بالزهايمر تُحمل الضحية المسئولية الكاملة عن الحرب !،ثم تعدى هؤلاء حدود المنطق واتجهوا نحو قوى إقليمية بسهام النقد ، ثم توقفوا نحودول عربية وكالوا لها السباب والشتم والذم ! ولا يُعقل أن يحدث ذلك ألا بمباركة سياسية وضوء أحمر(داعر) !

لكنهم فى النهاية نسوا إسرائيل ، وتناسوا المصطلحات الواحد تلو الاخر فلم تعد إسرائيل مزعومة ،ولم يعد الصهاينة شذاذ الافاق ، ولامخلب قط ولم تعد فلسطين محتلة ، لكن بقيت صواريخ القسام وعبثية المقاومة والرواية المفضوحة لما يسمى الامارة الاسلامية المزعومة هى الاسباب والمبررات المقبولة للحرب والقتل والتدمير!

وعلى هذا الأساس أغلق المعبر ومنع المحاصرين كسرة خبز وتلال من الاغذية فى الشاحنات أصابها العطب على بعد أمتارلم يسمح لها بالمرور (هذا ما اقتضته الحكمة السياسية ) !

ربما يظن البعض أن خفايا حرب غزة الأخيرة وتداخل المعطيات والوقائع أصابت الجميع بنوع من البلبلة وعدم الاتزان لدرجة ان كتّاب ومفكرين بدوا متأرجحين فىتحليل أسباب المجزرة عاجزين عن الفهم وكأنهم ضُربوا تيهاً فى حقول ضباب سرمدية أعاقت الرؤية وشلت الدماغ !

هالني أن خبيراً بمركز الاهرام يتحدث عن موقف مصر بالنسبة للولايات المتحدة بأنه عصي على الضغط ويضرب بأحداث غزة مثلاً ، وكأنه كان يتوقع ان تدخل مصر نصرة لسكان اشدود وسديروت تلبية لضغوط أمريكية لكنها استماتت رفضاً . بينما كاتب اخر يختزل الحرب فى نجاح وحيد : نقلت الجزيرة الفضائية مركز الكراهية من أمريكا وإسرائيل ألى قلب القاهرة ، ناهيك عن قمم المجاريح و حديث المزايدات و حكومات الشوارع وأفك التحريض !

فى غزة كتب عنوان الصمود و التحم المرابطون بديارهم وأرضهم رغماً عن الصواريخ ولم يخرجوا منها إلا جبراً فى رحلات خاطفة إلى القبور ليكتبوا نهاية لمزاعم بيع الارض والتفريط .

لايمكن أن يَدعي عاقل : أنه لم تكن أمام الشهيد / نزار ريان الفرصة للنجاة بزوجاته وأطفاله الرهط ، لكنه سطر عنواناً لكتاب التضحية وخط فصلاً لم يسبقه إليه أحد فى الاولين !

حينما كان مسئول عربي كبير يلبي دعوة رجل أعمال لبناني ويسهران فى إحتفالية أعياد الميلاد فى قلب القاهرة على صوت الطرب ، وتمايل فرقة رقص إسبانية حتى الصباح كان الطيران الاسرائيلي يفرض سطوته على سماء فلسطين ينتزع الارواح إنتزاعاً ويمزق الاشلاء ويؤرخ لعقود من الحقد الذي أعتبره التركي أردوغان (بقعة سوداء فى التاريخ)!

أعلن اردوغان أنه لا يمكن مسامحة إسرائيل على ماتقوم به فى غزة ، وأن القضية الفلسطينية هي قضية تركيا الانسانية ، ربما يجب أن يرفع الفلسطينيون القبعة وينتشوا زهواً لانه مازال أحد يذكرقضيتهم بمجموعها !

لقد أعادت حرب غزة التأكيد على عدد من الحقائق أهمها أنه لا إستقرار ولا أمن ولا أمان حتى ازالة هذا الكيان الوحشي الهمجي من هذه البقعة ، ودفنه فى مغارات التاريخ . هذه استحقاقات النصر وضريبة الهزيمة ، واذا كان هناك من يرفض هذا الطرح إقتناعاً وليس جبراً فالمسالك متعددة وتتسع للكثيرين .

المصدر : نافذة مصر