تطبيق الشريعة منهج حياة , ولكن أين الطريق؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
تطبيق الشريعة منهج حياة , ولكن أين الطريق؟


(الخميس, 8 نوفمبر 2012)

عاطف أحمد أبو زيتحار

بقلم : فضيلة الشيخ :- عاطف أحمد أبو زيتحار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من تعريفات الشريعة اللغوية: أنها الطريقة المستقيمة ومنه قوله تعالى :" ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) " الجاثية

وأيضا عُرفت بأنها: مورد الماء الجاري الذي يقصد للشرب يقال: شرعت الإبل إذا وردت شرعة الماء .

وفي الاصطلاح : هي الأحكام التي سنها الله لعباده عن طريق أحد أنبيائه عليهم السلام ... , وهذا تعريف عام , أما الخاص فهو : ما شرعه الله عن طريق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .

هذه بعض التعريفات اللغوية والاصطلاحية..وفي الحقيقة لم يستوقفني التعريف الاصطلاحي للشريعة بقدر ما استوقفني التعريف اللغوي الذي عرفها بأنها مورد الماء , لأن بها حياة النفوس والضمائر وسعادتهم كما أن في الماء حياة الأبدان ... فكما تنعدم الحياة مع انعدام الماء , فإن الضمير يموت وينعدم بإقصاء الشريعة من الحياة " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)

ولذلك بسبب موت الشريعة في نفوس البعض نجد أن نفوسهم خاوية وضمائرهم خربة وقلوبهم وعقولهم في حيرة , من أجل ذلك يتجهون إلى الانتحار.

ومن عظمة القرآن أنه لم يهمل الحديث عن هؤلاء الذين مات ضميرهم بل وصفهم وصفاً يليق بهم، يقول تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 257]. فماذا نرجو من إنسان أخرجه الشيطان من النور إلى الظلمات؟ إنه مثل إنسان ميت يائس لا حياة فيه ولا استجابة لديه، وهذا ما أثبتته الدراسات العلمية الجديدة!

لقد أثبتت أن الملحدين هم أتعس الناس على الإطلاق، لنحمد الله تعالى على نعمة الإسلام....." وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)" طه

لقد تغنى هؤلاء بإلحادهم وأفكارهم وحريتهم التي يتميزون بها عن غيرهم من المؤمنين "البسطاء" بنظرهم! وطالما أتحفونا بسيل من إبداعاتهم غير المنطقية يدَّعون فيها أنهم عقلانيون ويتعاملون مع الأمور بواقعية، وأنهم أكثر سعادة من غيرهم من المؤمنين الذين حكموا على أنفسهم بالانقياد للدين، وحرموا أنفسهم من ملذات الحياة!!

ولكن يأتي الواقع والعلم ليكذب هؤلاء ويفضح أساليبهم وكذبهم وأنهم مجرد أدوات للشيطان يستخدمها في حربه مع المؤمنين التي سيخسرها بلا شك، وأن هؤلاء الملحدين اتخذوا الشيطان ولياً لهم من دون الله، ليكونوا شركاء له في نار جهنم يوم القيامة.

إن الملحدين هم أكثر الناس يأساً وإحباطاً وتفككاً وتعاسة!!! ولذلك فقد وجدوا أن أعلى نسبة للانتحار على الإطلاق كانت بين الملحدين واللادينيين ، ثم البوذيين ثم المسيحيين ثم الهندوس وأخيراً المسلمين الذين كانت نسبة الانتحار بينهم تقترب من الصفر ، فأعلى نسب الانتحار بين الذين لا ينتسبون لأي دين، بل يعيشون بلا هدف وبلا إيمان.

ولذلك أكدت الدراسات العلمية المتعلقة بالانتحار أن أكبر نسبة للانتحار كانت في الدول الأكثر إلحاداً وعلى رأسها السويد التي تتمتع بأعلى نسبة للإلحاد. أما الدانمرك فكانت ثالث دولة في العالم من حيث نسبة الإلحاد حيث تصل نسبة الملحدين (واللادينيين) إلى 80 %، وليس غريباً أن تصدر منها الرسوم التي تستهزئ بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم.

الناس مع قبول وعرض الشريعة أصناف

إن مثل شريعة الله كمثل حديقة جميلة فيها من كل ألوان الخيرات , لاعيب فيها ولا نقص كاملة الأوصاف تامة كاملة الحاجات .. هذه الحديقة الجميلة الواسعة التي تحوي السعادة بشموليتها .. الناس مع عرضها عليهم وقبولها أنواع وأصناف:

الأول : أعمى البصر والبصيرة ضعيف الذوق قليل الفهم

أتى إلى بابها فلم يستنشق عبيرها ولم يبصر خيراتها ولم يتذوق ثمارها ... فعاد خاسراً خاسئاً .. لأن بصره لم يكشف له عن خيراتها ومكنون نعيمها ولذاتها " قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)" الأعراف

ولو أنهم تريثوا وأكثروا من التجول بين أشجارها وخيراتها لاكتشفوا ماغاب عنهم فيها , " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)" الحج

إن منظارهم سميك غليظ أسود أراهم اللون الأبيض أسودا والمعروف منكرا والمنكر معروفا , والخير شر والشر خيرا , والجميل قبيحا والقبيح جميلا ..... , " الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) " التوبة

إن هؤلاء بعد أن أصيب بعاهات في بصيرتهم لن يجدي معهم نصح ولا نصيحة بعد أن طرقت النصيحة قلوبهم آلاف المرات فلم يفقهوا ولم يبصروا النور والحقيقة , " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)" محمد

"وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)" الأنعام

يقول العلامة ابن القيم في مدارج السالكين في مرتبة الإسماع : قال الله تعالى " وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)" الأنفال, وقد قال تعالى:" وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)" فاطر, وهذا الإسماع أخص من إسماع الحجة والتبليغ ، فإن ذلك حاصل لهم ، وبه قامت الحجة عليهم ، لكن ذاك إسماع الآذان ، وهذا إسماع القلوب ، فإن الكلام له لفظ ومعنى ، وله نسبة إلى الأذن والقلب وتعلق بهما ، فسماع لفظه حظ الأذن ، وسماع حقيقة معناه ومقصوده حظ القلب ، فإنه سبحانه نفى عن الكفار سماع المقصود والمراد الذي هو حظ القلب ، وأثبت لهم سماع الألفاظ الذي هو حظ الأذن في قوله:" مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ..." الأنبياء, وهذا السماع لا يفيد السامع إلا قيام الحجة عليه ، أو تمكنه منها ، وأما مقصود السماع وثمرته ، والمطلوب منه فلا يحصل مع لهو القلب وغفلته وإعراضه ، بل يخرج السامع قائلا للحاضر معه ," ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم" . مدارج السالكين ج1 ص 42 دار الحديث

وهذا مثله كمثل من قدم له عصيرا باردا , فلم يقبله , ليس لعيب في العصير البارد الطاهر النظيف , ولكن لمرض في جوفه جعله لا يستسيغ العصير , وهؤلاء إضاعة الوقت معهم في الدعوة شغب لا طائل من ورائه " أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)" عبس

" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)" الكهف

الثاني : الدلال الفظ الغليظ

الذي يقود الناس إلى موارد الماء في شعب الشريعة بطريقة فظة غليظة بعيدة عن الرفق واللين , لم يتحلى بالحكمة ولم يتجمل بالصبر , فأغضب البعض .. , وكان سرا من أسرار عدم قناعة الناس باقتناء خيرات الحديقة أو المعرض .. , وهذا في الحقيقة أعمى الفهم لم تكتمل معرفته بالله , يقول الإمام الجيلاني رحمه الله في الفتح الرباني : من كملت معرفته بالله صار دالا عليه يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا إلى أنوار الآخرة ... ويقول في موضع آخر : أنت أعمى كيف تقود غيرك إنما يقود الناس البصير إنما يخلصهم من البحر السامح المحمود , إنما يدل الناس على الله من عرفه أما من جهله كيف يدل عليه .

وهذا مثله كمثل من يحمل عصيرا جميلا لضيفه الظمآن .., ولكن طريقة تقديمه للعصير لم تكن جميلة لا في وعائها , ولا في طريقة تقديمها , فأعرض الناس بسبب طريقة عرضه وكيفية حمله , لا لكره في العصير الذي يحمله.. , ولو أنه تحلى بالصبر والحكمة عند عرضه لأقبل الناس عليه وعلى سلعته فرحين مستبشرين " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)" النحل " , " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)" البقرة

الثالث: الهين اللين السمح الرحيم الرقيق

إنه يعرف قيمة ما يحمل , ويعرف قيمة خيرات المعرض , وثمار الحديقة , إنه يحب الخير للناس , من أجل ذلك أخذ بأيديهم برفق ولين , وقادهم وعرفهم وأرشدهم ... وألح عليهم .. , وحببهم في زاد الحديقة وخيرات المعرض , فما خرج أحدهم من المعرض أو الحديقة إلا وجرابه ممتلىء عن آخره .. بهذا نصح النبي صلى الله عليه وسلم ووجه معاذ بن جبل رضي الله عنه فعن بن عباس - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا -رضي الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ".

استوقفتني كلمة النبي صلى الله عليه وسلم :فإن هم أطاعوا لذلك.." لا تنتقل من محطة إلى أخرى حتى تستوفي أركان الأولى .. وتدرج بهم وكن رحيما لطيفاً رقيقاً , واستمع إليهم وتحقق من طاعتهم , فإن هم أطاعوا فانتقل إلى المحطة التي تليها .. وعلى هذا الدرب سار مؤمن آل فرعون مع قوم موسى عليه السلام عندما صرحوا بقتل موسى لم يصل إلى المحطة الأخيرة " اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ.." إلا بعد عشرات المحطات الدعوية .. " أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ " " وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ.." " إِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ.." " إِنْ يَكُ صَادِقًا.." " إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ.." " إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ.." " إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ.." .. وهكذا حتى وصل إلى المحطة الأخيرة اتبعوني .. إنها أساليب دعوية متنوعة في كسب القلوب ... يقول الشيخ عبد البديع صقر : إن أسلوب التحدي ولو بالحجة الدامغة يبغض صاحبه للناس فيجب التلطف لأن كسب قلوب مقدم على كسب المواقف .. ورد في كتاب آداب الشافعي ومناقبه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ ، قَالَ : " كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ " . قَالَ : فَخَطَبَ وَالِي الْمَدِينَةِ يَوْمًا ، فَأَطَالَ الْخُطْبَةَ ، فَلَمَّا نَزَلَ وَصَلَّى صَاحَ بِهِ ابْنُ عَجْلانَ ، فَقَالَ : يَا هَذَا ، اتَّقِ اللَّهَ ، تُطِيلُ بَيَانَكَ وَكَلامَكَ ، عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ! فَأَمَرَ بِهِ ، فَحُبِسَ ، فَأُخْبِرَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، فَدَخَلَ عَلَى الْوَالِي ، وَقَالَ : حبَسْتَ ابْنَ عَجْلانَ ؟ ! فَقَالَ : مَا يَكْفِيهِ أَنَّهُ يَأْمُرُنَا فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ، فَنَصِيرَ إِلَى مَا يَأْمُرُنَا ، حَتَّى يَصِيحَ بِنَا عَلَى رُؤوسِ النَّاسِ فنُسْتَضْعَفَ ؟ ! فَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ : ابْنُ عَجْلانَ أَحْمَقُ ، أَحْمَقُ ، هُوَ يَرَاكَ تَأْكُلُ الْحَرَامَ ، وَتَلْبِسُ الْحَرَامَ ، فَيَتْرُكُ الإِنْكَارَ عَلَيْكَ ، وَيَقُولُ : لا تُطِلْ بَيَانَكَ وَكَلامَكَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ الْوَالِي : أَخْرِجُوا ابْنَ عَجْلانَ ، مَا عَلَيْهِ مِنْ سَبِيلٍ . .. لم يعرف ابن عجلان من أين يبدأ , وعرف ابن أبي ذئب من أين يطوف بالرجل داخل الحديقة ..

قال أشعث بن عبد الله عن الفرزدق الشاعر قال نظر أبو هريرة إلى قدمي فقال: يا فرزدق إني أرى قدميك صغيرين فاطلب لهما موضعا في الجنة، فقلت: إن ذنوبي كثيرة، فقال: لا بأس فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ". وفي رواية :" إياك أن تقطع رجاءك من رحمة الله .." فلنحسن بري سهامنا حتى تخترق قلوب الناس فيقبلوا على شريعته منفذين لأوامرها , مجتنبين نواهيها .. نسأل الله أن يحبب شريعته للناس وأن يحببنا إليهم وأن يجعلنا من الموقعين عنه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ..

للحديث بقية

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

المصدر: موقع منارات

المصدر