المستشار فؤاد راشد يكتب: الوحدة الوطنية ولغة الأحذية!!

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المستشار فؤاد راشد يكتب: الوحدة الوطنية ولغة الأحذية!!
المستشار فؤاد راشد

ترددت طويلاً في الكتابة عن هذا الموضوع لتماسِّه مع ملف شائك متفجر يتعلق بالعلاقة المحتقنة بين المسلمين والنصارى المصريين، وهو احتقان يعود إلى عوامل داخلية مردها نظام حكم قهر الجميع وظلم الجميع وراهن لبقائه على إثارة الفتن تارة مع الأشقاء العرب وتارة بين عنصري الشعب المصري، وتعود إلى ممارسات حمقاء من بعض المتكلمين في الدين أو باسم الدين على الجانبين ممن أعطوا أنفسهم الحق في مفاتيح الجنة والنار، يُدْخِلُون هنا قومًا وهناك آخرين، كما تعود إلى أيد خارجية تعمل تارة في العلن وتارة تحت جنح الظلام.

وخلال فترة ترددي رحت أتحدث طويلاً مع أصدقاء مسيحيين ومسلمين عما يجري لعلي أظفر بإجابات مريحة عن أسئلة هائمة، وقد تكرم الجميع بما لديهم وهو يقدم تفسيرًا لا تبريرًا عن بعض ما يقع على الساحة الوطنية.وقبل الدخول إلى الموضوع فإنني أترحم على أرواح الأبرياء الذين لقوا وجه ربهم أيا ما كانت ديانة أيهم، وأبدي حزني لكل قطرة دم تراق لبريء سواء كان نصرانيًّا أو مسلمًا، مدنيًّا أو عسكريًّا، فالكل عندي سواء.

وأشعر بأسف عميق إذ أضطر إلى إبداء شواهد حيدتي بين عنصري الشعب المصري؛ لأن الكثيرين يعبرون عن حيدتهم بالاندفاع بلا هوادة في تعقب أي رمز إسلامي بالإدانة والتجريس مع إغفال الطرف بالكامل عما يقع على الجانب المسيحي، وربما لا يكون كافيًا أنَّ لي صداقات عمر مع إخوة مسيحيين؛ لأن ذلك شأن خاص عزيز الإثبات، فأنا أورد أن أحد المرشحين للكرسي البابوي وهو الأنبا بيشوي يعرف حقيقة حيدتي، ولا زال يذكر- قطعًا- أنني وقفت إلى جانب الإخوة المسيحيين في وقعة كانوا هم الطرف المظلوم فيها، وظللت ألقاه بين حين وآخر على مدى شهور متواصلة، ثم تواصلت لقاءاتنا في مناسبات اجتماعية لأصدقاء مشتركين، وكان لنا صديق عزيز مشترك كنا نلتقي في بيته حتى توفاه الله، وربما كان يذكر أنه وأخوة كرام من المسيحيين صمموا في إحدى اللقاءات على أن أوقِّع شاهدًا على أحد عقود الزواج، وهو تحديدًا العقد الكنسي، وقد فوجئت برغبتهم النبيلة تلك وتساءلت على الفور أليس لديكم أي نوع من الموانع أن يشهد مسلم على عقد زواج مسيحيين فرد الكهنة كلهم بالنفي، وتوقيعي على العقد لا زال قائمًا شاهدًا على عمق الود بيني وبين أخوتنا في الوطن، وهو ود يصدر عن إيمان عميق أن المسلم قدر المسيحي والمسيحي قدر المسلم في مصر، وأن الدين عنصر داعم للعلاقات الإنسانية والاجتماعية وأنه لا يضيق ولكن الضيق إنما يكون في بعض الصدور.

ويعلم الله أني أكتب غير مدفوع بدافع غير حبي لبلدي الكريم ولشعبه لا أفرق فيه بين نصراني ومسلم، كما أنني لا أدعي- أبدًا- أني أملك ناصية الحقيقة، بل أبدي رأيًا يحتمل الصواب والخطأ ككل اجتهاد بشري.

شاهدت كسائر المصريين ما تيسر عن موقعة ماسبيرو، وتألمت ككل مصري للدم المصري الذي أريق بأيد مصرية، ولكن ما لم أقدر على فهمه أمرين، أولهما لغة الاستعلاء في حديث بعض رجال الدين المسيحي، وهو استعلاء ممزوج باستقواء، ثانيًا موقف الكثيرين جدًّا من الكتاب الصامتين صمتًا محيرًا والمبادرين إلى تحميل القوات المسلحة إدانة مسبقة قبل أن تقول جهات التحقيق كلمتها، والأنكى أن بعض السباقين إلى الإدانة من العقلاء والبعض من عقلاء العقلاء!

لا أفهم كيف يقف رجل دين يأمر وينهي ويهدد بجريمة قتل، كما يعلن استعداده لضرب محافظ أسوان بالحذاء! قالها ثم راح يعيدها مشيرًا إلى حذائه الذي سوف يضرب به المحافظ!، ولا يقولن أحد لقد كان الرجل غاضبًا، فمن جهة لم يكن أحد بعد قد قُتِلَ وقت أن قال ما قال، ومن جهة ثانية فإننا نشاهد كل يوم مظلومين ومقهورين وجوعى على الشاشات وهم غاضبون ولكن رائحة الغضب ليست هي بالضبط رائحة (الفرعنة) والاستقواء والاستعلاء.

وأما موقف الكثيرين من كتابنا فوجه الدهشة أنه فيم المسارعة إلى إدانة الجيش قبل أن تصدر الجهات القضائية تقريرًا أو اتهامًا أو حكمًا؟

وفيم الجزم بأن قتلى أخوتنا المسيحيين معلومو القاتل وهو الجيش، بينما قتلى الجيش مجهول من قتلهم؟ ولماذا لا يتصور أن يدًا خبيثة قتلت أولئك وهؤلاء إثارة للفتنة بين أبناء الوطن الواحد، لا سيما وهناك أعداء متربصون لا بالثورة وحدها وإنما بمصر كلها؟

والسؤال يقود إلى سؤال أنكى وأعم، وهو لماذا يبادر الكثير من الكتاب إلى اتهام الجهات أو الأفراد كلما كانت هناك وقعة تلتبس فيها الحقيقة وبها طرف مسيحي، وتواتي الشجاعة البعض فيصول ويجول بينما لا نسمع لهؤلاء الشجعان صوتًا ولو كان خافتًا كلما كان الخطأ واضحًا في جانب قيادة مسيحية؟

وعلى سبيل المثال فإنه ما أن ينطق أحد نكرات المسلمين جملة خائبة تافهة حتى تنبري الأقلام سيوفًا مشهرة تندد وتنكر وتطالب برقبة القائل، بينما خيم صمت القبور لما قال الأنبا بيشوي المرشح للكرسي البابوي إن المسلمين ضيوف النصارى في مصر، وخيم صمت القبور- إلا كلمات هامسة هنا وهناك- عندما شكك في صحة القرآن الكريم، وخيم صمت القبور عندما تحولت الكنيسة إلى دولة داخل الدولة، وصارت تحتجز النسوة بسبب انتمائهن الديني، وبالمناسبة فإن هذا الاحتجاز ربما شكل في بعض الفروض جريمة جنائية تمامًا كما أن التهديد بالضرب بالحذاء جريمة جنائية، وأتساءل لأصحاب الشجاعة الانتقائية ماذا لو سلمت نجلاء الإمام بعد تنصرها إلى الأزهر وقام بحجزها لديه، بالله أستحلفكم هل كنتم تصمتون حقًا أم يشهر كل منكم سيفه البتار ويضرب في كل اتجاه؟! مع ملاحظة أن نجلاء الإمام لم تتنصر وتلزم الصمت بل راحت تسب الإسلام علنًا وتسخر من القرآن الكريم، وقد سمعت بعض ما قالته بنفسي، ولا شك أن الكثيرين سمعوا! ففيم الصمت بحقِّ الله؟

عندما يتحدث بعض المسلمين عن تطبيق الشريعة الإسلامية تقوم قيامة البعض، وإلى هنا وهم أحرار تمامًا فيما يقولون ولا عجب فتلك حرية الرأي، ولكن العجب كل العجب أن نفس تلك الأصوات لا تهمس بكلمة احتجاج ولو من باب ذر الرماد في العيون عندما يقول البابا شنودة أنه لا يلتزم بأحكام المحاكم، وإنما يلتزم بالإنجيل وحده، ولن ينفذ حكمًا قضائيًّا ينافي ما جاء بالإنجيل!! وأتساءل أيبقى من الدولة دولة بعد هذا؟ أليست الكنيسة هكذا دولة فوق الدولة، فهي تحتجز المصريات عنوةً وقهرًا، وتنفذ ما تشاء من الأحكام وتهمل ما تشاء؟.

وماذا لو قال شيخ الأزهر إنه لن ينفذ أي حكم يتعارض مع القرآن الكريم، ونحن نعلم موقف القرآن الكريم من الربا ومن عقوبات الحدود مما يختلف عما هو مطبق بالفعل في المحاكم، وهل يحق لي كقاضي مسلم أن أعلن أني ملتزم فقط بأحكام القرآن الكريم من باب طلب المساواة مع موقف البابا شنودة؟

وماذا لو قلت إني لن أحكم إلا بالقرآن الكريم، هل تجودون علي بالصمت الكريم أم أصحو وأنام على قعقعة سيوفكم التي تعرف متى تتحلى بالشجاعة ومتى تتحلى بحكمة الصمت، هذا إذا قدر لي النوم أصلاً؟!.

ألا يجد الأخوة الكتاب الصامتون صمت الحكمة البليغة ما أجد من دهشة في موقف الكنيسة؟

هل تريد الكنيسة دولة مدنية يخضع لها الكل؟

أم المقصود دولة دينية للمسيحيين ومدنية للمسلمين؟

ألسنا أمام ازدواجية في الخطاب الكنسي، ثم ما شأن الكنيسة بمظالم الأقباط من الأصل، وهل يسمح حكام فرنسا وبها مسلمون أكثر عددًا ممن في مصر من الأخوة المسيحيين، هل يسمحون هناك لشيوخ المساجد باحتجاز أي مسلمة تتنصر؟ وهل يسمح لهؤلاء الشيوخ أن يعلنوا أنهم لن ينفذوا حكمًا قضائيًّا يخالف نصوص القرآن الكريم؟

وهل نصارى مصر هم رعايا الدولة المصرية، وأن ظلم أيهم عار في رقبة الدولة أم أنهم رعايا الكنيسة بحكم أننا نسمع عبارات على شاكلة الشعب القبطي، وفي حدود علمي أننا جميعًا أقباط منا المسلم القبطي ومنا النصراني القبطي؛ لأن كلمة قبطي تعود إلى سكان مصر بغضِّ النظر عن الديانة، ولكنها تطلق عن عمد على المسيحيين لأغراض في نفوس البعض!

هل يقبل كتابنا الأشاوس أن يدافع الأزهر عن حقوق ملايين المسلمين من سكان القبور ومن يموتون لأنهم مرضى لا يجدون ثمن الدواء في مصر بلد الأزهر؟،

وهل لو فعل الأزهر يصمت كتابنا الشجعان شجاعة انتقائية؟

هل الأمر خاف عليكم معشر كتابنا الأشاوس أم هناك- دائمًا- مواءمات للصمت ومواءمات للشجاعة؟.

عقب الاستفتاء الأخير تكلم أحد الشيوخ عن "غزوة الصناديق" وهاجت الدنيا وماجت، ولا اعتراض لي، بل إنني استنكر العبارة مع مستنكريها، ولكن الاعتراض تحول إلى حملة قومية كبرى للتنديد والتهويل والترويع عن الخطر الإسلامي القادم، ولم يشفع للرجل أنه قال إنه كان يمزح؛ لأن البعض راح يلاحقه مؤكدًا أنه كان يعني ما قال، وراح البعض يقول إن الأمر جد لا مكان فيه لهزل، وإلى هنا لا اعتراض لي ولا دهشة، لكن الدهشة تعود لتطل برأسها صارخة أين أنتم يا معشر المنددين وأحد القساوسة يقول علنًا أنه مستعد لضرب المحافظ بالحذاء، ثم يهدد ويتوعد إن لم يتم ما يأمر به ويحدد رد الفعل وهو أن المحافظ سوف يموت موتة شنيعة- على حدِّ وصفه- خلال ثمانية وأربعين ساعة! أم أن جهاز الحساسية مبرمج على أخطاء قوم دون آخرين؟

هل مرد صمت البعض يعود إلى إيثار العافية والسلامة فهو يضرب في المأمون ويصمت عند توقع الخطر متمثلاً في ادعاء الصارخين أن مَن يعبر عن رأيه هو من دعاة الفتنة باعتبار أن وأد الفتنة له طريق مزدوج أن تدين ما هو إسلامي وتصمت عن أي خطأ نصراني؟

وهل حقًّا يعود صمت البعض إلى أمور تتعلق برأس المال النصراني المسيطر على بعض منابر الإعلام فالصمت- كما قيل- دفع للمغارم وجلب للمغانم عند البعض؟

لا شك أن هناك مظالم على الجانب المسيحي، ولكن هناك أيضًا مظالم على الجانب المسلم؛ لأن ظلم مبارك لم يفلت منه أحد بسبب دينه، وربما كانت هناك دواعٍ حقيقية للغضب المسيحي في وقعة المريناب، وربما لم تكن هناك دواعٍ بل وربما لم تكن هناك من الأصل كنيسة حسب بعض الروايات وبعضها جاء على لسان أحد كبار الكهنة، وعلى أي حال فإن ذلك أمر تحدده لجنة تقصي الحقائق، ولكن أيًّا ما كانت دواعي الغضب فهل من حق أحد- فضلاً عن أن يكون هذا الأحد رجل دين يقدم القدوة والمثل- أن يقول ما قال ثم تمر وقعة السب علنًا دون محاسبة ودون ما تستحق من صراخ من صرخوا عن غزوة الصناديق؟ وهل كان السادة كتابنا الشجعان يصمتون صمت الحكمة عن الكلام المباح إزاء هذه اللغة المتدنية لو أن الوضع تمَّ عكسيًّا أي لو أن المحافظ قال إنه يضرب الكاهن بالحذاء وسوف يقتله شر قتلة إن لم يتم كذا وكذا؟

وهل يشك أحد ذرة شك أن القيامة كانت تقوم ساعتها ونرى ونسمع الأعاصير والبرق والرعد من كل صوب وحدب مطالبة برقبة المحافظ جزاءً وفاقًا لقولته الشنيعة؟ وهل الأسلوب الجديد لإبداء الطلبات أن تقدم ومعها حذاء مشهر في وجه من لا يستجيب وسنجة أو مطواة قرن غزال وبندقية آلية لزوم التهديد بالقتل؟

وهل يشق الوحدة الوطنية أن نحاسب المخطئ أم يشقها ترك الصدور تغلي من فرط الشعور باستقواء بعض الأخوة المسيحيين بوهم أمريكا التي يراهن عليها البعض في إعادة المسلمين من حيث أتوا إلى جزيرة "المعيز" على حدِّ وصف بعضهم؟

والتي لا تقبل بعودتنا ولا تقدر- قطعًا- على استيعابنا، علمًا بأنني أعامل في جزيرة المعيز كأجنبي وأدخلها بتأشيرة مسبقة مدفوعة الأجر، بالرغم من أن جذر عائلتي لا زال في قلب جزيرة المعيز التي لا هي تقبلني مواطنًا ولا أنا أقبلها ولا أقبل غيرها- دون مصر الحبيبة- وطنًا!

وأيًّا ما كان سبب استقواء بعض الكهنة وأيًّا ما كان سبب الموقف العجيب لبعض كتابنا فإن حل مشكلات النصارى لا يكمن في رفع المطالب بالأحذية المشهرة، ولا بالاستقواء بأمريكا، وهي التي لم تحم نفسها في العراق ولا أفغانستان، فضلاً عن أنها ليست مؤسسة تبرعية تقدم دم أبنائها لنصرة أحد تراه مظلومًا بينما قامت هي على الظلم نفسه، متمثلاً في إبادة شعب والتنكر لوجوده من الأصل، وقنابلها في كلِّ مكان لا تفرق بين مسلم ومسيحي وبوذي!

إن علاقة أبناء البيت الواحد لا تحتاج إلى سياف جاهز لبتر الرءوس وإنما لتفاهم عميق جاد ووعي بضرورة التعايش معًا والبناء معًا وحل مشكلاتنا- نصارى ومسلمين- إنما يكون من خلال إيمان عميق من كلِّ المصريين بأن الوطن ملك للجميع سواسية، فلا أقلية ولا أكثرية ولا أصحاب أرض ولا ضيوف، وبإقامة دولة مدنية تتكافأ فيها الحقوق والواجبات والفرص، على أنه لا بد من تسليم الجميع بهذا، نعم الجميع دون التفاف ولا التواء ولا استقواء، وأن يبتر عن منبر الوعظ والخطابة كل رجل دين يشهِّر بالآخرين أو يتناول دينهم بسوء؛ لأن البعض على الجانبين ترك الرسالة الأصلية للدين وتحول إلى بوم ناعق بالبغضاء وإثارة الفتن!

سوف تحل مشكلات النصارى يوم تحل مشكلات المسلمين، وسوف تحل على أرضية لا كنسية ولا أزهرية بل على أرضية وطنية مصرية!

المصدر