تجديد الخطاب الإسلامي في أفريقيا : الأنماط والقضايا العامة
أ.د. حمدي عبد الرحمن حسن
محتويات
مقدمة
يشهد الواقع الأفريقي الراهن تنوعاً وتعدداً في الأديان والمعتقدات وهو ما يضفي على دراسة الظاهرة الدينية وارتباطها بالتحولات السياسية والاجتماعية التي تشهدها القارة أهمية خاصة. ولعل الملاحظة الأساسية المرتبطة بحقيقة الأديان التقليدية في أفريقيا أنها محلية الطابع فهي أشبه بالجزر المعزولة، أي أنها لا تمتلك أي فعالية خارج نطاق الجماعة الدينية المؤمنة بها. وهي لا تطرح أي رؤى تجديدية وليس من أهدافها تجاوز جماعتها العرقية والانتشار على المستوى الوطني أو القاري. فضلاً عن ذلك فهي مشدودة إلى الماضي والأسلاف أكثر من استشرافها للمستقبل، فكل الذي تقوم به هو الإبقاء على الوضع القائم ومقاومة أي تغيير. وعليه لم تشهد القارة قبل قدوم المسيحية أو الإسلام ما يمكن أن نسميه بظاهرة الحروب الدينية أو حركات الإحياء الديني(1).
وإذا كان الإسلام هو أكثر الأديان انتشاراً في افريقيا حتى أنها وصفت بقارة الإسلام فإنه في جوهره بالنسبة للشعوب الأفريقية يعدّ ديناً أفريقياً انتشر بقوته الذاتية وخصائصه الدفينة. إنه أكثر الأديان صلاحية وارتباطاً بالواقع الأفريقي، وعليه فإنّ دراسة الظاهرة الإسلامية في أفريقيا تطرح عدداً من الملاحظات المهمة لعل من أبرزها:
على الرغم من التحديات التي تواجه الإسلام في أفريقيا ولا سيما غير العربية فإنه كجوهر لنظام حضاري وقيمي لا يزال بمقدوره أن يمارس دوراً هاماً في عملية النهضة والتطور للشعوب الأفريقية من خلال طرح نموذج تنموي بديل يعبر عن واقع وطموحات الإنسان الأفريقي في بداية القرن الحادي والعشرين.
القضية الأساسية في أفريقيا غير العربية ذات جانبين أولهما يتمثل في حركة التجديد الديني بهدف العودة بالعقيدة إلى مرحلة النقاء الأول. والثاني يرتبط بعملة نشر الدعوة حيث يعد الإسلام أكثر الأديان انتشاراً(2). وربما يعزى ذلك إلى قدرته على التطويع والتطبع إزاء الواقع الأفريقي، فضلا عن تأكيده على قيم العدالة والمساواة، والنظر إليه في الإدراك الأفريقي على أنه ليس ديناً أجنبياً. إذا كانت مسالك الإسلام في افريقيا متعددة ومتشعبة حيث تشتمل على دور التجار والدعاة من الأفارقة أنفسهم فضلاً عن الطرق الصوفية فإنّ حروب الجهاد الإسلامي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي شهدتها بعض مناطق أفريقيا مثل بلاد الهوسا قد اكتسبت أهمية خاصة نظراً لأنها أدت إلى قيام دولة إسلامية تصدت بقوة للغزو الأوروبي وشكلت بذوراً للمقاومة الوطنية للاستعمار، ومن جانب آخر في كونها طرحت رؤى إصلاحية وتجديدية تهدف إلى تنقية الإسلام والعودة به إلى الأصول ولا سيما من خلال الفقه المالكي وذلك في مواجهة تأويلات الصوفية التي انتشرت على نطاق واسع في المجتمعات الإسلامية الأفريقية.
لقد خضع تحليل الظاهرة الإسلامية في أفريقيا لعملية دعاية في الكتابات الأوروبية المتخصصة حيث بدأ الحديث منذ نهاية القرن التاسع عشر عن ظاهرة الإسلام الأسود. انه إسلام خضع لعملية إعادة صياغة وتفكير فأضحى أكثر توافقاً مع الخصائص النفسية للأجناس السوداء. وقد تجاوب بعض المفكرين الأفارقة ولا سيما في أفريقيا الفرنكفونية لهذه الدعوة وقالوا بوجود مصادر محلية للإسلام أو ما أطلق عليه أفرقة الإسلام(3).
سعت النخب الحاكمة في الدول الأفريقية الإسلامية بعد الاستقلال إلى محاولة تحييد المتغير الديني من خلال فرض دساتير علمانية تفصل بين الدين والدولة وتؤكد على حرية المعتقد. وقد ظهر واضحاً في الخطاب الديني الرسمي المرتبط بالدولة أو المتحالف معها أنه يسير وفق المشروع الوطني للنخبة السياسية الحاكمة. وإذا أخذنا الحالة السنغالية حيث يدين أغلب سكانها بالإسلام لوجدنا أن ليوبولد سيدارسنجور أول رئيس لها كان مسيحياً كاثوليكياً، بل إن خليفته عبده ضيوف وهو مسلم كان متزوجاً من مسيحية من طائفة الروم الكاثوليك(4).
وتسعى هذه الدراسة إلى التركيزعلى أحد جوانب دراسة الظاهرة الإسلامية في أفريقيا وهي إشكاليات وقضايا تجديد الخطاب الإسلامي في الواقع الأفريقي.
وقد حاولنا في هذا السياق طرح رؤية شمولية لفهم بيئة وأنماط الخطاب الإصلاحي والتجديدي وذلك عبر المكان والزمان. وتمثلت التساؤلات الرئيسية التي تطرحها الدراسة في:
ما هي حقيقة الأسباب والدوافع التي تفسر ظهور الخطاب التجديدي في دول كثيرة مثل نيجيريا والسنغال وزنزبار والسودان؟
ما هي أنماط هذا الخطاب وتنويعاته الفكرية والمعرفية؟ وما هي أهم الأطروحات الإصلاحية والتجديدية التي يطرحها كل خطاب على حده؟وهل ثمة رؤى مشتركة؟
وفي محاولة للإجابة على تلك التساؤلات تنقسم هذه الدراسة إلى محاور ثلاثة رئيسية بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة:
المحور الأول ويخصص لمناقشة أنماط الخطاب الإسلامي الذي يطرح رؤى تجديدية تدفع بالدين ليكون مشروعاً للنهضة والتقدم. وقد شهدت القارة الأفريقية خلال القرون الثلاثة الأخيرة تيارات وحركات إصلاحية عديدة تراوحت مناهجها ما بين العمل من داخل النظام الحاكم وبين الثورة عليه والإطاحة به. المحور الثاني ويناقش خطاب الهوية والتعامل مع الآخر. وقد ركز هذا الخطاب على مدخل الإصلاح التعليمي وتطوير النظام القانوني بما يحافظ على هوية المجتمعات الإسلامية كما هو الحال في شرق أفريقيا.
المحور الثالث ويخصص لمناقشة الجدل الذي أثاره خطاب تطبيق الشريعة في شمال نيجيريا حيث يطرح إشكالية الديمقراطية والتعامل مع الآخر غير المسلم.
أولا: أنماط الخطاب التجديدي ودوافعه
على الرغم من أن مفهوم الخطاب الإسلامي يحمل العديد من الدلالات المعرفية والأبعاد الأيديولوجية المرتبطة بمصدره وسياقاته المجتمعية المختلفة فانه يعد أحد المداخل الأساسية لفهم و دراسة تقاليد الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي المعاصر(5). و المفهوم في عمومه يشير إلى التقاليد النصية كما وردت في القرآن والسنة وتقديمها بشكل يجعلها تبدو مقنعة وضرورية. وعليه يمكن اعتبار هذا الخطاب وريث التقاليد الإصلاحية التي استطاعت منذ القرن الثامن عشر أن تترك بصمات واضحة في عقل و حياة الأمة المسلمة(6) .
ويرى البعض انطلاقاً من ذلك أن تجديد هذا الخطاب الإسلامي يعني في حقيقة الأمر محاولة اكتشاف ما يمكن أن يقوم مقام الحداثة في الفكر الغربي، على أن يكون هذا الاكتشاف من داخل المرجعية الإسلامية(7). ولعل ذلك الفهم لتجديد الخطاب الإسلامي يطرح إشكاليات ثلاثة رئيسية:
أولاً: علاقة الخطاب مع "الذات" الإسلامية. حيث تبدو الحاجة ملحة لتغليب اعتبارات ومقتضيات العصر على الميل التقليدي نحو التراث القديم. وهنا تبرز الحاجة إلى التحرر من قيود الماضي.
ثانياً: علاقة الخطاب مع "العصر" وهو ما يطرح قضايا الجود والانغلاق وضرورة النظر إلى مقتضيات العصر ومواكبتها ويصبح تجديد الخطاب في هذا المستوى تحريره من حالة الانغلاق الفكري بإكسابه القدرة على تلبية حاجات عصره.
ثالثاً: علاقة الخطاب مع "الذات" ومع "العصر" معاً وهو ما يطرح قضية التوفيق والتوازن ما بين مرجعية النص والتي استحق أن يوصف من خلالها بـ "الإسلامي" وبين منهجه الذي يحاول تجديد صورته ليغير ما كان عليه في زمن الانحطاط والتردي أو ما هو عليه في زمن التبعية والخضوع للآخر الغربي.
وعلى أي الأحوال فان تنوع مصادر وبيئة الخطاب الإسلامي أفضى إلى وجود صور وأشكال مختلفة لتقاليد الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي. بيد أن القاسم المشترك ظل دائما -على الأقل في الغالب الأعم- يتمثل في التوكيد على سمو المعايير النصية وتفوقها على مختلف التقاليد التي تصوغ حياة المسلمين في شتى المجالات.
وقد انتشر في أفريقيا نمط من أنماط الخطاب الديني يمكن تسميته ب" الخطاب التقليدي" والذي يرتبط بشخصية المعلم Mallam أو عالم الدين الذي يلتف الناس حوله. ويمارس هذا المعلم في مجتمعه وظائف أخلاقية ودينية بما له من منزلة رفيعة جعلت منه أنموذجاً أخلاقياً يحتذى(8). وكانت دعوة هذا الخطاب الإسلامي تكاد تنحصر في المجال الأخلاقي العام وكيفية أداء الشعائر الدينية. إذ كان المعلم يحث الناس دوماً على التواضع والاعتدال والتسامح وهو ما جعل دعوته في تماس مع كافة الطبقات الاجتماعية. وقد استخدمت السلطة الحاكمة سواء في العهد الاستعماري أو في مرحلة ما بعد الاستقلال هذا الخطاب الإسلامي التقليدي وسيلة لاكتساب الشرعية السياسية أو تحقيق الاستقرار في لحظات التوتر الاجتماعي. بيد أن هذه السلطة التقليدية لتلك المرجعيات الإسلامية قد تمّ تحديها سواء من بنيتها الداخلية أو بفعل عوامل خارجية وافدة عليها. ومن أبرز تلك العوامل إدخال التعليم الغربي وتخرّج أجيال جديدة مثلت تحدياً لسلطة ومكانة المعلمين التقليدية. وفي أحيان معينة يتخرج أبناء المعلمين من جامعات ومدارس إسلامية وذلك برؤية تجديدية مغايرة، إن لم تكن مناقضة لرؤية الآباء. بيد أنه إذا حاولنا أن نستكشف حقيقة المناخ العام الذي صاحب عملية التحول من الخطاب " التقليدي" إلى ما يمكن تسميته بالخطاب " الإصلاحي" أو التجديدي في أفريقيا الإسلامية لوجدنا أهمية الحديث عن أكثر من متغير واحد على النحو التالي(9):
لقد تأثرت الحركات والتنظيمات الإسلامية المعاصرة والتي طرحت خطاب التجديد من الناحيتين الفكرية والتنظيمية بعاملين أساسيين أولهما ظهور جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ حسن البنا في مصر عام 1928، إذ شكّل تراث هذه الجماعة الفكري ولا سيما كتابات منظريها أمثال سيد قطب مصدر إلهام لكثير من الأفراد والجماعات الذين رفعوا لواء الإصلاح الديني وتحدثوا عن مشروع إسلامي للنهضة. والعامل الثاني يرتبط بظهور الجماعة الإسلامية التي أسسها أبو الأعلى المودودي في الهند عام 1941. ولعل تأثير ذلك بالتحديد يظهر واضحاً في خبرة حركات الإصلاح التي شهدتها منطقة شرق أفريقيا وجنوبها حيث توجد جاليات آسيوية كبيرة.
تشير خبرة مرحلة تصفية الاستعمار وتحقيق المملكة السياسية ( أي الاستقلال) التي نادى بها كوامي نكروما في غانا إلى خفوت وتراجع أهمية المتغير الديني في أفريقيا وذلك لصالح الأيدولوجيات المهيمنة ذات الطابع العلماني. فقد تبنت النخب الأفريقية الجديدة مشروعات فكرية لتحقيق النهضة في بلدانها استناداً إلى مفاهيم القومية أو الاشتراكية أو الليبرالية.
مع فشل الطروحات العلمية التي تميز بها الخطاب السياسي العام في مرحلة ما بعد الاستقلال، ظهرت في السبعينيات من القرن الماضي رؤى إصلاحية إسلامية وطرحت قضايا مهمة تدخل في صلب خطاب التجديد. ولعل الجدل الذي شهدته نيجيريا خلال تلك الفترة حول طبيعة الدستور ووضع الشريعة الإسلامية، أو طرح قضية عضوية زنزبار ونيجيريا لمنظمة المؤتمر الإسلامي يعكس هذا التوجه الجديد.
مثّل قيام الثورة الإيرانية عام 1979 مصدر إلهام لكثير من الحركات والتنظيمات الإسلامية في أفريقيا والتي رفعت خطاباً راديكالياً يدعو إلى إقامة الدولة الإسلامية المستقلة. ولعل ذلك يثبت عدم صحة الادعاء بأن حركات الإصلاح الإسلامية في أفريقيا تعتمد بالأساس على مرجعيات سنية وسلفية. فخبرة أفريقيا منذ أعوام الثمانينيات تشير إلى تأثير الثورة الإيرانية بشكل واضح على كثير من الرؤى والأطروحات، بما فيها تلك التي تستند إلى مرجعيات صوفية، والتي نادت بتبني النموذج الإيراني. يمكن أن نشير في هذا السياق إلى المحاولات الإيرانية الدؤوبة لتصدير مشروعها الفكري من خلال توفير المنح الدراسية للطلاب الأفارقة من أجل الدراسة في إيران والاهتمام بقضايا التبادل الثقافي.
لقد أدى غياب الديمقراطية وانتشار الفساد في الواقع الأفريقي بما يعنيه من انهيار نموذج النهضة الأفريقية الذي ارتكز على أسس علمانية إلى ظهور رؤى إصلاحية جديدة في المجتمعات الإسلامية تعتمد على مرجعية دينية. ولعل بعض التفسيرات التي تقف وراء سعي النخب السياسية في شمال نيجيريا لفرض تطبيق الشريعة الإسلامية تؤكد هذا المعنى. أي أنه بمكن توظيف الدين سياسياً ليوفر مصدراً للشرعية في حالة الإخفاق السياسي. بيد أنه في معظم الأحوال يمكن القول أن حركات الإصلاح الإسلامي بمختلف تنوعاتها الفكرية والمعرفية في أفريقيا قد ارتبطت ، باعتبارها بديلاً، بحالة الفشل التنوي الذي عانت منه أفريقيا الإسلامية. وقد غذى ذلك وأسرع من وتيرته سرعة التحولات الاجتماعية وتغير منظومة القيم التقليدية التي تشهدها كثير من المجتمعات الأفريقية
طرح الموقف من " الآخر" الغربي ومن محاولاته الدؤوبة لفرض الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية على شعوب العالم غير الغربي تحديات خطيرة أمام خطاب الإصلاح والتجديد الإسلامي. يرتبط ذلك بالإشكاليات المتعلقة بالنظرة الموروثة للغرب وأعباء الصور الذهنية والقوالب الجامدة. وعلى صعيد آخر جدلية العداء والتعاون، الصداقة أو فك الروابط، الصدام أو الحوار. أدى ذلك إلى ظهور اجتهادات فكرية منوعة في إطار الخطاب الإسلامي التجديدي والذي طرح آفاقاً جديدة للتعامل مع قضايا الحداثة "الغربية" والديموقراطية ومفاهيم الهوية والانتماء في الواقع الأفريقي. ومع ذلك فقد ظل منطق العداء للغرب بتاريخه الاستعماري وبحاضره المهيمن على الشعوب الأخرى غير الغربية وبارتباطه المستمر بالصهيونية والعنصرية مصدر إلهام وبعث لكثير من حركات الإسلام السياسي ذات الخطاب الراديكالي في أفريقيا.
وسوف نحاول في هذا الجزء مناقشة أهم أشكال وأنماط الخطاب التجديدي في أفريقيا الإسلامية بما في ذلك روحانية ممادو بمبا في السنغال و سلفية أبو بكر جومي في نيجيريا.
وجدير بالذكر أن خطاب إسلام التكايا أو الطرق الصوفية هيمن- ولا يزال- في كثير من مناطق أفريقيا على الرغم من تعدد مصادره الفكرية وجهود إصلاحه وتجديده(10). ويعدّ التلقين الروحي للاتباع والاحتفال بالمولد النبوي ومولد الشيخ المؤسس للطريقة( مثل القادرية والتيجانية والمريدية) والانصياع لأوامر الشيخ من أبرز مبادئ هذا الخطاب الصوفي. وقد واجه هذا الخطاب تحديات ضخمة سواء من داخله أو من ظهور حركات وجماعات إسلامية كفاحية مناهضة له، وهو ما فرض عليه إعادة النظر في الأطر والمقومات الفكرية التي يستند عليها. وهذا ما سوف نوضحه عند الحديث عن الأنماط الستة الآتية للخطاب الإسلامي في أفريقيا على النحو التالي:
1-الخطاب الصوفي المتهادن أو المتحالف مع السلطة الحاكمة
" السنغال نموذجاً " لم يواجه الخطاب الصوفي التقليدي في السنغال أي تحدّ حقيقي منذ العهد الاستعماري، وربما يرجع ذلك لأكثر من سبب واحد(11). أولاً أن أغلبية المسلمين في السنغال يدينون بالولاء للطرق الصوفية ( المريدية، التيجانية، القادرية ) ويظهرون الاحترام والتقدير الشديدين لمشايخ الطرق. وثانياً أنه عند مجيء الاستعمار الفرنسي وتبنيه نمط الحكم المباشر بما يعني تدمير البنية السياسية التقليدية في السنغال تحركت الطرق الصوفية لتسد هذا الفراغ من خلال إعلان سياسة التحالف أو المهادنة على الأقل مع السلطات الاستعمارية. أدى ذلك إلى استفادة هذه الطرق من خلال دعم مشروعها الديني والاقتصادي طوال الحقبة الاستعمارية. وثالثاً أنّ الدولة ما بعد الاستعمارية في السنغال استخدمت نفس التحالفات السياسية الاستعمارية من أجل تحقيق الشرعية السياسية لها. وربما يدعم ذلك التوجه هو الاستقرار النسبي الذي تمتعت به السنغال طول فترة ما بعد الاستقلال وعدم تورط العسكريين في اللعبة السياسية. وهو ما يعني أنّ السنغال عاشت في ظل فضاء شبه ديمقراطي وذلك على عكس الوضع في كثير من الدول الأفريقية الأخرى حيث كان الدين يأتي ليسد الفراغ السياسي في ظل النظم العسكرية. وهو الأمر، كما سوف تظهره الخبرة النيجيرية، الذي جعل الحركات والتنظيمات الإسلامية تأخذ طابعاً سياسياً في حالة غياب الأحزاب السياسية أو حظرها.
ويعدّ الشيخ أمادو بمبا Amadu Bamba ( 1850-1927) مؤسس الطريقة المريدية في السنغال (12). وتتميز الفترة التي ظهرت فيها دعوة الشيخ أمادو في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بانتهاء تجارة العبيد وبداية الحقبة الاستعمارية في أفريقيا. وقد تبنى الشيخ أساليب سلمية في التعامل مع الإدارة الاستعمارية حيث كان يركزعلى ما أسماه بجهاد النفس. ومن الملفت للنظر أنّ هذه الطريقة المريدية تنتشر في السنغال كالنار في الهشيم. ويسعى أفراد الطبقة السياسية إلى اكتساب ودّ شيوخ مدينة طوبى Touba عاصمة الطريقة وذلك بشتى الطرق. ولنتذكر في هذا السياق أن الرئيس عبد الله واد Wad فور انتخابه رئيساً للبلاد سارع بالسفر إلى طوبى ليحصل على بركة شيخ المرابطين الأكبر هناك Grand Marabout.
ويلاحظ أن الشيخ بمبا قد ألف كثيراً من القصائد والمدائح النبوية الشريفة والتي لا يزال أنصار الطريقة يرددونها حتى اليوم. وقد قدم الشيخ نفسه باعتباره خادماً لرسول الله " The servant of the envoy of God"
كما أنه حافظ على المفهوم التقليدي للتعليم الذي يرتكز على القرآن. واستخدم التربية لربط العلم بالحركة والعمل بالإخلاص .أخيرا طورا لشيخ مفهوم الترقية ، وهي نوع من التدريب للطلاب والمعلمين للمساهمة في إعداد الجيل القادم.
ولعل أهم ما يميز المشروع الفكري الذي طرحه أمادو بمبا هو القبول بالتنوع والاختلاف في جمهور المخاطبين والمتلقين بما يسمح في النهاية لتشكيل نظام اجتماعي جديد ومستقر. وركز الخطاب الصوفي الذي طرحته المريدية على علاقة المريد بالخالق. فالمريد هو ذلك الشخص الذي ينتمي إلى الله. كما أكد على ضرورة اتباع القلب في جميع الأقوال والأفعال. وكذلك تحرير النفس الإنسانية من قيود الخوف وهو ما يعني تحمل كل فرد مسئولية أفعاله. وقد لعب تلاميذ الشيخ بمبا ومريدوه دوراً مهماً في نشر تعاليمه وتحقيق غايات مشروعه الفكري. ويمكن أن نذكر في هذا السياق "ابرا فال" Ibra Fall. وخلال سنوات المنفى السبعة التي قضاها الشيخ بمبا في الجابون تمكنت المريدية تحت قيادة الشيخ فال من النمو الحركي والمادي حيث اقام المريدون مزارع الفول السوداني وأنشأوا مراكز تجارية في كل من داكار وسانت لويس. وبوفاة الشيخ المؤسس عام 1927 كانت الطريقة قد أرست دعائمها في المجتمع السنغالي بحيث انها أضحت جزءاً لا يتجزأ من الفضاء السياسي ةالاجتماعي للسنغال.
وبصفة عامة يمكن القول من خلال تحليل أدبيات المريدية أن الخطاب الصوفي الذي تطرحه هذه الطريقة يعتمد على ركيزتين أساسيتين(13) أولهما الركيزة الدينية والتي تدور حول مكونات ثلاثة متلرابطة أشبه ما تكون بالدائرة. وهي طبقاً لتعاليم الشيخ المؤسس التعليم والعمل والصدقة. Learning, work, and charity.
فالمسئولية الأولى التي تقع على كاهل المريد تتمثل في تعليم نفسه العلوم القرآنية حتى يكون صالحاَ في عمله. هذا التعليم يمثل قاعدة الإنجاز بعد ذلك. إذ إنه بدون المعرفة والوعي يصبح العمل بلا هدف وبلا قيمة. وفي مرحلة النضج والبلوغ يركز المريد كل طاقته في العمل الشاق والمنتج. بعدها يصل المريد إلى المرحلة الأخيرة وهي إكمال الولاء لله سبحانه وتعالى. وعليه فإن الواجب الديني يحتمعلى الفرد أن يعمل بجد سواء في خدمة المربوط من خلال العمل في مزارع الفول السوداني، أو في الأعمال التجارية بالمدن.
وتكتمل حلقات الدائرة حينما يعلن المريد عن التزامه الديني نحو الفقراء والمجتمع. يعني ذلك أن ثروة الشخص تكون في خدمة المجتمع بما يساعد الآخرين على التعليم وبداية السير في طريق المريد. أما الركيزة الثانية للخطاب المريدي فإنها تدور حول مفهوم الحصانة الاقتصادية. فالاستغلال الاقتصادي يمثل أحد المبادئ الأساسية للطريقة المريدية، ويعد العمل الشاق أحد وصايا الشيخ المؤسس نفسه. وثمة إدراك عام داخل الطريقة بأن تحقيق الاستقلال المالي هو شرط مسبق للعبادة الصحيحة ولحب الله ورسوله والقرآن الكريم. وكما يتضح منأدبيات المريدية فإن المؤمن الذي يعمل ويعبد الله هو أقرب إلى الله من المؤمن الذي يعبد الله طول الوقت ويعتمد على الآخرين في سدّ احتياجاته المادية، فالأول يحقق احتياجاته بنفسه وبالتالي تصبح عبادته خالية من أية تأثيرات خارجية عليه. أما الثاني فإنه يعتمد على الآخرين في سد حاجاته المادية وهو ما قد يفسد عليه عبادته.
2- الخطاب الصوفي الجهادي:نموذج عثمان ابن فودي Uthman Ibn Fudi
ولد عثمان ابن فودي في Gobir إحدى بلاد الهوسا شمال نيجيريا في 15 ديسمبر 1754 م. وكان والده فقيهاً بأمور دينه وهو ما أسهم في تكوين ابنه العلمي والفكري(14). وقد بدأ حياته بالدعوة في وسط بنية تحكمها العادات والتقاليد غير الإسلامية. وبعد عام 1795 اتخذت دعوة ابن فودي منحى جديداً حيث تجاوز مرحلة التوجيه الفردي المباشر ليتناول قضايا سياسية واجتماعية أوسع نطاقاً. ثم ما لبث أن أعلن الجهاد الإسلامي عام 1804 وذلك بهدف تأسيس دولة إسلامية تقوم على تعاليم الإسلام الصحيحة وهو ما تحقق له بعد عامين حينما أسس خلافة سوكوتو Sokoto. وعلى الرغم من وفاته عام 1817 إلا أن دولته ازدهرت على أيدي خلفائه كما أنه ألهم الكثير من الحركات الإسلامية الإصلاحية في غرب أفريقيا(15).
ومن الملاحظ أن الشيخ عثمان ابن فودي قد درس النصوص والكتابات الإسلامية الكلاسيكية في عصور النهضة التي شهدتها الحضارة الإسلامية، وهو ما أسهم في بناء نموذج مثالي لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم(16). وفي مقاربته للواقع الذي يعيشه المسلمون في بلاده وجد أن الهوّة واسعة بين هذا الواقع وبين المجتمع المثالي المنشود وربما يرجع ذلك إلى أمرين رئيسيين أولهما شيوع البدع والممارسات غير الصحيحة للإسلام. وثانياً: عدم العدالة الاجتماعية. لقد أضحى الإسلام في المعتقد الشعبي العام مجرد طقوس وممارسات تبعد كل البعد عن صميم الدين. فانتشرت الخرافات والبدع وانغمس كثير من المسلمين في ممارسات فاسدة وجاهلية. ولم تقتصر هذه الممارسات على المجال الخاص اي حياة الفرد والعائلة ولكنها امتدت لتشمل المجال العام اي في إطار المعاملات والحياة العامة(17).
عندئذ كانت دعوة ابن فودي للمسلمين بضرورة الانصياع لتعاليم الإسلام الصحيحة ونبذ هذه البدع والخرافات البعيدة عن الإسلام. وكان الحل الذي اقترحه لتحقيق هذه الدعوة يتمثل في إقامة مجتمع إسلامي جديد يتفق مع النموذج الإسلامي المثالي. ومن الملفت للنظر حقاً في فكر ابن فودي هو أنه كان يركز على البعد الاجتماعي، بمعنى أنه نظر إلى الممارسات الفاسدة وغير الصحيحة باعتبارها مفضية إلى الكفر Kufr ورغم ذلك لم يهتم بقضية تكفير الناس. فالعقيدة Creed عنده ليست غاية في حد ذاتها وإنما الغاية هي وجود مسلم تشكله هذه العقيدة.
“For him, creed is not an end in itself; the end is to create the kind of Muslim defined by this creed.”
ولا شك أن هذا الموقف من قضية التسامح في التعامل مع المجتمع قد أعطى بعداً إيجابياً بنّاءاً لمفهوم الإيمان Belief والكفر. فهو يرى أن عدم الإيمان تظهره الأعمال وليس النوايا أو ما وقر في القلوب. وقد حذر مراراً وتكراراً من اتهام المسلمين بالكفر أو تكفير المجتمع كله. وتلك أحد الخصائص المهمة التي تميز الفكر الإصلاحي لعثمان ابن فودي، والتي تميزه عن بعض الحركات الإصلاحية التي ظهرت بعد ذلك في القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي نادت بجاهلية المجتمع وكفره وضرورة إقامة الدولة الإسلامية بالقوة.
وقد اهتم ابن فودي بالتعليم وأعطاه أهمية كبرى في مشروعه الإصلاحي(18). يعني ذلك أنّ العلماء الحقيقيون المعترف بهم سوف تناط بهم مهمة إعادة إصلاح النظام الاجتماعي وفرض السلوك الإسلامي القومي. وانتقد الشيخ عثمان العلماءالذين يسعون إلى مجرد الشهرة والنفوذ دون الاهتمام يقضية تعليم المسلمين صميم الدين. كما أنه انتقد العلماء الذين لا يهتمون بدراسة اللغة العربية. وكان ابن فودي ينظر إلى المعرفة العلمية من حيث وظيفتها الاجتماعية وهو ما يعني رفضه وجود نخبة متميزة من علماء الدين لا يكون لديهم التزام بقضايا وهموم مجتمعاتهم.
وإذا كانت مرحلة الجهاد القولي التي بدأها الشيخ عثمان قد قامت على النصح والإرشاد ورفع المستوى التعليمي ومستوى الوعي الاجتماعي العام لدى المسلمين فإنها ركزت على قضية المرأة وضرورة تحريرها من مظاهر الظلم والتهميش الاجتماعي الذي تعاني منه. وقد ساهمت المرأة المسلمة في حركة الإصلاح التي قادها ابن فودي، ولا شك أن هذا النموذج الإسلامي للمرأة قد مثل تحدياً كبيراً للأفكار السائدة في المجتمع الأفريقي آنذاك(19).
ومن الملاحظ أن موقف ابن فودي من الصوفية قد يثير اللبس نظراً لكونه هو نفسه من الصوفية، لكنه لم يطرح الصوفية إطلاقاً باعتبارها جزءاً من مشروعه الفكري. وعندما كان يشير إلى الصوفية كان ذلك في سياق الحديث عن السلوك الإسلامي القويم للفرد ولا علاقة له إطلاقاً بالمكوّن الفكري. ولابن فودي كتابات كثيرة عن الصوفية لكنه لم يوجه نقداً إليها مثلما هو الحال مثلاً مع محمد بن عبد الوهاب(20). وتمثلت المرحلة الأخيرة من مشروع ابن فودي الإصلاحي في إقامة الدولة الإسلامية وذلك لتحقيق المثالية الإسلامية(21).وتضمنت استراتيجية التغيير المطروحة وجود برنامج سياسي واجتماعي راديكالي ليحل محل النظام القديم. وينبثق نموذج الدولة الإسلامية الجديدة من الصياغات النظرية الأولى في عصر النهضة الإسلامية. ويمكن القول أن خلاقة سوكوتو تطرح هذا النموذج المثالي الذي آمن به ابن فودي. لقد بين الشيخ عثمان في "وثيقة أهل السودان" التي يعدها البعض مانيفستو الجهاد الإسلامي في بلاد الهوسا أهمية النضال من أجل قيام الدولة الإسلامية(22). إذ تشير الوثيقة إلي ثلاثة مبادىء ملزمة للجماعة المسلمة (23):
- الأمر بالمعروف.
- النهي عن المنكر.
- الهجرة ( القتال) من أرض الكفر.
وعليه كان علي الجماعة المسلمة أن تقاتل من أجل التخلص من الفساد والظلم ولإرساء قواعد الحق والعدالة في المجتمع.
3- الخطاب الإسلامي السلفي: أبو بكر جومي نموذجاً
ثمة مجموعة من العوامل أسهمت في مجملها في تحدي الخطاب الإسلامي الصوفي وإنتاج خطاب إصلاحي جديد يستند إلى مرجعيات أصولية سلفية. ولعل من ابرز تلك العوامل هو ظهور حركات وتنظيمات إسلامية ودعاة جدد أخذوا على عاتقهم مهمة تفسير القرآن وقراءته يشكل مختلف وبمنظور جديد وهو ما يشكل تحدياً للخطاب الإسلامي" الصوفي" السائد(24). ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى ظهور ثلاثة تنظيمات في الواقع النيجيري:
1- جمعية الطلاب المسلمين the Muslim Students Society ..
2- جمعية الدعوة في نيجيريا .. The Dawa group of Nigeria
3- جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة .. The Yan izala
ومن المعروف أن الطرق الصوفية سيطرت على شمال نيجيريا بشكل عام حتى أعوام الخمسينيات من القرن الماضي. وكان من أبرز تلك الطرق التيجانية والقادرية Tijaniyya والـ Qadiriyya. وربما تعزى شعبية القادرية إلى تبني الحركة الجهادية لها بزعامة عثمان دان فوديو. فقد رأى الشيخ في المنام صورة النبي محمد ومعه عبد القادر الجيلاني حيث قاما بإعطائه سيفاً وأمراه بالجهاد في بلاد الهوسا من أجل غقامة شرع الله. وعليه فقد تبنت جميع إمارات سوكوتو الإسلامية الطريقة القادرية(25). أما الطريقة التيجانية فإنها دخلت إلى الشمال النيجيري في القرن التاسع عشر حينما قام الشيخ Umer Tall بالإقامة في سوكوتو أثناء عودته من مكة حيث مكث فيها سبع سنوات وتزوج من ابنة سلطان سوكوتو محمد بللو. وقد عمل الشيخ عمر على نشر الطريقة التيجانية في مختلف أنحاء سوكوتو. على أن التطور المهم في هذا السياق هو مقابلة الشيخ إبراهيم نياس Niasse لأمير كانو أثناء موسم الحج في مكة وأقنعه بأنه الخليفة الروحي للشيخ أحمد التيجاني مؤسس الطريقة التيجانية. وعندما زار الشيخ نياس كانو عمل على نشر طريقته التي أضحت تعرف باسم الطريقة التيجانية الإبراهيمية.
الشيخ أبو بكر جومي : (26) Abu Baker Gumi Shaykh
هو زعيم الحركة الإصلاحية المناهضة للصوفية في غرب أفريقيا في القرن العشرين. وقد اسهمت اجتهاداته الدينية والفكرية في إلهام الكثير من حركات الإصلاح الإسلامي ليس فقط في نيجيريا ولكن في غرب أفريقيا عموماً. ولد الشيخ عام 1922 في بلدة جومي بولاية سوكوتو، وكان أبوه قاضياً شرعياً حيث تعلم على يديه القرآن الكريم. التحق بعد ذلك بمدرسة سوكوتو الابتدائية المركزية Sokoto Central Primary School ( 1935-1937) ثم( 1937-1942) Sokoto Middle School. ومدرسة الحقوق التي عرفت لاحقاً باسم مدرسة الدراسات العربية (1943-1947) وبعد عدة سنوات من تخرجه سافر غلى السودان حيث حصل على دبلوما عليا في اللغة العربية عام 1955. وعند عودته من السودان أرسلته الحكومة الفيدرالية النيجيرية كمسئول عن بعثة الحج غلى السعودية. عندئذ قام الشيخ بإقامة روابط وثيقة مع بعض المسئولين السياسيين والدينيين في المملكة العربية السعودية. وغذا أخذنا بعين الاعتبار المساعدات المادية والاقتصادية التي تلقاها الشيخ أيو بكر من السعودية لاستطعنا أن نفسر استتناده على الدعوة السلفية الوهابية في حركته الإصلاحية.
وفي عام 1962 عين الشيخ ابو بكري منصب القاضي الأكبر لشمال نيجيريا ومقره في مدينة كادونا, وخلال جلساته الدينية التي عقدت في مسجد السلطان بللو وكذلك أحاديثه الإذاعية من راديو نيجيريا في كادونا بدأ الشيخ أبو بكر حملته الإصلاحية بتوجيه انتقادات حادة للطرق الصوفية.
شغل الشيخ جومي كذلك منصب مستشار أحمدو بللو الذي جعل الإسلام نقطة الانطلاق الرئيسية في جهوده لتوحيد شمال نيجيريا. وقد أنشا أحمدو بللو لهذا الغرض " جماعة نصر الإسلام" والتي حظيت بدعم سخي من السعودية. كما حاول الاستفادة من شعبية الطرق الصوفية فأنشا جماعة العثمانية نسبة إلى عثمان دان فوديو. وكان على الشيخ جومي.المستشار الديني لأحمدو بللو أن يكيف آراءه المناهضة للصوفية مع هذا التوجه الرسمي الجديد. لكن سرعان ما رفع هذا القيد عن آراء الشيخ جوني بعد اغتيال أبو بكر بللو في انقلاب 1966. فقد سمح العسكريون الجدد للشيخ بممارسة تأثيره الديني من خلال وسائل الإعلام المختلفة. وقد حاول الشيخ أبو بكر التصالح مع علماء كانو من خلال إقناع أمير كانو بالتورط معهم، بيد أن هذه الجهود باءت بالفشل. عندئذ اصدر الشيخ كتاب العقيدة الصحيحة بموافقة الشريعة، وفيه هجوم حاد على الطرق الصوفية. وقد كاد الشيخ أن يفقد حياته عام 1978 على أيدي مجموعة من غلاة الصوفية.
واستناداً إلى تلك المقدمات تم تأسيس" جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة" عام 1978 حتى يتم إضفاء الطابع المؤسسي على حركة الإصلاح الديني في شمال نيجيريا. واتخذت الجماعة منذ تأسيسها مدينة جوس مقراً رئيساً لها. وأنيطت إدارة هذه الجماعة للجنة من العلماء برئاسة الشيخ إسماعيل إدريس أحد المقربين من الشيخ أبو بكر جومي. ويساعد هذه اللجنة مجموعات من كبار المساعدين. الهيكل التنظيمي للجماعة
خصائص الخطاب الإسلامي لجماعة إزالة البدعة:
اتسم هذا الخطاب الإسلامي الذي تبنته جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة بثلاثة ملامح رئيسية هي:
أولا: تبني الفهم السلفي للإسلام.
ثانياً: انتقاد ورفض الطرق الصوفية.
ثالثاً: عدم الموافقة على" الإسلام الشعبي" والدعوة إلى الاجتهاد، ورفض التقليد والبدع.
ويرى محمد عمر Muhammad Umar أنّ المشروع الحداثي الذي طرحه الشيخ أبو بكر وجماعته يقوم على عدة مقومات منها: التأكيد على سلطة النص وتفوقها على سلطة الشخص ( سلطة علماء الدين) ورفض التقليد في مقابل الدعوة للاجتهاد. ولعل ذلك التفضيل يتفق مع الفهم الغربي لإعلاء القواعد البيروقراطية على السلطة الكارزمية والإبداع على التقليد. يظهر ذلك واضحاً في أدبيات الجماعة التي شنت هجوماً شديداً على مشايخ الصوفية وعلى مظاهر البدع والخرافات التي يؤمنون بها(27).
الأمر الثاني الذي يميز هذا المشروع الفكري الجديد يتمثل في الإطار التنظيمي والمؤسسي للجماعة فقد اتخذت شكلاً تنظيمياً معاصراً يقوم على التراتب الهرمي وانتخاب الممثلين ووجود دستور مكتوب للجماعة وتسجيل الأعضاء. كما أن الجماعة استطاعت أن تدير بعض العيادات الطبية والأعمال الخاصة. بالإضافة إلى ذلك فإنها تبنت في مدارسها مناهج دراسية متكاملة تجمع بين العلوم الإسلامية والعلوم الحديثة. وقامت الجماعة بتوظيف التكنولوجيا الحديثة مثل وسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة والمرئية في تنفيذ برامجها وأهدافها(28).
الأمر الثالث يتمثل في الخلفية التعليمية لأعضاء وقادة جماعة إزالة البدعة فقد تلقى كل من الشيخ أبو بكر جومي وإسماعيل إدريس تعليمهما في مدرسة الدراسات العربية في كانو وهي أول مدرسة إسلامية حديثة. وعليه فقد اهتمت الجماعة بتعليم أعضائها علوماً إسلامية وعصرية وهو الأمر الذي مثل محور أنشطة الجماعة في المجال التعليمي.
4- الخطاب الصوفي الإصلاحي " خطاب التكفير"
لقد ظهر خطاب إسلامي مناهض للإصلاح السلفي ومعبر عن الفكر الصوفي في نيجيريا(29). ففي عام 1963 تأسست منظمة فتيان الإسلام وذلك بعد تزايد روابط وعلاقات الطبقة الدينية والاقتصادية في مدينة كانو بالعالم الخارجي. وقد قام الشيخ مودي صالغا بدور بارز في تأسيس هذه المنظمة التي وقفت بالأساس في وجه خطاب يان ازالة. وفي عام 1980 تم تأسيس حركة جند الله في مدينة كانو بزعامة كمال الدين ناما جي. وقد ركز خطاب هذه الحركة على ما يلي:
- الدفاع عن الرسول والسنة
- الدفاع عن المجتمع المسلم
- العمل على نشر التعليم والنظام في المجتمع المسلم
- بناء المدارس الإسلامية
- الدفاع عن التيجانية والقادرية .
- وإزاء الهجوم المتصاعد على المبادئ والمعتقدات الصوفية والذي أسهمت به جماعة إزالة البدعة وشيوخها في نيجيريا قام الشيخ إبراهيم صالح بإصدار كتابه: التكفير أخطر بدعة تهدد السلام والوحدة بين المسلمين في نيجيريا والذي صدر في القاهرة عام 1982. ويعد الشيخ إبراهيم صالح واحداً من أبرز الكتاب المعاصرين في شمال نيجيريا حيث كتب ما يقرب من المئة كتاب. ولد عام 1939 في Adidibe وهو ينتمي إلى قبائل الشوا.العربية. وتمكن من حفظ القرآن ودراسة معظم العلوم الإسلامية على ايدي كبار علماء التيجانية في شمال نيجيريا بالإضافة إلى دراسته في كل من السعودية ومصر(30).
لقد اصطلح على الجدل الدائر بين مشايخ التيجانية في ذلك الوقت اسم جدل التكفير نظراً لأن علماء جمعية إزالة البدعة اتهموا المتصوفة بالكفر. وعليه فإن كتاب التكفير يمثل خطاباً دفاعيا للصوفية للرد على آراء الشيخ ابو يكر جومي. إذ يسعى الشيخ إبراهيم صالح إلى تفنيد آراء جماعة إزالة البدعة التي تصف الصوفية بالكفر ومع ذلك فإن تفنيد تلك المزاعم لا يستغرق وقتاً طويلاً من المؤلف الذي يخصص معظم صفحات الكتاب لشرح مبادئ الصوفية ومعتقداتها. يقول إبراهيم صالح:
" إزاء التوتر المتزايد الذي شهدته المجتمعات المسلمة في نيجيريا والذي تسبب به ظهور جماعة إزالة البدعة وإقامة السنة ومؤسسها الشيخ أبو بكر جومي فقد قررت الحديث من أجل الدفاع عن الصوفية وهو ما تم بوضع كتاب التكفير(31)".
ويقول الشيخ صالح انه اختار لذلك منهجاً حذراً وموضوعياً يعتمد على الصبر وبناء الحجة المنطقية. وقد رد الشيخ صالح على الاتهام بأن صلاة الفاتح التي يرددها التيجانية في أورادهم تعد أكثر أهمية من ترتيل القرآن. وقد استشهد بكلام الشيخ أحمد التيجاني نفسه في القول بأن قراءة القرآن تفوق أي ذكر آخر لله. ولكن هذا القول أدى إلى جدل واسع في دوائر الطريقة التيجانية ذاتها حتى ان بعض المريدين والأتباع طلبوا من صالح الاعتذار بشأن ما ورد عن صلاة الفاتح.
ويبدو أن هذا الطرح الذي قدمه الشيخ صالح إنما كان يهدف إلى محاولة شرح معتقدات التيجانية وجعلها مقبولة من عامة الناس. بيد أن أبرزهجوم تعرض له صالح جاء من إبراهيم سيدي السوداني الذي وضع كتاباً أسماه " السمّ الزعاف المضمن في كتاب التكفير لإفساد الطريقة والإتلاف" حيث شكك في انتماء الشيخ صالح للتيجانية الصحيحة واتهمه بأنه أقرب إلى التفكير الوهابي الذي يحاول بشتى الطرق تدمير الطريقة التيجانية.
وبالإضافة إلى هذا الانقسام الداخلي الصوفي- الصوفي فإن الهجوم السلفي تركز على جوهر المعاني The Gems of Meaning وهو العمل الأساسي الذي تقوم عليه الطريقة. إذ يضم أقوال وأفعال مؤسس الطريقة الشيخ أحمد التيجاني. وقد حاول الشيخ صالح في سياق رده على هذا الاتهام بأن هذا العمل قد صدر في أكثر من طبعة غير أصلية وغير موثقة بما يعني أنها غير معترف بها في الطريقة. ربما أدى ذلك التحليل إلى غضب الجيل القديم من مشايخ التيجانية في حين أيدته الأجيال الشابة ذات التعليم الغربي.
وفي عام 1986 نشر إبراهيم صالح كتاباً ثانياً في بيروت أسماه: المغير The Aggressor على شبهات أهل الأهواء وأكاذيب المنكر على كتاب التكفير. إذ يمثل هذا الكتاب مرحلة مهمة في إطار تطور أدب الرسائل بين الإخوان الصوفية. فقد تبنى المؤلف استراتيجية هجومية لاذعة كما يظهر من العنوان وذلك للرد على صاحب السم الزعاف الذي وصفه في المغير بأنه جاهل وملحد. وتتضح معالم المشروع الفكري للشيخ إبراهيم صالح في كتاب المغير حيث انه أكد على ضرورة تخليص الصوفية من الدخلاء الذين شوهوا مبادئها ومعتقداتها وهو الأمر الذي ألحق بها عظيم الضرر. وعليه يمكن اعتبار إبراهيم صالح – الذي حظي بسمعة طيبة في بلاده باعتباره من شيوخ التيجانية المعاصرين – بأنه من دعاة إصلاح الصوفية وتنقيتها من البدع والخرافات التي علقت بها.
وعلى سبيل المقارنة فإن الطريقة القادرية احتفظت بتماسكها الداخلي ولم تشهد أي انشقاقات كما حدث في التيجانية. ربما يعزى ذلك إلى عدة عوامل من أهمها: أن القادرية أقل عدداً من حيث الاتباع في الشمال النيجيري، كما أن قيادة القادرية ظلت واحدة ومتجانسة، كما أن الارتباط التاريخي بحركة الجهاد الإسلامي في سوكوتو جعل الهجوم عليهم أمر غير مفيد سياسياً. وأخيراً فإن الفادرية – على عكس التيجانية – لا توجد بها نصوص جامدة مثيرة للجدل.
5- الخطاب الإسلامي الثوري: إخوان نيجيريا نموذجاً
يقصد بالخطاب الثوري هنا ذلك النمط الذي يحاول إحداث تغيرات جذرية في بنية كل من الدولة والمجتمع بما يعني إقامة المجتمع الإسلامي أولا بهدف الوصول إلى النظام الإسلامي ثانياً. ولعل الشيخ إبراهيم الزاكزكي Ibrahim El ZAkzaky يطرح نموذجاً واضحاً على هذا الخطاب. وقد ولد الشيخ إبراهيم في 5 مايو 1953 في مدينة Zaria وتلقى تعليمه في المدارس القرآنية التقليدية حتى سن السادسة عشرة. وفي عام 1969 التحق بمدرسة زاريا العربية والتي تحولت بعد ذلك لمعهد إعداد معلمي المرحلة الابتدائية. وخلال الفترة من 1971-1975 التحق بمدرسة الدراسات العربية في مدينة كانو. وفي عام 1979 حصل على درجة جامعية في الاقتصاد من جامعة أحمدو بللو. ويلاحظ أنه خلال دراسته الجامعية انخرط في النشاط الطلابي وتولى مناصب قيادية في جمعية الطلاب المسلمين. وتحت تأثيرات الثورة الإيرانية عام 1979 بدأ الشيخ النضال من أجل إقامة دولة إسلامية في نيجيريا حيث تأثر كذلك بأفكار سيد قطب ولا سيما كتابه معالم في الطريق والذي كان بمثابة المرجع الرئيس لأعضاء الحركة الإسلامية من الإخوان أتباع الزاكزكي(34).
ومن الجلي أن فكرة سيد قطب عن الانقسام بين الإسلام والجاهلية والصراع بينهما اي بين الدين والكفر قد أسهمت بشكل أساسي في صياغة الفكر السياسي لجماعة الإخوان. ولعل كتابات المفكر السوري الإخواني سعيد حوى قد مثلت هي الأخرى رافداً مهماً لفكر حركة الزاكزكي. بيد أن ارتباط الجماعة بإيران واتهامها بأنها تمثل إخوان الشيعة رغم إنكار الشيخ إبراهيم ذلك قد أدى إلى حدوث انقسام داخل صفوفها. ومع ذلك حافظت الجماعة ككل على توجهاتها الثورية المطالبة بإقامة الدولة الإسلامية (35).
ويميل الخطاب الديني الذي يمثله تيار الإخوان إلى التأكيد على وحدة الأمة الإسلامية وأن الصراع الأساسي الذي تخوضه الجماعة هو ضد السلطة الحاكمة ومن ثم يعتبر مطلب الإطاحة بها شرعياً وأساسياً. أما الصراع مع بعض قيادات المجتمع المدني فإنه يدخل في إطار الصراع مع قوى الجاهلية المعادية للثورة الإسلامية.
ويلاحظ على خطاب الإخوان النيجيريين أمرين مهمين، أولهما: التركيز على مفهوم الشهادة Martyrdom باعتيارها محورية في فكر الجماعة، فهي تؤدي إلى دخول الجنة مباشرة. والشهادة ضرورية لإقامة الدولة الإسلامية والمجتمع المسلم. ويشرح الشيخ الزكزاكي هذه الفكرة بقوله:
ثمة جوانب ثلاثة تشكل سنة الله مع سائر رسله وأنبيائه. عادة ما يؤمن برسالة الله التي يحملها رسله الشباب والمستضعفين فقط ويقود الأغنياء أغلبية المجتمع للوقوف في وجه الدعوة حيث يقع الصراع بين الفريقين لا محالة، ولكن الله ناصر رسله"(36).
وعليه فإنه طبقاً للزاكزكي لا بد من التضحية بالنفس من أجل أسلمة الدولة والمجتمع. وقد اصدرت الحركة الإسلامية موسوعة لتخليد أسماء شهدائها كما اسست منظمة خيرية لدعم أسر الشهداء.
أما الأمر الثاني فإنه يرتبط بالأعضاء والقيادة. فالعطاء الجدد ملتزمون بأشياء ثلاثة هي: البراءة والبيعة والولاية.
يمكن الخلوص إذن إلى القول بأن الخطاب الإسلامي التجديدي في أفريقيا ليس حديثاً وإنما هو يرجع إلى تقاليد الحركات الإصلاحية القديمة التي ظهرت حتى تحت عباءة البنية الصوفية التقليدية. وقد استمرت هذه العملية الإصلاحية بخطابها التجديدي على الرغم من تنوع وتعدد مصادرها الفكرية حتى اليوم.
فثمة خطاب إصلاحي يعتمد على مرجعية صوفية ذات بعد شعبي أفريقي ويقابله خطاب آخر راديكالي مناهض له ويعتمد في الغالب على مؤثرات خارجية ( عربية او آسيوية أو إيرانية ) لكن السمة الواضحة للخطاب الإسلامي التجديدي في أفريقيا خلال القرن العشرين هي معاداته للصوفية.
وقد اتسم الخطاب التجديدي بطرح قضايا معينة مثل رفض بعض جوانب علمانية الدولة الأفريقية ما بعد الكولونيالية ولا سيما ما يتعلق منها بالجانب الديني. كما انشغل هذا الخطاب بقضايا التعليم الإسلامي وضرورة تطويره بالإضافة إلى دعم حركة إنصاف المرأة المسلمة وتمكينها في المجتمع. وعلى الرغم من أهمية دراسة المؤثرات الخارجية لفهم طبيعة الخطاب التجديدي في أفريقيا فإن العوامل المحلية أي السياق الداخلي الذي يحكم هذه الحركات الإصلاحية تظل هي المحدد الأساسي في الحكم على مدى نجاح أو فشل هذا الخطاب. وعلى سبيل المثال كيف نفسر نجاح بعض الحركات الإصلاحية التي تبنت خطاباً تجديدياً في دول مثل نيجيريا والسودان وزنزبارحيث اكتسبت تلك الحركات نفوذاً سياسياً واجتماعياً ودينياً واضحاً. وقي المقابل لم تستطع حركات إصلاحية أخرى تبنت نفس أو على الأقل بعض القضايا في خطابها التجديدي أن تحقق تأثيراً واضحاً في المجتمعات الإسلامية في دول مثل كينيا وتنجانيقا والسنغال.
والملاحظة الأخيرة في هذا السياق تشير إلى تنوع وتعدد أنماط الخطاب الإسلامي التجديدي في أفريقيا كما أوضحنا في الجزء السابق من هذه الدراسة، فقد تراوح ما بين الصوفية الروحية والفلسفية، والسلفية الوهابية والراديكالية الجهادية. ولعل ذلك يعكس خصائص الخطاب التجديدي عموماً في العالم الإسلامي.
ثانياً: إشكالية الهوية والتعامل مع الآخر: الخطاب التجديدي في شرق أفريقيا
يمكن القول أن تاريخ الحركات الإصلاحية في ساحل شرق أفريقيا بصفة عامة وفي زنزبار بصفة خاصة قديم (37). وليس صحيحاً القول بأنها تعكس توجهاً حديثاً ناجماً عن التأثيرات السعودية والإيرانية في المنطقة. وربما يكون مفيداً الإشارة إلى تقاليد المدرسة العلوية Alwi School المنتسبة إلى حضرموت وجزر القمر، وجهودها الإصلاحية في شرق أفريقيا. فالفضل يرجع إلى هذه المدرسة الفكرية في طرح مفاهيم جديدة في التعليم الإسلامي في هذه المنطقة خلال القرن التاسع عشر (38). كما أن علماء هذه المدرسة طرحوا رؤى معرفية جديدة بالإضافة إلى رؤيتهم النقدية لبعض ممارسات الطريقة القادرية. وكان من أبرز علماء هذه المدرسة أحمد بن الصميت Ahmad b. Sumayt (1861-1925) وعبد الله باكثير الكندي Abdallah ba Kathir ( 1861-1925) وأحمد بن علي الحسيني ( 1863-1927) وكان هؤلاء العلماء على اتصال وثيق ومعرفة بكتابات الحركة الإصلاحية في مصر زمن محمد عبده ورشيد رضا.
وقد استطاع الشيخ الأمين بن علي المزروعي أن يدفع بهذه الجهود الإصلاحية إلى الأمام من خلال آرائه التأسيسية والتي شكلت دعامة الخطاب الإصلاحي في شرق أفريقيا بعد ذلك. وقد استطاع الشيخ الأمين من خلال توليه منصب كبير قضاة كينيا Grand Qadi وتأسيسه لبعض الصحف الإصلاحية مثل" الصحيفة" و" الإصلاح" أن يدعو إلى إصلاح النظام التعليمي في المجتمعات الإسلامية من خلال تبني مفهوم عصري. كما أنها بدأت خطاباً هجومياً على البدع الصوفية ولاسيما الطريقة الأحمدية الهندية. على أن هذا المشروع الإصلاحي قد استكمل على أيدي تلاميذ الشيخ الأمين وبصفة خاصة الشيخ عبد الله صالح الفارسي.
ولد الشيخ الفارسي في زنزبار عام 1912 وتوفي في مسقط عام 1982. وقد حفظ القرآن وجمع بين العلوم الإسلامية والعلوم المدنية(39). وقد عمل بعد تخرجه في سلك التعليم حتى عام 1960 حينما عُيّن كبيراً للقضاة في زنزبار بيد أنه اضطر إلى الهجرة إلى كينيا بعد تغير الأوضاع في زنزبار نتيجة الانقلاب العسكري عام 1964. وفي عام 1968 شغل نفس المنصب ( كبير القضاة) في كينيا وظلّ فيه حتى تقاعده عام 1980.
واكتسب الشيخ الفارسي شعبية كبيرة نتيجة دروسه ومحاضراته في مختلف أرجاء شرق أفريقيا فضلاً عن كتابه باللغة السواحلية والتي أشهرها على الإطلاق ترجمته لمعاني القرآن الكريم إلى السواحلية. وقد تميز الخطاب التجديدي للشيخ الفارسي بأنه مناهض للصوفية سواء في تقاليدها العلوية (كما هو الحال في كينيا) أو القادرية (كما هو الحال في زنزبار) بالإضافة إلى محاربة البدع بكافة أشكالها والتي اختلطت بالفهم العام للعبادة(40). وقد ركز الخطاب التجديدي للشيخ الفارسي على القضايا الثلاثة التي يمكن أن تدور حول إشكالية الهوية الإسلامية في إطار مجتمع تعددي ووجود نظام حاكم يدعي العلمانية:
1- التسامح والقبول بالآخر غير المسلم. كان الشيخ الفارسي على وعي تام بطبيعة المجتمعات في شرق أفريقيا حيث تتسم بالتعدد الديني والعرقي. ففي مقابلة له بعد زيارة تنجانيقا حيث توجد جماعات كنسية نشطة أكد على ضرورة العيش المشترك بسلام بين المسلم وغير المسلم. وأضاف أنه يود أن "يرى إخوانه المسلمين يعيشون في سلام مع غير المسلمين حيث "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إنّ الله يحب المقسطين" سورة الممتحنة، آيـة 8.
2- إصلاح النظام التعليمي: فقد طالب الشيخ الفارسي بالاهتمام بالمستوى التعليمي للمجتمعات الإسلامية سواء من خلال إنشاء مدارس إسلامية خاصة بهم أو من خلال تعليمهم أمور دينهم في المدارس الحكومية. وفي أعقاب زيارته إلى نياسلاند (ملاوي) وروديسيا الجنوبية (زيمبابوي) عام 1960 قدم تقريراً أكد فيه على ضرورة توفير التعليم لأطفال المسلمين. يقول الفارسي:
"إنّ مستوى تعليم أطفال المسلمين منخفض جداً مقارنة بغير المسلمين في نياسلاند. ولا شك أن وجود طائفتين في بلد واحد إحداهما متعلمة والأخرى غير متعلمة أمر محفوف بالمخاطر سواء للحكومة أو للمواطنين. فالحكومة هي بمثابة الأب لجميع المواطنين ومن ثمّ عليها أن تلتزم موقف الحياد تجاه الجميع"(41).
ولعل تشجيع الحكومات في ذلك الوقت للتعليم الغربي هو ما لفت انتباه الشيخ الفارسي حيث طالب بضرورة توفير الدعم على قدم المساواة للمدارس الحكومية والإسلامية، وأن هدف الحكومات هو رفع المستوى التعليمي للجميع بغضّ النظر عن الدين.
3- إصلاح النظام التشريعي: وذلك بما يراعي خصوصية المجتمعات المسلمة التي تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية. وقد برز موقف الشيخ واضحاً حينما مررت الحكومة الكينية قانون المواريث الجديد عام 1982. تقدم الفارسي برسالة إلى الرئيس الكيني يطالبه باستثناء الجاليات الإسلامية من تطبيق القانون حيث يقول:
"سيدي الرئيس، في هذه المرحلة، أود أن أعلمكم بأنني قد تأثرت بإقرار تشريع موحد للمواريث... وأنه لمن المحزن أن أرى إخواني المسلمين في حالة ارتباك خلال الفترة الأخيرة من حياتي الوظيفية في هذا البلد. وإني لأجد نفسي مضطراً أن ألفت انتباهكم إلى أن إكراه المسلمين على اتباع قانةن الإرث الجديد هو في الحقيقة عصيان لشريعة الله التي أمرهم بها وهو ما يخالف الدستور الكيني نفسه"(42).
وفي الحقيقة فإن الشيخ الفارسي لم يكن قانعاً فقط بوظيفته الرسمية ككبير للقضاة وإنما سعى إلى نشر خطابه التجديدي والتنويري بين شباب المسلمين في هذه المجتمعات حيث كرّس جانباً من حياته في إلقاء الدروس والمحاضرات حتى أنه كان مصدر إلهام لجيل كامل من المصلحين عبر تأكيده على قضايا إصلاح المجتمع وتخليصه من الظلامية والممارسات الثقافية البالية.
وعلى الرغم من جهود هذا التيار الإصلاحي وخطابه التجديدي في شرق أفريقيا فإنه لم يلقَ تأييداً واسعاً أو يكتسب نفوذاً سياسياً واجتماعياً كما هو الحال بالنسبة لتجارب شمال نيجيريا والسودان على سبيل المثال. وربما يرجع ذلك إلى خصوصية المحددات الداخلية في هذه المجتمعات. فالدولة ما بعد الاستعمارية تبنت سياسات اشتراكية علمانية، كما أن الجاليات المسلمة كان عليها الاندماج قي سياق السياسات الوطنية بالرغم من الدور النشط الذي قامت به الكنيسة في بعض مجتمعات شرق أفريقيا مثل إثيوبيا وكينيا وتنجانيقا.
ولعل التجربة التنزانية توضح ما نقول فقد قلل عدد كبير من الدارسين من أهمية الدورالذي يمكن أن يقوم به الإسلام في تشكيل المجتمع التنزاني ربما يرجع ذلك إلى النهج الاشتراكي الذي اتخذه الرئيس المؤسس جوليوس نيريري وحرصه على علمنة الدولة وجهازها التعليمي. وكان المسيحيون الأوفر حظاً في الحصول على فرص التعليم الغربي وهو ما مكنهم من تبوّء أعلى الوظائف في الجهاز الإداري للدولة. ومع ذلك فقد انضم عدد كبير من المسلمين إلى الحزب الحاكم TANU الذي تحول بعد ذلك في عام 1977 ليصبح الحزب الثوري. بل إن عدداً من المثقفين المسلمين نظروا إلى الاشتراكية التنزانية باعتبارها إحدى تطبيقات الاشتراكية في الإسلام وذلك تحت تأثير الفكر الناصري في مصر.
على أن بعض المسلمين من ذوي الأصول الآسيوية عارض الفكر الاشتراكي الجديد في تنزانيا وذلك من خلال عضويتهم لمنظمة رفاهية مسلمي شرق أفريقيا والتي تأسست في مومباسا عام 1945(43)."The East African Muslim Society"
ويلاحظ أن المسلمين الشيعة من أنصار آغا خان قد سيطروا على هذه الجمعية منذ إنشائها حيث كانت تهتم بأمور الجاليات الإسلامية في شرق أفريقيا من خلال بناء المدارس والمساجد وتوفير المنح الدراسية للطلاب. وعندما نقل مقر هذه الجمعية إلى دار السلام عام 1961 أصبحت ذات توجهات إسلامية أممية حيث أكدت على مفهوم الجامعة الإسلامية. وقد تولى المعارض التنزاني عبد الله فندقيرهAbdallah Fandikira رئاسة هذه الجمعية. بيد أن التوجه الرأسمالي لقيادتها ومفهوم الجامعة الإسلامية قد أدى إلى حدوث انقسامات في صفوف أعضائها فضلاً عن تنامي التوجهات الهدائية ضدها من جاتب المسلمين الموالين للحكومة. أدى ذلك كله إلى حل الجمعية عام 1968(44).
سعت الحكومة التنزانية في المقابل إلى استيعاب الحركة الإسلامية من خلال حث بعض المسلمين من الحزب الحاكم وبعض شيوخ الطريقة القادرية على إنشاء " مجلس مسلمي تنزانيا" والذي نظر إليه على أنه بمثابة أحد أذرع الحزب الحاكم وهو ما أسهم في ظهور خطاب إسلامي جديد موالٍ للسلطة تماماً. وظل الوضع هكذا حتى أعوام الثمانينات حيث تصاعدت الاحتجاجات ضد المجلس الذي اضطر إلى إعادة صياغة أهدافه وتوجهاته. إذ قام بتنظيم المحاضرات والدروس الدينية. وفي عام 1987 طالب الحكمة بإعادة العمل بنظام المحاكم الإسلامية الشرعية التي كانت موجودة قبل الاستقلال وبعده. ولا شك أن قضية تطبيق الشريعة الإسلامية كانت موضع جدل حاد في تنزانيا منذ أواخر الستينات حينما اقترحت الحكومة قانوناً موحداً للزواج المدني وهو ما تمّ تمريره وإقراره بالفعل عام 1971. وقد انتقد الخطاب الإسلامي هذه الخطوة الحكومية على اعتبار أن قوانين الأسرة تشكل جزءاً لا يتجزا من الشريعة الإسلامية. وقد ظهر ذلك الجدل مرة أخرى عام 1988 حينما انتقدت السيدة صفية كاواوا Safia Kawawa وهي زعيمة الاتحاد النسائي التنزاني آنذاك الأحكام الإسلامية باعتبارها مناهضة للمرأة. وقد أشارت تحديداً إلى ضرورة إلغاء تعدد الزوجات وكذلك مساؤاة المرأة بالرجل في المواريث. ويلاحظ أن الخطاب الإسلامي الرافض طالب الحكومة بضرورة الكف عن إثارة القضايا الدينية الحساسة حتى لا يتعرض الاستقرار الاجتماعي للخطر(45).
وإذا كان مجلس مسلمي تنزانيا يمثل الخطاب الديني الرسمي فقد تم تحديه من خلال ظهور جماعات أخرى لعل أبرزها ورشة الكتاب المسلمين والتي تأسست عام 1975 باعتيارها وحدة داخل المجلس نفسه. وقد تمثل هدفها الرئيسي في قضية إصلاح التعليم حيث ضمت نخبة من المثقفين والدارسين من السنة والشيعة. ونظراً لمطالبتها بإدخال التعليم الإسلامي ضمن المقررات الدراسية في المدارس التي يشرف عليها المجلس فقد نظر إليها من قبل قيادة المجلس على أنها تعارض دستور الدولة العلماني وهو ما انتهى بفضل هذه الجماعة من المجلس عام 1982(46).
بيد أن هذه الورشة قد استمرت في أنشطتها من خلال عقد الندوات والدروس وإصدار المطبوعات التي تؤكد في مجملها على ضرورة الفهم الصحيح للإسلام وكذلك لإصلاح النظام التعليمي في المدارس القرىنية وتخليصه من وسائل الحفظ والتلقين.
ثالثاً: خطاب "الشريعة" : الخبرة النيجيرية
لقد سيطر خطاب الشريعة الإسلامية على قضايا الحركة الإسلامية في نيجيريا منذ الاستقلال عندما كان الشمال المسلم يربط فعالياته السياسية بتمكينه من تحقيق قناعاته الدينية(47). بيد أن المشروع الوطني القيدرالي للدولة الجديدة ارتكز على دعائم العلمانية والوطنية. وقد تمكن الحكام العسكريون من السيطرة على هذه الدعوات الشمالية المطالبة بتطبيق الشريعة. غير أن ثمة أمرين هامين ارتكزت عليهما حركات الإصلاح الإسلامي في نيجيريا في نضالها السياسي من اجل أسلمة الدولة والمجتمع. وهما: أولا، النص في دستور 1979 على المحاكم الشرعية وإعطائها ولاية قانونية على الأحوال الشخصية والمدنية، وهو ما يعني عودة إلى سياسة الأمر الواقع التي كانت مطبقة في العهد الاستعماري. وقد تمّ إعادة التأكيد على هذا النص في التعديل الدستوري عام 1999. أما الأمر الثاني فقد تمثل في قيام الجنرال إبراهيم بابنجيدا
( الذي حكم البلاد خلال الفترة 1985-1993) بتغير وضع نيجيريا كمراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي إلى عضو كامل العضوية. وقد دفع ذلك إلى معارضة داخلية ولا سيما من جانب ميسحيي نيجيريا الذين لجأوا إلى تشكيل " جمعية مسيحيي نيجيريا" عام 1986 وهي تضم تحالفاً بين الجماعة البروتستانية والكاثوليكية بالإضافة إلى الكنائس الأفريقية المستقلة(48). وطالبت هذه الجمعية الحكومة الفيدرالية بأن تعطي المسيحية وضعاً مماثلاً للإسلام في المجال العام.
بيد أن النظام السياسي في نيجيريا شهد في عام 1999 مع بداية الجمهورية الرابعة جدلاً جديداً حينما قام الحاج أحمد ساني حاكم ولاية زمفرا بالإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية في قانون العقوبات. وهي الخطوة التي تبعها إعلان أحد عشر ولاية ولاية أخرى في الشمال عن تطبيق الشريعة. دفع ذلك إلى ظهور خطاب جديد أطلق عليه علي مزروعي اسم " Shariacracy" لوصف حالة تطبيق الشريعة في ظل نظام رئاسي(49).
ولا شك أن الحاج أحمد ساني حاكم زمفرا قد تبنى نمط الخطاب الإسلامي المدافع عن الشريعة وأكد على طبيعة المجتمع النيجيري التعددية وعلى ضرورة احترام حقوق وحريات غير المسلمين. يقول الحاج ساني في خطاب تدشين الشريعة في ولايته عام 1999(50): "اسمحوا لي أن أقول بشكل واضح أننا على وعي تام بطبيعة مجتمعنا المتنوعة باعتباره متعدد الأديان والأعراق، وبالتالي فإننا لا نعتزم فرض قوانين الشريعة على غير المسلمين في الولاية .... فالمحاكم الشرعية لها اختصاص وولاية على الأفراد الآتي ذكرهم... المسلمون أو أي شخص آخر لا يعتنق الإسلام ويقبل طوعاً ولاية هذه المحاكم. على أن يسند البت في قضايا الأشخاص الآخرين إلى المحاكم العادية. وليس ثمة إكراه أو إجبار لهم على حمل قضاياهم إلى المحاكم الشرعية. وليكن مفهوماً مرة أخرى أن الشريعة لا تنطبق إلا على المسلمين"(51).
ويرى الحاج ساني أن الشريعة الإسلامية هي بمثابة القانون الأساسي الذي ينظم مختلف أوجه حياة المسلم ابتداء من احتياجاته ومطالبه ومروراً بمسؤولياته وعلاقاته وحقوقه وانتهاء بالجرائم والعقوبات المترتبة عليها. وتشتمل الشريعة حسب فهم الحاج ساني على ثلاثة أركان رئيسة تدور حول التوحيد والعبادة والمعاملات. وحول غاية الشريعة وأهدافها يؤكد الحاج ساني على " أنّ هذا النظام القانوني الذي توفره الشريعة يستطيع أن يقضي على كافة الأمراض الاجتماعية بما فيها الفساد والتي ابتليت بها المجتمعات الأفريقية. يعني ذلك أن غاية الشريعة هي إنقاذ المجتمع من الفقر والجهل والمرض وتفشي الجرائم وعدم العدالة الاجتماعية. وإذا كانت الشريعة تعد قانوناً للمسلمين فإن غير المسلمين يتمتعون بحقوق في ظلها. وليست الشريعة غريبة على الواقع السياسي والاجتماعي في شمال نيجيريا".
وفي فهمه للحرية الدينية في ظل تطبيق الشريعة يقول ساني: " إن الإسلام يضمن حقوق غير المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية دون عائق ويحرم اي شكل من أشكال عدم العدالة ضد غير المسلمين. وعليه فإن حكومة زمفرا سوف تعمل على ضمان أمن وأرواح وممتلكات جميع الأفراد بصرف النظر عن الدين أو القبيلة، كما سوف تعمل على ضمان العدالة والإنصاف للجميع"(52).
ويرى ساني أنه إذا كانت المسيحية ولأسباب تاريخية قد قبلت بمبدأ فصل الدين عن الدولة فإن الإسلام يرفض ذلك الانقسام حيث إنه يشتمل على كافة جوانب الحياة. ومن هنا كانت ضرورة تطبيق قوانين الشريعة المدنية والجنائية على المسلمين وعلى غيرهم الذين يقبلونها طواعية.
وحينما طرحت قضية الردة Apostasy وعلاقتها بحرية الأديان التي كفلها الدستور أجاب الحاج ساني بقوله:
"إذا ما قررت ترك الإسلام والانضمام لدين آخر تصبح جريمة تستحق عقوبة الإعدام. ومع ذلك لم ندرج تلك العقوبة في القانون. بيد أن القضية التي لا تزال أمامنا حتى الآن، وخصوصاً في الجزء الشمالي من البلاد، هي أن الأسر المسلمة تأخذ هذا الأمر على عاتقها. وهناك أمثلة على قيام أفراد الأسرة بالتخلص من أي شخص يتحول إلى دين آخر ويعتبر ذلك شرفاً كبيراً للأسرة التي تقوم بهذا العمل. ومن حيث الجوهر فإنها جريمة شرف. وباعتباري زعيم سياسي لا أستطيع إعطاء مثل هذه التعليمات كما ذكرت سلفاً، فإنّ الله أمرنا ألا نتبع أي قانون يخالف ما أوحى به إلى نبيّه... وعليه فإن الشريعة تسمو على الدستور النيجيري"(53).
ولضمان تنفيذ الشريعة التي تمّ تطبيقها بالكامل في ولاية زمفرا في 27 يناير 2000 تمّ إنشاء المؤسسات الآتية (54):
1-وزارة الشئون الدينية لتنسيق والإشراف على كل ما يتعلق بالأنشطة الدينية.
2- مجلس العلماء الاستشاري لتوجيه النصح للحكومة بما يضمن اتساق أعمالها مع أحكام الشريعة.
3- لجنة الحسبة
4- لجنة مكافحة الفساد
5- لجنة الشكاوى العامة
6- هيئة تجويد وقراءة القرآن
7- مكتب الوعظ والمساجد
8- مكتب تنمية وأبحاث الشريعة
9- مكتب الوقف والزكاة
10-لجنة رؤية الهلال
ويمكن تصنيف خطاب الشريعة المؤيد والمعارض وفقاً لطبيعته والقضايا التي أثارها: فثمة مستوى للخطاب شارك فيه غير المسلمين ولاسيما حينما طرحت مسالة شرعية ومشروعية إجراء تطبيق الشريعة في ظل دستور علماني ومجتمع يشهد تعددية دينية(55). ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى ظهور مصطلحات مثل ظاهرة طالبان في نيجيريا، الإسلام الراديكالي، قانون الشريعة المتطرف، خطاب الجهاد والحاكمية وغيرها التي ميزت مفردات الخطاب الديني في هذا المستوى. ولعل التقرير الذي أعده مركز أبحاث الحرية الدينية التابع لبيت الحرية الأمريكية عام 2001 يمثل نموذجاً واضحاً على هذا الخطاب(56). المستوى الثاني لخطاب الشريعة في نيجيريا طرح إطاراً تفسيرياً عاماً للدوافع الحقيقية وراء خطوة تطبيق الشريعة الإسلامية:
فثمة من يرى في تطبيق الشريعة نوعاً من النضج السياسي للاستراتيجيات التي تبنتها النخب الشمالية من أجل استعادة التراث الثقافي والحضاري الإسلامي في شمال نيجيريا وحمايته من مخاطر عمليات التغريب والعلمنة.
على أن البعض يرى في هذه العملية مجرد رد فعل عفوي من جانب بعض الساسة الملتزمين دينياً لتحقيق المطالب الشعبية والتي تطالب بإعلاء كلمة الله من خلال تطبيق شريعته.
بيد أنّ بعض التوجهات الفكرية ترى في عملية تطبيق الشريعة محاولة انتهازية من جانب النخب الفاسدة في الشمال والتي أرادت من خلال التوظيف السياسي للإسلام ان تستعيد مكانتها السياسية في أعقاب انتخاب رئيس مسيحي من الجنوب عام 1999.
وأخيراً ثمة من يرى أن تطبيق الشريعة يعد بمثابة أحد أدوات التعبير المتاحة عن السخط العام لتفشي الفقر والأمية وعدم العدالة الاجتماعية في المجتمع النيجيري. وثمة من يرى مع سنوسي لا ميدو سنوسي أن جميع التفسيرات الواردة تصلح لتفسير حقيقة ودوافع تطبيق الشريعة الإسلامية في الشمال النيجيري(57).
وهكذا فقد طرح خطاب الشريعة في الحالة النيجيرية إشكاليات وتحديات مهمة أمام العقل المسلم ليس فقط في أفريقيا ولكن في المجتمعات الإسلامية عموماً حيث أنها تطرح نفس التساؤلات القديمة والمتجددة دائماً حول العلاقة بين النص والعقل ومدى آفاق الاجتهاد في الفكر الإسلامي المعاصر؟
خاتمة : الملامح العامة لتجديد الخطاب الإسلامي في أفريقيا
إنّ دراسة تجارب الإصلاح الديني في أفريقيا الإسلامية تظهر كما أوضحنا تبايناً واضحاً في أنماط الخطاب الإسلامي وقضاياه وهو ما يجعل الحديث عن أنماط أو خصائص عامة أمراً محفوفاً بالمخاطر وربما يعزى ذلك كما بينا من خلال تحليل هذه التجارب إلى عدة اعتبارات منها: الاختلاف الناجم عن وضع المسلمين كأغلبية أو أقلية داخل المجتمع. فثمة مناطق يعيش فيها المسلمون أغلبية وإن نص الدستور على ان الدولة علمانية، وهناك مناطق أخرى يعاني فيها المسلمون من وضع الأقلية ويختلف ثقل هذه القلية وفقاً للحجم او التأثير الاقتصادي. وعليه فإن دراسة حركات الإصلاح الإسلامي في مجتمع مثل شمال نيجيريا أو زنزبار يختلف عن واقع مثل هذه الحركات في مجتمعات مثل كينيا. ومن جهة أخرى فإن العوامل والمؤثرات المحلية قد تلعب دوراً مهماً في نجاح أو فشل هذه الحركات نظراً لأهمية قاعدة التأييد الشعبي والتأثير السياسي. وعلى صعيد ثالث فإن حالة الانقسام الشديدة التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية في أفريقيا مع وجود تبيانات فكرية وايدولوجية متعارضة أو متنافسة لحركات الإصلاح الديني جعلت من الصعوبة بمكان توحيد المسلمين في نسق فكري واحد(58).
ومع ذلك يمكن من خلال دراسة التجارب السابقة في نيجيريا والسودان وشرق أفريقيا والسنغال طرح بعض القضايا العامة التي انشغل بها خطاب التجديد الإسلامي في أفريقيا ولا سيما في القرن الماضي وذلك على النحو التالي:
أول هذه الملامح تتمثل في تحدي الخطاب الإسلامي التقليدي الذي نظر إليه باعتباره خطاباً شكلياً جامداً موغلاً في التقليد ومهملاً لقيمة العقل والاجتهاد. ولمواجهة ذلك أكد المصلحون الأفارقة في خطابهم التجديدي على الاهتمام بالعلوم القرآنية والعلوم المرتبطة باللغة العربية وحثوا على دراستها حتى يتمكن أي مسلم من دراسة قواعد الدين دون الحاجة إلى وساطة السلطة الدينية التقليدية (المتمثلة في العلماء التقليديين)
ولعل معرفة الخلفية العلمية لكبار المصلحين أمثال أبو بكر جومي والأمين علي المزروعي وعبد الله الفارسي تؤكد أهمية دراسة العلوم الشرعية واللغة العربية وهو ما انعكس إيجاباً على خطابهم التجديدي.
ثاني هذه الملامح يتمثل في تبني خطاب معادي للصوفية ومناهض للمكونات الغيبية التي يقوم عليها هذا الخطاب. يعني ذلك انّ خطاب التجديد الإسلامي يقوم على اساس من العقلانية والرشادة وفقاً للمفهوم الفيبري Weber الذي يرى بأن رفض السحر والخرافة هو جزء من عملية إضفاء العقلانية والرشادة بشكل تدريجي على العلاقة بين الدين والمجتمع. وقد يتضح هذا الجانب بشكل واضح في الخطاب الإسلامي الذي تبنته جماعة إزالة البدعة في نيجيريا وخطاب الشيخ الفارسي في شرق أفريقيا.
ويتمثل الملمح الثالث للخطاب التجديدي في أفريقيا بالتركيز على قضية التعليم والاهتمام بكل من العلوم الإسلامية والعصرية. ويلاحظ أن الجيل الجديد من المصلحين الأفارقة هم نتاج التعليم الغربي فنجدهم أطباء ومهندسين وموظفين مدنيين ومعلمين، بيد أن السمة الرئيسية للخطاب الإسلامي في أفريقيا الإسلامية تمثلت في التركيز على اللغات واللهجات المحلية باعتبارها أداة للتواصل ولفهم الخطاب من قبل المجتمعات المحلية.وعليه فقد ترجمت معظم النصوص الإسلامية الرئيسية بما فيها القرآن إلى اللغات الأفريقية الكبرى مثل السواحلي والهوسا والولوف. وللتأكيد على هذا المنحى فقد استفاد الخطاب الجديد من أدوات الإعلام الجماهيري مثل برامج الإذاعة والتلفزيون وشرائط الفيديو والكاسيت وحتى منتديات الإنترنت. أدى ذلك كله إلى توفير الفرصة أمام المسلم الأفريقي لإعادة فهم الإسلام بشكل جديد؟
السمة الرابعة تشير إلى الجانب الأخلاقي للخطاب الإسلامي التجديدي فهو معادي للإمبريالية الغربية وحتى النخب السياسية الموالية لها في البلدان الأفريقية. دفع ذلك بالحركات الإصلاحية الأفريقية التي تتبنى هذا الخطاب الإسلامي إلى الهجوم على كافة مظاهر الانحراف والتدهور الأخلاقي في المجتمع مثل انتشار إدمان المخدرات والدعارة. وهو ما يوفر التأييد الشعبي لها .
ولعل هذه السمة الأخلاقية هي التي جعلت بعض المصلحين الأفارقة يتصالحون مع بعض أشكال الصوفية الصحيحة بحسبانها دعوة روحية أخلاقية خالصة. وهو الأمر الذي دفع ببعض الباحثين إلى القول بأن هجوم الخطاب الإسلامي الراديكالي على الخطاب الصوفي ليس مبنياً على مواقف ثابتة غير متغيرة. وهو ما تؤكده محاولات جمع الصف والحديث عن وحدة المسلمين.
أما القضية الخامسة التي مثلت ملمحاً عاماً للخطاب التجديدي الإسلامي في الواقع الأفريقي فإنها ترتبط بالموقف من علمانية الدولة ما بعد الاستعمارية في أفريقيا. فالملاحظ أنّ الجيل القديم من قادة الحركات الإصلاحية في أفريقيا مثل أبو بكر جومي والأمين المزروعي وعبد الله الفارسي كان يعمل في كنف الدولة وموظفاً لديها. وعليه لم يعارض هؤلاء خطط التنمية التي تبنتها السلطة الحاكمة باعتبارها غير إسلامية عندما تحدثوا عن مشروعهم الإصلاحي في سياق المجتمع المسلم نفسه. بيد أنه بعد أعوام الثمانينات وتحت تأثير الثورة الإيرانية وكتابات سيد قطب في مصر وحتى بعض تنظيمات الإسلام الحركي مثل حركة الجهاد الإسلامي بدأ الخطاب الإسلامي الراديكالي يطرح بقوة موضوع علمانية الدولة بل وتكفير المجتمع وضرورة إقامة الدولة الإسلامية. ولعل حركة الإخوان المسلمين في نيجيريا بزعامة الزاكزكي تطرح مثالً واضحاً على هذا التوجه.
وعلى أية حال فإن دراسة نماذج الخطاب التجديدي في أفريقيا أظهرت أنها حاولت في معظمها التعامل مع مطالب الحداثة وما تطرحه من مفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو ما كان يعني إعادة النظر في التراث الديني والحضاري الإسلامي واخذ متطلبات الواقع المعاش بعين الاعتبار.
الهوامش والمراجع
1- حمدي عبد الرحمن حسن، التعددية وأزمة بناء الدولة في أفريقيا الإسلامية، القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي، 1996.
2- انظر في تفصيلات ذلك: حورية توفيق مجاهد، الإسلام في أفريقيا وواقع المسيحية والديانة التقليدية، القاهرة : مكتبة الانجلو المصرية ، 2002.
3- عادة ما يشير مفهوم "الإسلام الأفريقي" إلى المعتقدات والممارسات التي طورها المسلمون الأفارقه على مدى السنين والتي تعبر عن واقعهم الأفريقي. و يلاحظ أن الطرق الصوفية مارست تأثيرا مهما في هذا السياق أما مفهوم "الإسلام في أفريقيا" فيستخدم للإشارة إلى فكر الإصلاح الديني الذي يطالب بتطبيق الشرعية الإسلامية. انظر في ذلك: Eva Evers Rosander and David Westerlund, eds., African Islam and Islam in Africa: Encounters between Sufis and Islamists, Athens, Ohio: Ohio University Press. 1997 and Christian Coulon, and Donal Cruise O’Brien, (eds.), Charisma and Brotherhood in African Islam, Oxford, Oxford University Press, 1988.
4-علي مزر وعي، قضايا فكرية : أفريقيا والإسلام والغرب على أعتاب عصر جديد، ترجمة صبحي قنصوة وآخرون، القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي، 1998.
5- في مفهوم الخطاب لغة واصطلاحا أنظر:عبدالعزيز بن عثمان التويجري، الخـطــــاب الإسلامي بين الأصالة والمعاصرة ، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 1424هـ/2003م.ورد في: http://www.isesco.org.ma/pub/ARABIC/Khitab/Menu.htm وانظر أيضا نبيل شبيب، الخطاب الإسلامي.. تطوير أم استئصال؟، الجزيرة نت، 17-5-2006. http://www.aljazeera.net/NR/exeres/B3A8D37F-8A42-4020-93C9-70BFC93A20EC.htm
6- رضوان زيادة؛ سؤال التجديد في الخطاب الإسلامي المعاصر، بيروت؛ دار المدار الإسلامي، 2004.
7- زكي الميلاد،تجديد الخطاب الإسلامي؛الغد 30/7/ 2005 .
8- في تفصيلات ذلك الخطاب انظر: : صولي حسان، من تجارب التحول الديمقراطي .. التبعيات الإسلامية في النيجر ومطلب الانفتاح الديمقراطي، ترجمة :جودت جالي ،المدى، العدد (744 -08) 13أغسطس 2006م . ورد في: http://www.almadapaper.com/sub/08-744/08-744.htm 9- Ousmane Kane, Muslim modernity in postcolonial Nigeria: a study of the Society for the Removal of Innovation and Reinstatement of Tradition, Leiden ; Boston : Brill, 2003.pp. 44-5.
10- Louis Brenner, “Concepts of Tariqa in West Africa. The Case of the Qadiriyya,” in Christian Coulon, and Donal Cruise O’Brien, (eds.), op.cit, pp. 33– 52.
11- Charlotte A. Quinn and Frederick Quinn, Pride, Faith, and Fear: Islam in Sub-Saharan Africa , New York: Oxford University Press,2003. pp 57-67. And John Hunwick, Khadim Mbacke, Sufism and Religious Brotherhoods in Senegal, Translated by Eric Ross, NJ:Markus Wiener Publishers,2005.
12- عن حياة الشيخ وأفكاره انظر: المرجع السابق
13- Alastair W.Green, “ Noble Capitalism: an analysis of the prosperity of the Murid Tariqa in Senegal”, RES Journal , University of Pennsylvania, , Vol 1,No 1.,spring 2001.pp. 7-35.
14- توجد العديد من الدراسات المهمة التي تناولت حياة الشيخ بن فودي وكتاباته بالتحليل ومن ذلك Marilyn Robinson Waldman, “ The Fulani Jihad : A Reassessment, “ Journal of African history, Vol 6,No 3, !965.PP.333-55.;Murray Last, “ Reform in West Africa: The Jihad movements of the Nineteenth Century” in J.F.A. Ajayi and Michael Crowder , Eds. The History of West Africa, vol. 2., Essex: Longman, 1984.and Peter B. Clarke, West Africa and Islam, London: Edward Arnold Ltd, 1982.
15- See Marvyn Hiskett, The Sword of Truth: The Life and Times of Shehu Uthman Dan Fodio -15 Evanston, IL: Northwestern University Press, 1994.
16 - أنظر: Ahmad Dallal, the Origin and Objectives of Islamic Revivalist thought , 1750-1850,Journal of the American Oriental Society, Vol113,No 3., July- Sep.1993 p 352 , pp 341-35917- 17 - Dallal, op.cit
18-حول أهمية التعليم يقول الشيخ عثمان: " أيها الإخوان : اقرأوا و أعيدوا قراءة كتب علمائكم المعاصرين، فإنهم أكثر علماً ودراية بأمور عصركم .. ان كتاباتهم هي تفصيل لما أوجزه علماء سابقون. فكتابات عصر معين هي تفصيل لما أوجزته كتابات عصر سابق. ولهذا السبب فان كل دارس يقدم لمعاصريه ما وجده من احتياجاته الدينية في كتابات أسلافه."
19- لمزيد من المعلومات عن الدور الذي قامت به المرأة في حركة الجهاد الإسلامي في بلاد الهوسا ومثال ذلك نانا أسماء ابنة الشيخ عثمان نفسه أنظر: Jean Boyd and Murray Last, The Role of Women as "Agents Religieux" in Sokoto Canadian Journal of African Studies / Revue Canadienne des Études Africaines, Vol. 19, No. 2 (1985), pp. 283-300.
20- لقد تأثر الشيخ عثمان بكتابات علماء الصوفية المالكية أمثال الإمام أبو عبدا لله محمد بن الحاج صاحب كتاب المدخل، والشيخ أبو العباس أحمد الأزرق مؤلف كتاب قواعد التصوف. و كثيراً ما استشهد الشيخ عثمان بكتابات ابن عربي ليس على سبيل النقد ولكن الموافقة وهو ما يخالف توجه الوهابية السلفية بهذا الخصوص.
21- Dallal, op.cit., p. 354.
22- أنظر في ذلك: A. D. H. Bivar, The Wathiqat Ahl Al-Sudan: A Manifesto of the Fulani Jihad ,The Journal of African History, Vol. 2, No. 2 (1961), pp. 235-243
23-أنظر في تفصيلات ذلك: Usman Muhammad Bugaje,, The Tradition of Tajdeed in West Africa: An Overview – 1,Paper Presented to the International Seminar on the Intellectual Tradition in the Sokoto Caliphate and Borno. Organized by the Center for Islamic Studies, University of Sokoto from 20th - 23rd June, 1987. Source:http://www.webstar.co.uk/~ubugaje/tradtajdid.html
24- أنظر:Moshe Terdman , Clashes between Islamists and Sufis and Its Outcome: The Case Study of Yan Izala and the Sufis in Nigeria , ISLAM IN AFRICA NEWSLETTER, Volume 1, Number 6 .November 2006 and Roman Loimeier, "Islamic Reform and Political Change: The Example of Abubakar Gumi and the Yan Izala Movement in Northern Nigeria", in. Eva Evers Rosander and David Westerlund, eds, op.cit, pp. 286–307.
25 - Roman Loimier, "Islamic Reform and Political Change: The Example of Abubakar Gumi and the Yan Izala Movement in Northern Nigeria," in Eva E. Rosander and David Westerlund, eds., African Islam and Islam in Africa: Encounters between Sufis and Islamists (London: Hurst, 1997), 286-307. 26 -Kane. Op.cit, ch. 3
27 - Muhammad Said Umar ,Education and Islamic Trends in Northern Nigeria: 1970-199, Africa Today - Volume 48, Number 2, Summer 2001, pp. 127-150
28- المرجع السابق، ص 134.
29-Kane, op.cit.,pp ch. 60
30- المرجع السابق نفسه.
31-اعتمدنا في هذا الجزء على الدراسة التالية: Rudriger Sesemann,The Takfir Debate: Sources for the Study of Contemporary Dispute Among African Sufis Part I: The Nigerian Arena, Sudanic Africa, 9, 1998.pp.39-70.
32-Loimier, "Islamic Reform and Political Change , op. cit.
33- انظر الموقع الرسمي لحركته في: http://www.islamicmovement.org/Ashura1428/ashura1428.htm Sanusi Lamidu Sanusi, Shariacracy in Nigeria: the Intellectual Roots of Islamist Discourses, 2001. ورد في: http://www.nigerdeltacongress.com/sarticles/shariacracy_in_nigeria.htm
35-Charlotte A. Quinn and Frederick Quinn, op. cit. pp. 43-47.
36-Muhammad Said Umar, op. cit., p. 139
37-لمزيد من التفصيلات حول تاريخ المسلمين في شرق أفريقيا انظر: A. Y. Lodhi ,"Muslims in Eastern Africa- their past and present", Nordic Journal of African Studies (NJAS), 3:1 1994 and J. S. Trimingham , Islam in East Africa Oxford : Clarendon Press,1964.
38 -Abdulkadir Hashim, Kadhi’s intellectual legacy in the East African Coast: Thecontributions of Al-Amin bin Ali Al-Mazrui, Muhammad Kassim Al-Mazrui and Abdulla Saleh Fasry, paper Presented at the International Symposium on Islamic Civilisation in Eastern Africa, Kampala, 15-17th December 2003.
39- انظر : Loimeier, Patterns and Peculiarities of Islamic Reformin Africa, op. cit.,p. 249.
40- المرجع السابق ، ص. 250.
41-Abdulkadir Hashim, op cit.
42- المرجع السابق.
43 - Abdulaziz Y. Lodhi and David Westerlund ,African Islam in Tanzania, Islam for Today. March 1997. http://www.islamfortoday.com/tanzania.htm#historical
44- المرجع السابق .
45- المرجع السابق .
46- المرجع السابق .
47- من الدراسات المهمة التي تناولت جدلية العلاقة بين الدين والسياسة عموما في الخبرة النيجيرية أنظر: صبحي قنصوة، الدين والسياسة في نيجيريا، القاهرة: برنامج الدراسات المصرية الأفريقية ، جامعة القاهرة ، 2004.
48 - Charlotte A. Quinn and Frederick Quinn ,op.cit. 49-Ali Mazrui, Shariacracy and Federal Models in the Era of Globalization , Nigeria in Comparative Perspective, presented at the International Conference on "Restoration of Shariah in Nigeria: Challenges and Benefits", sponsored by the Nigeria Muslim Forum, and held in London, England, on April 14, 2001
50 -ALHAJI AHMAD SANI, OFFICIAL LAUNCHING OF SHARI’A IN ZAMFARA STATE,27TH OCTOBER, 1999
51- المرجع السابق
52- انظر مجموعة الخطب والوثائق الخاصة بالحاج أحمد ساني في: http://zamfarastate.net
53 -The Talibanization of Nigeria: Sharia Law and Religious Freedom. Edited by The Center for Religious Freedom. Washington, D.C.: Freedom House, 2002, p.42.
55- أنظر: Shari’a as De-Africanization: Evidence from Hausaland William F. S Miles,Africa Today - Volume 50, Number 1, Spring 2003, pp. 51-75
56 -The Talibanization of Nigeria, op.cit.
57 - Sanusi Lamidu Sanusi, Shariacracy in Nigeria: the Intellectual Roots of Islamist Discourses, 2001.
58- أنظر: Loimeier, op.cit.