جاويش: "الإخوان" بالسودان معروفة وتمتلك الشرعية الجماهيرية
حوار: سمير الوسيمي
- الخلافات داخل الجماعة لم تؤثر عليها وما زلنا على نظامالإخوان
- الترابي لم يكن مقتنعًا بنظام الإخوان بل كان يسعى لطموحٍ ذاتي
- الإخوان على اتصال دائم بالحكومة لتحذيرها من المخططات الأجنبية
من داخل المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالعاصمة السودانية الخرطوم، ومن داخل مكتب المراقب العام للجماعة.. كان لنا هذا الحوار مع الأستاذ علي محمد أحمد جاويش عضو المكتب التنفيذي وعضو مجلس الشورى والمسئول السياسي بجماعة الإخوان المسلمين بالسودان، الذي حدثَنا فيه عن نشأة الجماعة في السودان، وعلاقتها بالتنظيم العالمي للإخوان.
كما كشف فيه عن الوجود الحقيقيللإخوان في السودان، والدور الذي تقوم به الجماعة على المستوى الدعوي والسياسي، كما أزاح الستار عن طبيعة الانشقاقات التي حدثت في الجماعة منذ نشأتها، والتي أكد أنها لم تؤثر فيها بل ظلت الجماعة متمسكةً بثوابتها التي قامت عليها، فإلى الحوار:
- نريد أن نتعرف من سيادتكم على نبذة تاريخية عن نشأة وتطورجماعة الإخوان بالسودان.
- نشأت جماعة الإخوان المسلمين بالسودان على فترتين: الفترة الأولى عام 1946م على يد المرحوم علي طالب الله ومجموعته، وكانت هذه المجموعة على اتصال مباشر بالإخوان في مصر، واستمدت منهم التنظيم ونظم الحركة، ثم نشأت مجموعةٌ أخرى وتكونت في جامعة الخرطوم في أوائل الخمسينيات (عام 51 أو عام 52) من ستة أشخاص، منهم أ. محمد يوسف محمد المحامي، والدكتور يوسف حسن سعيد، والأستاذ محمد خليل عبد القادر، والأستاذ أحمد محمد بامجلي، والدكتور آدم فضل الله، وهؤلاء يعيشون إلى الآن، وآخر توفي إلى رحمة الله تعالى (معروف بمولانا)، هذه المجموعة تكونت في الجامعة في ذلك الوقت، ولم تكن في أول عهدها ذات صلة بتنظيم الإخوان في مصر، ولكنها كانت حركةً إسلاميةً عامةً، وشيئًا فشيئًا بدأت تتعرف على نظام :الإخوان فيمصر، وظل أعداؤها من الشيوعيين واليساريين يدعونها بالإخوان المسلمين؛ لأنهم رأوا أن نظامها أشبه بنظام الإخوان المسلمين، ثم حسمت هذه المجموعة أمرها عام 1954 بتبني نظام
- الإخوان المسلمين، وأصبحت هي أساس نظام الإخوان الذي امتد بعد ذلك.
- وتاريخ الإخوان بالسودان منذ عام 1946 إلى سنة 1956 مكتوبٌ في كتابٍ صدر بقلم أحد مؤسسي الجماعة أ. محمد خليل عبد القادر، والكتاب متوفر بالمكتبات السودانية، وهي مستمرة على النهج حتى الآن، وأول المراقبين هو أ. الرشيد طاهر بكر المحامي، ثم أ. محمد يوسف المحامي، ثم
- الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد المراقب الحالي للجماعة بالسودان، ثم انقسمت الحركة عام 1969م إلى مجموعة كبرى على رأسها د. حسن الترابي، وهي المجموعة التي سُمِّيت فيما بعد بأسماء مختلفة، منها الجبهة الإسلامية القومية، وأخيرًا المؤتمر الوطني، وانشقت هذه المجموعة إلى مجموعتين الأولى: "المؤتمر الوطني" الذي يقوده رئيس الجمهورية الحالي عمر حسن البشير، ومجموعة ثانية هي "المؤتمر الشعبي" بزعامة الدكتور
- حسن الترابي.
- والمجموعة التي استمرت بعد عام 69 باسم الإخوان هي مجموعة صغيرة عدد أفرادها ما بين 15 إلى 20 عضوًا، ثم انضم إليها في عام 1979 كلٌّ من الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، والدكتور الحبر يوسف نور الدايم، وتولى قيادة هذه المجموعة بعد عام 1979 كل من الدكتور الحبر يوسف، والشيخ صادق عبد الله على التوالي، وما زال الشيخ صادق هو المراقب العام لجماعة الإخوان بالسودان.
- هل تتمتع الجماعة بالسودان بالشرعية الرسمية وكذلك بالشرعية الجماهيرية؟
- منذ قيام الجماعة وهي معترَفٌ بها إلا في بعض الفترات الاستثنائية العسكرية أيام حكم المرحوم الفريق عبود، وكذلك أيام حكم جعفر نميري، فقد تم حل الأحزاب السياسية جميعًا إبان هاتين الفترتين بما فيها
- جماعة الإخوان المسلمين، ولكن الجماعة وكذلك الأحزاب السودانية عامةً ظلت معلنةً ومعترفًا بها رسميًّا في العهود التي ساد فيها النظام الديمقراطي والحريات.
- والإخوان منذ تكوين الجماعة كان لها وجود فاعل وظاهر في المدارس الثانوية والمدارس الوسطى (آنذاك) والجامعات وكذلك في الحركة العمالية والاتحادات والنقابات المهنية، وكانت لها صحافتها الخاصة، بدأت بجريدة "الإخوان المسلمون"، ثم البلاغ، ثم الميثاق، وذلك على فترات مختلفة، وبالتالي كانت الجماعة ولا تزال معروفةً، وتمتلك الكثير من الشرعية الجماهيرية، ولها وجود في كثير من المدن والقرى بأنحاء السودان المختلفة.
- ما حقيقة ما يتردد عن وجود مشكلات بالتنظيم تؤدي إلى تسرب البعض من الجماعة؟ وهل أثر ذلك على حركة الجماعة؟
- الخلافات داخل التنظيمات السياسية والاجتماعية والدينية والقبلية سمةٌ ظاهرةٌ ومتكررةٌ ومستمرةٌ في المجتمع السوداني، فليس هنالك حزب واحد في السودان قديمًا أو حديثًا لم ينقسم إلى عدة فروع، وهذا ينطبق أيضًا على الإخوان، وأول خلاف حصل بالجماعة كان عام 1954 ولكنه كان خلافًا صغيرًا خرج على إثره أفراد قليلون، واستمرت الجماعة حتى عام 1969 حينما كان هنالك انقسامٌ كبيرٌ، ثم حدث انقسام في الجماعة التي ظلت تحمل اسم الإخوان وتتبع نظامها، وكان ذلك عام 1990م ولكن طيلة هذه المدد ظلت هنالك جماعةٌ متماسكة تحمل اسم "الإخوان المسلمون"، وتسير على نظامها المعروف وعلى صلة بالتنظيم العالمي للإخوان، ولم تؤثر الخلافات على خط الجماعة بل ظل نظام الإخوان هو نفس النظام الذي نشأت بموجبه الجماعة، ولكنَّ خروج عدد من الجماعة يؤثر على حركتها وقتيًا ثم تعاود الجماعة نشاطها وتلملم أطرافها وتستمر على ذات المنهج.
- كيف ترى الخلاف بين الترابي والجماعة؟ ولماذا يصر الترابي على العزف منفردًا بعيدًا عن الجماعة السودانية؟ وهل ما زال منافسًا قويًّا للحكومة؟
- في تقديري أن الدكتور الترابي لم يكن مقتنعًا بنظام الإخوان، على الأقل منذ أن عرفته أنا في منتصف الستينيات، ولكنه كان يود الاستفادة من نظام الإخوان وسمعتهم العالمية وتاريخهم لتحقيق طموح ذاتي ظل يعمل له منذ وقت طويل، ويتضح هذا بعد انفصاله عن الجماعة في سنة 1969 بالمجموعة الكبرى من الإخوان التي ظنت في ذلك الوقت أن الدكتور الترابي يريد أن ينهض بالجماعة، ولكنَّ هذه المجموعة التي انفصلت معه لم تكتشف ذلك إلا بعد زمن طويل وإن كانت مجموعاتٌ منهم بدأت تشعر بالاختلاف بينها وبينهم منذ البداية، ولكنها لم تقوَ على الجهر بمخالفتها حتى قامت الحكومة الحاضرة وهو على رأسها ثم تبين جليًّا لهم أن الترابي كان يسعى لأن يكون زعيمًا على كل الأوضاع في السودان فكرًا وسياسةً وتنظيمًا بعيدًا عن التوجه الإسلامي أو توجه
- الإخوان المسلمين.
- وحين ذاك تبين للمجموعة التي كانت معه هذا السعي، فحسم الأمر بما عُرف بمذكرة العشرة في المؤتمر الوطني، ثم بقرارات رمضان التي حل فيها الرئيس عمر البشير البرلمان الذي كان الترابي رئيسًا له وبذلك فقد الترابي أهمَّ ما يرتكز عليه من الناحية الدستورية وهو رئاسته للبرلمان وكذلك وضعه التنظيمي في المؤتمر الوطني، بعد أن حجمت مذكرة العشرة سلطاته في المؤتمر الوطني.
- وما زال الدكتور الترابي معارضًا للحكومة ولكن في تقديري- بعد اتفاقية السلام الموقَّعة بين الحكومة والحركة الشعبية بجنوب السودان- قد فقد الترابي أهم ما يرتكز عليه في معارضة الحكومة وهي قضية الجنوب، وكذلك قضية دارفور التي الآن في طريقها للحل، فما زال الترابي يعلن ويعمل لمعارضة الحكومة، ولكن القضايا التي كان يمكن أن يثيرها لم تعد قضايا تحقق له ما يريد؛ لأن الاتفاق بشأنها قد حصل لحد كبير.
- ما حقيقة الخلاف بين الجماعة وبين الوزير السابق عصام البشير الذي استقال من الإخوان قريبًا وانضم للمؤتمر الوطني؟
- الخلاف بين الإخوان والدكتور عصام البشير أصدر المراقب العام للإخوان المسلمين بالسودان بيانًا بشأنه نشرته الصحف، وهذا البيان على قصره فقد أجمل القضية بين التنظيم والدكتورعصام البشير، وخلاصة البيان أن الدكتور قد قدم استقالته من الجماعة إثر توتر بينه وبين مجلس شورى الإخوان المسلمين بالسودان؛ بسبب النقد الذي وَجَّهه له التنظيم بخصوص عمله في الوزارة وتوجهه السياسي. وبالطبع لا نظن أن مجرد نقد لسياسة الوزير يمكن أن يؤدي إلى استقالة، وأصدر السيد الوزير بيانًا في الصحف ذكر فيه أن سبب استقالته هو خلافه مع الجماعة حول رغبته في أن ينضم تنظيم الإخوان المسلمين إلى الحركة الإسلامية في المؤتمر الوطني، وكذلك رأيه في اتفاقية السلام الذي يخالف فيه رأي بعض المسئولين بالجماعة، ولكن في تقديري الخاص أن هذين السببين لا يؤديان بالضرورة للاستقالة، ولا نود أن نشغل الناس بسرد تفاصيل لا طائل من ورائها بعد تقديم الاستقالة، ونرجو له أن يوفَّق في مسعاه الجديد.
- من الصعب التنبؤ بشكل واضح بمستقبل السودان؛ لأن مشكلاتٍ كثيرةً تحيط بالسودان الآن، أهمها الهجمة العالمية من الغرب ومن (إسرائيل) وأمريكا بالذات على السودان، فهم يسعون لتفتيت وحدة السودان، وسبيلهم إلى ذلك إثارة النعرات القبلية والمحلية والدينية والسياسية في السودان، ولقد ظل السودان متماسكًا بوحدته منذ أمد طويل، برغم أن بريطانيا قد حكمت السودان لفترة خمسين عامًا وكانت أيضًا تزرع أسباب الفتنة فيه والأمل الآن- بعد الأمل في الله سبحانه وتعالى- أن يقي السودان شر الفتن، والأمل بعد ذلك في أن تقود اتفاقية السلام الآن إلى الاستقرار، وكذلك المفاوضات الجارية الآن مع المتمردين في دارفور والمفاوضات المرجوة مع المتمردين في شرق السودان.
- هذا بالإضافة إلى تكوين حكومة الوحدة الوطنية الحاضرة التي اشتركت فيها كثير من الأحزاب ما عدا الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني (الذي على رأسه الترابي) وحزب الأمة القومي (الذي على رأسه الصادق المهدي)، وهذه الأحزاب الثلاثة هي التي رفضت في حكومة الوحدة الوطنية، ومن ثم قد أعلنت معارضتها للحكومة الحاضرة.. أما الحزب الاتحادي الديمقراطي فيقدم قَدَمًا ويؤخر أخرى، وتأمَل الحكومة في اشتراكه بناءً على ما يجري الآن من مفاوضات بين الاثنين.
- هل من الممكن أن تقوم الحركة الشعبية بالضغط على الحكومة لتحجيم دور الإخوان؟
- لا أظن الحركة الشعبية ستفعل هذا، ولا مصلحةَ لها في تقديري في هذا، ولا أظن أنها تستطيع أن تفعل هذا، فهي مهتمة بمسألة الجنوب ولا تركز كثيرًا الآن- بعد رحيل قرنق- على المشكلات في الشمال.
- هل قرر الإخوان المشاركة بفاعلية في العمل السياسي بالسودان بعد التغييرات التي حدثت؟ وهل سيكون لهم دور في النظام السياسي الجديد؟
- الإخوان ظل لهم اشتراكٌ وفاعليةٌ في النظم السياسية المختلفة منذ الاستقلال، واشتركوا في برلمانات وحكومات سابقة، وشاركوا في هذه الحكومة من قبل 4 سنوات بوزير اتحادي وعضو في المجلس الوطني ويشاركون الآن بوزير دولة و3 أعضاء في المجلس الوطني، ويتوقعون أن يشاركوا بخمسة مقاعد في حكومات الولايات الشمالية ووزير ولائي واثنين من المعتمدين في الولايات، فجملة ما يمكن أن ينتهي إليه وضع مشاركة الإخوان هو قرابة 12 عضوًا في الحكومات ما بين وزير ونائب ومعتمد.
- كيف ترى سيادتكم مستقبل الجماعة في ضوء التغيُّرات السياسية الراهنة؟
- من الناحية السياسية والقانونية ليس هناك ما يمنع الجماعة من أن تشارك بفاعلية في كل الأوضاع السياسية وليس هنالك ما يحد من نشاطها، ولكن يبقى مدى مقدرة الجماعة على العمل السياسي والاجتماعي الواسع، وكذلك النشاط الفكري والإعلامي، فهذا يحتاج من الجماعة إمكانياتٍ ماديةً ليست متوفرةً الآن بشكل كبير، ولكننا نأمل أن نذلل بعضها بإذن الله تعالى، أما من ناحية الأفراد فلدينا- بحمد الله- شبابٌ مؤهلٌ للقيام بالمهام المطلوبة.
- هل للإخوان دور تجاه الاضطرابات الموجودة بالسودان مثل دارفور وموت قرنق؟
- الاضطرابات التي تحدث في دارفور الآن في تقديرنا أن أساسها أساسٌ قبلي في المقام الأول، وهي قديمة جدًّا، لم تبدأ في ظل هذه الحكومة ولا الحكومات السابقة، ولكنها تفاقمت بشكل كبير جدًّا بسبب التدخلات الأجنبية من جانب الغرب عمومًا وأمريكا و(إسرائيل)، ومن بعض العناصر السودانية المحلية التي استجابت لهذه المخططات الأجنبية، وصارت في ركابها، وبالطبع كان الإخوان يتصلون بالحكومة مرارًا لتذكيرها بتلافي هذه الأخطاء الوافدة، ولكن جهود الحكومة لم تفلح في حسم وتحجيم هذه التدخلات الأجنبية، وليس للإخوان بالطبع طريقةٌ للتدخل لحل المشكلة؛ لأن المشكلة أساسًا تدور بين الحكومة وبين هذه العناصر المسلَّطة من قوى أجنبية.
- أما أحداث أهل الجنوب بعد موت قرنق فالتقرير الرسمي الذي صدر عن الشرطة يبين أن هذه الاضطرابات مخطَّطٌ لها ومحرَّكةٌ من قوى تريد إحداث بلبلة وفتن بين فئات وأفراد الشعب السوداني، وهي بهذه المثابة أيضًا شأن حكومي وقد استطاعت الحكومة أخيرًا السيطرة على الأمن.
- هل تود سيادتكم توجيه كلمة للشعب السوداني وللأمة بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم؟
- شهر رمضان بيَّن الله سبحانه وتعالى أنه شهر القرآن، وكان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يشتغل في هذا الشهر المبارك بالقرآن الكريم أكثر من أيام السنة الباقية، فكان جبريل- عليه السلام- يراجعه في القرآن كثيرًا في هذا الشهر، وكان هذا هو دأب الصحابة والتابعين والصالحين إلى يومنا هذا، فما نرجوه لأهلنا في السودان وللأمة الإسلامية عامةً أن يتجهوا في هذا الشهر المبارك إلى قراءة القرآن وتفسيره والعمل به.
- كما نرجو من أجهزة إعلامنا في التليفزيون والإذاعة والصحف والإنترنت أن يجعلوا برامجهم متركزةً حول القرآن، وألا يكون همُّ هذه الأجهزة هو تقديم التسلية والمسابقات التي تشغل ولا تفيد، ونرجو من المسئولين من الوزراء والمدراء أن يوجهوا هذه الأجهزة لإعداد برامج تليق بهذا الشهر المبارك، يكون أساسها القرآن الكريم وعلومه والعمل به؛ لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه أجَلُه، فينبغي أن يحمد الله سبحانه وتعالى على أن بلَّغه رمضان؛ ليتوب المذنب ويزداد المحسن خيرًا، وهذه فرصةٌ تُغتَنَم، وموسم للزيادة في الخير، ونسأل الله التوفيق والقبول، وصلى الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
المصدر
- مقال:جاويش: "الإخوان" بالسودان معروفة وتمتلك الشرعية الجماهيريةإخوان أون لاين