انتخابات وانتهاكات!!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
انتخابات وانتهاكات!!


وائل نجم* - الشرق القطرية 2-6-2014

قبل أيام ضج محيط السفارة السورية في جنوب بيروت بأعداد كبيرة من السوريين الذين حضروا – كما قيل – للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية التي بدأت في الخارج، وقد قطعت الأعداد الكبيرة للمشاركين الطرقات المحيطة بالسفارة أو المؤدية إليها ما تسبّب بزحمة سير خانقة حالت دون وصول اللبنانيين إلى أماكن عملهم في الوقت المحدد، وكان لافتاً أن المشاركة كانت أشبه بتظاهرة حزبية سياسية رفع المشاركون فيها صور الرئيس السوري المنتهية ولايته والمرشح لولاية ثالثة، بشار الأسد، إضافة إلى الأعلام السورية التي يرفعها النظام على مقراته، وصور أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، وأعلام الحزب.

كما كان لافتا أن الحضور جاء باكراً إلى السفارة للإدلاء بأصواتهم، فكانوا يدخلون بالعشرات، ويصوتون بالعشرات أيضاً، وربما من دون التأكد من الوثائق الثبوتية التي تعطي الناخب حق الاقتراع، حتى أن بعض الوسائل الإعلامية تحدثت عن اقتراع عشرات آلاف السوريين في اليوم الأول ما استدعى تمديد الانتخاب ليوم ثان.

والحقيقة أن ما جرى لم يكن يمت إلى الانتخاب وحرية التعبير والديمقراطية بأي شكل من الأشكال، وقد أراد منظم هذا الحفل، إذا صحّ التعبير، إظهار صورة أمام عدسات الإعلام تزعم شعبية واسعة للرئيس بشار الأسد على الرغم من كل ما يجري في سوريا من تدمير ودماء وتهجير، ولذلك حرص المنظم على خروج جموع المشاركين في لحظة واحدة وفي مكان واحد متعمداً إحداث ازدحام مروري للفت انتباه وسائل الإعلام، وهو ما حدث بالضبط حيث وقعت وسائل الإعلام المحلية أسيرة هذا الازدحام دون أن تلتفت بشكل جيد إلى ما يجري عند صناديق الاقتراع، وقد روّجت وسائل إعلام أخرى لهذه الأعداد ووظفت الحدث في سياق ما اعتبرته التأييد الجارف للرئيس الأسد.

والحقيقة الأخرى أن أعدادا كبيرة من السوريين تعرضوا لضغوط كبيرة قبيل الانتخابات بأيام وساعات، وخاصة أولئك الذين يقطنون في أماكن تعتبر مناطق نفوذ لحلفاء النظام السوري لا سيما في ضواحي بيروت الجنوبية، وقد نقل لي بعض هؤلاء أن عناصر نافذة في هذه المناطق استقدمت حافلات صباح يوم الانتخاب وطلب من السوريين الذين يقطنون في هذه المناطق الصعود إلى الحافلات من أجل الانتقال إلى السفارة للإدلاء بأصواتهم تحت طائلة التهديد في حال الرفض أو التخلف، وللمفارقة فإن كثيراً من هؤلاء لم يخرجوا من سورية بطريقة رسمية أي عن طريق المعابر الحكومية التي يسيطر عليها النظام، وهو ما حرمهم من حق التصويت وفقاً للقانون الذي اعتمده النظام في هذه الانتخابات.

ومع ذلك أرغموا على الصعود في الحافلات والتوجه إلى السفارة لإحداث هذا الضجيج الإعلامي بل وربما الرسالة السياسية.

فضلاً عن ذلك فإن بعض السوريين قال إنه تعرض لتهديد بسحب الجنسية منه إذا لم يشارك في الانتخابات الرئاسية في لبنان، بينما قال آخرون إنهم تعرضوا لتهديد بعدم السماح لهم بالعودة إلى سوريا أو طرد ذويهم ممن بقي هناك في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

كما وأن بعضهم قال إن مندوبين عن السفارة السورية انتقلوا في الكثير من المناطق اللبنانية على اللاجئين وطلبوا منهم ملء استمارات بحجة تقديم مساعدات إنسانية، كما أعلموهم أن التوقيع على هذه الاستمارات بمثابة مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية حتى لا يتحملون مسؤولية عن تخلفهم عن المشاركة.

إذاً بغض النظر عن الأعداد المشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية من لاجئ لبنان، وبغض النظر عن الدعوات التي أطلقت في لبنان من بعض القوى السياسية لسحب صفة اللاجئ عن كل من شارك في عملية الانتخاب وإعادته إلى سوريا، فإن المؤكد أن هذه الانتخابات شهدت انتهاكات واسعة ليس لحرية التعبير والعمل الديمقراطي فحسب، بل لكرامة اللاجئين السوريين الذين لم تأبه القوى التي نظمت هذا الحفل لمعاناتهم وجراحهم النازفة، وتشردهم في أصقاع الأرض بسبب الحل الأمني الذي اعتمد لعلاج المعضلة السياسية.

انتهاك لأبسط القواعد الأخلاقية التي تسمح للضحية بأن تضج ولو بالبكاء، فجرى استغلال فقر وخوف وعوز اللاجئين والدفع بالكثير منهم تحت الضغط لالتقاط هذا المشهد الذي أرادوا من خلاله القول إن الشعب ما زل يهتف "بالروح بالدم نفديك .. "!!

لكن الحقيقة الأخرى التي غيّبها الإعلام، عن عمد أو عن غير عمد، أن هنا في لبنان أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري حرموا من حق الاقتراع، بل ومن أبسط الحقوق الإنسانية.

هؤلاء لم يحضروا إلى دار السفارة، ولم يدلوا بأصواتهم لأحد، هؤلاء أكدوا أن أغلبية الشعب السوري في مكان آخر، فخرجوا في طرابلس ينددون بما جرى ويؤكدون أن الصوت الحقيقي للشعب ليس ذاك الذي أسقط في صندوق الانتخاب عنوة، إنما المغيب بفعل أزيز الرصاص ودوّي البراميل المتفجرة.

*رئيس المكتب الإعلامي للجماعة الإسلامية في لبنان

المصدر