جمال سلطان يكتب: حماس "الإرهابية" في ضيافة الدولة المصرية ؟!
يوم الأحد قبل الماضي ، الموافق السادس من مارس ، كان وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار يعقد مؤتمرا صحفيا في مقر قطاع الأمن الوطني في مدينة نصر لكي يعلن مفاجأته الكبيرة عن واقعة اغتيال النائب العام السابق المرحوم المستشار هشام بركات ، والإعلان التفصيلي عن المتهمين وأسمائهم والجهات التي دربتهم وخططت للعملية ، المفارقة الأولى أن المؤتمر عقد في مقر الأمن الوطني
وهذه سابقة ـ في حدود ما أعلم ـ لأن مؤتمرات وزير الداخلية تعقد عادة في مقر الوزارة ، ولا أعرف تحديدا ما هي الإشارة التي يمكن أن نستخلصها من عقد المؤتمر في مقر "الأمن الوطني" ، والمهم أن الوزير قال بالتفصيل أن حركة حماس في قطاع غزة هي المدبر والمخطط والمدرب لهذه العملية الإرهابية التي قتلت النائب العام
وأكد على أن المتهمين اعترفوا بالتفصيل ـ حسب قوله ـ عن تسللهم إلى قطاع غزة عبر الأنفاق حيث تلقوا تدريبات مكثفة على العملية على يد ضباط مخابرات تابعين لحماس قبل أن يعودوا بنفس الطريقة إلى القاهرة ليقوموا بالعملية ، وأنهم تلقوا بعد نجاحها مكالمة هاتفية من قيادات حماس في قطاع غزة تهنئهم على نجاحها وتؤكد لهم أن الأمر بسيط كما أوضحوا لهم سابقا !! .
في نفس الوقت ، وبينما الوزير في مؤتمره الصحفي كانت المخابرات العامة المصرية تجري اتصالاتها الودية المكثفة مع حماس وتبعث برسائل قوية عن رغبة "الدولة" في مصر في فتح صفحة جديدة ، تبنى على الثقة والشفافية ، وقد قابلت حماس هذه الاتصالات باحترام بالغ ظهر في تعبيرات عدد من قادتها عن مصر ومكانتها ودورها المحوري في قضية الشعب الفلسطيني ، وتم الاتفاق على زيارة وفد رفيع المستوى من حماس بشكل رسمي إلى القاهرة في غضون أسبوع ، وهو ما تم بالفعل
حيث وصل يوم السبت الماضي عدد من أعضاء المكتب السياسي للحركة على رأسهم الدكتور موسي أبو مرزوق ، حيث أقاموا في أحد الفنادق الكبرى في ضاحية مصر الجديدة ، وسط حماية ورعاية كافية من وزارة الداخلية المصرية وجهات سيادية أخرى ، وظل الوفد في مصر أربعة أيام ، حيث غادر مساء الثلاثاء عائدا إلى قطاع غزة .
وقد أصدرت الحركة بيانا ، عبر اثنين من قادتها ، الدكتور موسي أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي للحركة ، والدكتور خليل الحية عضو المكتب السياسي ، قال الأول في بيانه الذي نشره عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ما نصه : (كثرت التكهنات حول زيارة وفد الحركة للقاهرة، فمنهم من أفشل الزيارة في منتصفها، ومنهم من وضع شروطا ونسبه لمصدر امني، ومنهم ون نصب نفسه قيما على الشعب وتحدث باسمه، ومنهم من هدد وفد الحركه، بل طلب منهم أن يأتوا ومعهم الأكفان.
انتهت زيارتنا لمصر العزيزة، ولم نجد من هذه التكهنات شيئا بل على العكس تماما وجدنا مسئولين يحملون لفلسطين كل الحب، ولقضايا مصر كامل المسئولية، وعبرنا وبوضوح شديد عن حرصنا على أمن مصر وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعلى قيامنا بكامل التزاماتنا بحفظ الحدود وعدم إتاحة المجال للعبث بأمن مصر واستقرارها، ولن يكون القطاع مأوى أو ملجئا لمن يضر بأمن مصر
كما أوضحنا أن أمن مصر هو أمن لفلسطين وان قطاع غزة المتضرر الأكبر من فقدان الأمن في سيناء ، كما أوضحنا سياسة الحركة في الاغتيالات السياسية وادانتنا لعملية اغتيال المستشار هشام بركات ، وشرحنا واكدنا على الدور المصرى في القضية الفلسطينية وحل مشاكل قطاع غزة وفي المقدمة معبر رفح) . ثم ختم أبو مرزوق بيانه بقوله : (الزيارة لها ما بعدها ونعتقد بأنها فتحت صفحة جديدة وخطاب مودة لأشقائنا في مصر مؤكدين أن لا يأتي من قبلنا إلا الخير والسلام) .
بيان الدكتور خليل الحية كان مطابقا ـ تقريبا ـ لبيان أبو مرزوق ، وحرص فيه على قوله : (نؤكد على حرصنا على استقرار وامن مصر وعدم التدخل في شؤنها الداخلية كما نرفض المساس بالامن القومي المصري ، ولن نسمح باي حال ان ينطلق من غزة ما يضر بامن مصر وشعبها، كما نؤكد على واجبنا تجاه حماية الحدود بين قطاع غزة ومصر واتخاذ كافة الاجراءات اللازمة في سبيل ذلك ، .
نتمنى لمصر الامن والسلامة والاستقرار وحقن دماء ابنائها. ونؤكد على سياسة حركة حماس رفضها لسياسة الاغتيالات السياسية كافة ولذلك ندين اغتيال النائب العام المصري هشام بركات وكل حوادث الاغتيالات السياسية التي حدثت في مصر) . والحقيقة أن الزيارة الرسمية لحماس إلى القاهرة على هذا النحو ، وبعد أقل من أسبوع على مؤتمر وزير الداخلية ، تضع علامات استفهام كبيرة حول ما فعله وزير الداخلية
وعن دقة الرواية التي عرضها ، وعن الطريقة التي اعترف بها شبان مصريون عن علاقات إرهابية مع قيادات حماس ، وعن المتهم الحقيقي باغتيال النائب العام ، كما أنه سيكون من تحصيل الحاصل أن تسأل وزير الداخلية لماذا لم يطلب من النيابة العامة إلقاء القبض على قيادات حماس عندما أتوا للقاهرة بأرجلهم طالما أنهم متهمون رسميا بالإرهاب والتورط في تخطيط وإدارة جريمة اغتيال النائب العام .
لقد بدا المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية حول اتهام حماس بالإرهاب والتورط في اغتيال النائب العام كما لو كان برنامج توك شو للزميل أحمد موسى ، يفضفض فيه عن نفسه وعن بعض "الخبراء" الذين يتواصل معهم ، دون أن يكون لذلك أي صلة بالواقع أو إجراءات قانونية ورسمية للدولة المصرية .
لا نريد الوقوف طويلا أمام هذا التباين في خطط وإجراءات ورؤية جهازي المخابرات العامة والأمن الوطني تجاه مسألة في غاية الأهمية والخطورة ، مثل العلاقة مع حركة حماس ، فهذا يطول شرحه وبيان أثره على أداء الدولة المصرية نفسها وطبيعة العلاقة بين أجنحتها الأمنية ، ولكن المهم أن الزيارة التي تمت والأجواء الودية التي جرى فيها الحوار بين الطرفين هو تطور إيجابي بكل تأكيد
وخاصة تأكيد حماس على أن حماية حدود مصر جزء أصيل من استراتيجيتها وتعهدها الواضح حسب نص كلام موسي أبو مرزوق " بالقيام بكامل التزاماتنا بحفظ الحدود وعدم إتاحة المجال للعبث بأمن مصر واستقرارها" ، وحماس قادرة على احترام تعهداتها ، كما أن إدانتها الحاسمة لاغتيال النائب العام وتأكيدها على أن فكرة الاغتيالات في حد ذاتها ليست من سياساتها في أي مكان
فضلا عن أن تكون في مصر ، مطمئن إلى حد كبير ، كما أن حديث حماس عن أنها وقطاع غزة من أكثر المضارين من أحداث الإرهاب في شمال سيناء هو كلام صحيح ، لأنهم يدفعون ضريبة ذلك من غلق المعابر وتدمير الأنفاق وتشديد الحصار على سكان القطاع .
حماس قوة إقليمية مهمة ، ورقم صعب ، لم يستطع الأمريكيون ولا الإسرائيليون ولا العالم كله ، تجاهل حضوره وتأثيره ، والملف الفلسطيني هو أهم وأخطر ملف للديبلوماسية المصرية منذ ثلاثين عاما على الأقل ، ونصف قيمة وثمن الديبلوماسية المصرية دوليا يتعلق بقدرة مصر على إدارة هذا الملف والإمساك بكافة أطرافه ، ولذلك لا يصح أن يكون عرضة للتهريج الإعلامي أو العبث الأمني أو خزعبلات "الخبراء" المزيفين على شاشات الفضائيات
وينبغي أن تكون هناك جهة رسمية محددة ودائمة للتعامل الحصري مع هذا الملف حتى لا يظهر ارتباك الدولة المهين على النحو الذي جرى ، وأعتقد أن التنسيق الأمني مع حماس ، في ظل التزامها وتعهدها بأن قطاع غزة لن يكون مأوى أو ملجئا لمن يضر بأمن مصر ، مفيد للغاية للأمن القومي المصري خاصة في ظل التهديدات الإرهابية الخطيرة التي يتعرض لها ـ هذه الأيام ـ الجيش والشرطة في شمال سيناء .
المصدر
- مقال: جمال سلطان يكتب: حماس "الإرهابية" في ضيافة الدولة المصرية ؟! موقع كلمتي