المنع من السفر.. قرار فوق القانون!
يُعد قرار المنع من السفر للنشطاء السياسيين سلاحًا تستخدمه وزارة الداخلية لتقييد حريتهم والحد من تواصلهم الخارجي، فيبدأ الأمر بعد ختم تأشيرة السفر وركوب الطائرة؛ حيث تأتي قوات الأمن بقرار إنزال المسافر الناشط منها، مبرِّرةً ذلك بأن اسمه مُدرَجٌ على قوائم الممنوعين من السفر لخلفياته السياسية أو الفكرية، رغم أنه قد حصل على إذن نيابة أمن الدولة العليا على سفره مُسبقًا!.
ويطعن كثيرٌ من النشطاء على قرارات وزارة الداخلية بمنعهم من السفر، ثم تأتي جميع أحكام القضاء العادل لتنصفهم لتكون الأحكام إلغاء قرار وزارة الداخلية بالمنع من السفر ومخالفة هذا القرار للقانون والدستور، وللمادة 40 من الدستور، والتي تنص على: "المواطنون لدى القانون سواءٌ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة"
وأيضًا مخالفته للمادة 41 من الدستور، والتي تنص على: "الحرية الشخصية حق طبيعي، وهي مصونة لا تُمَس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقُّل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقًا لأحكام القانون".
كما جاءت الأحكام لتقر مخالفة قرار المنع من السفر للمادة رقم 57 والتي تنص على: "كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضًا عادلاً لمن وقع عليه الاعتداء"
إلا أن وزارة الداخلية كعادتها دائمًا تضرب مثل هذه الأحكام عرض الحائط، ولكنها مؤخرًا انتهجت سبيلاً آخر لوقف هذه الأحكام بأن طعنت المحكمة الإدارية العليا على حكم عدم منع الدكتور جمال حشمت من السفر!!!
تأتي غالبية قرارات المنع من السفر لتصيب غالبيتها قيادات جماعة الإخوان المسلمين أو نشطائها البارزين، كما طالت في الفترة الأخيرة نشطاء المجتمع المدني والمدونين، فقد تم منع الدكتور عصام العريان من السفر لعشرات المرات، ففي 27 فبراير 2004 تم منعه من السفر إلى بيروت لحضور مؤتمر دولي حول العالم الإسلامي وأوروبا
وفي 4 أبريل 2005 تم منعه من السفر لحضور الدورة 16 للمؤتمر القومي العربي، وفي 16 أبريل تم منعه من حضور اجتماعات الدورة الـ40 لاتحاد الأطباء العرب والمنعقدة في دمشق، وذلك ضمن الوفد المصري الذي يرأسه الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء، كما تم منعه من السفر إلى دولة البحرين لحضور المؤتمر العام لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في 22 مارس 2006
وفي 19 ديسمبر 2006 تم منعه من السفر لحضور المؤتمر القومي الإسلامي والذي ينعقد في العاصمة القطرية "الدوحة"، وجاء منعه من السفر في 15 مايو 2007 حيث كان من المفترض أنْ يتجه إلى العاصمة النرويجية "أوسلو"؛ لحضور الدورة الجديدة لمنتدى مدريد لحوار الحضارات، الذي أطلقه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي بمبادرةٍ من الأمم المتحدة
وفي 14 يوليو 2007 تم منعه من السفر لحضور ملتقى الدكتور يوسف القرضاوي مع التلاميذ والأصحاب، والذي ينعقد حاليًا بالعاصمة القطرية الدوحة، وتم منع العريان من السفر إلى دمشق لحضور مؤتمر "حق العودة للفلسطينيين" في 23 نوفمبر 2008، ورغم حصوله على حكم قضائي بعدم منعه من السفر إلا أن القوات الأمنية قامت بمنعه من السفر إلى الخرطوم لحضور المؤتمر القومي العربي في 14 أبريل 2009.
وتم منع الدكتور عبد الحميد الغزالي العديد من المرات من السفر، ففي 19 فبراير 2004 تم منعه من السفر إلى الأردن؛ في إعارة للعمل بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة اليرموك، وكما منعته قوات الأمن المصرية من السفر إلى لندن 28 أكتوبر 2006 وذلك لحضور مؤتمر علمي دعته إليه جامعة "ويست مينستر" في العاصمة البريطانية وقامت بمنعه أيضًا في الشهر الذي تلاه في 12 نوفمبر 2006 من السفر إلى بيروت لحضور المؤتمر العربي العام الخامس المقرَّر عقدُه تحت شعار "اعتزازًا بالانتصار المبين للبنان المقاوم الصامد ودعمًا لمقاومته المجاهدة"، كما تم منعه في 19 ديسمبر 2006 من السفر لحضور المؤتمر القومي الإسلامي والذي ينعقد في العاصمة القطرية الدوحة
وفي 18 أكتوبر 2007 تم منعه من السفر إلى الجزائر لحضور الملتقى العلمي الدولي الثاني تحت عنوان "الاستثمار الأجنبي المباشر ومهارات الأداء الاقتصادي، حالة بعض الدول النامية" والمقام بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية بجامعة محمد بومرداس بالجزائر، وتم منعه أيضًا من السفر إلى اليمن للمشاركة في ندوةٍ علميةٍ بجامعة الإيمان تحت عنوان: "الاتحاد العربي" والمشاركة كذلك في تأسيس قسم الاقتصاد بالجامعة وذلك في 25 فبراير 2008، وفي 31 مارس 2008 تم منعه أيضًا من السفر للسعودية لحضور المؤتمر الدولي السابع للاقتصاد الإسلامي الذي ينظِّمه مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
وفي 20 أغسطس 2008 تم من الغزالي من السفر للجزائر لتلبية دعوة الجامعة الصيفية الثامنة بالجزائر والمشاركة في موضوع هذه الجامعة، وهو "القيم والإصلاح الاجتماعي"؛ حيث كان من المفترض أن يُقدِّم بحثًا حول "آثار العولمة على قيمنا الإسلامية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية"، وجاء منع الغزالي من السفر إلى قطر للمشاركة في برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي تذيعه قناة "الجزيرة" في 28 أكتوبر 2008
وفي 14 نوفمبر 2008 تم منعه من إلى اليمن للمشاركة في ندوة دولية بجامعة "الإيمان" عن الأمن الغذائي العربي؛ والمقرَّر أن يكون الدكتور الغزالي محاضرًا رئيسيًّا لها، وكان آخر مرات المنع من السفر للغزالي في 3 يوليو الماضي حيث تم منعه من السفر إلى دولة اليمن، ضمن وفد من مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر؛ بهدف عمل تقييم لمناهج الاقتصاد الإسلامي بالعديد من الجامعات اليمنية.
ومنعت السلطات المصرية لأول مرة الدكتور جمال حشمت لعدة مرات من السفر، ففي 29 سبتمبر 2004 منعته من السفر إلى السودان؛ للمشاركة في فعاليات مؤتمر المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية والإغاثة ممثلاً عن اتحاد الأطباء العرب، بوصفه رئيس اللجنة العربية لدعم السودان، كما منعته في 4 أبريل 2005 تم منعه من السفر لحضور الدورة 16 للمؤتمر القومي العربي
وفي 30 مايو 2005 تم منعه من السفر للولايات المتحدة الأمريكية ضمن وفدٍ من أساتذة الجامعات المصرية في مهمة علمية تستغرق شهرين، وأتى منعه من السفر للمرة الثانية للسودان للمشاركة في المؤتمر السنوي للاتحاد في 5 فبراير 2006، وتم منعه أيضًا من السفر إلى بيروت لحضور المؤتمرِ القومي الإسلامي 29 مارس 2006
بالإضافة لمنعه من السفر إلى البحرين للمشاركة في فاعليات المؤتمر القومي العربي في 27 أبريل 2007، وفي 25 أغسطس 2007 تم منعه من السفر إلى السودان ضمن وفد اتحاد الأطباء العرب لإغاثة المتضررين من الفيضانات السودانية، كما تم منع حشمت من السفر إلى دمشق لحضور مؤتمر "حق العودة للفلسطينيين" في 23 نوفمبر 2008.
ويأتي ضمن قائمة الممنوعين من السفر المهندس علي عبد الفتاح أحد قيادات الإخوان المسلمين بمحافظة الإسكندرية والذي يشغل أيضًا منصب أمين اللجنة الشعبية لمناصرة فلسطين حيث تم منعه من السفر إلى بيروت لحضور مؤتمر مؤسسة القدس، كما منعته قوات الأمن من السفر لبيروت ضمن وفد إغاثي تابع للجنة الإغاثة الإنسانية بالنقابة وذلك في 12 أغسطس 2006.
وتم منع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من السفر لعدة مرات، ففي ديسمبر 2003 تم منعه من السفر للكويت وذلك للمشاركة في مؤتمر عن دور الجامعات الإسلامية في الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط، وتم منع الدكتور جمال عبد السلام مدير لجنة الإغاثة والطوارئ لأول مرة من السفر في 13 ديسمبر 2006 إلى السودان للمشاركةِ في مؤتمر دعم منظمات المجتمع المدني في عملها الإغاثي.
وللصحفيين نصيب من هذا المنع فقد منعت قوات الأمن المصرية الصحفي أحمد عز الدين من السفر في 24 مايو 2006 إلى دولة الكويت؛ حيث جاء سفره بناءً على دعوة خاصة من شقيق عز الدين وذلك للحصول على متعلقات خاصة به أثناء تواجده بالعمل فيها
كما منعت القوات الأمنية المصرية النائب محسن راضي رئيس تحرير مجلة (منبر التجاريين) والمنتمي إلى التيار الإسلامي من السفر في 6 يونيو 2004 إلى دولة الكويت؛ للمشاركة في فعاليات مؤتمر تنظِّمه وزارة الأوقاف الكويتية، وقامت أجهزة الأمن بمنع المهندس خالد حمزة رئيس تحرير (إخوان ويب)، الموقع الإنجليزي للإخوان المسلمين، من السفر إلى بريطانيا، في رحلة علاجية في 4 أبريل 2009.
ويأتي ضمن الممنوعين من السفر جمعة أمين عضو مكتب الإرشاد، حيث تم منعه من السفر لأداء عمرة رمضان في 9 أكتوبر 2006، كما جاء قرار منع فضيلة المرشد محمد مهدي عاكف من السفر لأداء فريضة العمرة بعده بيوم أي في 10 أكتوبر 2006، كما منعت أجهزة الأمن المصرية الدكتور علي بطيخ أحد قيادات الإخوان بمحافظة الجيزة من السفر لأداء مناسك العمرة في 3 مايو 2007.
وإمعانًا في انتهاك حقوق الإنسان والتعسف الأمني قامت قوات الأمن المصرية بمنع كلٍّ من: الدكتور جابر قميحة والدكتور رشاد لاشين وأحمد سيف الإسلام حسن البنا- عضو نقابة المحامين وشقيقاته للمشاركة في الاحتفال بمئوية الإمام الشهيد حسن البنا في الأردن في 15 نوفمبر 2006، كما قامت في 22 فبراير 2007 بمنع المستشار الدكتور علي جريشة وعائلته من السفر إلى المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية وذلك عودةً لعمله حيث يعمل أستاذًا للشريعة الإسلامية هناك.
وتضمنت قوائم الممنوعين من السفر الدكتور مصطفى هيكل أستاذ طب وجراحة العيون بجامعة بنها وأمين صندوق نقابة الأطباء بالقليوبية، حيث تم منعه من السفر إلى دولة السودان الشقيق في 19 مايو 2007 وذلك ضمن وفد طبي إغاثي تطوعي للمساهمة في مكافحة العمى؛ وذلك بالتنسيق بين لجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب (وحدة مكافحة العمى) وبين الجمعية الطبية السودانية والتي تنظم قوافل بأنحاء متفرقة من الدولة لهذا الغرض.
وأضافت أجهزة الأمن المصرية لقائمة الممنوعين من السفر الشيخ حمدي إبراهيم أحد قيادات الإخوان المسلمين بشمال القاهرة من السفر لأداء العمرة وذلك في 13 سبتمبر 2008، وبعد 4 أيامٍ من هذا القرار أي في 17 سبتمبر جاء قرار آخر بمنع الحاج حسن زلط أحد المفرج عنهم في القضية العسكرية الأخيرة للإخوان المسلمين من السفر لأداء العمرة.
نشطاء المجتمع المدني
وعلى صعيد نشطاء المجتمع المدني فقد تم منع جورج إسحق الناشط القبطي وعضو حركة كفاية من السفر، كما منعت فريد زهران مدير دار المحروسة للنشر، ومن نشطاء المجتمع المدني في مصر، ومؤخرًا تم احتجاز المدون وائل عباس ومصادرة اللاب توب الخاص به، كما تم احتجاز المدونين عبد الرحمن عياش ومجدي سعد العائدين من تركيا ومن ثَم اعتقالهما.
من جانبه يقول جمال تاج الدين المحامي وأمين عام لجنة الحريات إنه عند طرح مفهوم "متى ينتهي" فسينتهي حين يحترم النظام الفاسد حق المواطنين في الحرية والتنقل دون قيد أو شرط أو معوقات، ولكن ما يحدث هو استخدام أساليب المنع من السفر من أجل الضغط على نشطاء المجتمع المدني حتى لا يتم فضح ممارسات هذا النظام خارج حدود مصر ، فيأتي بذلك قرار المنع مخالفة لكل الحقوق السياسية.
ويضيف تاج الدين إنه رغم صدور الأحكام لصالح النشطاء بعدم منعهم من السفر إلا أن هذا النظام لا يحترم القضاء وأحكامه، بل لا يحترم قانون الطوارئ ذاته، وأصبحنا نعيش بلا قانون، ويحكم دولتنا تشكيل عصابي كبير لا يألون جهدًا في إذلال المواطن المصري، وهذه أحد مظاهر الاستبداد والفساد السياسي، وهو مسلسل يأخذ النشطاء السياسيين داخل دائرة مفرغة ليلهيهم عن مواصلة كفاحهم لهذا الفساد.
ويوضح تاج الدين أنه رغم حصول الناشط السياسي على إذن مباحث أمن الدولة العليا فهذا الجهاز لا يحترم كلمته ويمنعه من السفر مجددًا، وبالتالي تم استنفاد كل الطرق والوسائل القانونية المتبعة ولم يبقَ حلٌّ غير استنهاض القوى الشعبية للتحرك ضد الظلم والفساد.
المصدر
- تقرير: المنع من السفر.. قرار فوق القانون! موقع إخوان برس