تفجيرات سيناء: قراءة هادئة لاحداث صاخبة!
بقلم : ياسر سعد
أصابت تفجيرات سيناء العالم بما يشبه الصدمة, ففي الوقت الذي كانت الانظار تنتقل بين العراق وغزة تتابع ألاحداث المأساوية هناك وقد أعتادت عيون العالم وضمائره على رؤية الآلة العسكرية المتقدمة تطحن عظام الاطفال والنساء والشيوخ وتسوي أجسادهم المهشمة بحجارة الابنية وركامها جاءت أحداث سيناء مباغتة مكاناً و توقيتا وحجمًا. ويمكن للمتابع قراءة حجم الصدمة ليس في ردة الفعل الحكومية المصرية والتي أصابها ذهول قاتل فحسب بل وفي الكتابات الصحفية من بعض الخبراء والمحللين والذين أعيتهم المفاجأة فجاءت كتاباتهم تعكس تشتت الفكرة وتجسد الحيرة.
وإذا تجاوزنا نقطة من يقف وراء الحدث والذي أشبع طرحا وتحليلا ما بين من يشير باصابع الاتهام الى القاعدة أو الى فصائل فلسطينية الى من يرجع المسؤولية الى لاعبين جدد نتجوا عن نشوء تيارات جهادية محلية صغيرة أفرزتها الاحداث المتتابعة والتي تجسد القهر والظلم الذي يحيق بالمسلمين وغياب النظام العربي المسلم الرسمي عن ساحة الفعل وردة الفعل الى من يشير الى أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية من حيث إن إسرائيل ستكون المستفيد الكبير من الحدث لتحصد نتائجه كما حصل باحداث سبتمر امريكيا ويتحدث هولاء عن تأثيرسلبي على الدور المصري مستقبلا على المستويين الدولي والاقليمي. أذا تجاوزنا كل هذه التحليلات والارهاصات لنتوقف عند بعض الحقائق التي كشفتها احداث سيناء و اكدتها او فرزتها.
- جاءت أحداث سيناء لتؤكد أن العالم اصبح أقل أمنا بعد الحرب الامريكية على ما تسميه الارهاب وليس كما يدعي بوش ان العالم الان أكثر أمانا. لقد أنتشر الخوف في أرجاء المعمورة وأثمرت سياسة بوش الرعناء واساليب شارون المتطرفة في البطش والتنكيل الى إنتشار حالة من العداء غير المسبوق للسياسة الامريكية والاسرائيلية عالميا وأنتجت ونشرت ثقافة المواجهة والتشفي.
- كان عدد السياح الاسرائيلين وحجم التطبيع بين إسرائيل شارون والنظام المصري مفاجأة كبرى, اربعون ألفا من الصهاينة يتمتعون و يتنعمون بدفء سيناء فيما أهل غزة يتلظون بالنيران والقصف والتدمير الاسرائيلي. ثم أي دور ينتظر من النظام المصري كوسيط بين الفلسطينين وقوات الاحتلال– ولا أقول كداعم للحق الفلسطيني- إذا كانت مصر مبارك تعتمد إقتصاديا – وهي المرهقة الى درجة الاعياء في هذا ا لمضمار- فيما تعتمد عليه السياحة الاسرائيلية لارض الكنانة.
- إوصلت سياسة النظام المصري البلاد إلى حافة الانهيار على كافة الاصعدة: إقتصاديا واجتماعيا ومعيشيا فالبطالة منتشرة والفقر مستشري وحوادث المرور المأساوية وإنهيار الابنية من الامور التي أصبحت شائعة ومتكررة. تكلست البلاد ودخلت حالة من الجمود والركود مما جعل الحزب الحاكم يرفع عاليا - وإن كان للاستهلاك- شعار الاصلاح. الوضع الامني كان الانجاز الوحيد الذي كان للنظام أن يفاخر به . تفجيرات سيناء أطاحت بالانجاز الامني للنظام المصري لتبقيه في عالم الانجازات في العراء وهو سقيم.
- كشفت أحداث سيناء عن ترهل في أداء الاجهزة المصرية وضعف في مستوى التنسيق بينها لدرجة أن وزير الخارجية ابوالغيط إعتذرهاتفيا لشالوم عن تأخر عمليات الانقاذ. وفُتحت الحدود المصرية أمام طواقم الانقاذ الاسرائيلية من سيارات إسعاف الى القوى الامنية دون الحاجة الى التدقيق الحدودي , وقطع التلفزيوني المصري مسرحية لعبة الست الكوميدية لمحمد صبحي وأعتذرت المذيعة عن إكمال المسرحية. وتباهت الصحف المصرية وعلى صفحاتها الاولى بتوجيه رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الشكر إلي الرئيس حسني مبارك للتعاون الذي أبدته مصر في عمليات الإنقاذ, وطلبه من وزرائه عدم توجيه انتقادات إلي مصر. وكأن مصر تسميت للحصول على شهادة حسن السيرة والسلوك من الارهابي شارون. باختصار أكتشفنا أن دولنا لا تملك لا السيادة ولا مقوماتها ,وان كل ما تبحث عنه هو الرضا الامريكي والقبول الاسرائيلي. من هنا يمكن تفسير الصمت العربي الرسمي على المجازر الامريكية في العراق والاسرائيلية في القطاع.
- وضعت أحداث سيناء التيارات الاسلامية المعتدلة ورموزها في حرج شديد فهي لا تستطيع إدانة العملية وألا فقدت الكثير من مصداقيتها لدى الشارع العربي والاسلامي وهو يرى ما يحل باشقائه في فلسطين وخصوصا أن مشايخ الحركة في دعمهم للعمليات الاستشهادية كانوا يعلنون أن الشعب الاسرائيلي برجاله ونسائه إحتياطي في جيش الاحتلال, وفي نفس الوقت لا تستطيع تلك الحركات اعلان تأييدها لعملية سيناء والا أوجدت مبررا للنظام المصري في تعزيز ملاحقته لها وإعلان الحرب عليها.
- ستؤدي أحداث سيناء الى إزدياد الضغط الامريكي على الانظمة العربية المثقلة بالطلبات والاوامر الامريكية والتي قد تطالبها بالانخراط مع إسرائيل في محاربة "الارهاب الاسلامي" والذي يهدد تلك الانظمة وإسرائيل في الوقت نفسه, وستتراجع الدعوات الامريكية – المتراجعة أصلاً- حول الاصلاح والديمقراطية ليحل محلها الدعوة للتكاتف وفتح أجهزة الدول ومؤسساتها الامنية للحليف الاسرائيلي في مواجهة الخطر المشترك كما ُفُتحت الحدود المصرية لطواقم الانقاذ والتحقيق الاسرئيلية. وربما يكون الاختبار الاول للسعودية في مؤتمرها المزمع حول الارهاب في فبراير القادم فيما اذا كانت جدية بدعوة أحد ضحايا الارهاب الرئيسين " الاحتلال الاسرائيلي".
أحداث سيناء المصرية لها ما بعدها وسيكون لها تداعياتها الكبيرة وإذا ما لجأت السلطات المصرية الى الوصفة المغربية باضطهاد العناصر الاسلامية المعتدلة والتضييق على هامش الحريات المحدودة أبتداءا فإنها قد تحقق بعض المكاسب السريعة محليا والرضا المؤقت أمريكيا غير أنها ستزيد الامر سوءا وستصل الى بالبلاد الى هاوية الانفجار الكبير في مستقبل قد يكون منظوراً.
حوادث سيناء كما التفجيرات وأحداث العنف التي هزت وما تزال الكثير من العواصم والمدن العربية هي واحدة من إفرازات و نتاج أنظمة حكم دكتاتورية فاسدة أدمنت القهر والتعدي على حقوق المواطن واستخدام سياسة القبضة الحديدية معه فيما تتعامل بسياسة الجباه الحريرية مع التسلط الخارجي إن كان امريكيا او دوليا او اسرائيليا. إن الخروج من حالة فقدان الامن والامان وحالة الغربة التي يعانيها الانسان العربي في وطنه تحتاج الى سياسة إصلاحية حقيقية تبدأ من انظمة الحكم المتكلسة وتطيح بثقافة التبجيل والتطبيل والنفاق والزعيق وتسمح للمواطن بالمشاركة الفعلية في إتخاذ القرار من خلال مؤسسات منتخبة فعليا لا من خلال شعارات زائفة وتغييرات ولكن للاسوأ وتقدم ولكن للقاع.
المصدر
- مقال:تفجيرات سيناء: قراءة هادئة لاحداث صاخبة!موقع:الشبكة الدعوية