المستشار البهنساوي: الأمة تختار الحاكم وتحاسبه وتعزله
من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
[08-01-2004]
محتويات
مقدمة
•الحركة الإسلامية حقيقة مدنية ليس لها قداسة دينية
•البعض حرف فكر الشهيد سيد قطب ليخدم أفكاره الشاذة والمغلوطة
قضايا الحركة الإسلامية في الوطن العربي والعالم الإسلامي تشغل حيزًا كبيرًا من اهتمامات المراقبين خاصة منذ أحداث 11 سبتمبر، وهناك تصورات ورؤى عدة تم طرحها بخصوص تفسير العلاقة بين الحركة والأنظمة ومساحات المسموح واللامسموح في تلك العلاقة، كما أن هناك اتهامات يتم توجيهها لبعض أفكار الحركة الإسلامية من قبل بعض مخالفيها لتزداد علاقة الحركة سوءًا بالأنظمة أو لتشويه صورتها لدى مجتمعاتها.
حول هذه الموضوعات التقينا المستشار "سالم البهنساوي" المفكر الإسلامي المعروف في لقاء خاص لإخوان أون لاين تمَّ في الكويت.
نص الحوار
- بداية تمنع بعض الأنظمة العربية قيام أحزاب إسلامية بدعوى أن هذا فيه إقرار للمطالبة بحكومة دينية لا يجوز مناقشتها، فما رأيكم في هذا؟
- يزعم ذلك بعض اليساريين العرب قياسًا على ما كان موجودًا في أوروبا قبل الثورة الفرنسية، حيث كان الباباوات هم الحكام الفعليين، فاستبدت الكنيسة بالناس وأوهموهم أن الله هو الذي خوَّل الباباوات حق التحليل والتحريم، وجعل بأيديهم صكوك الغفران والحرمان، وهذه الصكوك لم تكن قاصرة على إدخال من يشاؤون النار أو الجنة، بل تمتد إلى إعطاء الحاكم شرعية الاستمرار في الحكم أو سلبها منه بإعلان سلب ولاء الناس لهم.
- وطاعتهم إياه كما حدث من البابا "جريجوري السابع" الذي أصدر قرارًا بحرمان الإمبراطور "هنري الرابع" من ولاء الشعب له وطاعتهم إياه، فخاف الإمبراطور على عرشه وملكه وذهب إلى البابا ليعلن الولاء له كما ذكر "ديورانت" في كتابه (قصة الحضارة) إذ كتب أن البابا اشترط على الامبراطور أن يقف حافي القدمين يلبس الخيش وسط الثلوج في الشتاء لمدة ثلاثة أيام أمام قصر البابا؛ حتى يراه الناس جميعًا وبعد ذلك أذن له بالدخول وأعطاه صكًا بالغفران.
- وإذا كان بعض البلاشفة من العرب قد غالط وزعم أن قيام حزب إسلامي معناه المناداة للحكومة الدينية سالفة الذكر، فإن الباحثين من غير المسلمين يصرحون في جميع ما كتبوا أن الإسلام هو الذي ألغى الحكم الديني، وأعلن أن الحاكم يختاره الناس ويحاسبونه ويعزلونه، والإسلام هو الذي جاء بنظام الحكم المدني وأبطل انحرافات رجال الدين السابقين كتب ذلك "جوستاف لوبون" و"جورج زيدان" وغيرهما.
- ولكن البعض يطرح قضية دور الأمة في اختيار الحاكم هل هو حق لها طبقًا للشريعة الإسلامية أم لا؟
- لقد أوضحت في كتابي "الشريعة المفترى عليها" الصادر عن دار الوفاء بمصر أن الأمة في الإسلام هي التي تختار الحاكم وتحاسبه وتعزل، وقد روى البخاري أن النبي "صلى الله عليه وسلم" أمر الأنصار أن يختاروا نوابًا عنهم، فقال: "أخرجوا لي منكم اثنى عشر نقيبًا يكونون على قومهم بما فيهم".
- وقد روى الإمام أحمد في مسنده أنه في بداية حكم النبي "صلى الله عليه وسلم" للمدينة المنورة اختار المسلمون هيئة من أربعة عشر شخصًا نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار، وهؤلاء هم مجلس الشورى، وكان يسمى أهل الحل والعقد، والجدير بالذكر أن بيعة المسلمين للحاكم تأتي بعد اختياره اختيارًا حرًا، وقد عرَّف ابن خلدون البيعة بأنها العهد على الطاعة، وهي أن الحاكم نائب عن الأمة.
- يؤكد ذلك أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قد قال: "من بايع أحدًا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له وى للذي بايعه"، لهذا يقول الإمام الكاساني في كتابه (بدائع الصنائع): أن الحاكم وكيل عن الأمة ولهذا إذا مات أو خُلع لا ينعزل القضاة والأمراء الذين فوضهم لأنهم يعملون بولاية المسلمين وفي حقوقهم".
- ويقول الإمام "الباقلاني": الحاكم في جميع ما يتولاه وكيل عن الأمة ونائب عنها، وهي من ورائه ترشده وتخلعه وتستبدل به غيره متى اقترف ما يوجب ذلك.
- لما كان ذلك فإن حق الأمة أن تحدد للحكام مدة ولايته، وهي في كل هذا تلتزم بما كان عليه المسلمون في عهد النبي "صلى الله عليه وسلم" وفي عهد الخلفاء الراشدين، مع اختلاف جوهري هو أن اختيار النبي "صلى الله عليه وسلم" والبيعة له كانت بوحيٍ من الله تبارك وتعالى، فلا يملك المسلمون في ذلك شيء وبعد وفاة النبي "صلى الله عليه وسلم" لا يوجد من المسلمين من عيَّنه الله واختاره لهم حتى يصبح له هذه العصمة، لهذا رفض أبو بكر أن يُسمى خليفة الله، وقال: "لست خليفة لله ولكني خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولما كان هو الخليفة الأول فقد أطلقوا على عمر بن الخطاب خليفة خليفة رسول الله، لكنه اختار أن يُسمى أمير المؤمنين؛ حيث يصعب تسمية الحكام من بعده خليفة خليفة رسول الله حيث ستصبح ثلاثة ألقاب أو أربعة أو خمسة أو أكثر، والخلاصة أن السلطة في الإسلام ليس لها أي علاقة بنظام الحكومة الدينية أو السلطة الباباوية، التي كانت في أوروبا وانتهت بقيام الثورة الفرنسية.
- والحزب الإسلامي أو الجماعة الإسلامية حقيقة مدنية ليس لها أي قداسة أو عصمة، وهي كسائر الأحزاب المدنية تختار لنفسها النظام واللائحة والقانون الذي تلتزم به، ولأنها جماعة من المسلمين أو جزء من المسلمين فهم يختارون ما اختاره الله والقرآن الكريم والسنة النبوية.
أفكار مغلوطة
- الشهيد سيد قطب أحد أبرز مفكري الحركة الإسلامية قام البعض بتأويل بعض أفكاره ليحدث الشقاق بين الحركة من جانب والأنظمة والمجتمعات من جانب آخر، هل بالفعل بعض جماعات التكفير في عصرنا نشأت ووُلدت من فكره رحمه الله؟
- يجب أن يعلم الجميع أن "شكري مصطفى" الذي كان أولَ أميرٍ لجماعة التكفير، التي تسمَّت باسم جماعة المسلمين، كان طالبًا بكلية الزراعة ومن شباب جماعة التبليغ، ولا شأن له ولا لغيره ممن جاء من بعده بالشهيد سيد قطب، وإنما استخدموا بعض أقواله ليؤيدوا فكرهم الشاذ والخاطئ.
- ولقد شرحت جميع القضايا التي أثارت مفاهيم متباينة من أقوال الشهيد سيد قطب، وذلك في كتابي" أضواء على معالم في الطريق "الصادرة 1405هـ = 1985م عن دار البحوث بالكويت ودار الوفاء بمصر، وكتابي "سيد قطب بين العاطفة والموضوعية" الصادر عن دار الدعوة بالاسكندرية سنة 1406هـ = 1986م، وكتابي "فكر سيد قطب في ميزان الشرع" الصادر عن دار الوفاء بمصر سنة 1421 هـ 2000م، وقد أوردت التالي:
- أنكر العلامة بكر ابن عبد الله أبو زيد من كبار علماء السعودية ما نُسب إلى سيد قطب من الدكتور ربيع المدخلي في كتابه أضواء على عقيدة سيد قطب، ونشر العلامة ذلك في رسالة عام 1417 هـ = 1997 م ورد بها في (صفحة 7) أن سيد قطب قال في تفسير سورة البقرة في الظلال "ومن هنا تنتفي من التفكير الإسلامي الصحيح فكرة وحدة الوجود، وفي كتابه مقومات التصور الإسلامي الرد الشافي على القائلين بذلك.
- أوضح العلامة بكر أبو زيد أن الواجب الرجوع إلى جميع ما كتبه سيد قطب وإلى الطبعات الأخيرة؛ حيث اقشعر جلدي من قول المدخلي أن سيد قطب يُجيز لغير الله أن يشرع للناس، وهذا نقل خاطئ عن كتابه العدالة الاجتماعية، بينما كرس الشهيد سيد قطب قلمه وحياته للدعوة إلى توحيد الله في الحكم والتشريع والحاكمية.
- أوضحت أن ما كتبه سيد قطب في الظلال والمعالم عن المجتمع الجاهلي وأدخل فيه المجتمعات التي تدَّعي الإسلام بينما تدين لغير الله في الشرائع والقوانين والمناهج وتعلن العلمانية في الشرائع والقوانين والمناهج وفي الحياة كلها، وأوضحت أن من يعلن ذلك وكان مسلمًا يُتهم بالارتداد عن الإسلام، وهذا ما صرح به الشيخ ابن باز رئيس إدارة البحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية في كتاب صدر سنة 1402 هـ = 1982م تضمن نواقض الإيمان، وفيما يلي ما أوردته في كتابي أضواء على معالم في الطريق بإيجاز:
- ورد بالمعالم تحت بند "لا اله إلا الله منهج حياة" أن المجتمع الجاهلي هو المجتمع الذي لا يخلص عبوديته لله وحده، ثم ذكر أنه يدخل في ذلك:
- المجتمع الشيوعي، المجتمعات الوثنية ، المجتمعات اليهودية والنصرانية، تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة.
- ثم شرح سيد قطب هذه العبارات ليوضح المقصود منها، ولكن بعض من ادَّعوا محبته وكذا من يناصبون منهجه العداء لعلمانيتهم أو لتبعيتهم لآخرين، قد زعموا أنه يقول بكفر المسلمين في عصرنا، ومنهم من رتب على ذلك أحكامًا تتفاوت باختلاف قصده.
- ومنهم من زعم أن سيد قطب أعلن لهم أن النطق بالشهادتين لا يُعد دليلاً على إسلام المرء، فلا يعتبر مسلمًا من صلى وصام ولم ينخرط في الجماعة التي تتبنى الحاكمية وفق مفهوم المخالفين حسبما هو مفصل في كتاب الحكم وقضية تكفير المسلم، وكتاب ذكرياتي في جماعة المسلمين.
- ولقد رتب بعض العلمانيين على ذلك مزاعم نسبوها إليه وإلى غيره من الدعاة أفرادًا وجماعات حسبما ذكرناه من قبل، والأستاذ سيد قطب بريء من هذه النتائج، فقد أوضح في شرحه لهذه العبارات سبب الوصف بالجاهلية للمجتمعات التي تدعي الإسلام، وهو لا يطلق كلمة الجاهلية دون تحديد، فما كان منها متعلقًا بالعقيدة ركز عليه، وما كان منها متعلقًا بالتقليد أشار إليه.
- هل حدد صفات المجتمعات الجاهلية وماهيتها؟
- نعم وسأورد لك دليلين, الدليل الأول:
- قوله لقد حاول اليهود بمساعدة الحمير الذين يستخدمونهم من الصليبيين أن ينشروا موجةً من الإلحاد في نفوس الأمم التي تعلن الإسلام عقيدة لها ودينًا.
- ومع أن الإسلام كان قد بهت وذبل في النفوس فإن الموجة التي أطلقوها عن طريق أتاتورك في تركيا انحسرت على الرغم من كل ما بذلوه لها وللبطل! من التمجيد والمساعدة، وعلى كل ما ألفوه من الكتب عن البطل والتجربة الرائدة التي قام بها.. ومن ثم استداروا في التجارب الجديدة يستفيدون من تجربة أتاتورك ألا يرفعوا على التجارب الرائدة راية الإلحاد، إنما يرفعون عليها راية الإسلام كي لا تصطدم بالفطرة كما صدمتها تجربة أتاتورك، ثم يجعلون تحت هذه الراية ما يريدون من المستنقعات والقاذورات والانحلال الخلقي ومن أجهزة التدمير للخامات البشرية بجملتها في الرقعة الإسلامية.
- الدليل الثاني:
- قوله: فالشرك بالله المخالف لشهادة ألا إله إلا الله يتمثل في كل وضع في كل حالة لا تكون فيها الدينونة في كل شأن من شئون الحياة خالصة لله وحده، ويكفى أن يدين العبد لله في جوانب من حياته، وتقديم الشعائر ليس إلا صورة واحدة من صور الدينونة الكثيرة، والذين يظنون أنهم في دين الله لأنهم يقولون لأقوامهم نشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويدينون فعلاً في شئون الطهارة والشعائر والزواج والطلاق والميراث، بينما هم يدينون فيما وراء هذا الركن الضيق لغير الله، ويخضعون لشرائع لم يأذن بها الله، وكثرتها مما يخالف مخالفة صريحة شريعة الله، ثم هم يبذلون أرواحهم وأموالهم وأعراضهم وأخلاقهم أرادوا أم لم يريدوا ليتحقق ما تتطلبه الأحكام الجديدة.
المصدر
- حوار:' المستشار البهنساوي: الأمة تختار الحاكم وتحاسبه وتعزله موقع اخوان اون لاين