المبادئ وحدها لا تكفي!!
بقلم : إسلام عبد التواب
لماذا صدر حكم الجنائية الدولية باعتقال البشير؟
هل لأن البشير أكثر إجرامًا من مجرمي الصهاينة شارون وبيريز وأولمرت وبيجن وإليعازر وباراك وموشيه ديان؟!
هؤلاء السفاحون القتلة الذي قتلوا عشرات الآلاف من المسلمين، وشردوا مئات الآلاف، وهدَّموا الديار، وجرَّفوا الزراعات، وقتلوا المستقبل في القلوب، هل البشير أكثر إجرامًا منهم؟!!
هل لأن البشير أقسى قلبًا من الرئيس الأمريكي المجرم هاري ترومان الذي قتل مئات الآلاف من الأبرياء اليابانيين خلال ثوانٍ باقلنبلة الذرية، وشوه الملايين منهم على مدار عشرات السنين؟!!
أم أشد إجرامًا من بوش الأب الذي دمَّر العراق والكويت معًا؟!!
أم من بوش الابن الذي احتل العراق وأفغانستان، وقتل من أهلهما الآلاف، وأشعل فيهما الحروب الأهلية، ورمَّل النساء، ويتَّم الأطفال، وفعل كل محرَّم ومُجّرَّم؟!!
هل جاء هذا الحُكم لإقامة العدل كما يريد الأمريكان والصهاينة ومن تابعهم أن يخدعوا السُّذَّج وناقصي العقول؟!!
الحقيقة أن هذا الحُكم صدر لأن الذين يريدون إصداره يملكون القوة لتنفيذه، ويملكون القوة على إيهام البسطاء والعوام بأن هذا هو العدل المطلق.
إن الحقيقة التي يجب أن تستوعبها الشعوب الإسلامية هي أن من يملك القوة يملك بسط مبادئه ونشرها – صحيحة كانت أم خاطئة، سوية أم مشوَّهة.
لقد حكم الرومان العالم يومًا؛ وملكوا القوة لتنفيذ مبادئهم، وكانت تلك المبادئ تقوم على العنصرية والبغي والعدوان؛ فاحتلوا العالم، وجعلوه مزارع لهم، ومخازن لغلالهم؛ فيزرع الناس، ولا يذوقون خير أراضيهم، بل تُؤْخَذ جبرًا إلى روما، وفرضوا الضرائب على الشعوب المحتلة؛ حتى استنفدوا أموالها؛ وما كان ذلك باسم العدل، رغم أن باسم القانون، ولكنه كان استجابة لامتلاكهم القوة.
وكذلك فعل الفُرس؛ وكانت مبادؤهم عنصرية؛ فالأسرة المالكة يجري في عروقها دماء إلهية – ومن يصدِّق ذلك؟!! – ولكنهم امتلكوا القوة لتنفيذ مبادئهم، ووضعها موضع التنفيذ.
وعندما جاء الإسلام كان في البداية يمتلك المبادئ، وكانت مبادئه "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [النحل : 90].
"وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" [الأنعام : 152]..
"وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" [المائدة : 8]...
ثم امتلك الإسلام القوة في المدين بعد الهجرة؛ فما غير المسلمون مبادئهم، بل استغلوا القوة لوضع المبادئ موضع التنفيذ؛ فوجدنا الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يفي بعهوده لليهود، وهم الذين يخونون، ووجدنا الفاروق عمر رضي الله عنه يضع الجزية عن العجوز اليهودي لعدم قدرته على سدادها رغم ضآلتها، بل يفرض له من بيت مال المسلمين عطاءً إعانة له في شيخوخته، ووجدنا أهل إحدى مدن آسيا الوسطى وقد غزاهم جيش مسلم يرسلون شكوى إلىا لخليفة الأموي يشكون فيه قائد الجيش لأنه لم يمهلهم الأيام الثلاثة التي سنَّه الإسلام؛ فيرسل الخليفة لقائده أن يخرج من المدين بجيشه، ويمهلهم الأيام الثلاثة.
وجدنا أمثلة من العدل زاهية وبرَّاقة يشهد عليها التاريخ، ووجدنا أمثلة من الوفاء ينعدم لها النظير، وقد حدثت في أوج قوة المسلمين، وما ذاك إلا لأن المسلمين امتلكوا القوة لتنفيذ مبادئهم، وصدق ذو النورين عثمان بن عفَّان رضي الله عنه في قوله: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
إن قرار اعتقال البشير يعطينا الدرس المهم والخطير: إن المبادئ وحدها لا تكفي ليعُمَّ العالمَ العدلُ والوفاءُ والأخلاقُ، بل لابد من القوة فالعالم لا يسوده إلا الأقوياء؛ فإن كانوا على مبادئ حسنة، وخلق صالح انتشر العدل، وإن كانت القوة بأيدي الطغاة الظالمين؛ فسيرتدي الظلم رداء العدل، والخيانة ثوب الوفاء.
لذا فإن واجبنا – نحن المسلمين – أن نعمل على امتلاك القوة لتكون أداة لنشر مبادئ الإسلام وعدله ورحمته.
المصدر
- مقال:المبادئ وحدها لا تكفي!!موقع:الشبكة الدعوية