ثورة شـباب مـصر: تـدْشـيـن سفـرِ الديمقراطية

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ثورة شـباب مـصر: تـدْشـيـن سفـرِ الديمقراطية
الثلاثاء 15 فبراير 2011
ثورة الشباب

هـلـّـتْ ثورة ُ 25 يـناير(2011)، على خـُـطى ثورة تونس الظافــرة، لـتـُـعـزّز المطلب الحيـوى للشعوب العربية قاطبـة فى التحرر من ربــقـْـة الذلّ وسطوة الاستبـداد، على امتداد عقود مليـئة بالهزائم والتـقـهـقـُـر.

مــا يـمـيـز ثورة شباب مـصـر، هو أنها تمتـد فى زمن الإنجاز وتستـقطـب الملايـيـن، وتـُمـسـرح الفـعل المـُـغـيـّـر وهى تـحـاكـم النظام المـُـتهاوى ،وتؤكـد أن القطـيـعة ضرورية مـع مـَـنْ سـرقـوا ثــقة الشعب وخـيـراته وآمــاله مـُـحـوّلــيـن البلاد إلى مـزرعــة خـاصـة يستغلونها ويـُـورّثــونـها لسلالتهم الطاغية.

هى إذا ثورة تــربـط الحاضــر بذلك الوجه المشرق فى الماضى القريب، يـومَ هـبـّـتْ جموع الشعب سنة 1919، لتحقيق الاستقلال والتخلـص من الاستعمار البريطانى.. ثورة تـربط الحاضـر بالمنطق الصحيح الذى يــرفض الانقلابات والثورات الفــوْقــيـة، ويـُـصـرّ على أن يختار الشعـبُ طريـقا ديمقراطيا يـُنـظـم الصراع، ويـُـوجه الطاقات نحو إبداع المستقبل. كـأنّ حـنــاجــر شباب ميدان التحريـر وكل ميادين مصر ،يــُردد تلك الأغنيـة ــ الرمـز التى كتبها طالب مـُعـتـقل فى سجن القلعة سنة 1919 قائلا: «إحنـا التلامذة يا عــمّ حـمــزة، واخدين على العيش الحــاف...»، والتى سيـســتـوحيها الشاعر أحمد نـجـم والشيخ إمام ليصدحـا مع الثائرين فى السبعينات: «رجعـوا التلامـذة يـا عــمّ حــمـزة لـلـجــدّ تــانــى ...». عــاد شعب مـصـر إلى الجــِـدّ ليصحــح مواطـن الخلـل التى سـمـحتْ لـمـَـنْ سرقوا تضحياته وآماله أن يفرضـوا سلطة الحديد والنار، وأن يفـرّطـوا فى مصالحه ودوره العربى الــرائد.

أكثـر من نصف قرن ومـصـر تـعانى من استبداد الحاكمـين والناهبين والمـستـسلـمـين لإرادة المــانحين ولـمـُـحـتـلـّـى فلسطين...كانوا يتصـرفون وكأن ملايين من المصريين هم مـأجورون فى ضيعة أسياد لا يقبلون مراقبة أو محاسبة. لم يسكت الشعب على الظلم الفادح فأدى ثـمــنـا غاليا من حياة أبنائه، وظـلّ يحارب بالأسلحة المتاحة: الجـهـر بالنقد، والكلمــة الكـاشفة، والنكـتـة اللاذعــة. لكن المسـتـبـدين لم يـُبالوا بصوت الشعب وظـلـوا يـُبـشرون بالانفتاح والليـبـرالية المـتـوحشة ،مـُـمـعـنـيـن فى التحالفات المـخـزية مع رجال الأعمال المتـسلـقين، والوالغـين فى المـُضاربات العقارية والشركات المـتـعددة الجنسية.

منذ سنوات عديدة وأهـل مـصـر يـدركون أن هذا الوضع لا يمكن أن يسـتـمـر وأن شــروط تــنـْـفــيـض ِالدولـة والمجتمع قد تــوافـرتْ،وحـانَ وقــتُ تـدْشــين ســِـفـْـر الديمقراطية للاسـتـهـداء بـه على طـريق استعادة سيادة الشعب. وللحقـيـقـة أقـول بأن الإبداع الأدبى للكـُـتـاب الشباب فى مــصــر قد نــبـّـهـنى، منذ عـقـْـديـْـن على الأقل، إلى أن الانفجار آتٍ وإلى أن الأصباغ والتــزاويــق التى كان نـظام حسنى مـبارك يـدفــقـُــها على الــواجـهـة إنما تـُخفى وراءها واقـعا مـعـتـما، ويأســا أســود يوشـك أن يـعلن عن نفسـه.

صحيح أن الأوضاع الثورية تــتـضـافـر فى صنعها، قبل كل شىء، عوامــل مادية وسياسية واجتماعية، لكن التعـبـيــر الأدبى والفنـى يـُسهم أيضا فى بــلــورة الوعـى وإنـْـضـاج لـغـة الرفض والاحتجاج. وهـذا مــا عــايــنــتـُـه منذ تـسعـيـنيـات القرن الماضى من خلال متابعتى للرواية الجديدة المصـرية التى تـُجـسـد عـبـْـر تمـثـيـل فنى مـتـمـيــز، انفصامَ العلائق بين المجتمع المدنى والدولة، وترسـم مشاهد نافذة للتهميش والبطالة والانــحـشــار فى الأحياء العشوائــيـة.

فضلا عن ذلك، عـبـرت كثـير من تلك الروايات عن العنف المــُسـتـَـتـِـر والظاهر الذى يـعتـمـده النـظام لحمايــة مؤســسـاته المزيــفة، وتـغــلـغـلـت فى أحشاء التجمعات السكنية المـزنـوقة على أطـراف القاهرة العملاقة لـتـُسـجـل «اللغات» الــنـابــتة فى أحضــان البـؤس والعنف والبــلطـجة والتى تـضـع موضـع تـســاؤل كل المقدسات والمحرمات، لأن الأخلاق لا يمكن أن تـوجد، كما قال أحد فلاسفة اليونان، من دون حــدّ أدنــى من المــادة ...

كـل ذلك، أســعـْـفَ الشباب المصريين الذين نــزلـوا إلى الشارع على أن يـُضـيئـوا شعلة الثورة والعصـيان الكــامـنـة لـدى الشعب، وأن يـبـتـدعــوا طـرائـق ذكـيـة تـتحدى الاستبداد وأجـهـزة القــمـع. وســرعـان مـا وضـعـوا أيديهم على الـعـتـبـة الــسـالكة نحو الـتغــيــيـر حين نــادوا بإسـقاط رأس النظام، والتخـلص من عبء الأوصـياء المـُحتكـرين للسلطة باسم الوطنـية والبلاغـة الكاذبة الجوفاء.

أدرك شباب مـصر أن التـغـيــيـر الجذرى يـنـطوى على مـخـاطــر ويـسـتـلزم تضحيات، ولكنـهم أدركوا فى الآن نفســه أن الأمــر الاستـعجــالى والشــرط الأوّلــى لإنـجاح الثورة، هـو القيام بقطيــعة مع المسئولين عن التدهور وســدّ الأبواب أمام الشعب.

وهذا هو مــا يـفـسـر تـشــبـّـثــهم برحيل الرئيس الذى أخـذ يتـحــايـل ويـتــبـاكى لـيـُمــدّد أجـَـلَ حـُـكـمـه الفاشل، ولكن هيـهات لأن الشعب المصرى أدرك بالمـُعـانـاة ســبــب بـلائـه ومـأساته.

لـيـس مـا هو مـطروح الآن وقد حقـقت الثورة هــدفـها الأول بإجــبــار الرئيس على التـنـحى، أن تقدم تـفـاصـيل تحـدد مجـتـمع مـا بـعد الثورة، وإنما الأهــمّ الحـفاظ على التعـبـئة وتحالف الشعب مع قـُـوّى الشبـاب لـتـكســيـر دوالــيب الاستــبداد وأعداء الديمقراطية والتغـيـيــر.

مــا يــكـتـسى صبـغـة الاستـعجال هو حـمــاية قدرة الشعب على مــراقبة الخـطـوات التالية لكى لا ينـحـرف المســار، ولكى يـتـمّ التحضـيـر للحـوار الصـريح، ووضْــع أسـس الانتقال إلى ديمقراطية منفـتـحة على المستقبل، مـسـتــنـدة على الشباب الذى فــجـّـر الثورة وعلى سواعد العمال والفلاحين الذين عانوا من الاستغلال والقـهـر.

لا خـُـضوع بعد اليوم لأنظمة متـسـلطة تحـتقـر المواطنين وتـتـكئ على الرقابة البوليسية: هذا ما تقوله ثورة الشباب فى مـصـر، وهـو مــا قالــتـْـهُ ثورة شعب تونس بالأمس القريب، وهـو مــا يـُخــالج صدور جميع الناس على امتـداد الأوطان العربية. شــرط ُ نجاح هذه الثورة، كما نشاهـد، هو القطيعة مـع مـَـنْ أرادوا لشـعوبـنا أن تظـلّ خـارج التاريخ تـتــلـهـّـى بالتفــرُّج على مــنْ يـصنــعــونـه. لذلك فإن مـلـحمـة الثورة التى تـُـدشـنـها تونس ومصــر هى كـلـمة البدء، كــلـمـة التـّـكـويــن فى سـِـفـْـر الديمقــراطية والعدالة والمساواة.

لا أحــد مــنـّـا، بعد الآن، سـيـقـبـَـل أن تـُـعـصـبَ عـيـنــاه. كلــنـا نـرى ونســمع ونـعانق طـريـق الفـعل الذى يـُـعيـد لشعوبنا التـكافل والتــساند والكـرامـة. وشـِــعـارُنــا لا يـقـبل التجــزىء: مــواطـن حــرّ ومسئول داخل مجتمع يــرعـى الحقوق ودولـة تــقـوم شرعــيـتـُها على تـداوُل الحكم وضمان حــرية الرأى والاعـتـقاد والتفاعل مع المجتمع المدنــيّ... لـنْ نـُصـغـى للذيـن يـحـُكـُّون إسـتـَــهـُـم وهـمْ يـُشــكـّـكــون فى صدقية ثــورتــنـا، أولـئك المـثـقـفـون الغــربــيون الذين يـُطــلّـون من شرفاتهم الهــرِمــة ليقولوا أو يكتــبـوا فى صحفهم بــأن « الشعــوب العــربيـة مـُـتـأخـرة بالفـِـطـْـرة والــوراثــة « !!! لا وصايــة بعد اليوم، لأن الشعوب العربية قــررت أن تهـدم جـُدرانَ الاسـتـبـداد وحــاجــبــات الضــّــوْء..

اخــتـارت أن تــرتــاد أصــقــاع التاريخ المتـحرك، وتــعــانــق الحداثـة المُـجددة، وتــبــتــدع لــغــة تــفــتـح مجــاهـيل العــصـر .

هــديـــرُ حـنــاجــر الرجال والنساء والعمال والمثقفين فى تونس ومــصـر، تــرتــجُّ فى أعماق كل عربى لــتــُـنـبــّـهــه إلى أن مــسالـك الأمــل هى قــابَ قــوْســيْـن، وأن ســاعة التـغـيـير قـد دقــتْ، وأنْ لا أحــد يستطـيع، هذه المــرة، أن يتـخــلـى عن مــوعده مــع التــاريخ الحــامــل لـلـمـــســرّات.

تســتـعــيد الشعوب العربية، من خلال انتفاضة تونس ومـصــر الأمــل فى تحقيق انطلاقة جديدة، تأخذ فى الاعتبار التعــثـرات والانتكاسات والأخطاء التى ضيعت فرص الحوار والتعايش والتقدم على مختلف الإثـنـيات المـُكـوّنة لنــسـيج تــاريخــنا . ومن ثــمّ، تـقـدم تـجـربــتــا تونس ومـصـر فرصــة نادرة للمـراهنة على الديمقراطية بوصفها وسيلة لتنظيم الحوار والصراع الـبــنــّاء، والإقــرار بالتعدد الثقافى الخــلاّق، وفــكّ الحصــار عن الفعل والإبداع، واستعادة حـرية المواطنين، وإلـزام دولــة القانــون بالســهر على تــنـفـيذ مـا اخـتاره الشعب.

هــذا هــو أفـــق الرهــان الجوهــريّ الذى تـطـرحــه ثــورتــا تونس ومــصـر، وهو رهان يـفـتح الـبــوّابة الضــرورية من أجــل أن نــُعاود الانخراط بـجـدّيــة فى مجــرى التاريخ، مـُســتــهــدفيــن تحقــيــق النهضـة المـُنفـتـحة التى طــالــمـا أجــْــهــَضـتـْــهـا ،فى ربوعـنـا، قـوى الاحتلال والاستغلال والــفـكر الــمــاضــوى الآفـــل.

تـلك هــى تونس ومــصـر اللتان فى خــاطــرنا : تــثــوران ِ اســتجــابة لمطامـح شعــبـيــهـما وأيــضا لــتـفـتـحان الطريق أمام الشعوب العربية السائـرة، لا مــحالة، نـحو التــخـلص من الاستبداد والحكم الفــردى.

المصدر