حازم سعيد يكتب: هل كانت ثورة يناير صناعة المجلس العسكري ؟
محتويات
تمهيد

هذه المقالة هي الجزء الأول من سلسلة أعتزم إن شاء الله كتابتها تحت مضمون " نحو حسم ثوري لا يسرقه العسكري " ، هذا إن يسر الله سبحانه وكان في العمر بقية .. فأقول وبالله التوفيق :
أنا شخصياً لا أميل لهذا الرأي القائل أن ثورة يناير كانت صنيعة العسكري ، ولا أحب التعقيد في التفسير ، ولا أحب إقحام نظرية المؤامرة في كل كبيرة وصغيرة ...
خلاصة هذه القضية أن العسكر قاموا بتهيئة المناخ ومساعدة ثورة يناير 2011 حتى يقوموا بتوطيد الأمر لهم والتخلص من شبح توريث الحكم لأبناء مبارك المدنيين، وإعادة رسم المشهد بما يضمن استمرارهم والحفاظ على مصالحهم واستيعاب الشباب ...
الثوب الذي تقدم فيه هذه النظرية ثوب مقنع رشيق منمق ، ينسجم مع تربيتنا في الدول العربية والإسلامية الخاضعة بكليتها لمفهومين : الأول أن عدوي هو كيان منظم قوي يعتمد على التخطيط ولا يمكن دحره ويدبر دائماً وكل شئ عنده محسوب ووفق قواعد وموازين ولا مجال في عمله للصدفة ... حتى العلمانيين وأمن الدولة تأثروا بهذه التربية في تقييمهم للإخوان والفصائل الإسلامية .
والمفهوم الثاني : هو أن التفسير الأول والمبدئي والمتبادر للذهن حول كل شئ وكل تصرف وكل قول أو حركة أو سكنة يقوم بها الآخر لابد أن يتم وفق نظرية المؤامرة ، وأي تفسير آخر يكون تالياً لذلك الأمر وبعيداً عنه ببون شاسع وكبير ..
الذي جعلني أتعرض لهذا الموضوع هو مجموعة من الحوارات المتكررة ( لأفراد - قليلين ) في عدة أماكن حول هذا الطرح ، ورغبتهم في انسحاب الإخوان من الشارع وعودتهم للتربية والمساجد والعمل الدعوة ، بما ينطوي عليه هذا الطرح من تقويض للثورة ولمكاسبها التي لا يحسن البعض قراءتها .. بخلاف العديد من الحوارات ( لأفراد - كثيرين ) عن سيناريوهات الحسم الممكنة لعملنا الثوري المضطرد ...
هل كانت ثورة يناير تدبيراً عسكرياً ، وانخدع الإخوان فيه ؟
كماقدمت في أول سطر في المقالة ، لا أميل لهذا الطرح وأستبعده ، وفي رأيي أن الخصم فقط لديه بعض القدرة على استثمار بعض الفرص ، ولو أن لديه أجندة وتخطيط فأزعم أنها منذ ظهرت نتيجة استفتاء التعديلات الدستورية والذي ظهر فيه أثر وقوة المعسكر الإسلامي عموما ًوالإخواني خصوصاً .. وليس قبل ذلك ..
الجو الذي ظهرت فيه ثورة 25 يناير بأحداثها وتداعياتها كان مفاجأة لكل المعسكرات ( معسكر الإسلاميين - معسكر الثوار - معسكر العلمانيين - معسكر القوة الظالمة من جيش وشرطة - معسكر المسيحيين والكنيسة المتطرفة - بل أزعم : معسكر الصليبية والصهيونية العالمية والمحرك لكل من تحته من الطوائف فيما عدا الإسلاميين ) ، وبدا الجميع فيه مرتبكاً ، ولا يستطيع أحد أن يمتلك ناصية الحق المطلق والرؤية الواضحة البينة ... ذلك أنها كانت أحداث تسير وفق قدر الله بمفاجأة وبسابقة لم يعرف مثلها أحد ممن عايشها .
وظني أن التدبير والتخطيط كي لا يستحوذ الإسلاميون بدأ بعد نتيجة استفتاء التعديلات الدستورية ، وصحبه تغيرات عديدة في المشهد زادت يوماً بعد يوماً ،ولو تدبرت في ( تيرمومتر ) الإعلام الفضائي الخاص لعرفت كيف ومتى بدأ مخططهم الانقلابي كي لا يتمكن الإسلاميون من المشهد .
ومع ضيق الوقت وتسارع الأحداث نجح الإخوان والإسلاميون في ست جولات انتخابية متتالية ، ولم يتمكن إعلام الانقلابيين من التأثير على الشارع وعمل رأي شعبي ضد الإسلاميين عموماً والإخوان خصوصاً إلا بعد الرئاسة بسنة حيث استطاعوا حشد أناس بالآلاف ( من أغلبية مسيحية وكثير من جنود الأمن المركزي وفلول بخلاف السذج البلهاء المنخدعين بعمل الإعلام الفضائي الخاص على مدار سنتين كاملتين ) ، ولولا تدخل العسكر الخائنين لما أثر ذلك أيضاً ولمرت الأحداث كموجة حشدية ضد الحاكم دون أي خسائر تذكر .
هل النظام الحاكم قوي ؟
مشكلة مثل هذا الطرح الذي أرفضه أنه يضخم عدوي الغبي ، وييئس المؤمنين والثوار ،ويجعل الجهد المبذول هباءاً منثوراً ، وهو ليس كذلك .
العسكر الخائنون وما يمتلكونه من أدوات هم نظام هش ضعيف ركيك من ثلاثة جوانب :
أولاً: هو نظام لم تجمعه أي أيديولوجية أو عقيدة أو فكر أو حتى تناغم تنظيمي ، هو مجموعة من كارهي الإسلاميين اجتمعوا وتشرذموا وتحزبوا في اتجاه يخدم المصالح الضيقة للمجلس العسكري ويستخدمهم كأدوات داعمة في مقابل انزواء الإسلاميين ( وفي القلب الإخوان ) من المشهد ( يخدم هذا الكنيسة المتطرفة والمسيحيين والعلمانيين ) .
وأيضاً في مقابل عودة بعضهم للمشهد ( يخدم هذا الشرطة والفلول ) ، وكذلك في مقابل هامشي من الفتات ( يخدم هذا الإعلام الخاص ورجال الأعمال والقضاة ) ، وأخيراً في مقابل ( لاشئ ) وهو الوهم الذي انخدع به المستغفلون من باقي المحشودين بأثر الإعلام ، ثم في الجهة الأخرى ينتفع العسكر مقابل ذلك بالفتات ( مليارات ) من خيرات البلد التي يسمح بها الاستعمار الصليبي الصهيوني لهم به ، إذاً هي المصالح المتناقضة التي لا رابط عقدي ولا فكري بينها .
وما لا ينبني على أيديولوجية أو فكر فهو كيان مهدد مشتت معرض للانهيار في أي وقت ، وكذلك فإن ما يقوم على الظلم لا يمكن أن يدوم أو يستمر ، ويا لها من مظالم عديدة ومتنوعة تلك التي وقع فيها هؤلاء .
والله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ويكسر الظالمة ولو كانت مسلمة ... فهو كيان مهترئ ونبت شيطاني ليس على شئ وهو عرضة للانكسار والانهيار على طول الوقت وفي أي وقت .
ثانياً: هم أفراد كغيرهم من بني جلدتنا تربوا على أمراض هذه البيئة المتخلفة كحال أغلب الأمة إلا من رحم الله من المؤمنين والإسلاميين وقادة النهضة والثورة ..
تابعي الأنبياء وورثة الدعاة والمصلحين . أما أولئك الظالمين الذين أتحدث عنهم فهم بشر يصيبهم الوهن ( حب الدنيا وكراهية الموت ) ويصيبهم الهم والحزن والخوف والجزع والتفكك والتشرذم والجبن ، وننصر على أمثالهم بالرعب ، والله سبحانه وضع في أيدينا قاعدة ذهبية ينطلق منها المؤمنون أصدقها ولا أصدق أي تفسير أو تحليل أو اجتهاد يناقضها : " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " .
ثالثاً: هم مجرد أداة في يد الغرب الصليبي الصهيوني ، وما الخائن السيسي والذين معه إلا ريشة يتلاعب بها الصهيونية والصليبية العالمية ، وما هم إلا أداة يستخدمونها لصالح حربهم العقدية والاستعمارية ، في مقابل تمكينهم من جزء يسير من مقدرات المسلمين التي ينهبها الاستعمار ولا يترك لبلادنا شيئاً منها ، وما أسهل أن يخلعهم الاستعمار حين يرى أن مصالحه ليست معهم ، أو أنهم لا يستطيعون السيطرة والحفاظ والتمكين لمصالحه ، كما يخلع حذاءه بالضبط .
هذا بخلاف عديد من الحقائق الأخرى مثل الحقيقة الأولى والثابتة أن الله غالب على هؤلاء وأنه لحكمة عنده يعد المؤمنين بمثل مشاق الانقلاب للقيام بأعباء خلافة راشدة وحين يقدر أهلية أنصار الشرعية للقيام بأعبائها فسينتهى الانقلاب بأقل من " كن" ، عامل آخر أو حقيقة أخرى مهمة هي أن الله لا يصلح عمل المفسدين ، فهؤلاء اللصوص والحرامية كيف يصلح معهم حال ويقوم لهم مقام ؟
هل الحشود وانتفاضة الشارع بلا أثر ، وهل ترتقي يوماً ما لتكون ضمن سيناريو الحسم ؟
الذي أوقن وأجزم به هو أن الحشود الموجودة بالشارع الآن هي من أعظم الأدوات والوسائل التي يستخدمها الثوار ولها فوائد جمة تستأهل أن تفرد في مقالة خاصة أذكر هنا منها في هذه العجالة :
- 1.هي بمثابة أحد أهم الحصون الإعلامية التي تواجه إعلام الانقلاب المضلل ، والناس في الشارع يسمعون إعلام الانقلاب فيظنون أن الأمر تمهد للانقلابيين الخائنين ، والمنابر الإعلامية التي لنا الغلبة فيها كالسوشيال ميديا ، أو الأخرى المحايدة والتي تعرض وجهاً للحقيقة كالجزيرة والشرق لا يصلون لعموم
الناس في الشارع .
- ليأتي دور هذه الحشود لأنصار الشرعية بهتافاتهم وبفعالياتهم فيكون مجرد التواجد وسيلة مقاومة إعلامية ، بجانب ما تستعرضه الفعاليات من لافتات مكتوبة ، أو هتافات موجهة ، أو هيئة اعتداء قوات الأمن على المتظاهرين السلميين فيصب ذلك كله في خانة الرسالة الإعلامية المضادة
للانقلاب .
- 2.هو تثبيت للمؤمنين بفضل الله ، وكلنا مهما كانت صلتنا بالله سبحانه ومهما استمددنا منه النصر والعون ، ومهما كانت ثقتنا به سبحانه فإننا نحتاج إلى مثبتات مادية ، مصداق قول الخليل عليه الصلاة والسلام : " قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " ، وهي نفس الحالة والروح التي جاء بها خباب بن الأت رضي الله عنه لحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم : " يا رسول الله ألا تدعو لنا ، ألا تستنصر لنا " ، وأراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه ضرورة الابتلاء وحتميته .
- فتأتي هذه الحشود لتكون مثبتة للمؤمنين مؤيدة برسالة واضحة أن الحق له رجال يناضلون عنه ويكافحون .
- 3.هي تخذيل للظالمين والانقلابيين الغاشمين ، فيعلموا أنه مهما قاموا به من إجراءات فلن تلين قناة أهل الحق وأهل الشرعية ، ولن يهدأوا أبداً ولن يكلوا أو يملوا أويسقط حقهم بالتقادم ولا بإقرار أمر واقع ، بل سيظلوا على وفائهم وإصرارهم وعنادهم إلى أن يقتلعوا الباطل من جذوره .
- 4.هي ضم لكثير من المترددين لخندق الشرعية ، وكثير من الناس ممن كان يؤيد الانقلاب أصبح معادياً له بعد أن تبين له كذب قائده وخيانته وفشله في جميع المحاور والأصعدة وبعد أن تحرر من ضغط الإعلام الكذاب وبعد أن رأي ثبات أنصار الشرعية بالشارع ، وبعد أن تبدلت الخنادق فأصبح القاصف مقصوفاً
والمقصوف قاصفاً ..
- والقاعدة أن قصف المعارضة أعسر وأصعب من قصف الحاكم .. ناهيك عن كثير من المترددين ممن ليسوا من أصحاب الأجندات والذين تؤثر فيهم هذه الحشود .
يؤكد هذه الفوائد والعديد غيرها مما ليس هذا مجال سردها تلك الاستعدادات الأمنية ( فوق الرهيبة ) التي قاموا بها بالجامعات صباح كتابة هذه المقالة حيث اليوم الأول من أيام العام الدراسي الجامعي بمصر وحملة المداهمات العشوائية التي قاموا بها لمنازل طلب فجر اليوم والاعتقالات ، وكل ذلك يوضح جلياً ويؤكد خشيتهم من الحراك السلمي الحشدي الثوري بالشارع وبالجامعات وكيف هو مؤثر في الانقلابيين الجبناء الخونة .
بيد أني وعلى الرغم من هذه الفوائد أقول أن الحشد ما هو إلا عامل مساعد للحسم ،وليس هو مفتاح الحسم أو بابه ، ولا حتى هو سيناريو الخلاص ، والله سبحانه يقول : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة " ، فلابد من إعداد وتجهيز سيناريوهات أخرى للحسم غير الحشود ، فالخائن الذي سلط الأسلحة بهمجيته على أهل رابعه ومن سبقهم ومن تلاهم لن يتورع أن يدك مواطني شعبه بالشوارع والميادين بالطائرات والدبابات ولو خرجوا بالملايين .. فلابد إذن من الإعداد .. ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ..
سيناريوهات الحسم وآلية إعدادها
هذا يجرنا لألية إعداد سيناريوهات الحسم ، وأنا هنا أتحدث عن آلية الإعداد ، وليس عن التنفيذ ، كما أن السيناريو لا يتقصر فقط - كما يتصور كثير من الأحباب - على الخطوات النهائية للحسم ، بل أيضاً التمهيد والخطوات المبدئية والمراحل التي ينبغي أن نقطعها إلى أن نصل للحسم .
وهي أقرب للنصيحة لأولي الأمر وقادة العمل الثوري ، أن يستعينوا في هذا المجال بأصحاب الإبداع والانطلاق والتفكير اللامحدود والتفكير خارج الصندوق ، الأمر يحتاج إلى تخيل وافتراض وتطور في الأفكار .
وصناع القرار في أمريكا يعتمدون في رسم سيناريوهات سياساتهم المستقبلية على عدة محاور أذكر منها هنا محورين ، أحدهما المؤسسات البحثية المتخصصة والتي تمارس عملها بأسس علمية تستفيد من مسح الواقع ومعطيات الحاضر وانطلاق الفكر في المستقبل ، مثل مؤسسة راند .
والثاني: صناع السينما بهوليود - ولا تتعجبوا - نعم ، فإن آفاق هؤلاء واسعة وخيالهم خصب ، فيتصوروا سيناريوهات تجيب عن كل الحالات الممكنة وغير الممكنة لـ : ( ماذا لو ؟ ) .
فعلى صناع القرار هنا أن يحتذوا مثل هذا النحو ، الذي هو من الأصل نبوي ( أمنزل أنزلكه الله ، أم هو الرأي والحرب المكيدة ؟ ) .
فيستعينوا بأهل الأفق الواسع والتفكير خارج الصندوق ، بل ما قد لا نتخيله عقلاً أو نتصوره ونعد سيناريوهات لها بتفكير إبداعي ، ولكم مررنا بتجارب مؤلمة - هي من قدر الله النافذ - حين قرر بعض من توجه لهم النصائح أن يجزموا باستحالة أشياء مما كانت خارج الصندوق ( مثل خيانة العسكر والسيسي ) ثم وقعت ، وقد يعصم استشراف المستقبل بهذه الرؤية من كثير من الآثار السلبية الممكن حدوثها كما يسهل من تحقيق هدفنا الثوري الرئيسي من كسر الانقلاب .
ولا أتصور أنه يصلح في المقام الثوري أن يكون من يضع خطط العمل التربوي والهيكلي والتنظيمي داخل الإخوان هو ذاته الذي يمسح الواقع ويستطلعه ، وأن يكون هو نفسه الذي يعد الحملات في أي اتجاه أو مضمون ويجهزها ويحدد برامجها ووسائلها وخطواتها .
وأن يكون هو نفسه الذي يستشرف المستقبل ويتصور معالمه ويضع سيناريوهات السياسات به ، هذا ما لا يليق بورثة النبوة والمبدعين وقادة الثورات لأنه يسد منافذ الإبداع ويؤطر الرؤية كلها لتصبح وفق اجتهادات مجموعة محددة من البشر - وهي في النهاية اجتهادات تصيب وتخطئ - .
عليهم أن يستعينوا بالشباب وغيرهم من المبدعين المنجزين المطورين وبالأفكار الإبتكارية والخيال الخصب ، لعل الله يفتح على أيدي المخلصين والمصلحين من جراء فكرة شاردة أو واردة .. والله الهادي إلى سواء السبيل ...
يتبع إن شاء الله
المصدر
- مقال:حازم سعيد يكتب: هل كانت ثورة يناير صناعة المجلس العسكري ؟ موقع: إخوان الدقهلية