ثورة غلابة .. أم ثورة ديابة !!
عز الدين الكومي
مما لاشك فيه أن النظام الانقلابي الفاشل، والذي فشل في كل توجهاته، بالرغم من الفرص التي أتيحت له، ولم تُتُح لأي نظام آخر من الدعم الإقليمي والدولي والداخلي، لكن هذا الفشل جعل الجميع ينفضون عنه، ويطالبون بإزاحته لأنه خرب البلاد ونشر الفقر والبطالة، وانتهج سياسة اقتصادية فاشلة، فضلا عن مواقفه المتناقضة فى السياسة الخارجية!!
لذلك بدأ الإعلام الانقلابي، والأذرع الإعلامية للمعلم "عباس ترامادول"، والشؤون المعنوية لعسكر كامب ديفيد، تتبنى تصعيد التحذير مما سوف يحدث فى الأيام المقبلة من سيناريوهات الفوضى، وانعدام الأمن، وغلاء الأسعار، مع التذكير بحال سوريا والعراق ومخيمات اللاجئين، ظنًّا منهم أنهم سيتمكنون من احتواء الحراك المنتظَر، كما تمكنوا من احتواء الغضبة الشعبية التي أعقبت قرار بيع تيران وصنافير للسعودية، يومي 15 و25 أبريل الماضيين!!وما تلا ذلك من اقتحام نقابة الصحفيين واعتقال بعض أعضائها ثم الاتفاق مع "خالد علي" ودعوته لحضور لقاء مع الرئيس الفرنسي بعد ذلك، كما تم استدعاء الخوابير الأمنيين والاستراتيجيين والاقتصاديين من جنرالات التقاعد للتهديد بإبادة كل من يفكّر في النزول وسحقه، بل وتقطيعه أيضا إن لزم الأمر، مع دعوات صريحة من جواري الانقلاب بالنزول "مَلْط" و"مشلحين" وبصدور عارية!!
ولا يسمح بكلمة عن فشل زعيم عصابة الانقلاب، أو الخراب والانهيار الاقتصادي الذي تسبب فيه بسياساته الخرقاء، بل وصلت الوقاحة بنظام الانقلاب العسكري أنْ يستدعيَ المطربَ المفضَّلَ الذي ينعق وينهق فى كل مناسبات الخراب، والذي نعق فرحا وطربا بالانقلاب الفاشل على الرئيس التركي "أردوغان" قائلا: "اشرب يا أردوغان"!! جاؤوا به ليسب ويشتم "البرادعي" مع أنه أحد العناصر الانقلابية، ومِن أعمدة النظام الانقلابي، ونائب "عدلي منصور" ويتهموه بالعمالة والخيانة!!
بالتأكيد لا أحد يعلم مِن أين خرجتْ هذه الدعوة إلى التظاهر يوم 11 نوفمبر، تحت شعار "ثورة الغلابة"، ولا مَن يقف وراءها، ما جعل كثيرين يتشككون في مصداقية هذه الدعوات، أو أنّ أجهزة الاستخبارات الانقلابية هي مَن تقف خلف هذه الدعوات، ومما زاد من هذه الشكوك أن بعض وسائل الإعلام الانقلابية تسوّق لهذه الدعوات!!
ولكننا لا نذهب بعيدا إذا قلنا بأن زعيم عصابة الانقلاب بحاجة إلى إصدار قرارات اقتصادية صعبة وقاسية، مثل تعويم الجنيه بناء على أوامر صندوق النقد الدولي، ورفع الدعم عن المحروقات، لترتفع أسعار البنزين والسولار وما يستتبع ذلك مِن زيادة في الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة نقل السلع بين المحافظات!!
وبعيدا عن العاطفة والتشنج هناك مَن يعتبر ما يردده الإعلام الانقلابي دليلا دامغا على أنها ثورة حقيقية، ويجب أن يسير الجميع فى ركابها، ولا نقف ضدها ولا نستجيب لصيحات الحرب عليها من جميع الجهات، يستوي هنا الذين يعتبرونها "مخططاً إخوانياً شرّيراً"، أو الذين يعتبرونها "لعبة مخابراتية محكمة!! ويقولون بأن هذه الدعوة استكملت شروط الثورة كما لخصها "الكواكبي" في كتابه "طبائع الاستبداد"، حيث يقول: العوامُّ لا يثور غضبهم على المستبد غالبا إلا عقب أحوال مخصوصة مهيجة فورية منها:
- 1ـ عقب مشهد دمويّ مُلِم يوقعه المستبد على مظلوم يريد الانتقام لناموسه.
- 2ـ عقب حرب يخرج منها المستبد مغلوبا، ولا يتمكن من إلصاق عار الغلب بخيانة أحد القواد.
- 3ـ عقب تظاهر المستبد بإهانة الدين.
- 4ـ عقب تضيق شديد عام مقاضاة لمال كثير لا يتيسر إعطاؤه حتى على أواسط الناس.
- 5ـ في حالة مجاعة أو مصيبة عامة.
- 6ـ عقب ظهور موالاة شديدة من المستبد لمن تعتبره الأمة عدوا لشرفها.
ولا شك أن هذه العوامل قد توافرت فى ظل النظام الانقلابي بامتياز!!
ويؤكد أصحاب هذا التوجه أنهم يتعاملون مع هذه الدعوات كما تعاملوا مع صرخة سائق التوك توك، حيث تباينت المواقف بين التخويف والتخوين، حيث يرى البعض أن نداء الجوع لا يكفي لإحداث ثورة، وأن الجوعى لا يثورن وأنّ هذه الدعوات ليس وراءها رموز معروفة، وبالتالي لن تنجح فى إحداث أي تغيير!! فيما يرى البعض أنه لا تعارض أبداً بين مطلبي الخبز والحرية، أو بين الاستجابة لهتاف البطون وتلبية نداء العقول، فمن يطلب الخبز بالضرورة يسعى إلى الحرية، وليس صحيحاً أنّ الجوعى لا يطالبون بالحرية والعدل والكرامة!!
ولا أحد يزعم بأنها ستكون ثورةً كاسحةً، تُسقط النظام بالضربة القاضية، لكنه من غير المنطقي إنكار أهميتها، حيث أنها تثير فزع النظام الانقلابي مِن ناحية، وتجسّد حقيقة أنّ الشعب لم يعد يرى أملاً بحياةٍ كريمة في ظل هذا النظام، حتى قال قائلهم: اتركوا الغلابة يقولون كلمتهم، وإذا لم تكونوا قادرين على أن تكونوا معهم، فلا تكونوا ضدهم!!
لكن على ما يبدو أن هذه الدعوات حرّكت بعض مَن يعيشون حالات البيات الشتوي والكمون الصيفي، فقد قام "عبود الزمر" يقدم نصائحه لقائد الانقلاب ويطالبه بإجراء مراجعة شاملة لسياساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ لقطع الطريق على انفجار مفاجئ في عموم المشهد السياسي والأمني، وأنّ القيادة الحكيمة هي التي لا تجمع على شعبها الفقر والقهر، لكون ذلك يعد تعجيلا بانفجار مفاجئ، وإذا مرت الحكومة بأزمة اقتصادية طاحنة، فمن الذكاء أن تفتح أبواب الحريات أمام المواطنين، ولا تُبقي في السجون محتجزًا سياسيًا واحدًا!!
ومما لا شك فيه أن سوء الأحوال المعيشية وفشل النظام اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مع استعمال آلة القتل والقمع، والترويع لكل مَن يحاول أن ينتقد سياسات النظام جعل الكثيرين مِن مؤيدي هذا النظام والذين رقصوا أمام اللجان وعلى جثث الشهداء يتراجعون، ولا يوجد مَن يسانده سوى المنتفعين مِن فساده، ومرتزقة الإعلاميين منعدمي الضمير، الذين ربطوا مصيرهم بمصير النظام!!
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
المصدر
- مقال: ثورة غلابة .. أم ثورة ديابة !! موقع نافذة مصر