تونس: صور من اضطهاد المسلمين في بلادهم
بقلم : منصف بن سالم
ما يحدث في تونس، فيما تسميه السلطة محاربة الإرهاب والتطرف، هو عين الإرهاب والتطرف. وبعابرة أرحم هو تخلف سياسي، وخروج من عصر العلم والحرية والتسامح، إلى عصر الظلم والظلمات.
وفي واقع الحال، ومن دون مبالغة، فإن ما يحدث في تونس، هو حرب بلا هوادة على هوية شعب، وعمل دؤوب لتغريبه وتجريده من هويته وأصالته العربية الإسلامية، كما هو تدمير حضاري واقتصادي وثقافي، يتم على يد سلطة، فقدت كل صواب في معالجة مشاكل مواطنيها، وراحت تسخر من عقول الناس، وتضرب بعرض الحائط كل المواثيق، وتتصادم مع المنطق في كل ممارساتها. فهي، مثلا، تمنع تحفيظ القرآن الكريم منعا باتا، وتغلق كل الكتاتيب من جهة، ثم تنظم حفل توزيع الجوائز على حفظة القرآن الكريم، من جهة أخرى.
وقد حدث ذات مرة أن هاجمت مجموعة من اللصوص، مسلحة بالسواطير، منزلا في الليل. والبوليس، الذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن ذلك المنزل، لم يأت لنجدة المنكوبين، إلا بعد فوات الأوان، حتى قال أحد الحاضرين، لو أن البوليس سمع تلاوة القرآن الكريم في جوف الليل، لجاء في الحال لاعتقال المشبوهين.
وحدث مرة أخرى أن اعترض شرطي، أمام أحد المساجد، أحد سجناء الرأي السابقين، وقال له متسائلا: أما هداك الله بعد، حتى تقلع عن الصلاة، وتبتعد عن المسجد؟.. وهكذا تكون الهداية في منطق السلطة ورجالها هي الضلال!!.
الذين يصفون السلطة في تونس بالدكتاتورية، وينعتون حكمها بالحكم الاستبدادي، هم مخطؤون، حسب رأيي، إذ الصواب غير ذلك. فمن خلال ما نعيشه من ظلم وقهر فاق كل التوقعات، لا يمكننا إلا أن نجزم بأن السلطة لها مهمة رئيسية هي استئصال الروح الإسلامية، واستئصال الفكر والثقافة الإسلاميتين، من بلاد عقبة وجامع الزيتونة، ونتاجا لذلك جرف سيل الظلم كل معارض، أو مفكر حرّ، مهما كان توجهه، كما عمت البلاد المحسوبية والرشوة والفساد الإداري، وصارت حكايات فساد أصحاب السلطة موضوع تندر عامة الناس.
إن الحديث عن المساجين السياسيين في تونس، من وجهة نظر عادية، هو ظلم لهؤلاء. فالسجين السياسي في تونس حيوان متكلم، مملوك لأهل السلطة، يُفعل به ما شاء أصحاب الضمائر الشريرة، من تنكيل واستفزاز، وتشف للصدور المريضة.. مكان سجنه يكون في أبعد نقطة عن موطن عائلته.. وظروف زيارة الأهل هي فرصة للتمثيل به، والانتقام منه، ومن أهله، مثل نزع ثيابه بالكامل، وتفتيشه بطريقة مشينة، قبل الزيارة، وإجبار من كانت من أهله على تعرية رأسها، وتسخيرها لأسئلة البوليس الاستفزازية، التي لا تنتهي.
عندما يتم نقل السجين إلى سجن غير سجنه، لا يتم إعلام أهله بذلك، وعليهم أن يبحثوا عنه من سجن إلى آخر.. وإذا كان الإسرائيليون يهدمون بيوت المجاهدين للانتقام منهم، ففي تونس لا تهتم السلطة بهدم الجدران والحجارة.. إنها تهدم ما هو أهم وأخطر من ذلك.. إنها تهدم العائلة كلها وتدمرها.. تجبر الزوجات على الطلاق من أزواجهن قصرا، وتحت التهديد، وتشرد الأطفال، وتحرمهم من التعليم، كما تحرم العائلة من الخدمات الاجتماعية الضرورية، وتسلط عليها المتابعة اليومية من قبل البوليس، وتروع أفرادها بالزيارات الليلية المفاجئة، ولا تقف عند حد النعوت المشينة، والتضييق على الناس في العيش وطلب الرزق، بل تعتبر اليد، التي تمتد لتلك العائلات المنكوبة جريمة يعاقب عليها بالسجن، وهو الأمر الذي أجزم بأنه حدث في كل قرية وفي كل حي وفي كل مدينة.
آلة الحكم في تونس تعتمد على أناس يغمرهم السرور حين يجوعون عائلة مسكينة، وتسكرهم دموع الأطفال، وتطربهم صيحات النساء المستضعفات المضطهدات.. وبذلك تنفرد تونس في العالم بخصوصيات لا نظير لها في أي بلد آخر: منع الإحسان عمن يستحق.. حرمان من العمل.. منع السعي لكسب العيش الحلال.. منع الزي الإسلامي والتهجم عليه، واعتباره زيا طائفيا.. قطع الهواتف، ومراقبة البريد وسائر أجهزة الاتصال.. تعميم العقاب السياسي ليطال عائلة السجين السياسي والأقارب، وحتى الجيران.. فكامل الحي الذي أقيم فيه محروم من خدمات التطهير والبريد وتعبيد الطرقات (1).
إذا قدر للسجين السياسي أن يغادر الأبواب الحديدية السبعة للسجون، فإنه سيجد نفسه في سجن آخر أكبر حجما.. فبالإضافة للتوقيع أكثر من مرة في اليوم عند البوليس، لإثبات وجوده، وبالإضافة للحرمان من العمل، والمنع من مغادرة مسقط رأسه... الخ، فإنه لا ينام الليل مثل سائر خلق الله. فالله عز وجل قد جعل الليل لباسا والنهار معاشا، والسلطة في تونس جعلت الليل انزعاجا وفواجع وزيارات بوليسية مفاجئة، وجعلت النهار حرمانا ومضايقة، وسماع ما يكره الإنسان (2).
قال أحد أعوان البوليس لفتاة ألقي عليها القبض لنزع حجابها بالقوة، بعدما أدخلها مركز الشرطة: 'أنتم متاع لنا، نفعل بكم ما نشاء، وليس لكم الحق في أي شيء.. عليكم طاعتنا وكفى'.
وإذا كان لبعض أعوان البوليس ضمير أو أصل يردعه عن فعل السوء، وتجاوز الحدود، ففي هذا السلك الوظيفي أسوأ خلق الله وأرذل الناس على الإطلاق. وهؤلاء لهم اليد الطولى في تونس، ولا يمكن لأحد أن يرد عليهم، حتى من زملائهم، بل حتى من رؤسائهم، خوفا من تهمة التعاطف مع الإرهابيين.
باختصار يمكن القول إن السلطة في تونس صممت وعزمت على طردنا من الحياة العامة، فطردها جهلها وعقلها الضيق الصغير من العصر، الذي يعيش فيه العالم، وألقى بها في العصور المظلمة.
لقد نصبت نفسها باعتبارها استمرارا لمحاكم التفتيش الغابرة، وأرادت أن تجعل منا مورسكيين جدد، فعدنا إلى أيام سقوط الأندلس في أيدي الإسبان في القرون الوسطى، حين سيم المسلمون الذل والهوان.
هذه ليست رسالة استغاثة واستنجاد، وإنما أردت بها تحميل المسؤولية للضمير العالمي، إذا ما بقي فيه شيء من الحياة، كما هي صفعة للذين يتظاهرون بمحاربة الإرهاب العالمي، ومواقفهم مما يحدث في تونس عار تاريخي لا ينسى.
أما السلطة في تونس فلا أتوجه لها بأي شيء، لأنه 'لا حياة لمن تنادي'. وأتوجه إلى المنظمات الحقوقية الحرة، وأطالبها بأن تكون في مستوى ما التزمت به، وأن لا يكون المسلم في ميزانها أقل من إنسان، وهو للأسف ما لمسته في أمثلة لا تحصى ولا تعد..
إني أدعوها إلى أن تعمل على إيقاف هذه المهزلة النكراء، والجريمة الحمقاء، في حق الآلاف من الأبرياء والعلماء والسياسيين، الذين أصبح ماؤهم وملحهم الرعب والخوف والحرمان من أبسط حقوق الإنسان.. فهل من سامع!!.
نبدة عن الدكتور منصف بن سالم : عالم رياضيات تونسي بارز، ممنوع من العمل منذ خروجه من السجن في عام 1993، ويعاني وعائلته من صنوف متعددة من المضايقات الأمنية
هــوامش
1) يقيم الدكتور منصف بن سالم، الذي قدم خدمات علمية جليلة لتونس طيلة فترة طويلة من عمره، في 'حي الحبيب' في مدينة صفاقس، وهي ثاني أكبر المدن التونسية، وتعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد، لكن الحي الذي يقيم فيه، محروم من أبسط الخدمات، لأن بعض الجيران أبدوا تعاطفا مع محنته فعوقب الجميع (التحرير).
2) يروي الدكتور ابن سالم في هذا المقال، شطرا من محنة آلاف المساجين السياسيين السابقين، ومعظمهم من التيار الإسلامي، كما يروي أيضا شطرا من تجربته هو الشخصية مع المضايقات الأمنية المستمرة، منذ خروجه من السجن.
المصدر
- مقال:تونس: صور من اضطهاد المسلمين في بلادهمموقع:الشبكة الدعوية