ثورة 25 يناير فجرت الآمال: مستقبل الثقافة فى مصـر
بقلم: سامح سامى -

كتبه عام 1938 أى قبل انقلاب يوليو 1952، ولم يأخذ قادة الثورة آنذاك من كتابه إلا القليل، فوصلنا إلى ما نحن عليه: انهيار فى التعليم، واضمحلال فى الثقافة.
أما الآن بعد ثورة 25 يناير المجيدة، فمستقبلنا الثقافى مرتبط بشكل ملح بهذا الكتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين الذى قال إن مستقبل الثقافة بمصر مرتبط بماضيها البعيد.
ولا ننزعج إذا قلنا إن كتاب حسين مرجع مهم لإصلاح التعليم فى مصر، ومن ثم خلق صحوة فكرية، ونهضة ثقافية.
باختصار الكتاب يجوز اعتباره مرشدا متقدما للمثقفين فى رسم خريطة الثقافة، وسط حالة من الارتباك التى أصابت الحركة الثقافية التى كانت تهاجم النظام دون تحديد بالضبط ماذا تريد إذا سقط هذا النظام؟!.
ماذا يقول الكتاب؟ يتحدث طه حسين فى عدة موضوعات جدلية، نشير بالتفصيل إلى بعض منها فى السطور القليلة المقبلة.
من هذه الموضوعات: الثقافة والعلم أساس الحضارة والاستقلال، وتأكيده أنه ينبغى الملاءمة بين حياتنا الحديثة ومجدنا القديم، والعقل المصرى متصل منذ العصور الأولى بشعوب بحر الروم، وشدة اتصال مصر باليونان، ولا خوف من الأخذ بأسباب الحضارة الحديثة ومسايرة الإسلام للحضارة فى العصور المختلفة، والدولة وشئون التعليم، ووجوه إصلاح التعليم ومشكلات التعليم العالى، فضلا عن حديثه للتعليم الدينى فى الأزهر وللأقباط، وسؤاله عن أتوجد ثقافة مصرية؟ وما عسى أن تكون، ومميزات الثقافة المصرية.
وقبل الدخول فى تفاصيل الكتاب، يجب الإشارة إلى ظروف مصر التى كانت واقعة تحت الاحتلال، رغم التفاؤل الظاهر بمعاهدة 1936، التى أعلنت مصر دولة مستقلة، لذلك أراد طه حسين دحض دعويين أساسيتين، جاءا بفضل الاحتلال، وهما: تفوق العقلية الأوروبية، واقتصار التعليم على الصفوة.
ولعل دحض الفكرتين مستمر إلى وقتنا الحالى، رغم خروج الاحتلال. النظام الفاسد أسوأ فى معظم حالاته من احتلال الأجنبى.
فى عنوانه «وجوب الصراحة فى الأخذ بأسباب الحضارة الأوروبية»، يقول حسين «لكن السبيل إلى ذلك ليست فى الكلام يرسل إرسالا، ولا فى المظاهر الكاذبة والأوضاع الملفقة، وإنما هى واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء، وهى واحدة فلذة ليس لها تعدد، وهى أن نسير سيرة الأوروبيين، ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا، ولنكون لهم شركاء فى الحضارة، خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب... ومن زعم لنا غير ذلك فهو خادع أو مخدوع».
ولعل هذه الفقرة هو ما يلخص أفكار طه حسين الذى يرى أنه «ليس يكفى ولا يستقيم فى العقل أن نريد الاستقلال ونسير سيرة العبيد».
ويخرج حسين من كلامه إلى أن السبيل لذلك بناء التعليم على أساس متين، وأنه لا خطورة من اتصالنا القوى بأوروبا على شخصيتنا.
ثم يجىء حسين إلى مشكلات التعليم الذى يراه ركنا أسياسيا من أركان الديمقراطية، وسوف نشير بعض قليل إلى رباعية الديمقراطية أو مكوناتها التى يطرحها الفكر الفلسفى، ولكن قبل التعرض لذلك، أشير إلى مقدمة مهمة للدكتور طه حسين، لكتاب مدرسى مقرر على طلاب الثانوية العامة، توضح رأيه فى إصلاح التعليم، قال فيها حسين: «يعرض عليك أستاذك فى درس التاريخ حادثة من حوادث الماضى القريب أو البعيد، فتستقر من هذه الحادثة صورة فى نفسك تألفها وتطمئن إليها، ثم تقرأ كتابا من كتب التاريخ فترى صورة لهذه الحادثة نفسها مخالفة للصورة التى عرضها عليك الأستاذ، فيأخذك شىء من الحيرة بين ما سمعت وما قرأت، لهذا الاختلاف بين صورتين لحادثة واحدة معينة.
وقد تقرأ كتابا آخر فترى فيه للحادثة نفسها صورة ثالثة تخالف مخالفة قليلة أو كثيرة للصورتين التى سمعت إحداهما وقرأت إحداهما الأخرى فى ذلك الكتاب. فتشتد حيرتك وتوشك أن تدفع إلى الشك فى قيمة التاريخ نفسه وأن تسأل نفسك كيف السبيل إلى تعرف الحق الواضح». وبعد ذلك أكد حسين: «التاريخ نوع من المعرفة التى لا تستطيع أن تتلقاها من أصولها مباشرة، وإنما تتلقاها من طريق النقل والرواية المتصلة... والتاريخ من هذه الناحية يوشك أن يكون لونا من ألوان الأدب؛ لأنه لا يعطيك حقائق الواقع كما هى، وإنما يعطيك هذه الحقائق، ومعها شىء قليل أو كثير من أمزجة المؤرخين».
إذا رأى حسين إعمال العقل فيما تقدمه الكتب المدرسية، داعيا إلى نشر التفكير النقدى فيما ندرسه ونتعلمه، ومن ثم يكون هذا التفكير النقدى أسلوب حياة وسلوكا يوميا.
وهذه هى الثقافة فى أبسط تعريفها.
وكذلك رأى حسين ضرورة إلغاء ازدواجية التعليم المدنى والدينى فى الأزهر ولدى الأقباط.
ويقدم حسين حلولا، صالحة إلى الآن، حول تدريس اللغة العربية، وإعداد المعلم والمناهج التعليمية ودور الدولة فى النهضة بالتعليم.
ويحاول حسين التأكيد على الحرية والديمقراطية وربطهما بالتعليم، وهنا نشير إلى رباعية الديمقراطية التى يقررها الفكر الفلسفى الذى يؤكد أن الديمقراطية كمبدأ لا يتحقق إلا بتحقق أربعة مكونات، هى بالترتيب: العلمانية أى «التفكير النسبى»، والتسامح أى «القضاء على روح التعصب الدينى المطلق»، والتنوير أى «لا سلطان على العقل إلا العقل»، وأخيرا الليبرالية أى «الحرية».
وأخيرا، يطرح حسين فى كتابه الرائد السؤال الملح: أتوجد ثقافة مصرية؟
أجاب حسين موضحا أن «الثقافة المصرية مهما تكن ضعيفة، ومهما تكن ناقصة، ومهما تكن محتاجة إلى التقوية والتنمية والإصلاح، فهى موجودة، ما فى ذلك، وما ينبغى فى ذلك شك.
هى موجودة متميزة بخصالها وأوصافها التى تنفرد بها من غيرها من الثقافات». ثم قال حسين نقطة فى غاية الأهمية، وهى: «أولى الصفات المتميزة لثقافتنا المصرية أنها تقوم على وحدتنا الوطنية، وتتصل اتصالا قويا بنفوسنا المصرية الحديثة، كما تتصل اتصالا قويا عميقا بنفوسنا المصرية القديمة أيضا.
تتصل بوجودها المصرى فى حاضره وماضيه».
وبعد الإجابة عن هذا السؤال، يطرح حسين سؤالا آخر: وهو ما عسى أن تكون الثقافة المصرية؟
أجاب حسين: «هى التراث المصرى الفنى القديم، والتراث العربى الإسلامى، وما كسبته مصر وتكسبه كل يوم من خير ما تثمر الحياة الأوروبية الحديثة».
بالطبع يطرح حسين هذا الكلام، وخاصة نقطة «تأثر مصر بما تثمره الحياة الأوروبية»، بنوع من الوعى النقدى، بعيدا عن التقليد البغيض.
ورغم مجد كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» المنشور قبل منتصف القرن الماضى، يجب أن نستطلع آراء بعض المفكرين المصريين حول موضوعات هذا الكتاب، ولعل هذا ما سنفعله فى الجزء الثانى من عرضنا، مع التعرض لبعض الكتب الأخرى التى تتناول الموضوع نفسه ككتاب «مستقبل الثقافة فى مصر العربية» لسليمان حزين، مع الإشارة إلى بعض الآراء التى تفجرت نتيجة الثورة التكنولوجية الحديثة، والدعوة إلى الثقافة العلمية، وموت الوهم المعشش فى عقلنا فيما يخص الكوكبية، أى موت المسافة زمانيا ومكانيا، ومن ثم دخول التعليم فى دائرة الإبداع.
المصدر
- مقال: ثورة 25 يناير فجرت الآمال: مستقبل الثقافة فى مصـر الشروق