تناقضاتهم تدينهم: ليسوا معارضة وليسوا صادقين
بقلم : فادي شامية
في البداية وحتى لا يوضع الكلام في غير موضعه، فإنه من المفيد التأكيد أن مقاتلة الاحتلال وحمل السلاح بوجهه واجب ديني ووطني، الأمر الذي لا يحتاج إلى حوار أو اتفاق شامل. هذه هي حال أغلب مقاومات الدنيا، أنها تنطلق قبل أن تتأطر وتصبح مشروعاً عسكرياً وسياسياً يتفق عليه أبناء الوطن، وهي عندما تنجز مهمتها تتحول إلى سلطة أو جزء من السلطة، وسلاحها يصبح تالياً أحد مفردات السيادة الوطنية.
ليسوا معارضة
ما حصل في لبنان بعد التحرير عام 2000، وبفعل الحاجات الإقليمية، أن المقاومة لم تصبح جزءاً من المؤسسة الوطنية الشرعية المعروف أنها في كل العالم هي الجيش، فبات الوطن بجيشين أحدهما وطني يقوم بمهام الأمن وحفظ النظام، إلى جانب جيش آخر حزبي ومن لون مذهبي واحد، يقوم بحفظ الحدود ويتحكم بقرار السلم والحرب، وقد كان وما يزال محرّماً بحث إمكانية دمج المقاومة في الجيش، بحيث يستفيد هذا الأخير من مرونة المقاومة واستراتيجية حرب العصابات المعتمدة لديها.
ليس الموضوع في هذا المقام هو الحديث عن المقاومة وسلاحها، ولكن المقصود الإشارة إلى أن انغماس "حزب المقاومة" في الحياة السياسية الداخلية، بأدق تفاصيلها، وتزعّمه للمعارضة، حولّها إلى "معارضة مسلحة"، ويكفي ذلك لنزع صفة المعارضة بالمفهوم الحضاري للمصطلح عنها.
ثمة ملاحظة أخرى تستأهل النظر، ففي البلدان ذات السيادة، تعتبر جريمة سياسية وقضائية، ربما ترقى إلى منزلة الخيانة، أن تقوم "معارضة" بتلقي الدعم الخارجي من دولة أخرى سواء كانت شقيقة أو صديقة، فكيف إذا كانت هذه الجهة مرتبطة وجودياً بدولة ما، كحال حزب الله في لبنان؟! بطبيعة الحال فإن الأمر غير مقبول، لكن المقاييس المقلوبة في لبنان جعلت هذه الجهة المستفيدة من الدعم الخارجي في موقع الهجوم، باعتبار أن المال الذي يأتيها "نظيف"، خلافاً لمال الدولة "الوسخ"!
من ناحية ثالثة فإن الأسلوب المتبع أبعد ما يكون عن ممارسات المعارضة كمفهوم حضاري، فإذا كان من حق أية جهة أن تعارض، فإن من واجبها التزام الدستور، وآلياته، ومهله، لا أن تصادر حق الشعب في ترجمة إرادته من خلال ممثليه في البرلمان، فتقفله دون أن يرف لها جفن، وتعطل الحياة البرلمانية برمتها لمجرد أن الغالبية فيه ليست معها!. نعم من حق "المعارضة" أن تتظاهر وتعتصم، لكن ليس من حقها أن تشل البلد بإقامة المخيمات وسط العاصمة. من حقها أن تنتقد وتهاجم وتفضح، لكن ليس من حقها أن تتهم الناس بالعمالة وتنصّب نفسها فوقهم، فتسمي هذا "نظيفاً" لأنه في صفها، وذلك عميلاً لأنه ليس معها...إنه من قبيل التجاوز فقط أن نطلق على من يملك السلاح خارج الإجماع الوطني، وعلى من يرتبط وجوده بجهات خارجية مالاً وسلاحاً ودعماً، وعلى من ينتهج أساليب غير "ديمقراطية"... ـ نعم من قبيل التجاوز فقط ـ أن نسميهم "معارضة".
...وليسوا صادقين
لنترك هذه المسألة جانباً، فهم إن كانوا معارضين أو انقلابيين، وسواء كانت معارضتهم دستورية أو لا دستورية ... فإنهم شركاء في الوطن، رضي "باقي الشركاء" أم كرهوا، لذا فللننظر في مدى صدق طروحاتهم الأساسية.
المحكمة الدولية
أولاً وبادئ ذي بدء ثمة خلاف حول المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الخلاف يبدأ حول الجهة المتهمة سياسياً بقتله، هم يقولون أميركا وإسرائيل، وبالوقت نفسه يقولون بأن الحكومة الحالية هي حكومة أميركا وإسرائيل، ولأنه لا يستقيم أن تسهّل أميركا إقرار محكمة "ستثبت ضلوعها بالجريمة"، يلجأ "المعارضون" إلى معطى آخر مفاده أن أميركا تريد تشكيل محكمة تبعد عنها الشبهة وتُلبس الجريمة إلى سوريا، في خلط مقصود بين المحكمة الدولية التي تحكمها معايير العدالة، وبين مجلس الأمن الذي تحكمه الحسابات السياسية. بطبيعة الحال ليس ثمة وجه من أوجه المقارنة بين المعايير المعتمدة في المحاكم الدولية، وبين العدالة المتعارف عليها في سوريا، أو كثير من البلدان، ومنها لبنان، لكن لنفرض أن هذه المحكمة ستكون مسيسة، فلماذا لم تتجرأ "المعارضة" على طرح ملاحظاتها عليها في وسائل الإعلام "لتفضح" المسيسين؟ أليس أهون ألف مرة على سعد الحريري أن يقول إن إسرائيل قتلت والده، وتنتهي القصة، لولا "معرفته" أن الحقيقة في مكان آخر؟ الرياضة الذهنية البسيطة تفيد أن المعارضة لا تريد معرفة من قتل الحريري، ببساطة لأنها "تعرف" من قتله!
المشروع الأميركي
تدعي "المعارضة" أنها تواجه "المشروع الأميركي" الذي يمثله "فريق 14 شباط"، و"الحكومة العميلة، حكومة السفير فيلتمان". بالمقابل يتهمون هذا المشروع بتخريب لبنان، وأنه هو المسؤول عن الاغتيالات والانفجارات، لكن المفارقة في الأمر، أن هذا المشروع لا يقتل إلا عملاءه!، ولا يفجّر إلا في مناطق نفوذهم!، ويزيد في غرابة طرحهم حديثهم عن التوقيت وعن المستفيد، فتكون النتيجة، أن أمين الجميل، على سبيل المثال لا الحصر، قتل ابنه بيار، لأنه "انحشر" في توقيت له علاقة باستحقاق المحكمة، فضحى به، أو أوكل المهمة إلى أحد زملائه في فريق 14 آذار، أليس هذا ما تروجه أو توحي به "وكالة شام برس" المحترمة جداً؟! أليس هذا ما قاله بعض "فطاحل المعارضة" من على شاشة المنار التابعة لحزب الله؟!
جريمة عين علق تستحق أن تكون مثالاً للدلالة على "رقي المعارضة" في لبنان، نظراً للتوقيت الذي وقعت فيه عشية إحياء ذكرى استشهاد الرئيس الحريري، ونظراً لأنها الجريمة الوحيدة تقريباً التي توصلت أجهزة الأمن إلى معرفة كامل خيوطها. عقب الجريمة مباشرة اتهم بعض "أشاوس المعارضة" من على الشاشة إياها، فريق 14 آذار، بالجريمة، "لأنه المستفيد من تجييش الناس عشية إحياء ذكرى الحريري"، وعندما كشفت التحقيقات أن عصابة "فتح الإسلام"" قد ارتكبت الجريمة، شككوا بصدق هذه التحقيقات، ثم قال لهم الصحافي اليهودي سيمور هيرش إن فتح الإسلام صنيعة أميركية ـ سعودية، فأعجبتهم الفكرة، وصار اتهام هذه العصابة بجريمة عين علق مقبولاً باعتبارها جزءاً من المشروع الأميركي في المنطقة، على حد قول النائب المعارض أسامة سعد، وكالعادة فإن الأميركيين لا يضربون إلا عملاءهم، ومن أجل ذلك فتحوا جسراً جوياً لدعم الجيش في مواجهة فتح الإسلام! مسكينة هذه الحكومة إذا لم تتحرك ضد الإرهاب اتهموها بالفشل أو التواطؤ، وإذا تحركت اتهموها بأنها تنفذ مشروعاً أميركياً، ثم وضعوا في وجهها خطوطاً حمراً!
لو كانوا صادقين لرفضوا تحويل المشروع الأميركي، ـ وحاشا أن ندافع عنه ـ إلى شماعة يعلّقون عليها كل شيء، لأنهم إذاك يخدمون المشروع الأميركي بدل أن يواجهوه.
الشراكة "الوطنية"
تدعي "المعارضة" أنها لا تريد غير المشاركة في السلطة، فالسيطرة الكاملة على السلطة الأولى، ورئاسة وتعطيل السلطة الثانية، لا يكفي، إذ ينبغي أن يضاف إلى ذلك إمكانية "فرط" السلطة الثالثة أو تعطيلها، ليست الغرابة هنا، وإنما الغرابة في نزع المعارضة صفة الشرعية عن الحكومة لأن الشيعة خارجها، ولو بإرادتهم هم، ثم الادعاء بأن "المعارضة" وطنية، فيما أساس رفضها للحكومة طائفي! ومن قبيل ذلك تحريض المسيحيين على السنة إذا ما ذهب نوابهم إلى البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية، لأن الغالبية النيابية يقودها سعد الحريري، علماً أن المعارضة نفسها دأبت على الايحاء بأن الحريري "واقع تحت تأثير جنبلاط وجعجع" اللذين يعطلان الحلول! ووفق المنطق نفسه يحق للمعارضة "الوطنية" أن "تهجم" على الموقع السني الأول، لكن دفاع تيار المستقبل عنه يعادل التجييش المذهبي، على اعتبار أن الاتيان برئيس حكومة سني من قبل حزب الله دون رضا غالبية السنة، لا مشكلة فيه، بينما تسمية مجرد وزير شيعي لا يرضى "الحزب" عنه، يقدح في الشراكة الوطنية!
إنها "المعارضة الوطنية اللبنانية" فهل سمعتم، يا سادة، عن معارضة مشابهة في هذا العالم الرحيب؟! .
المصدر
- مقال:ناقضاتهم تدينهم: ليسوا معارضة وليسوا صادقينموقع:الشبكة الدعوية