المرشد العام وحديث من القلب (18)

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
المرشد العام وحديث من القلب (18)
سلاحنا ضد اليأس


فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع

(27-03-2010)

بقلم: أ. د. محمد بديع- المرشد العام للإخوان المسلمين

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..

إخواني وأخواتي وأحبابي في الله.. هذا حديث جديد من القلب..

عاش القلب مع ذكر الله عزَّ وجلَّ، وبذلك أسأل الله تعالى أن يخرج من قلبي هذا الكلام ليصل إلى قلوبكم..

وقفتُ عند قول ربي سبحانه وتعالى في نداء سيدنا يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87)﴾ (الأنبياء) وقول الله عز وجل من بعده ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾ (الأنبياء)، ووقفت عند قوله سبحانه وتعالى ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)﴾ (الصافات).

هذه الآيات الثلاث تؤكد معاني أحسستُ بها في قلبي، وأحببت أن أنقلها إلى إخوتي وأحبابي وإخواني، إلى قلوبهم، وليس إلى أسماعهم، فقد قال العلماء: العلم علمان؛ علمٌ في القلب فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم.

كيف يكون العلم في القلب ووسائل جمع العلم من أعين وأسماع لا بد أن تصبَّ- كحواس- في العقل؟ لكنَّ العلم النافع ليس الذي في العقل، وإنما العلم النافع الذي يورِث الخشية، والذي ينزل إلى القلب بعد أن تجمعه الحواس، ويصل إلى العقل فيصل من العقل إلى القلب فيورث الخشية ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.. (28)﴾ (فاطر).

﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ لو وُضعت في كفة وفي الكفة الأخرى قول الله عز وجل ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)﴾ أتدرون لماذا هذا الميزان؟ إنه من أجل أن تكون هذه الكلمات بهذا الثقل.. ثقل أن تشعر أن هذه الكلمات لولا أنْ قالها سيدنا يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام للبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون.

إذن لا بد أن تخرج هذه الكلمات بهذا الوزن الثقيل.. وزن أنَّ "سبحان الله" تملأ ما بين السماء والأرض، ووزن أن "الحمد لله" تملأ ما بين السماء والأرض، ووزن أن "الحمد لله"؛ إذا أعطى الله عز وجل العبد الدنيا وما فيها ثم قال "الحمد لله" لكان ما قال أفضل مما أعطي.

إذًا ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ هذا وزنها وهذا ثقلها إن خرجت من القلب بهذا الثقل، وقد أنجت صاحبها من أن يلبث في بطن الحوت في ظلمات اليمِّ إلى يوم يبعثون.

ثانيًا: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ﴾ ما معنى ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ كيف؟! بمثل ما قال يونس عليه السلام وبمثل ما اعترف به يونس عليه السلام، فإنْ كان المؤمن يقولها بنفس المعنى وبنفس القلب وبنفس الروح ويقصد بها ما قاله يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ فسوف ينجيه الله عزَّ وجلَّ من كلِّ هذه الظلمات كما نجَّى يونس من بطن الحوت.

يقول رب العزة في الحديث القدسي:

"ما من عبد من عبادي يعتصم بي دون أحد من خلقي- فلا يطلب منك إلا هذه النية وهذا العمق القلبي يقول فيه رب العزة:- أعلم ذلك من نيته فقط، في مقابل "فتكيده السموات والأرض؛ إلا جعلت لهم من بين ذلك مخرجًا" لم يطلب منك إلا صدق النية والإخلاص في مواجهة كيد الدنيا ليس كيد الأرض ولا أهل الأرض، من إنس وجن، بل تكيده السموات والأرض، "إلا جعلت لهم من بين ذلك مخرجًا".

فانظروا كيف قالها يونس عليه السلام وكيف يجب أن نقولها ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ﴾ توحيد ﴿سُبْحَانَكَ﴾ تنزيه ﴿إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ اعتراف بالخطأ والتقصير، لم يدعُ سيدنا يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بأي دعاء، هل هذا طلب شيء غريب أنت في بطن الحوت وأنت في ظلمات البحر والمحيط، وأنت في هذا الخوف والرعب؛ لم تقل إلا هذه الجملة ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ﴾ إذًا هذا باب النجاة:

توحيد الله، ثم بعدها "سبحانك" تنزيهك أن يكون هناك نقصٌ أو فهمٌ لي بنقص أو تقدير أو ابتلاء ابتليتني به ولم أفهم حكمته.. لهذا سبحانك هذه أنزهك يا ربي عن النقص.. أنزهك يا ربي على أن أظنَّ بك شيئًا، ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ﴾ أعوذ بك أن أشرك بك شيئًا أعلمه، وأستغفرك لما لا أعلمه.. سبحانك لك من وراء كل ما يصيبني ويصيب أمتي حكمة لا بد أن أستفيد منها فأنطلق، لا تقيدني قيود، ولا تمنعني موانع، ما دام ربي القوي العزيز.

لهذا يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا لا يمنعنا أحدكم مهابة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو علمه"؛ لأن المشكلة عند كل البشر حتى المسلمين، بل كل المجاهدين، أنهم يخافون على أرواحهم وعلى أرزاقهم.. هؤلاء يطمئنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق: "لا يمنعنا أحدكم مهابة الناس أن يقول بحق إذا راءه أو علمه؛ فإنه لا يقدم من أجل، ولا ينقص من رزق أن يقول بحق أو يذكر به".

لذلك بعد أن قال سيدنا يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ﴾ أنزهك إني كنت قد تضايقت من قومي عندما لم أجد منهم استجابةً فلم أفهم الحكمة من هذا الابتلاء، فيئست منهم وتركتهم، وذهبت إلى الفلك المشحون، فساهمت فكنت من المدحضين..

هكذا جاء الدرس.. التقمه الحوت وهو مليم، وبدأ التسبيح ونزَّه ربَّه.. إني لم أفهم حكمتك، وبالتالي فأنا الآن أعترف بتوحيدك وتنزيهك وتقصيري وذنبي.. ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87)﴾.

وبنفس الأسلوب، وبنفس الطريق، وبنفس القلب، وبنفس المعاني؛ ينجي ربي سبحانه وتعالى المؤمنين إذا وقعوا في مثل ما وقع فيه أو حتى أقل.. إنما هذا مستوى أن تلجأ إلى ربك بهذه الكلمات، وانظروا إلى ما حدث بعد أن خرج من هذا الدرس منتفعًا به، نوى وعزم على أن لا ييأس مرةً أخرى من قومه، ذهب إلى قومه الذين كلَّفه الله عزَّ وجلَّ أن يذهب إليهم ليبلغهم الدعوة، ونوى أن يصبر فقط، وعدل النية، من يأس، من ضيق بما حدث له، من عدم استجابة قومه له، وهذه حكمة الله التي أرادها، أن يبتليه، اختبره رب العزة مرةً أخرى فذهب لتبليغ الدعوة، وعزم على تبليغ الدعوة، وعدم اليأس، أو أن يقنط أو أن يتضايق حتى ولو صدَّه قومه ولم يستجيبوا له؛ فكان النجاح والتوفيق فقط بمجرد النية.

هو هو نفس النبي والرسول صلوات الله عليه وعلى نبينا السلام، وأقوام مثل أقوام، وبنفس الدعوة ونفس المعاني التي كان يقولها ولم يجد لها استجابة ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)﴾.

قولوها من قلوبكم.. أسأل الله عز وجل أن يعينني أن أقولها من قلبي، وأن تقولوها من قلوبكم: ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾.

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته

المصدر