حارث الضاري: لا سيادة للعراق مع بقاء القوات الأجنبية
[11-07-2004]
أجرى الحوار في بغداد: محمد صادق أمين
مقدمة

تتعدد الجهات التي تمثل الوضع السني في العراق تعددًا يشبه تنوع الوضع العراقي، وتقلب الأوضاع فيه، فالحزب الإسلامي العراقي هو الواجهة السياسية، وهيئة علماء المسلمين هي المرجعية الشرعية، أما مجلس شورى أهل السنة والجماعة فهو اسم أكبر من الحجم الذي ظهر به، بل هو لم يعمر أكثر من مرحلة الإعلان عنه في وسائل الإعلام.
هل يعكس هذا الوضع تشتتًا لأهل السنة في العراق كما يبدو الأمر في الظاهر؟! وما رأي المرجعية السنية في أحداث العراق من تشكيل الحكومة الجديدة، وكيف سيكون العراق ذا سيادةٍ في ظل احتلال مقنَّن بشرعية دولية؟ وغير هذه الأمور.. هذه الأسئلة طرحتها على الشيخ سليمان حارث الضاري- رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق- في الحوار التالي:
نص الحوار
- فضيلة الشيخ.. أبدأ معك من النهاية، وهي آخر التطورات على الساحة العراقية.. تشكيل حكومة عراقية.. تسليم السيادة للعراقيين مع بقاء قوات الاحتلال في العراق حسب تصريح أقطاب الإدارة الأمريكية.. وأسأل ما الذي يجري في العراق بالضبط؟! وما رؤية هيئة العلماء لمجمل هذه الأحداث؟
- العراق بلد محتل، وسلطات الاحتلال تحكم هذا البلد بطريقتها التي تتميز- كما يعلم الجميع- بالاعتماد على القوة، في ظل فراغ سياسي وأمني، وارتباك اقتصادي، ومستقبل مجهول قابل لشتى الاحتمالات السلبية والإيجابية، وإن كان الواقع والظاهر على الأرض لا يشير إلى شيءٍ إيجابي.
- وأنا لم أعتقد يومًا ولا يعتقد غيري من العقلاء والعارفين للأمور، والمطلعين على واقع حياة الشعوب، وكذلك العارفين بالقوانين الدولية أن بلدًا يمكن أن يكون سيد نفسه مع وجود قوات احتلال تزيد على 200 ألف جندي، فضلاً عن وسائل الحكم والتسلط الأخرى، المتمثلة بقوى الأمن والمخابرات.. كيف يتمتع مثل هذا البلد بجزء من سيادته؟! اللهم إلا إذا أردنا أن نخدع أنفسنا أو غيرَنا بتصديق ما يدعيه البعض من أن العراق قد انتقل بتشكيل هذه الحكومة الحالية من مرحلة السيادة المفقودة إلى مرحلة السيادة المردودة!!
- هل تعتبر هيئة علماء المسلمين سقفًا جامعًا لكل السنة؟
- نحن هيئة شرعية، ومعنى "شرعية" أنها تُعنى بالشئون الشرعية البحتة، وتُعنى بالقضايا السياسية الشرعية عند الحاجة إليها وضرورة التصدي لها، وبناءً على ذلك فإن الشرع في مفهومنا ومفهوم الواعين من المسلمين جميعًا ما جاء إلا لرعاية الإنسان وإسعاده دينًا ودُنيا، وبالتالي فإن المفهوم الشرعي أعم مما يتصور البعض أنه قاصر على الفتوى المجردة والحلال والحرام، بل الشرع يتعدى ذلك إلى كل أمور الحياة؛ لأنه دين ودنيا، والذي يقول غير ذلك إما أنه يجهل هذه الناحية في الإسلام، أو أنه للأسف الشديد- لديه دوافع أخرى يريد أن يحصر الإسلام في الحلال والحرام، وبذلك يلتقي مع الطرح العلماني الذي يريد أن يقصر الدين على مسائل العقيدة والعبادات دون ما عداها من مجالات الحياة.
- هل هناك تشتت في الصف السني كما يقرأ البعض في تعدد مرجعيات السنة (هيئة علماء المسلمين.. الحزب الإسلامي.. مجلس شورى أهل السنة والجماعة)؟!
- أهل السنة في العراق أكثر من أي وقت مضى، متوحدون في الأهداف وإن اختلفت رؤاهم في المعالجة، أو في سبيل الوصول لتلك الأهداف، وليس ما ذكرت مراجع، وإنما هناك مرجعية، وما عداها توجهات ومناهج في الشارع السني، منها ما هو منظم ومسمَّى بالحزب، ومنها ما هو غير منظم، ولكن الكل يلتقي عند الأهداف التي توحدهم، وإن اختلفت رؤاهم في المعالجة.
المقاومة العراقية
- الحديث عن المقاومة العراقية في العالم الإسلامي رائج، وهناك من يروِّج أن المقاومة العراقية قد خُذلت من الواجهات السياسية والمرجعيات السنية الشرعية.. هل هذا صحيح؟
- المقاومة الوطنية العراقية بشتى أطيافها- الإسلامية وغيرها- أصبحت حقيقةً واقعةً بعد أحداث الفلوجة.. لقد اعترف بها الاحتلال، واعتبرها ندًّا، وعقَد معها اتفاق هدنة، ثم انسحب من أرض المعركة، وأصبح المحتل لا يُطلِق على أهالي الفلوجة أنهم إرهابيون، بل يقول أهالي الفلوجة وحسب، كما أن بوش قبل أيام وبعد تشكيل الحكومة العراقية قال في معرض ابتهاجه بهذا الحدث: لو كنت مكانهم لقاومت، فهذا اعتراف من رئيس الإدارة الأمريكية المحتلة للعراق بالمقاومة.
- أما بالنسبة لخذلانها فأقول- وبكل تأكيد- لكل المزايدين في الساحة العراقية وخارجها إن المرجعية الإسلامية والواجهات السنية لن تتخلى عن المقاومة ولن تخذلها، وإذا كانوا يعنون بالخذلان دخول هيئة علماء المسلمين والحزب الإسلامي وأطراف أخرى مذكورة وغير مذكورة في حل قضية الفلوجة، فليس هذا- وبكل تأكيد وعلى مسئوليتي- خذلانًا، وإنما هو نجدةٌ في الوقت المناسب من معركة الفلوجة، وقد جاءت هذه النجدة على شكل وقف لإطلاق النار، ثم انسحاب ثم نصر واضح لأهل الفلوجة، وكان هذا النصر أكثر مما توقعنا وتخيلنا، وقد رفع معنويات العرب والمسلمين في هذه المرحلة من مراحل التردي والتراجع للأمة، وأصبح مفخرةً لأهل الفلوجة والعراقيين بشكل عام.
- هل صحيح أن المقاومة مخترقة من قبل جهات إقليمية مجاروة للعراق، تقوم بتصفية حسابات مع الأمريكان على الساحة العراقية؟!
- في الحقيقة أنا لا أقطع بأنه لا يوجد شيء من هذا الذي ذكرت، وقد لا يملك أحد الدليل على ذلك، إلا أن المحصلة أن هناك مقاومةً في العراق تسعى لتحريره من الاحتلال، ولا يشوش عليها ما توصف به من أوصاف يطلقها هذا الطرف أو ذاك، فهي مقاومةٌ كغيرها من المقاومات للاحتلال في العالم التي قد تخترق وقد لا تخترق، ولكن النتيجة هي مقاومة وطنية عراقية تسعى لتحرير بلدها من الاحتلال.
بقاء الأمريكان
- ما مدى صحة ما يقال بأن بقاء الأمريكان هو صمام الأمان لعدم اندلاع حرب أهلية في العراق؟! وهل أنتم قادرون على ضبط الشارع؟
- ليس صحيحًا هذا الزعم، بل صمام الأمان هو ما بين أهل العراق من علاقات الأخوَّة في الدين والنسب والتاريخ الذي شهد تعايشًا لم تَشُبه شائبةُ خلاف أو فرقة على مدى التاريخ، كما أثبتت الأحداث الأخيرة في العام الماضي وبداية هذا العام أن الوحدة العراقية- ولا سيما بين السنة والشيعة- أكبر مما يتصور الأعداء ويتوهم العملاء، إن أحداث الفلوجة أظهرت المعدن الأصيل للمواطن العراقي.. لقد جمعت السنة والشيعة ومزجَت دماءهم ودموعهم في هذه الحادثة والحوادث الأخرى.. في مدينة الصدر، والكوفة، وكربلاء، والقائم، والأعظمية، وكلها شواهد على أن العراقي أقوى بكثير مما يتصوره الأعداء.
- كيف تنظرون إلى موقف العرب والمسلمين من العراق وهو جريح ومحتل؟ هل هناك تقصير تجاه القضية؟
- نعم..!! لقد قصر العرب والمسلمون تجاه القضية العراقية، ليس الآن فقط بل منذ عهد النظام البائد،حين كان الكثيرون منهم يصرُّون على محاصرة الشعب العراقي،وحرص الكثيرون منهم على استمرار الحصار مع علمهم بالأضرار الفادحة التي ترتبت على الشعب العراقي من جرِّائه على مدى اثني عشر عامًا، واستمر التقصير بعد زوال النظام بأشكال متعددة دون مراعاةٍ لمشاعر العراقيين أو احترامٍ لإرادتهم في شئون وطنهم.
نقلاً عن مجلة المجتمع الكويتية – العدد 1608 – جمادى الأولى 1425هـ.
المصدر
- حوار: حارث الضاري: لا سيادة للعراق مع بقاء القوات الأجنبية موقع اخوان اون لاين