بسيوني الوكيل يكتب: قراءة مهنية في العناتيل

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
بسيوني الوكيل يكتب: قراءة مهنية في العناتيل


(12/22/2014)

بسيوني الوكيل

انطلاقا من قناعتي بالتخصص، وان لكل قضية جوانب وأبعاد متشعبة، فإن كل متخصص يشتبك مع القضية أويتناولها من الجانب الذي يخصه والبعد الذي يلزمه.

وبما أن "العناتيل" أو "العنتلة" إن صح الاشتقاق ، صارت واحدة من القضايا الأكثر سخونة في أيامنا "البيضة" التي ربما لا تحتاج لوابور جاز أو حتى شعلة شمعة فانوس صغير من بتاع زمان علشان تستوي، خاصة في ظل وجود وسائل إعلام توفر خدمة التسوية في الحال وتوصيلها إلى المنازل بمصاريف رمزية على انحلال القائمين عليها ، إذن كان الاشتباك معها ضرورة تخصصية.

وبالعودة لزوايا وأبعاد علاقتي بقضية "العنتلة" كي اشتبك معها ، فقد بحثت فيها وأمعنت النظر فوجدتها علاقة شرعية، وأني أولى الناس بقتلها من البحث شرفا ، وذلك لعدة أسباب، أولها كوني حاليا صحفيا معنيا بضرورة عملي بأخبار المحافظات التي شهدت كل فضائح العناتيل الأخيرة تقريبا ، ثانيا كوني من مواليد محافظة الغربية والتي شهدت أشهر ومعظم تلك الفضائح ، أما السب الثالث فهو كوني ملتحيا ، كاحد أبطال هذه الفضائح نسأل الله العفو والعافية.

ولكل هذه الأسباب سواء أقنعتك أم لا، فقد قررت قرارا لا رجعة فيه بالخوض بعيدا عن الخائضين في هذه القضية حتى ألاقيهم بأخلاقيات المهنة التي يتجاهلون، بعد أن جعلت منها بعض وسائل الإعلام المعروفة بالفجر - بضم الفاء وإن فتحتها - عرضا إباحيا لجذب القراء والمشاهدين.

بداية وبغض النظر عن قناعتك باني "أد التحدي ولا لأ" ، فهناك جدل واسع ومحتدم منذ عقود بين الباحثين في أخلاقيات الإعلام وأبعاده الاجتماعية إل بيقولوا عليها (سوسيولوجية )، حول نشر قضايا الفضائح (scandals) والتي تعد واحدة من أقسام صحافة الـ " s3 " التي تعزف على وتر الفضائح والجنس والرياضة لجذب الجماهير.

ففريق يرى أن الإعلام "مرآة المجتمع" تعكس الواقع كما هو وعليه فينبغي نشر أي واقعة دون حذف أو مونتاج مهما كان مضمونها وأصحاب هذا المذهب هم من نشر فيديوهات العناتيل وصرح بادق التفاصيل .

وفريق آخر يرى أن الأولى عدم النشر تماما لتدفن الفضيحة مع أصحابها، و لا تكن سببا في تشجيع آخرين من ضعاف النفوس على ارتكاب نفس الجريمة ونشر الفواحش وتطبيعها بالمجتمع، وربما هذا الفريق لم يكن له حضورا في تلك الفضائح.

وبين هذا الطرف وذاك يرى فريق آخر أنه لا يمكن أن ننشر كل شيء كما هو أو نتجاهله بدفن رؤوسنا في الرمال ، و ان حل المشكلة يتمثل في الموازنة بين نشر ما هو ضروري لتعريف الجمهور بالواقع وتحذيره مما يمكن ان يمثل خطرا يحدقبه ، ولكن مع حذف كل ما يتعارض مع قيم وأخلاقيات المجتمع أو يخدش الحيا والحديث عنها تعريضا، نأمل أن نكون منهم.

وزي ما بيقولوا خير الأمور الوسط، فقد وجدت أن الخيار الثالث هو الوسط ، والقول بأن الإعلام كالمرآة يجعله عرضة للكسر فوق أخلاق وقيم المجتمع الأمر الذي قد يعرضها لإصابتها بجروح قد تكون قطعية بل والتشويه في حال كان زجاجها من الغالي .

هذه المدرسة التي تلتقي مع رؤية أصحاب مذهب "الفن للفن" ، والذي باسمه يمكن ان تفعل أي شيء بحصانة الفن، كانت سببا في تصدير الكثير من المشكلات من عقول أصحابها للمجتمع وووقوع العديد من الجرائم والحوادث، بعد أن كشفت الأبحاث والتحقيقات أن ما عرضته وسائل إعلام كانت بمثابة وحي الشيطان لمرتكبي تلك الجرائم .

كما أن كثير من المتبنيين لهذه الرؤية يناقضون أنفسهم ففي الوقت الذي يمنعون فيه عرض مشاهد مؤلمة أو صورا بشعة حرصا على نفسية الجماهير، لا يتورعون عن نشر ما قد يدمر أخلاق الجماهير.

أما الطرح الثاني فهو منهج المثاليين ، يرفضون أن يعيشون الواقع كما هو ويضعون رؤوسهم في الرمال حتى تحرقهم النيران.

ورغم انطلاق هذا الفريق في الأغلب من معايير شرعية ا لا انه خالف أسلوب القرآن الكريم الذي ذكر فيه عزو وجل ما هو أصعب كنقل أقوال الكفر، وقصة يوسف ومراودة امرأة العزيز له.

أما الخيار الثالث ولعل هذا الطرح يوافق أسلوب القرآن الكريم في التعامل مع هذه النوعية من الأخبار ، وهو ما يبدو واضحا في قصة نبي الله يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، حيث أجمل القرآن محاولة امرأة العزيز الايقاع بيوسف في الفاحشة في قوله تعالى "وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك"،

فالقرآن هنا ينقل محاولة امرأة إغراء رجل بالفاحشة، فمن الطبيعي أن تكون المرأة في هذا الموقف استخدمت أساليب الإغراء كالكشف عن مفاتنها وغير ذلك من الكلام والحركات التي قد تثير غرائز الرجل نحوها، لكن الله عز وجل لم يسرد لنا كافة التفاصيل ، ليعلمنا الأسلوب الأقوم لسرد مثل هذه الوقائع.

فالقرآن لم يتجاهل القصة ولكنه أجملها ولم يفصل وقائع وتفاصيل قد تثير غرائز القارئين ،كما أن القرآن لم يقدم مجرد سرد الواقعة بل عالجها بتوضيح عاقبة ونجاة المخلصين وخطأ المذنبين، لتكون عظة وعبرة للقارئين وليس سردا لمجرد التسلية.

المصدر